البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

في دلالات موجة التطبيع الجديدة

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 1691



إنها ليست الموجة الأولى في إقامة علاقات سياسية واقتصادية وثقافية وتجارية وحتى عسكرية مع كيان استعماري مغتصب للأرض والمقدسات. فقد سبقتها موجات من التطبيع كانت فاتحتها معاهدة كامب ديفيد التي وقعتها مصر المهزومة مع دولة الاحتلال وفتحت معها باب التطبيع على مصراعيه. توالت بعد ذلك المبادرات الفردية التي تبرمها الدول على حدة بشكل سرّي أو المعاهدات المعلنة مثل اتفاقية أوسلو الشهيرة 1993 التي تضمنت عملية السلام الشامل وحلّ الدولتين وصولا إلى اتفاقية وادي عربة بين الأردن ودولة الكيان 1994.

بقطع النظر عن هذه الاتفاقيات يملك عدد من الدول العربية مبادرات فردية سريّة في أغلبها تشمل تعاونا مع دولة الاحتلال في مجالات مختلفة وهي معاهدات واتفاقيات تتأثر صعودا ونزولا بالسياق الإقليمي والسياق الدولي. لكنها تصبّ جميعا في مصبّ التطبيع مع دولة محتلة للأرض والمقدسات واعتراف بالحق الصهيوني في الأرض العربية وتنكّر للحق الفلسطيني والعربي الإسلامي في الأرض والمقدسات. إنها بعبارة أوضح وأكثر جرأة خيانة موصوفة للأرض والعقيدة ولآلاف الشهداء الذين سقطوا من أجل فلسطين طوال تاريخ المواجهة بين الأمة وجحافل العدو الغاصب.

أكذوبة السلام

لا يشك عاقل في أنّ مقولة السلام ومشتقاتها المعجمية مثل التآخي والتعايش والتقارب بين الشعوب ليست في الحقيقة إلا أقنعة لتبرير التطبيع بما هو خيانة موتمَن على الأرض والمقدسات. أكذوبة لا يصدّقها عاقل لأن الشعوب أعلم بخيانة الحكّام وحتى الحاكم نفسه والنخب المحيطة به من الشيوخ والعلماء والمفكرين والفنانين والإعلاميين يدركون فداحة الأكذوبة لكنّ ارتباط مصالحهم بوجود النظام المطبّع يجعل من العسير عليهم إنكاره لأنهم صُنعوا لتبرير سياسة الحاكم مهما كان اتجاهها.

تتأسس أكذوبة السلام مع المحتلّ على معطيات كثيرة تكشف زيفها. أول هذه المعطيات إنما تحدّدها طبيعة العلاقة بين الطرفين لأن السلام يشترط تكافؤا في القيمة وفي طبيعة النظام السياسي وفي شرعية القائم به. الأنظمة العربية المطبعة تفتقر إلى أدنى شروط الشرعية فهى قائمة على الانقلابات وعلى القوة القاهرة وعلى طبيعة استبدادية تُلغي كل مكونات الشعب والمجتمع من كل مساهمة في القرار السيادي. النظام السياسي العربي لا يملك شرعية إعلان الحرب ولا إحلال السلم لأنه نظام غير شرعي منفصل عن شعبه وعن مجتمعه بل هو نظام وكالة استعمارية منذ نشأة ما يُسمى زورا الدولةَ الوطنية. إنه بذلك جزء من عملية الاحتلال نفسها ومشارك رئيسي في اغتصاب الأرض وانتهاك المقدسات بما أنه قائم على اغتصاب السلطة وسلب الحرية ومنع السيادة. وهي القناعة التي تدفع كثيرين إلى القول بأن تحرير فلسطين يسبقه تحرير الإنسان العربي نفسه من سلطة الكيانات السياسية المحتلة التي تتحكم فيه وفي إرادته.

المعطيات الأخرى التي تكشف أكذوبة السلام يؤكدها حصاد سنوات عجاف من التطبيع والمعاهدات فلم تحقق الدول العربية السلام مع الكيان الصهيوني الذي ارتكب منذ معاهدة التطبيع الأولى أبشع الجرائم في حق الفلسطينيين. واصلت دولة الكيان الزحف على الأراضي الفلسطينية وضمت منها مساحات شاسعة كما قامت بالسطو على منازل الفلسطينيين وتجريف أراضيهم ومزارعهم وواصلت تهويد القدس وأعلنتها عاصمة للدولة اليهودية. صفقة القرن الأخيرة هي الوجه الحقيقي للسلام المزعوم الذي يعني في الحقيقة إكراه الشعوب على القبول بالاحتلال الغاشم وتهويد المقدسات والتنازل على القدس والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

لم تحقق الصهيونية أكبر اختراقاتها في المنطقة العربية إلا تحت غطاء السلام والحوار والتعايش وهي الكيان الذي لا يؤمن بغير القتل والاحتلال واغتصاب الأرض. لم تحترم دولة الكيان ولو قرارا أمميا واحدا لصالح الشعب الفلسطيني كما أنها رمت بكل قرارات مجلس الأمن في سلة المهملات مستفيدة من الفيتو الأمريكي المساند لها ومن ضعف الدول العربية وتواطؤ الأنظمة والحكومات معها.

السلام مصطلح مختلف الدلالة فهو يعني عند الصهاينة الاعتراف بالأمر الواقع وبالهزيمة التاريخية وبالقدس عاصمة يهودية ويُلغي حق العودة وينسف الحق العربي من أساسه. السلام الصهيوني هو سلام الجزار والضحية التي عليها أن تقبل بسلخها بعد ذبحها. أما السلام العربي الرسمي فيتمثل عند المُطبعين في ضمان أمنهم وضمان عروشهم وضمان ثرواتهم وثروات أبنائهم وحمايتهم من محاسبة شعوبهم وإنقاذهم عند الثورات والمحن.

التطبيع الشعبي

تدرك اسرائيل جيدا أن التطبيع الرسمي لم يعد يعني لها شيئا اليوم لأن قادة الكيان قد صرّحوا في أكثر من مناسبة بأن النظام الرسمي العربي قد باع فلسطين وحق فلسطين منذ عقود. إنها تبحث اليوم عن مكسب المكاسب وأكبر الانتصارات الذي سيحقق لها نقلة وجودية نوعية وهو المكسب المتمثل في التطبيع الشعبي. ليس هذا الكلام استنتاجا فرديا ولا جماعيا بل هي الجملة التي ترد على لسان رئيس الوزراء الصهيوني في أكثر من مناسبة حين يقول بأنه قد آن الأوان للتطبيع مع الشعوب التي لا تزال تقف عائقا مع السلام الدائم لدولة إسرائيل.

التطبيع الرسمي معلوم الدلالة بأنه أولا اعتراف رسمي بدولةٍ محتلة في صفقة معلنة تطلبُ من الكيان الغاصب والقوى الدولية الراعية له أن تتعهّد بالمحافظة على النظام المُطبّع من السقوط إذا واجه ثورة شعبية مثلما حدث في مصر. لا يتطلّب التطبيع الرسمي سوى موافقة النظام على الصفقة وهو غير مرتبط بزمان محدد بخلاف التطبيع الشعبي الذي يتطلب مجهودا كبيرا تتوفر فيه أدوات متعددة ومتشابكة لتحقيق الهدف المرجوّ منه. التطبيع الشعبي يتطلّب إقناع ملايين المواطنين بشرعية المُطبَّع معه وهو أمر عسير التنفيذ. يتطلب هذا الأمر كذلك تحقيق اختراق كبير للوعي الجمعي من أجل توفير الأرضية التي يمكن على أساسها تحقيق التطبيع وهو ما يبدو في الحالة العربية والإسلامية أمرا على قدر كبير من الصعوبة.

فلسطين هي قضية الأمة المركزية وهي الخط الفاصل بين الانتماء وعدم الانتماء. فلسطين ليست فقط مأساة شعب مشرّد مغتصَب الأرض والسيادة عانى عبر عقود طويلة مرارة الاحتلال والاستعمار بل هي أولا وقبل كل شيء قضية مقدسات مغتصبة لأنها تحمل رمزية حضارية ودينية عظيمة الأثر في نفوس المسلمين جميعا. فلسطين أرض مغتصبة وشعب محتل لكنها كذلك أولى القبلتين بما تحمله من رمزية دينية وعقائدية عند جموع المسلمين.

بهذا المحمول الدلالي المزدوج وبهذا المخزون الحضاري العميق يكون التطبيع الشعبي مع دولة الاحتلال أمرا مستحيل التحقيق مهما حاولت قوى الاحتلال والأنظمة العربية الوظيفية المرتبطة بها اختراقه. بل إنّ الوعي الشعبي اليوم بتحالف الاستبداد مع الاحتلال الصهيوني من خلال التطبيع الإماراتي وقبله المصري والأردني وغيرهما إنما يشكلان نقلة نوعية في وعي هذه الشعوب. تُدرك الشعوب اليوم أنّ النظام الرسمي العربي يلعب آخر أوراقه ويستظل بآخر السقوف من أجل مواجهة كل أمواج التغيير الممكنة والمحتملة ولهذا فهو يهرول بسرعة للتحالف مع القوى الخارجية على حساب الأرض والمقدسات.

بذلك تكون الهرولة نحو التطبيع وما سيتمخض عنها من قرارات وتداعيات مكسبا للوعي الجمعي العربي والإسلامي ومضمونه حقيقة الأنظمة العربية وأنها الحليف الموضوعي للمحتلين والغزاة وهو الأمر الذي سيصبغ مطالب الموجات الشعبية القادمة بصبغة حاسمة. لن يكون تحرر الإنسان العربي ممكنا إلا إذا أدرك في معاركه القادمة أنّ مقاومة الاستبداد هي المدخل الطبيعي والوحيد لطرد الوكلاء والغزاة وتحرير فلسطين كلّ فلسطين من البحر إلى النهر.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

التطبيع، إسرائيل، فلسطين، الخيانة، المقاومة، الإمارات العربية المتحدة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-08-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رضا الدبّابي، حميدة الطيلوش، عمار غيلوفي، د- محمد رحال، أشرف إبراهيم حجاج، محمد عمر غرس الله، حسن عثمان، فوزي مسعود ، محمد علي العقربي، تونسي، محمد الياسين، محمد شمام ، مصطفى منيغ، حسن الطرابلسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ماهر عدنان قنديل، أحمد بوادي، سلوى المغربي، د. عادل محمد عايش الأسطل، إيمى الأشقر، د. مصطفى يوسف اللداوي، إياد محمود حسين ، سفيان عبد الكافي، د - شاكر الحوكي ، محمد يحي، محمد اسعد بيوض التميمي، ياسين أحمد، خالد الجاف ، نادية سعد، سامر أبو رمان ، يزيد بن الحسين، د. صلاح عودة الله ، فتحي العابد، أحمد الحباسي، د - صالح المازقي، المولدي اليوسفي، د- هاني ابوالفتوح، الهادي المثلوثي، عواطف منصور، أحمد النعيمي، د. عبد الآله المالكي، سيد السباعي، العادل السمعلي، فهمي شراب، عبد الغني مزوز، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حاتم الصولي، سليمان أحمد أبو ستة، رشيد السيد أحمد، عبد الرزاق قيراط ، د.محمد فتحي عبد العال، علي الكاش، د - المنجي الكعبي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - محمد بنيعيش، رمضان حينوني، سلام الشماع، د. أحمد بشير، صفاء العراقي، أنس الشابي، فتحـي قاره بيبـان، د. خالد الطراولي ، محرر "بوابتي"، مراد قميزة، محمد العيادي، سامح لطف الله، الناصر الرقيق، المولدي الفرجاني، د- جابر قميحة، صباح الموسوي ، محمد الطرابلسي، رافد العزاوي، ضحى عبد الرحمن، عراق المطيري، د - مصطفى فهمي، يحيي البوليني، د- محمود علي عريقات، أ.د. مصطفى رجب، صلاح الحريري، صلاح المختار، علي عبد العال، عبد الله زيدان، عبد الله الفقير، مجدى داود، رافع القارصي، محمود فاروق سيد شعبان، د - عادل رضا، إسراء أبو رمان، صالح النعامي ، منجي باكير، محمد أحمد عزوز، الهيثم زعفان، جاسم الرصيف، أحمد ملحم، طلال قسومي، عزيز العرباوي، فتحي الزغل، وائل بنجدو، د - محمد بن موسى الشريف ، صفاء العربي، عبد العزيز كحيل، د. أحمد محمد سليمان، سعود السبعاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، خبَّاب بن مروان الحمد، طارق خفاجي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - الضاوي خوالدية، مصطفي زهران، كريم فارق، أبو سمية، كريم السليتي، بيلسان قيصر، محمود سلطان، حسني إبراهيم عبد العظيم، عمر غازي، محمود طرشوبي، د. طارق عبد الحليم،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة