بتول أحمد - فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1601
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لقد جاء معنى التأويل في رأي كثير من العلماء بأنه التفسير وجاء معناه في رأي آخرين بأنه الرجوع إلى شيء ما، نسبة لقول "آل الشيء إلى كذا" أي رجع الشيء إلى كذا، فكأن شيئاً يرجع إلى شيء. ولكن استخدام كلمة التأويل في القرآن يختلف اختلافاً كبيراً عن هذين المعنيين. ومن أجل تبيان معنى كلمة التأويل كما ورد استخدامه في القرآن كان لابد من حصر الآيات التي وردت فيها كلمة التأويل أولاً ثم استنباط معناها المستخدم في الآيات ثانياً. ومن ثم يجب التأكد من أن معنى التأويل الذي استنبط يتماشى ومعنى الآية 7 آل عمران{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ "مُّحْكَمَاتٌ" هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ "مُتَشَابِهَاتٌ" فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا َذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}. وذلك لاختلاف العلماء في معنى التأويل فيها الذي أدى بدوره للاختلاف في معنى الآية. فاستخدام كلمة التأويل بمعنى التفسير في الجملة: (ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاالله) التي وردت في الآية 7 آل عمران قد أدى إلى تساؤلات كثيرة في معاني بعض الآيات كالحروف المقطعة في بداية السور. عليه يقتضي الأمر توضيح معنى الجملة توضيحاً كاملاً بعد الوصول لمعنى كلمة التأويل كما ورد استخدامها في القرآن.
1- معنى كلمة التأويل من الآيات
لقد وردت كلمة التأويل في الآية:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} (53) الأعراف. وقد جاء معناها في التفسير الميسر كالآتي:(هل ينتظر الكفار إلا ما وُعِدوا به في القرآن من العقاب الذي يؤول إليه أمرهم؟ يوم يأتي ما يئول إليه الأمر من الحساب والثواب والعقاب يوم القيامة يقول الكفار الذين تركوا القرآن, وكفروا به في الحياة الدنيا: قد تبيَّن لنا الآن أنَّ رسل ربنا قد جاؤوا بالحق...) إذاً جاء معنى التأويل في هذه الآية بمعنى عاقبة الأمر أي ما سيؤول إليه الأمر بعد فترة سواء أن كانت تلك الفترة قصيرة أم طويلة.
ثانياً الآية:{بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}(39) يونس والتي جاء في معناها: (وقوله: "ولما يأتهم تأويله" أي ولما يأتهم حقيقة عاقبة التكذيب من نزول العذاب بهم.). ومعنى التأويل في هذه الآية هو عاقبة الأمور أيضاً أو ما ستؤول له الأمور بعد فترة قصيرة أم طويلة.
ثالثاً وردت كلمة التأويل في الآيتين:{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}{قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }(36- 37) يوسف اللتان أوضحتا أن تعبير الرؤى لم يكن تفسيراً وإنما هو التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور مبني على تفسير الأحداث التي يراها المرء في منامه. والتفسير هو توضيح المعاني أي تفصيلها فقط. فإذا أخذنا عصر الخمر في الاعتبار نجده لا يحتاج لتفسير لأن معناه واضح. وكذلك أكل الخبز ليس له معنىً آخر. فقول سيدنا يوسف أنه سيعبر لهما الرؤية بعد أن يأتيهما طعامهما وقوله: ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي يؤكد أن التأويل يختلف عن التفسير .
أما الحوار الذي دار بين سيدنا موسى وبين سيدنا الخضر جدير بأن يوضح معنى التأويل في القرآن. فقد فعل سيدنا الخضر أمرين لم يعجبا سيدنا موسى مما جعله يلوم سيدنا الخضر عليهما. والأمران هما: خرق السفينة التي ركبا فيها كما أوضحته الآية:{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} 71 الكهف فأوضح سيدنا الخضر السبب لسيدنا موسى إنه خرقها ليحفظها لأصحابها لأنها مصدر رزقهم وقد كان الملك ياخذ كل سفينة غصباً كما أوضحته الآية التالية:{أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} 79 الكهف. والثاني عندما قتل سيدنا الخضر الصبي واحتج سيدنا موسى على ذلك بناءً على ما ورد في الآية:{فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً}74 الكهف. وقد كان رد سيدنا الخضر بالآتي:{وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً}{فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} 80-81 الكهف.
وقد جاء أيضاً أن سيدنا الخضر قد أصلح جداراً لأهل قرية بالرغم من أنهم رفضوا أن يضيفوه هو وسيدنا موسى فاستنكر ذلك سيدنا موسى لما ورد:{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}77 الكهف فكان رد سيدنا الخضر عليه كالآتي:{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً}82 الكهف
فإذا تمعنا في الحوار الذي دار بين سيدنا موسى وسيدنت الخضر نجد أن التأويل الذي لم يستطع عليه سيدنا موسى صبراً في خرق السفينة هو عاقبة أمرها أي ما سيؤول إليه الأمر بعد خرقها وهو الخير كل الخير لحفظها من الملك. في حين أن أصحابها لم ولن يروا في خرقها إلا الشر. وإذا نظرنا كذلك لقتل الغلام نجد أن تأويل قتله الذي لم يستطع عليه سيدنا موسى صبراً هو الخير كل الخير بحماية والدي الغلام من الارهاق وأن يبدلهما ربهما خيراً منه. أما قصة الجدار فعلى العكس حيث أن أهل القرية سيفرحون بإقامة الجدار في حين أن تأويل إقامته هو شر لهم لأنه سيحجب عنهم كنزاً.
إذاً هذا الحوار يجسد معنى الآية:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} 216 البقرة. التي أوضحت أن كل ما في ظاهره شر ربما يكون تأويله أي عاقبة أمره أي ما سيؤول إليه الحال خيراً. وإن كل ما في ظاهره خير ربما يكون في عاقبته أي ما سيؤول إليه الحال شراً. والله وحده الذي يعلم تأويل الأشياء أي عواقب أمرها لأنه وحده الذي يعلم الغيب. وخير دليل على أن معنى التأويل هو: "مآل الأحوال وعاقبة أمرها بعد حدوث أمر محدد" هو قصة أبينا آدم وأمنا حواء اللذين أسكنهما الله الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. من النعم ومنحمها الله الحق في الأكل من كل شيء إلا شجرة واحده. فوسوس لهما الشيطان وزين لهما حب الأكل من الشجرة كما زين لهما تأويل حالهما بعد الأكل من الشجرة كذباً وباطلاً أي خدعهما بأن عاقبة أمرهم بعد الأكل من الشجرة الممنوعة هي أنهما سيخلدان أو يصيران ملكين. ولم يكن يعلم تأويل حالهما بعد الأكل من الشجرة إلا الله لأنه أمر غيبي. فكان تأويل حالهما الحقيقي هو ابداء سوءاتهما لهما واخراجهما من الجنة.
2- معنى التأويل في الآية 7 آل عمران
لقد اختلف العلماء في معنى الآية:{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ "مُّحْكَمَاتٌ" هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ "مُتَشَابِهَاتٌ" فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا َذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} 7 آل عمران نتيجة اختلافهم في معنى المتشابهات ومعنى الفتنة والتأويل. فإذا علمنا أن الآيات المتشابهات هي التي أنزلت للنهي عن فتنة الخير تدريجياً لادمان الناس لها وعدم مقدرتهم على الانتهاء منها من أول مرة، نصل إلى أنها التي أنزلت في أحكام الحلال والحرام اللاتي اشتبه المسلمين في حكمها هل حكم العمل بها هو الحلال أم الحرام. أي إن حكمها لم يكن
حلالاً بيِّناً باللفظ الواضح (أُحِلَّ لكم) ولم يكن بالحرام الواضح (حُرَّم عليكم أو لا يحل لكم ). وبعد توضيح الحكم النهائي الذي هو النهي بالعمل بحكم الآيات المتشابهات يتدخل إبليس ويفتن الناس أي يوقعهم في الفتن ليعملوا بحكم المتشابهات. وذلك عن طريق اقناعهم بأن المتشابهات ليس بها نهي واضح فهي غير ممنوعة. فهو لم يحبب لهم حب الزينة فقط بل يزين لهم عاقبة أخذها كذباً. فالذين في قلوبهم ضلال يتبعون ما تشابه من الأحكام ابتغاء الزينة الممنوعة وابتغاء تأويل الشيطان لهم وهو تأويل كاذب وباطل لأن التأويل الحقيقي لا يعلمه إلا الله. ولنا في قصة أبوينا عظة وعبرة عندما اتبعا إغواء الشيطان فابتغيا الزينة الممنوعة وابتغياء تأويله الكاذب.
أخيراً توصلنا إلى أن معنى التأويل في القرآن لم يكن التفسير وتوضيح المعاني. كما لم يكن معنى التأويل هو مآل الشيء أي الرجوع به لأصله وإنما معناه هو عواقب الأمور وما سيؤول إليه الحال بعد خدوث أمر معين.
اللهم لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: