فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2700
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الوعي الموجه
لا يصح أن يكون الوعي وعيا بقضية فلسطين من دون الوعي بخطورة الإرتباطات اللامادية بفرنسا من لغة وثقافة وتعلق ذهني وتكوّن تبع لها بتونس يتحكمون في مجمل أدوات تشكيل الأذهان (تعليم، إعلام، ثقافة) غير ناظرين إليهم كمشكل، لأن محركات الوعي في الحالة الأولى لابد أن تقود بداهة لفهم خطورة فرنسا.
لكن واقعا، يحدث أن أغلب المتضامنين مع فلسطين في تونس، لا يأبهون لخطر فرنسا، والارتباطات اللامادية ثم المادية معها وضرورة تفكيكها، أين المشكل إذن؟
تفسير ذلك، أن الوعي بفلسطين هو من نوع ما أسميه الوعي الموجه، أي الوعي غير المنتج ذاتيا الذي يفترض أن يمر بمراحل التجارب الذاتية ثم التأمل فيها ثم التساؤل ثم إستخلاص الأفكار، بل هو إستهلاك لخلاصات فكرية أنتجها غيرك حول قضايا معينة.
الوعي الموجه ظاهره مقبول لأنه محتوى جيد في إطار / سياق جيد، مثل الفزع لنصرة فلسطين، لكنه حقيقه خطر، لأنه أولا نوع من الإمعية أي التبعية الفكرية للغير، والتبعية في أصلها تتعارض مع الوعي، و لايكون واعيا حرا من يتبع غيره
ثانيا لأن الفكرة المنتجه من طرف الغير، أنت لا تملك لا محتواها ولا لك القدرة على التحكم في زمن إظهارها ولا مدة بقائها، أي أن من صدّر لك الفكرة وحده من يمكنه أن يقرر مصير وعيك الموجه، أي أنك تستهلك فكرة متحكم في محتواها وعمرها، وهذا ينطبق كثيرا على الوعي الذي تنتجه وسائل الإعلام، فترى الناس يتحمسون لما يتحمس له الإعلام ويفترون حينما يفتر الإعلام، أو الوعي الذي تنتجه النقابات والجمعيات والأحزاب، فيصبح الزعيم أو الشيخ هو المنتج لمضامين الوعي الموجه.
خلاصة ما أريد قوله، حري بنا أن نتحدث عن فرنسا أكثر مما نتحدث عن فلسطين لو كنا واعين حقا بماهية قضية فلسطين.
أيهما أخطر على تونس: فرنسا أم "إسرائيل"
بداية يجب الإستدراك وقطع الطريق على من قد يؤول كلامي، الصهيونية خطر لا جدال فيه وقد أشبع تناولا وتقليبا، لكنني أريد تسليط الضوء على فرع آخر من الخطورة التي تحيق بتونس، يقع نسيانه ومتعلق بخطر فرنسا علينا، لأن الوعي لدى الغالبية بموضوع فلسطين من نوع الوعي الموجه الذي لا يملك الكثيرون محتواه من حيث أنه أساسا وعي لم ينتجوه، فيبقى وعيا منقوصا متحكما فيه.
إذن زاوية النظر التي ألج منها، لا تقلل من خطر الصهاينة، ولكن:
"إسرائيل" مجرد كيان مصطنع قدّ في ظرف زمني مسروق من مسار الشعوب وميزان قوى معين، والأمر متروك لتنامي الوعي وتلاشي جيل الانكسار الذي ضيع فلسطين، لكي يزول وسوف تزول "إسرائيل" وهي مسألة وقت.
ّ
ثانيا: لو أعتمدنا مقاييس منهجية لقياس خطورة كيان ما أي لو أخذنا حالة تونس نسبة لفرنسا من جهة و "إسرائيل" من جهة ثانية، يمكن إجمالها في نوع الخطر نسبة لسلم التحقق المادي ثم نوع الخطر نسبة للمجالات التي يستهدفها
سنجد أولا: "إسرائيل" تمثل لنا خطرا كامنا أي متوقعا أي محتملا ولم يدخل مجال الوجود، بينما فرنسا خطر حصل وحاصل و سيحصل، أي أن خطر فرنسا على تونس يغطي كل المجال الزمني المتعلق بالوقوع، ففرنسا أخطر بأشواط من إسرائيل على سلم درجة التحقق المادي.
ثانيا الخطر في مجالات تغطيته، ف "إسرائيل" على فرضية أنها أحتلتنا مثلا بل وحتى حينما أحتلت / نشأت بفلسطين، فخطرها مادي بحت، أي خطر يغطي مجال المادة من إفتكاك أراضي وتهجير.
بينما فرنسا حينما أحتلتنا ولازالت تتحكم فينا، فإنها أنتهكت المجال المادي حينما قتلتنا وسرقت ثرواتنا ولازالت، لكن فرنسا مست إضافة لذلك مجالات غير مادية لدينا حينما أغتصبت نساءنا، ثم إن الاخطر هو أن فرنسا تعادي ديننا وتحارب لغتنا واستبعدتها من مجالات الفعل ليومنا هذا بتونس من خلال بقاياها المتحكمين بمجمل مفاصل أدوات تشكيل الأذهان (تعليم، ثقافة، إعلام)، و فرنسا تقزم ذاكرتنا ورموزنا وحضارتنا، وفرنسا أنشأت لها بيننا موالين يحملون رايتها وهو ما لم تفعله "إسرائيل"، وهذه كلها مجالات تستهدف الربط اللامادي وتقوم فرنسا من خلالها بإقتلاع التونسيين وإلحاقهم ذهنيا بها، وهي مجالات لا تقوم به "إسرائيل"
إذن فاستنادا لهذين المقياسين، فإننا إن كنا نعادي "إسرائيل" ويجب أن نعاديها، فإن علينا أن نعادي أكثر فرنسا، وإننا إن كنا نناهض "إسرائيل" ونعقد التجمهرات للتنديد بها والتذكير بخطرها، فإنه أوجب علينا أن نسير التظاهرات للتنديد بفرنسا والمطالبة بوضع حد لارتباطاتنا اللامادية اولا ثم المادية معها من خلال مجموعة خطوات من مثل: الخروج من منظمة الفركفونية التي تمثل أداة التابعية لفرنسا، منع تدريس البرامج الفرنسية بالمدارس الخاصة التونسية، منع إستعمال اللغة الفرنسية بالمعلقات الإشهاربة بالمجال العام، منع تدريس الفرنسية كلغة ثانية
وأنا إن كنا نعمل على إستصدار قانون يمنع التطبيع مع "إسرائيل" فإنه أوجب علينا العمل على إستصدار قانون يجرم التابعية لفرنسا، وأنه إن كنا نسفه المطبعين مع "إسرئيل"، فإنه أوجب علينا تسفيه من يطبع مع فرنسا ويعمل على إدامة تبعيتنا اللامادية والمادية معها
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: