المغرب: السقوط في مستنقع التطبيع "العدالة والتنمية" الإسلامي يدفع ثمن براغماتيته
عماد عنان المشاهدات: 1516
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
جاء البيان الصادر، أمس 12 ديسمبر 2020، عن "حزب العدالة والتنمية" الذي يقود الإئتلاف الحكومي بالمغرب بشأن إعلان استئناف الاتصالات الرسمية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل "في أقرب الآجال" ليثير الكثير من التساءلات حول الموقف الرسمي للحزب من مسألة التطبيع مع دولة الاحتلال، وسقوط الأقنعة المزيفة حول العروبة والقضية الفلسطينية.
البيان المخيب للأمال الذي اكتفى بـ”التذكير بمواقف الحزب الثابتة من الاحتلال الصهيوني وما يقترفه ضد الشعب الفلسطيني من جرائم تقتيل وتشريد وعدوان على المقدسات” لم يرتق لمستوى طموحات الشارعين، العربي والمغربي، بعدما كان الجميع يعول على الحزب صاحب المواقف العروبية القوية السابقة.
ورغم تأكيد الحزب - من باب ذر الرماد في العيون- على أن العمل من أجل ترسيخ "مغربية الصحراء"، لن يكون على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة، إلا أنه لم يتطرق لا من قريب أو بعيد لملف "التطبيع"، معلنًا تأييده الكامل لكافة الخطوات السياسية التي يبذلها العاهل المغربي، الملك محمد السادس.
الموقف الرسمي للحزب ذو الصبغة الميكافيللية من الواضح أن يتماشى مع التوجه العام للمخزن المغربي، حيث مسك عصا التطبيع من المنتصف، فبينما تدفعه مصالحه الوطنية لحسم ملف الصحراء المعقد، يحرص في الوقت ذاته على ترسيخ مبدأ أن مغربية الصحراء لن تكون على حساب القضية الفلسطينية.
مواءمات ربما تفقد قيمتها إذ ما تم توظيفها من قبل الجانب الإسرائيلي الذي نجح في تحقق حزمة انتصارات دبلوماسية خلال هذا العام لم يحققها منذ آخر اتفاقية سلام وقعت مع الأردن عام 1995، لاسيما وأن الإغراءات الأمريكية لا تندرج تحت بند المعاهدات أو الاتفاقيات واجبة التنفيذ، وهو ما يُخشى معه أن تنجر المملكة إلى حظيرة الدول المطبعة بالمجان.
ورغم أن العلاقات بين الرباط وتل أبيب لم تنقطع حتى قبل إقامة العلاقات الرسمية في أعقاب اتفاقية"أوسلو" 1995 وبعد التوتر الذي شابهها خلال الانتفاضة الثانية 2000، إلا أنها كانت في إطار السرية، غير أن اليوم قد يتغير الوضع لتفرض تلك العلاقات نفسها على موائد النقاش العلني وتحت الأضواء.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،قد أعلن الخميس الماضي، موافقة المغرب على التطبيع مع إسرائيل، مقابل توقيعه اعترافا بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة "البوليساريو" منذ العام 1975، لتصبح المغرب الدولة المغاربية الوحيدة التي تقيم علاقات مع الاحتلال، إثر قطع موريتانيا علاقاتها مع تل أبيب في 2010، والرابعة عربيًا التي تنضم لحظيرة التطبيع خلال 2020، بعد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقي تطبيع في 15 أيلول/سبتمبر الماضي، وإعلان السودان، في 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
مسك العصا من المنتصف
أمانة الحزب في بيانها حرصت على مغازلة الملك عبر التأكيد على "اعتزازها وثقتها في القيادة المتبصرة والحكيمة لجلالة الملك حفظه الله، وما نتج عنها من إنجازات تاريخية وتحولات إستراتيجية تشهدها قضيتنا الوطنية" معتبرة أن "الإعلان الرئاسي الأمريكي إعلانا هاما يؤكد سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ويفتح آفاقا جديدة لتقوية الموقف المغربي في الأوساط الدولية".
كما أشارت إلى دعمها غير المباشر لقرار التطبيع من خلال" تأكيد تعبئة الحزب وراء جلالة الملك وقيادته الحكيمة من أجل ترسيخ سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ودعم مسار التصدي لمناورات خصوم الوحدة الترابية وإنجازات الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالته" منوهة "بالمواقف الثابتة والمتواصلة لجلالة الملك رئيس لجنة القدس في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني"
الحزب الذي يقود الإئتلاف الحكومي بالمملكة حاول قدر الإمكان التصدي للاتهامات الموجهة له بالخيانة بالتذكير "بمواقفه الثابتة من الاحتلال الصهيوني وما يقترفه ضد الشعب الفلسطيني من جرائم تقتيل وتشريد وعدوان على المقدسات، وفي مقدمتها الاعتداءات المتواصلة على المسجد الأقصى ومصادرة أراضي الفلسطينيين، وإنكار حق العودة في خرق سافر لكل المواثيق والقرارات الدولية ومحاولاته تطبيع علاقاته واختراق المجتمعات الإسلامية"
الموقف ذاته أكده رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خلال كلمته التي ألقاها في ندوة لمؤسسة "عبد الكريم الخطيب للدراسات والفكر"، أول أمس الجمعة، حين قال : "أريد أن أؤكد أن الموقف المغربي عموما يبقى باستمرار داعما للقضية الفلسطينية"، لافتًا إلى الاتصال الذي أجراه العاهل المغربي مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن للتأكيد على أن موقفه الداعم من "القضية الفلسطينية ثابت لا يتغير"
العثماني شدد على أن بلاده تضع "القضية الفلسطينية في المرتبة نفسها لقضية الصحراء المغربية"، مشيرًا إلى تصريحات العاهل المغربي الذي أكد فيها على أن عمل بلاده على ترسيخ "مغربية الصحراء" لن يكون أبدا لا اليوم ولا في المستقبل على حساب "نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة".
لكن اللافت للنظر أن بيان الحزب وتصريحات رئيس الحكومة لم يتطرقا مطلقا لكلمة "التطبيع" لكنهما أعلنا تأييدهما المطلق لتحركات العاهل المغربي وهو ما يُفهم منه ضمنيًا موافقتهما على تلك الخطوة حتى وإن لم ينطقا بها بشكل مباشر، الأمر الذي يتنافى مع المواقف السابقة لهما بشأن هذا الملف الذي كان محسومًا قبل ذلك بشكل قاطع.
انقلاب على الثوابت
غض الطرف عن إدانة التطبيع بشكل مباشر – أيا كانت المواءمات- هو توجه بمثابة انقلاب واضح على ثوابت الحزب القديمة التي دغدغع بها مشاعر الشارع للحصول على دعمه خلال السنوات الماضية، والتي كانت تتعامل مع هذا التقارب مع دولة الاحتلال على أنه "خط أحمر" وهناك العديد من المواقف والشواهد التي جسدت هذا المبدأ، كان آخرها في سبتمبر/أيلول الماضي، حين أثارت زيارة صهر دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر إلى الرباط التساؤلات حول دوافعها الحقيقية لاسيما بعد الأنباء التي كانت تشير إلى قرب انضمام المملكة لحظيرة التطبيع.
وخلال تلك الزيارة أكد رئيس الحكومة أمام اجتماع للحزب إن المغرب يرفض أي تطبيع مع "الكيان الصهيوني" لأن ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، وأضاف: "موقف المغرب ملكاً وحكومة وشعباً هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى ورفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس".
وفي أغسطس الماضي قالت الأمانة العامة للحزب إن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي "دعم لعدوانه على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، ومعاكسة لوحدة الصف الفلسطيني ضد محاولات تصفية القضية الفلسطينية" معتبرة أن "إقامة أي علاقة أو تطبيع كيفما كان نوعها، لا يمكن إلا أن يصب في خانة دعم هذا الكيان المستعمر ويشجعه في التمادي في ممارساته العدوانية ضد الشرعة الدولية والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني".
بل إن رفض التطبيع كان أحد أبرز بنود البرنامج الانتخابي للحزب الذي وصل به الحكم قبل سنوات، ففي المادة 724 من برنامجه قال "العدالة والتنمية" إنه سيعمل على “مضاعفة الدعم والنصرة للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية وطنية ورفع المساندة له، من أجل ضمان حقه قي تقرير المصير ورفض التطبيع مع الكيان الصهيوني”.
وضعية حرجة
البيان الذي وصف بـ "الباهت" الصادر عن الحزب وضعه في مأزق سياسي كبير، سواء أمام قياداته الشعبية أو أنصاره من المواطنين، وباتت ملامح تباين الرأي تخيم على المشهد الداخلي للحزب، لاسيما وأن قطاع كبير من الشارع كان يؤمل نفسه بموقف حاسم يتناسب وأجندة الحزب المعلنة.
وعلى عكس الموقف الرمادي للعدالة كان جناحه الدعوي "حزب التوحيد والإصلاح" أكثر وضوحًا، إذ أعلن رفضه قرار التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لافتا في بيان له إن "المكتب التنفيذي للحزب يعتبر ما أقدم عليه المغرب، الذي يرأس لجنة القدس الشريف، تطورا مؤسفا وخطوة مرفوضةً"، بجانب منظمة التجديد الطلابي- التابعة للحزب الأم – التي اعتبرت عودة العلاقات بين الرباط وتل أبيب بمثابة “سقوط مُريع لا يليق بتاريخ المملكة المجيد وسُمعتها الأخلاقية والسياسية، ومكانتها الدولية”.
العديد من قيادات الحزب وأعضاءه عبروا ضمنيًا عن رفضهم لقرار التطبيع، أبرزهم نائب عمدة مدينة سلا رئيس جمعية مهندسي العدالة والتنمية، عبداللطيف سودو، الذي أعاد نشر تصريح رئيس الحكومة على صفحته بموقع “فيسيوك”، جاء فيه: “نرفض كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني لأن ذلك يشجعه على انتهاك حقوق الفلسطينيين”.
كذلك عضو الحزب عبد السلام بلاجي،الذي علق قائلا : “نعم لمغربية الصحراء لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني”، وأضاف: اليوم ربحنا اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء وهذا مهم. لكن علينا أن نناضل حتى إسقاط التطبيع وإخراج الصهاينة من المغرب وفلسطين” وهو الموقف ذاته للنائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية أمينة ماء العينين التي قالت في تدوينة على صفحتها بـ”فيسبوك”: “لن يتخلى المغاربة عن الشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة والمشروعة، ولا يمكن أن ينجح التطبيع في بنية ظلت تقاومه لعقود بإصرار ومبدئية”.
إعدام سياسي
توقيت الإعلان عن هذه الخطوة قبيل أشهر قليلة على الانتخابات البرلمانية المقررة العام القادم، يضع حزب العدالة الذي يقود الحكومة الحالية منذ 2012 في مأزق كبير، ويسقط الكثير من الشعارات التي اعتاد رفعها وحصد بسببها الكثير من النجاحات السياسية، فيما وصف مراقبون قرار التطبيع في تلك المرحلة الحرجة بأنه "حكم إعدام سياسي" على الحزب الإسلامي الذي دائما ماكان يتشدق بشعارات العروبة والقضية الفلسطينية.
ومما يعزز هذا المأزق حالة التناقض التي بات عليها الحزب الذي وضع بنودًا واضحة في برنامجه الانتخابي حول “رفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني”، وأن القضية الفلسطينية مقدسة وعلى رأس أولويات السياسة الخارجية له، هذا بجانب حالة الغليان الداخلي التي تخيم على الأجواء بعد رفض العديد من كوادر الحزب هذا القرار.
الحزب اليوم وهو على مشارف الحملة الدعائية للانتخابات المقبلة بات مطالبًا -لحفظ ماء وجهه- بتبرير عدم رفضه لقرار التطبيع رغم معارضة ذلك لأجندته السياسية، كما أنه بات مطالبًا كذلك بإعادة النظر في بعض بنود برنامجه المتعلقة بالقضية الفلسطينية، الأمر الذي سيؤثر عليه سلبًا على المستوى الشعبي، ومن ثم على حظوظه في البرلمان القادم، فضلا عن تماسك جبهته الداخلية والهيكلية، ليدفع الحزب ثمن ميكافيلليته وبراغماتيته العمياء التي أسقطته في فخ التطبيع.
فشل المغرب في الصمود أمام الضغوط الأمريكية بشأن الانضمام لحظيرة التطبيع، ولجوء حزب "العدالة والتنمية" لسياسة المواءمات حفاظًا على وضعيته وثقة الملك فيه، لا شك وأن لذلك تداعيات ستلوح إرهاصاتها في الأفق خلال الفترة القليلة القادمة، فما كان قبل 10 ديسمبر 2020 لن يكون كما بعدها، ليجد الحزب الإسلامي نفسه في مواجهة الشارع الرافض نسبة كبيرة منه لهذا القرار.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: