حزن مهيمن في سماء تونس. لم نحتفل بالثورة في تونس. لقد ألزمنا الوباء بيتونا فانكفئنا على أنفسنا إلا بعض مغامرين طاب لهم مناكفة الحجر الصحي. صار نجاحنا في التصدي للموجة الأولى ربيع 2020 حلما بعيدا. ونعيش في تونس بجملة مرة في حلوقنا هل صار نجاحنا دوما خلفنا. ونتهم الحكومات وزاد الرئيس المنتخب بنسبة عالية في مرارة حلوقنا. وجب أيضا أن نتهم التسيب الشعبي وعدم تصديق خطورة الوباء رغم أننا تجاوزنا ست مائة حالة وفاة (وكم بودي أن أقول شهداء). المرارة زادت في اليوم الذي لم نستطع فيه ممارسنا هوايتنا الثورية برفع الأعلام في الشارع الكبير. ما جدوى البحث عن الأسباب في بلد لا يتعظ من أخطائه. نحتاج ترويض العبارة كي لا تمر مرارة الجمل إلى قارئ غير معني بفرحنا الصغير في بلدنا الصغير.
خجلون من رئيسنا
في ذكرى الثورة حيث لا عيد ولا زغاريد نخجل من رئيسنا. فحتى الشهرين الأولين من انتخابه عشنا بأمل أننا أنقذنا به أنفسنا من منافسه اللص الصغير. لم نتصالح مع منافسه وهو في عيني وفي أعين الكثيرين لص أبدي لكن أملنا في الرئيس تلاشى كأن لم يكن ونحن نعيش عارنا خاصة أمام الفلسطيني الذي هنأنا بحرارة على تلك الجملة الثورية (التطبيع خيانة عظمى).
كانت جملة من قلب الثورة التي رفعت شعار الشعب يريد تحرير فلسطين فإذا الجملة خطاب انتخابي سفيه وإذا الرئيس يقبل كتف من احتل بلده ونهب ثرواته وعمل على إجهاض ثورته ولا يزال يخرب اقتصاده. لم نجد الثوري وجدنا الإنقلابي الذي يتضايق من أحكام الدستور ويعمل جاهدا على تجاوزه بالاستيلاء على صلاحياته لم تخول له. (نقطة مضيئة في العتمة، قيمة دستورنا تزداد في أعيننا لقد احتاط المؤسسون لمثل هذه الحالة).
كانت الحكومة تعبث بالوضع الصحي (وتغرق في شبر ماء) وكان بإمكان الرئيس أن يتدخل بما له من صلاحيات دبلوماسية للاستباق والمشاركة في إنتاج اللقاح ليتسنى توفيره في أوقات مناسبة لكن الرئيس انشغل بتوسيع كرسيه ولم يتدخل إلا بعد فوات الأوان فإذا به يستلف اللقاح من الجزائر التي تصدقت شفقة على جار بائس. والله وحده يعلم إن كان المستقطع من حق الجزائريين سيكفي التونسيين.
لقد انتهى الرئيس في عامه الأول ونحن نعيش بشكل الرئيس لا بدوره. ولنا الله في حزن الثورة وفي أحزان كورونا.
خجلون من نخبتنا أيضا
عشر سنوات من النقار الأيديولوجي أسقطت كل الحكومات حتى صار عندنا جيش من الوزراء السابقين يتلمظون امتيازات المنصب بعد الخروج منه وينفشون علينا ريشا مزيفا في المقاهي. كأنهم دخلوا الحكومات من أجل لقب وزير سابق.
توجد حقيقة أشد سطوعا من الشمس، في هذه البلاد مكون إسلامي يمارس السياسة ويشارك يخطئ ويصيب (لم يضع القمر بيميننا ولا الشمس بشمالنا) لكنه ماكث بينا وله حق لكن يعيش بيننا قوم يرفضون التعامل مع هذه الحقيقة بصفتها تلك وإنكارهم المرضي يكلفنا اهتزاز الوضع السياسي برمته. في هذه المعركة وبسببها سقطت كل الحكومات منذ الثورة وانحرفت النقابة عن مسارها وتملكت حق تخريب البلد على من فيه لإقصاء هذا المكون ولو كلف ذلك انهيار البلد وهو ما نراه ماثلا يهدد المستقبل بعد أن خرب الحاضر.
كل من يعيش خارج هذه المعركة يشعر بأنه قوة مكبلة لا تفيد ولا تستفيد، فالمطلوب أن ننحاز إلى طرف كي تتسع المعركة، وكلفة عدم الانحياز هنا تحولت إلى عائق عضوي فنخبة البلد المستقلة عن معركة الأيديولوجيا تعاني الإقصاء من كل الأطراف وهذا يجعل عيد ثورتنا مرا والكلام في المستقبل نوع من التجديف السياسي.
إننا نشهد احتضان اليسار والقوميين للفاشية وتوسيع مجال عبثها بالمسار السياسي نكاية فقط في الخصم المرفوض حتى صارت كل كلمة ضد الحزب الفاشي ومهرجته الأولى تهمة انحياز إلى الخوانجية. كأنه ليس مطلوبا من النخب المستقلة بحر فكرها وموقفها أن تكون ضد الفاشية فهذه تهمة ولاء للإسلاميين. ولقد رأينا عجبا يحتفل فرقاء الأيديولوجيا بالثورة ويضعون أيديهم في يد الحزب الفاشي الذي ينكر الثورة ويعتبرها مؤامرة على بن علي ونظامه الفاشي. هذه النخبة الفاشية تخجلنا وليس مستغربا أن نجدها الآن منحازة إلى الرئيس المخجل.
سنحتفل بالثورة رغم ذلك
لقد احتفلنا بيوم الانطلاق (17) ونحن نعتبر أن ذلك هو العيد الحقيقي وليس يوم الرابع عشر (14) من يناير غير إننا نكثف الفرح بالحرية ونختلق المناسبات ونعم.
كل هذا الأسباب المخجلة ستنتهي في يوم غير بعيد. الثمن مكلف ومر ولكننا نشعر بضرورته لكي تتضح الصورة لكل غشيم. إنه فرز ضروري كل خيبة فيه درس لوحدها. الفرز يجري بأسرع مما جرى في تجارب أخرى سبقت تجربة تونس. ربما كنا استعجلنا الفرح ولكن الحرية حتى الآن لم تمس وإن رغب الكثير في تقليصها ولكن طير الحرية يرفرف فوقنا وما إرباك الوباء لفرحنا إلا أمر طارئ سيزول. نؤمن برغم المرارة أن سيبقى بهذه البلاد من يمارس الفرح الطفولي بالحرية وبالبناء.
تونس حضيرة بناء مفتوحة في كل مجال وعوام الناس من سيبنيها وقد بدأوا بمراكمة الوعي وما فعلوه بالنقابة في قفصة وصفاقس مؤشر وعي يبنى عليه ولا يستهان به. على ألسنة قوم كثير الآن، أن النقابة هي الجزء المتبقي من نظام بن علي وهو ينهار من داخله وينكشف خواءه وسوء فعله بالناس.
لقد انتقل الخوف إلى آخر مكون من مكونات المنظومة الفاشية أي النقابة وهي تحاول الحفاظ على هيكلها الخرب بتجاوز قوانينها الداخلية لأن القيادات المتصدرة الآن والتي قادت معركة الايديولوجيا عرفت أنه لم يعد لها قبول في القاعدة وهي على الكرسي الطيار في كل انتخابات محلية. (لذلك هي تمنع المؤتمرات المحلية كي تحافظ على أنصارها بشكل غير ديمقراطي) ومن لم ير في هذا مؤشر حرية فهو يحلل بأشواقه المريضة لا بالوقائع على الأرض. على هذه الأرض حدثت ثورة وخلقت ما يستحق الحياة وسنحزن لموتانا ونواصل الفرح.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: