البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: الإقصاء مناخ سياسي وفكري يعيق الديمقراطية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1635



المتأمل في التاريخ السياسي الحديث في تونس (ويمكن دومًا التعميم عربيًّا)، يرى أن العمل السياسي تقدم دومًا عبر آلية الاستيلاء السياسي على الأفكار وتملُّكها واتخاذها قاعدة لإقصاء المختلفين.

فعبر تاريخ دولة الاستقلال، كانت هناك عمليات متتابعة من الاستيلاء التجاري على أصول الأفكار المؤسسة، أعني الاستحواذ السياسي واحتكار التكلم باسمها، ومن ثمة إقصاء كل من لا يتبع المستولي.

هذه العملية الاستحواذية تكشف من ناحية وجود مشتركات سياسية، ولكنها تكشف أيضًا أن المشتركات لم ترتقِ إلى عنصر موحد جامع، تبنى عليه الديمقراطية، وذلك لقصور نظر سياسي عند النخب المتصدرة للشأن العام، يعود بالأساس لطبيعة تكوينها غير الديمقراطي، ولكسلها الفكري، وقد أخّر هذا الأمر بناء الديمقراطية وأجّل التمتع ببنائها والبناء عليها.

الزعيم الاستحواذي
استولى الزعيم على فكرة الاستقلال وقيادة حرب التحرير، ثم استولى على البناء، واستعمل كل هذه الرمزيات في ترسيخ مكانته في السلطة وأقصى كل معارضيه، حتى صار هو الدولة، فغابت كل الأسماء وانعدم التاريخ إلا تاريخ الزعيم.

وظل العالم لا يعرف مِن تونس إلا وجه الزعيم، وابتسامته المنتصرة. لم تكن هناك دولة كان هناك الزعيم وحده، حتى ظنّ عوام الناس في الداخل أن المطر ينزل بأذنه. وسيمر ربع قرن كامل على هذا الحال، حتى يبدأ هؤلاء العوام ينتجون نصًّا ساخرًا من وهم الزعيم.

منعَ ذلك تبلور أفكار المشاركة في إدارة الشأن العام، وحصر القرار بيد فرد، ما منع بناء الديمقراطية.

خيبة نخبة الاستقلال التي أقصاها الزعيم وطمسَ تاريخها، ستفسح الطريق لميلاد نخب أخرى خارج سردية الزعيم، لكن الإيمان بدور زعيم وحيد سيستمر على شكل معتقد جذري في بقية مكونات المشهد السياسي، وهي رؤية مشوَّهة للعالم ملخصها لا يمكن إنجاز شيء من دون زعيم فذ.

وحتى اللحظة تعيش الكتل السياسية من الداخل وضعًا مشابهًا لحزب الدستور (البورقيبي).

اليسار هو الحداثي الوحيد
لاحقًا، وعند اكتشاف الشبيبة المتعلمة الأفكار الثورية والتقدمية، حين كانت موضة عالمية تتوسع بنجمة تشي جيفارا، استولى اليسار على فكرة العدالة الاجتماعية من السلطة ومن المعارضين الجدد، وكانوا قلة ليبرالية ذات منشأ أرستقراطي، وطُرد منها كل من ليس يساريًّا أمميًّا، حتى القوميين القائلين بالاشتراكية العربية، وكانت موضة شرقية تبحث عن مواءمة مستحيلة بين العرب والماركسية.

وعندما سيخفت اهتمامه بالمسألة الاجتماعية، نتيجة مواجهة فاشلة مع الزعيم الأوحد ونظامه، سيولي وجهته إلى الحرب الثقافية، وسيستولي على فكرة الحداثة بصفتها قلب العمل الثقافي الثوري، ويحتكر تمثيلها ويقضي على كل من ليس حداثيًّا على طريقته.

كانت لديه صيغة واحدة للحداثة، وكل ما عداها باطل أو تحريفي أو فكر يميني رجعي. تحول الأمر إلى ما سميناه في كتابة سابقة بإكليريوس الحداثة، وهناك بوابات دخول ضمن الطائفة الحداثية، أولها أن يعدم المرء من فكره كل احتمال لوجود حداثة مغايرة.

والساحة الثقافية التونسية تعيش حتى اللحظة حالة من التكفير الحداثي، يصل تطرفها إلى قطع أرزاق من لم يؤمن مع اليسار بحداثته الخاصة، ويكفي أن نتأمل منطقة نفوذ/ تحرك اليسار الحداثي حول وزارة الثقافة، لنرى المستفيدين ونحسب الضحايا.

الإسلاميون يستولون على الإسلام
عندما ظهر الإسلاميون، استولوا على الإسلام وتكلموا كما لو أنهم المؤمنون الوحيدون، ووضعوا خلف الخطاب التربوي والوعظ قائمةً بأفكار كافرة، وعملوا على أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اختصاصًا أو منطقة نفوذ.

وعندما اكتشفوا أن الدين سابق عليهم، وأن هناك مؤمنين آخرين، بدؤوا في تعديل الخطاب، فاكتشفوا الخطاب الاجتماعي وفكرة الحداثة والديمقراطية السياسية، وعملوا على أخذ قسطهم من كل ذلك.

وهنا اختلطت مسائل كثيرة. فقد حارب النظام واليسار احتكار الإسلاميين للإسلام، وصار هناك تكفير للتكفير، وعندما عدلوا موقفهم من النقابات وأداورها افي محاولة للاستحواذ على حديث العدالة الاجتماعية، دخلوا منطقة نفوذ اليسار فطردهم منها، فصاروا على جبهتين يدفعون عنهم غائلة السلطة محتكرة الدين، وغائلة اليسار محتكر العمل النقابي/ الاجتماعي

فلما تبلور حديث الديمقراطية، خففوا حديث الوعظ وتقدموا للمشاركة، ففتحت عليهم الجبهة الثالثة: هم أعداء الديمقراطية، وحوكموا على النوايا لا على الأفعال، التي كانت متطابقة مع بقية أفعال الديمقراطيين، مثل طلب العمل الحزبي القانوني وإصدار الصحافة والمشاركة في الفعاليات المدنية.

وعندما تبلور خطاب الحداثة، خاصة في مفتتح القرن الـ 21، وُضعوا خارجه باعتبارهم يمينًا دينيًّا معاديًا للتقدم، وكانوا في كل هذه المراحل يتنقلون بين سجون النظام ويواجهون آلته الدعائية التي استولي عليها اليسار وتيار الحداثة عامة، ومنعهم من التعبير عن ذواتهم.

لقد كرست فكرة نهائية إن الإسلامي معادٍ لمدنية الدولة، مهما فعل من أفعال مدنية بما فيها تغيير سحنته واسمه. ورسخت الآلة الدعائية المسيسة أفكارًا وحوّلتها إلى مسلّمات غير قابلة للمراجعة. فلا يمكن أن يكون الفرد الإسلامي حداثيًّا أو ديمقراطيًّا، ولا يمكن أن يصطف مع الفقراء ويدافع عنهم.

مناخ إقصائي لا يراجع نفسه
تولد الديمقراطية التونسية في هذا المناخ الإقصائي، لذلك تتعرض إلى عوائق من داخلها قبل العوائق المعادية لها من الخارج.

ومن وسائل الترسيخ الطرق المتواصل على المسلّمات/ المغالطات، وعدم السماح بقلب السؤال: هل كان الزعيم الأوحد زعيمًا فعلًا؟ هل الحداثي التونسي حداثي فعلًا وتنويري فعلًا؟ وهل الديمقراطي التونسي ديمقراطي فعلًا؟ وهل الإسلامي التونسي هو المؤمن الوحيد؟

لقد كان يجب مرور وقت طويل نسبيًّا ليُطعن في شرعية الزعيم النضالية، ويعاد توزيع الحقوق التاريخية على أصحابها الذين حملوا الكثير من وزر معركة التحرير، وكان هذا نتيجة لضغط مستمر على مراجعة مسلّمة الزعيم.

ونعاين أن الضغوط السياسية، وبعضها بوسائل أمنية، قد جعلت الإسلاميين يعدّلون دومًا من مواقفهم وأفكارهم، ونرى أن بقاء اليسار وتيار الحداثة عمومًا خارج كل الضغوطات التي يسلطها هو على غيره، تركه حتى الآن في منطقة مريحة، وهذا الاستراحة الفكرية ستؤدي إلى انحساره إذ تؤجّل كل مراجعة نقدية.

ونظن أن وقتًا آخر سينفق قبل دحض بقية المسلّمات الرائجة عن حداثة الحداثي، وعن عروبة العروبي، وعن إيمان النخبة السياسية عامة بالديمقراطية. حينها سندخل الديمقراطية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، بقايا فرنسا، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 4-06-2021   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
تونسي، عراق المطيري، فتحـي قاره بيبـان، محمود طرشوبي، حسن الطرابلسي، منجي باكير، نادية سعد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الهادي المثلوثي، محمود فاروق سيد شعبان، يزيد بن الحسين، د- جابر قميحة، أحمد الحباسي، د. طارق عبد الحليم، سيد السباعي، د.محمد فتحي عبد العال، أشرف إبراهيم حجاج، د - محمد بنيعيش، سامح لطف الله، د - المنجي الكعبي، محمود سلطان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد يحي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، الهيثم زعفان، يحيي البوليني، د - محمد بن موسى الشريف ، عزيز العرباوي، أحمد النعيمي، عمر غازي، بيلسان قيصر، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- هاني ابوالفتوح، سفيان عبد الكافي، عبد الله زيدان، رمضان حينوني، صفاء العراقي، وائل بنجدو، محمد أحمد عزوز، صباح الموسوي ، محمد الياسين، د - شاكر الحوكي ، فتحي العابد، عبد العزيز كحيل، فوزي مسعود ، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د. مصطفى رجب، عبد الغني مزوز، أحمد بوادي، عواطف منصور، حاتم الصولي، جاسم الرصيف، فتحي الزغل، العادل السمعلي، د - مصطفى فهمي، سلام الشماع، سعود السبعاني، محمد اسعد بيوض التميمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، ياسين أحمد، ماهر عدنان قنديل، محمد عمر غرس الله، كريم السليتي، مجدى داود، مصطفي زهران، محمد علي العقربي، عبد الرزاق قيراط ، إسراء أبو رمان، د. عبد الآله المالكي، محمد الطرابلسي، صلاح المختار، عبد الله الفقير، مراد قميزة، صالح النعامي ، رشيد السيد أحمد، محرر "بوابتي"، د - عادل رضا، د. أحمد بشير، المولدي اليوسفي، صفاء العربي، د. صلاح عودة الله ، إيمى الأشقر، محمد شمام ، أحمد ملحم، الناصر الرقيق، عمار غيلوفي، د. أحمد محمد سليمان، سلوى المغربي، فهمي شراب، د - صالح المازقي، د- محمود علي عريقات، سليمان أحمد أبو ستة، رافع القارصي، إياد محمود حسين ، رضا الدبّابي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - الضاوي خوالدية، صلاح الحريري، كريم فارق، ضحى عبد الرحمن، حسن عثمان، طلال قسومي، مصطفى منيغ، طارق خفاجي، د- محمد رحال، أبو سمية، د. مصطفى يوسف اللداوي، المولدي الفرجاني، حميدة الطيلوش، علي الكاش، علي عبد العال، أنس الشابي، محمد العيادي، رافد العزاوي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سامر أبو رمان ، د. خالد الطراولي ، خالد الجاف ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة