البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: إعلان كفر بالنقابة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1876



ليعذرني القارئ مهما كان المكان الذي وصله فيه كلامي.. أنا محتاج لتثبيت عقديتي بإعلان الشهادة مرة أخرى لأن هناك من يريد فرض رب عليّ اسمه الاتحاد العام التونسي للشغل. فاللهم اشهد أني أوحدك على دين محمد، وأني كافر بالنقابة، واللهم امنحني الصبر على المشركين الجدد الذين يحرّمون علينا نقد ربهم النقابي الذي يصلون له في البرلمانات. ولا بأس ألا يكون هذا المقال تحليلا محايدا بأعصاب باردة.

تاريخ مصادرة النضالات

نكتب بكل هذا الدفق الوجداني لأن هناك من يريد مصادرة التاريخ في سردية واحدة تجعل من النقابة التونسية عامودا أمسك السماء أن تقع فوق رؤوس التونسيين، وهو لا يزال مصرا على تحريف التاريخ ليلغي كل نضال تم خارج النقابة، فلا يكون وتكون النقابة كل التاريخ.

في الطريق إلى الحرية سقط شهداء كثر، وقضت أجيال أعمارها في السجون وتشردت أسر وعائلات، وكانت النقابة في حجر السلطة؛ تتلقى القيادات الرشوة المالية والسياسية، وتجبر أجيالا من العمال على الخضوع باسم حماية الدولة أو باسم دفع الاقتصاد. وفي السردية أن ذلك كان النضال الوحيد الممكن، بل هو البديل عن السقوط في الرجعية والتخلف.

فإذا تم الإلحاح على زيف السردية المفبركة داخل حانات النقابة؛ غالبا قيل لنا أن النقابة سليمة وعريقة ومناضلة، لكن هناك نقابيين سيئون، وهم عابرون والنقابة باقية. وهذه التبريرات هي من جنس التبريرات التي كان يطلقها إعلام السلطة عندما ترتفع أصوات الاحتجاج حولها بأن الرئيس طيب وابن حلال لكن الطاقم الذي حوله يفسد في الأرض.

هذه الأيام نشعر بأن ماكينة الدعاية النقابية التي وضعت لها قدما راسخة في البرلمان؛ تتقدم خطوة أخرى لتجبرنا على التوقف عن الكتابة حول النقابة أو ضدها، فهي مؤسسة مقدسة وتاريخ نضالاتها يعفيها من أن تخضع لأية محاسبة، حتى لمجرد النقد العارض لبعض الأعمال التي تقودها النقابات ضد الدولة والمجتمع وضد إيتيقا الدولة نفسها.

تاريخ من تفكيك القطاع العام

إن الزمن الذي يراد لنا فيه أن نؤمن بنضال النقابة العظيمة هو الزمن الذي شاركت فيه النقابة مشاركة تامة في تفكيك مؤسسات القطاع العام وخوصصتها لرأس مال، بعضه محلي وأغلبه أجنبي وافد. كان ذلك يجري تحت عناوين دعم الاستثمار وفتح الأسواق وكانت النقابة تبرر بالتشغيلية، في حين أن التسريح الاقتصادي كان على قدم وساق. ذلك زمن ابن علي، زمن قيادات نقابية مكّن لها الدكتاتور ومنحها امتيازات مقابل تدمير مؤسسات اقتصادية ناجحة. تلك القيادات لم تحاسب رغم الفضائح التي أخرجتها الثورة إلى السطح، بل حصل العكس؛ لقد أورث الفاسدون النقابة لخلف تربى في أحضانهم، فما كان من الخلَف إلا أن كرّموا السلف وظلت السردية غير قابلة للنقض.

النقابة فوق كل نقد وقياداتها لا تضار أبدا، ومع الوقت وانشغال الناس بهمومهم يتحول هؤلاء القادة الى زعماء، وتكتمل السردية تماما كما يصنع الوثن في الأساطير. ويوجد دوما أقلام مبيوعة لتضخيم الأسطورة وإضافة التفاصيل التي لم تكن في أصل الحكاية.

القطاع العام التونسي (مؤسسات اقتصادية منتجة وليست الإدارة) ضحية النقابة قبل أن يكون ضحية السلطة. لقد حصلت النقابة لمسؤولي هذه المؤسسات على منافع لا يتمتع بها عامة التونسيين، فصارت هناك فئات محظوظة بالمال العام وأخرى لا يمكنها النفاذ إلى أية منفعة. ووصل الأمر الى فرض أمر واقع جديد هو التوريث المهني، حتى أن المحاكم تجرمه والنقابة تواصل الاستفادة منه. لقد صار حقا مكتسبا بالقوة لا بالقانون، وحطمت النقابة مبدأ المساواة أمام المناظرة التي هي بوابة الاشتغال في القطاع العام.

كل النشاطات الإضرابية منذ الثورة نظمت في مؤسسات القطاع العام، وبلغت مستويات من الخروج عن القانون لم تعرفها نضالات النقابيين في مكان بالعالم، حتى أن نقابات أغلقت المشافي في وجه المرضى وتركتهم يموتون في العراء.

لم تجرؤ نقابة واحدة من نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل على تنظم حركة احتجاجية واحدة في القطاع الخاص، رغم أن فوارق المنافع قد اتسعت بين القطاعين بشكل مخز لكل من يزعم العمل النقابي. ولكن ذراع الدولة التي تؤلم هي مؤسسات القطاع العام، وقد مسكتها النقابة ولوتها حتى تكسرت كل الحكومات عجزا. وهي تواصل الآن بشغف وتمنع الناس من توجيه أي نقد.

تاريخ من الكذب على التونسي المسكين

هل سيكون من حق الأجيال أن تراجع دور النقابة في إسناد الدكتاتورية وطمس النضالات العمالية الحقيقية التي تمت برغم النقابة؟ وهل سيكون من حق المؤرخين أن يناقشوا دور النقابة في الثورة وتحويل مطالب الحرية والسيادة الى زيادات في الأجور في مؤسسات القطاع العام وحدها، دون أية لحظة جرأة على مؤسسات القطاع الخاص التي تعرف كيف تمنع النقابة من الظهور، وأرهقت كل الحكومات وخربت كل الاحتمالات الإيجابية الكامنة في ثورة لم تكن أبدا مطلبية؟

النقابة الآن تملك أجهزتها الدعائية، ولذلك فإن كل صوت ينقدها يصير نشازا في أوركسترا دعائية على الطريقة الفاشية. ونرجح أن يتحول الأمر إلى ممارسات أشد قسوة ضد كل ناقد وللنقابيين تاريخ حافل بالعنف المنظم. ولمن لا يعرف الوضع من داخل تونس نقول للنقابة مليشيا تحت الطلب.

لنعد تسمية الأشياء بأسمائها إذن هذه النقابة لست نقابة وإن زعمت، لذلك فإننا إذ ننقدها إنما ننقد الجهة السياسية التي استولت عليها منذ زمن طويل وهادنت بها الدكتاتورية، وخربت بها الثورة التي لم تجد لها فيها مكانا في الصندوق الانتخابي فحكمت بالنقابة على كل شيء، وهي أخيرا تدخل البرلمان بأسماء غير أسمائها وتواصل تخريب الوضع الداخلي، وتدفع نحو مجهول لا يملك أحد تصور نتائجه القريبة والبعيدة، مع إضافة مهمة لقد شهدت سنوات الثورة هجرة التجمعيين إلى النقابة. وما كانت في السابق تمثيليات التجمع في الإدارة تحولت في فترة قصيرة إلى هيئات نقابية، وحصلت بالنقابة امتيازات لم تحصل عليها بولائها الحزبي للدكتاتور.

تحالف اليسار والتجمع في النقابة هو الذي يحكم الوضع في تونس الآن، وإن زعمت الأحزاب أنها تحكم فما حكمها إلا وهْم، فالحاكم الحقيقي ومنذ الثورة هي النقابة؛ لا بصفتها نقابة بل بما هي طاقية إخفاء لتيارات سياسية لا يمكن لها أن تفلح بالصندوق الانتخابي، وآخر الملتحقين بالصف هي حركة الشعب التي تجرأت على طلب تقديس النقابة وتحويلها إلى وثن يعبد.

لكن يفوت صناع الوثن الجديد أننا ولدنا موحدين وأن التوحيد حرية أولا، ولذلك نتشرف بأننا لم نحنِ رقبة لنقابي أبدا ولم يُكتب هذا العار في دفاترنا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، النقابة، إتحاد الشغل،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-12-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
تونسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. عبد الآله المالكي، المولدي اليوسفي، محمود فاروق سيد شعبان، محمد العيادي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، أنس الشابي، وائل بنجدو، ضحى عبد الرحمن، يزيد بن الحسين، د- محمود علي عريقات، د- جابر قميحة، المولدي الفرجاني، محمد أحمد عزوز، سيد السباعي، إياد محمود حسين ، العادل السمعلي، صباح الموسوي ، رمضان حينوني، أ.د. مصطفى رجب، الهيثم زعفان، حسن عثمان، فتحي العابد، د - شاكر الحوكي ، مصطفى منيغ، د.محمد فتحي عبد العال، خالد الجاف ، بيلسان قيصر، سامح لطف الله، عراق المطيري، د. أحمد بشير، الهادي المثلوثي، محمود سلطان، صفاء العراقي، د- هاني ابوالفتوح، سامر أبو رمان ، د - عادل رضا، حسن الطرابلسي، فهمي شراب، د - الضاوي خوالدية، سعود السبعاني، سليمان أحمد أبو ستة، سلام الشماع، مراد قميزة، ماهر عدنان قنديل، أحمد الحباسي، عبد الله زيدان، محمد شمام ، كريم السليتي، د. عادل محمد عايش الأسطل، خبَّاب بن مروان الحمد، صلاح الحريري، سفيان عبد الكافي، ياسين أحمد، أبو سمية، طلال قسومي، فتحـي قاره بيبـان، عمر غازي، عبد العزيز كحيل، د - مصطفى فهمي، كريم فارق، د. خالد الطراولي ، صلاح المختار، جاسم الرصيف، عبد الغني مزوز، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد اسعد بيوض التميمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الرزاق قيراط ، د - محمد بن موسى الشريف ، علي عبد العال، حميدة الطيلوش، د - محمد بنيعيش، يحيي البوليني، محمد الياسين، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - صالح المازقي، عزيز العرباوي، حاتم الصولي، فوزي مسعود ، د- محمد رحال، عبد الله الفقير، د - المنجي الكعبي، أحمد النعيمي، أحمد ملحم، رشيد السيد أحمد، رضا الدبّابي، صالح النعامي ، رافع القارصي، علي الكاش، رافد العزاوي، محمد الطرابلسي، محمود طرشوبي، الناصر الرقيق، منجي باكير، نادية سعد، د. أحمد محمد سليمان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد يحي، محرر "بوابتي"، محمد علي العقربي، إيمى الأشقر، عمار غيلوفي، طارق خفاجي، مجدى داود، فتحي الزغل، أحمد بوادي، د. طارق عبد الحليم، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد عمر غرس الله، عواطف منصور، إسراء أبو رمان، مصطفي زهران، صفاء العربي، سلوى المغربي، د. صلاح عودة الله ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة