أ.د . علي عثمان منصور شحاته - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1578
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
هذه العبارة ذكرها الإمام المناوي في فيض القدير؛ حيث قال عن الكبر: إنه ظن الإنسان بنفسه أنه أكبر من غيره، والتكبر إظهار ذلك، وهذه صفة لا يستحقها إلا الله وحده، فمن ادعاها من المخلوقين فهو كاذب. وفي الأثر: الكبر على المتكبر صدقة؛ لأن المتكبر إذا تواضعت له تمادى في تيهه، وإذا تكبر عليه يمكن أن ينبه. ومن ثم قال الزهري: التجبر على أبناء الدنيا أوثق عرى الإسلام" انظر: فيض القدير (4/ 277) بتصرف يسير.
وقد تذكرت ذلك حين قرأت قول الله تعالى، في حكاية لعن إبليس وطرده من رحمة الله "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" الأعراف: 12.
حيث ظن إبليس - تكبرا- أنه خير من آدم، لأنه مخلوق من نار، وآدم من الطين، والنار في نظره أفضل من الطين، ولم ينظر إلى الأمر الصادر ممن خلق الجميع، فاستكبر وكان من العالين؛ فعامله الله بخلاف مقصوده، وذكر هنا كلمة لم تذكر إلا مرة واحدة في هذا السياق، في قوله تعالى: "قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ" الأعراف: 13.
فهو امتنع تكبرا وعلوا، فجعله الله من (الصاغرين) المطرودين من رحمته. إن الخالق يُطاع، وما على المخلوق إلا أن يُطِيع خالقه، وألا ينازعه فيما أمر، لذلك ورد في الحديث: قول اللهُ عزَّ وجلَّ: "الكِبْرِياءُ رِدائي، والعِزَّةُ إزارِي، فمَن نازَعَني واحِدًا مِنهما أُلْقِه في النّارِ "أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد واللفظ له.
فكلما عرف الإنسان ربه وعرف نفسه، كلما دفعه ذلك إلى التواضع وخفض الجناح للناس، ومن هنا كانت من أهم وصايا لقمان لابنه وهو يعظه" وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا" لقمان: 37، 38. ومن هنا قال الإمام الشافعي: "التواضع من أخلاق الكرام والتكبر من أخلاق اللئام وأرفع الناس قدرا من لا يرى قدره وأكبرهم فضلا من لا يرى فضله" فيض القدير (1/ 155).
وفي الحديث: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ، قالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ : إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النّاسِ".
أخرجه مسلم
فلا شك أن نظافة الثياب وحسن المنظر، مع سلامة القلب، ليس هو المقصود بالنهي، فالكبر يكون أساسا في القلب؛ وقد يوجد في القلب رغم سوء المظهر؛ لذلك قيل: "علامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس، ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون، وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء حتى في خلوته، وحتى في ستور داره فليس ذلك من الكبر" فيض القدير (2/ 225) بتصرف يسير.
ومع ذلك اقول: إن التكبر على المتكبرين ينبغي أن يكون بغرض الإصلاح، وتنبيههم إلى سوء ما يفعلون، مع متابعة القلب لئلا ينزلق الناصح إلى ما وقع فيه المنصوح، فالكبر يتسرب إلى القلب من طرف خفي.
والله تعالى أعلم.
نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق
-------------
أ.د . علي عثمان منصور شحاته
جمهورية مصر العربية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: