أ.د. علي عثمان شحاته - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1455
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من الناس من لا يقبل نصيحة أو موعظة إذا جاءته من شخص لا يستريح إليه ولا يحبه، وهذا المنطق وإن كان مرفوضاً إلا أنه يرسل رسالة للداعية مفادها أن عليه أن يعرف طريقه إلى قلوب من يدعوهم، وأن يكون ذلك أولوية بالنسبة له.
وليكن على ثقة أن هذا هو أول طريق النجاح؛ فكم من كلمات موفقة مست قلبا فغيرت مسار صاحبه من النقيض إلى النقيض، بعد أن فشلت كل وسائل الإصلاح في ذلك.
إن المحبة أمر قلبي، ولكنها تبنى على أسس تجلبها وتحمل عليها، وهي منحة من الله تعالى في الأساس، وتوفيق منه لعباده ليعملوا في نور من ذلك، فهي هداية للقول الطيب، ثم توفيق للعمل بمقتضاه، قال تعالى: "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ" سورة الحج الآية: 24.
وقد خاطب الله تعالى نبيه بذلك في قوله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ . ." آل عمران من الآية: ٥٩.
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: "الْفَظُّ: أي الْغَلِيظُ . . والْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا غَلِيظُ الْكَلَامِ؛ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ أَيْ: لَوْ كُنْتَ سيِّئَ الْكَلَامِ قَاسِيَ الْقَلْبِ عَلَيْهِمْ لَانْفَضُّوا عَنْكَ وَتَرَكُوكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَمَعَهُمْ عَلَيْكَ، وَأَلَانَ جَانِبَكَ لَهُمْ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ" تفسير القرآن العظيم.
وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: إِنَّهُ رَأَى صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ: " أَنَّهُ لَيْسَ بفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخّاب فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ" رواه البخاري.
وليعلم الداعية أن الله تعالى قد هيئ لمن يدعو إليه من الأدوات والعطايا والمنح ما يمكنه – إن أراد ذلك وكان متأهبا له- أن يصل إلى قلوب مدعويه من أقصر طريق؛ تتمثل هذه المنح والعطاءات في:
أولا: أن الداعية يحمل أشرف رسالة وأعظمها، وهي دعوة الخلق إلى دين الله عز وجل، فلا بد أن يكون على قدر هذه الرسالة التي يحملها، قال تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ " سورة فصلت: 33.
قال الإمام بن كثير: أَيْ: وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُهْتَدٍ بِمَا يَقُولُهُ، فَنَفْعُهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ لَازِمٌ ومُتَعَدٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَأْتُونَهُ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَأْتُونَهُ، بَلْ يَأْتَمِرُ بِالْخَيْرِ وَيَتْرُكُ الشَّرَّ، وَيَدْعُو الْخَلْقَ إِلَى الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَهَذِهِ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ دَعَا إِلَى خَيْرٍ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُهْتَدٍ. انظر: تفسير القرآن العظيم.
ثانيا: إنه ينهل من معين الوحي، وأنه يحمل في يده وقلبه أعظم كتاب؛ إنه كتاب الله عز وجل، وهو بحر لا شاطئ له، إنه كلام الله، قال تعالى: "قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا" سورة الكهف الآية: ١٠٩.
وقال تعالى: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" سورة لُقْمَانَ الآية: ٢٧. قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: إِنَّ مَثَلَ عِلْمِ الْعِبَادِ كُلِّهِمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ كَقَطْرَةٍ مِنْ مَاءِ الْبُحُورِ كُلِّهَا. انظر: تفسير القرآن العظيم.
ثالثا: ترجمة ما جاء به الوحي من خلال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة الصالحين من عباد الله؛ قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" سورة الأحزاب الآية: 21.
رابعا: الدعاء والابتهال إلى الله تعالى، بأن يسأله الهداية والتوفيق، ويجاهد نفسه ليكون أهلا لمحبة الله، ومن ثم محبة الناس، قال تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" سورة العنكبوت الآية : 69. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ". . . الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ، يَهْدِيهِمْ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ" انظر: تفسير القرآن العظيم.
أخي الداعية: إن أول طريق النجاح أن يحبك الله، فإذا أحبك الله وضع لك القبول في قلوب الخلق؛ عندئذ يسمع لك الناس ويطيعوا (إن المحب لمن يحب مطيـع).
فإذا أكرمك الله بهداية شخص واحد على يديك؛ فقد أنجزت، وأفلحت، وأثمرت دعوتك. قال رسول الله : " . . . فَواللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ" أخرجه البخاري.
نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق
والحمد لله رب العالمين.
---------------
أ.د. علي عثمان شحاته
القاهرة - مصر
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: