البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

قيس سعيد، الرجل الخشبي....

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1741



عيناه فارغتان لا تكشفان، لذلك لم نر انبجاس دمعة فرح ولا انفجار دمعة حزن ولا سورة غضب حمراء ولا انكسار حنين جارف. عينان بلا لغة. عينان بلا معنى عينان ميتتان، عينان تواكلتا في القول على لسان عيي يكرر عبارته، يحشو المترادفات، فيسمي شيئا واحدا بثلاثة أسماء في جملة لا تنتهي؛ لأن الجملة الموالية لم تجهز على طرف اللسان.

الجملة ليست تأتي لأن النص لم يكتمل في خلفية القول.. تأليف النص لحظة الكلام عبقرية نادرة؛ كان أحدهم يغطي فقره منها ذات يوم بإفهام الحصا لمعناها، فيسد الفراغات التي تخلقها الاستهانة بالجمهور الفاغر في انتظار معنى.

المعنى لم يعط معناه للعينين فتعبرا عنه بدفق الانفعالات.. المعنى غاب ففرغت العينان من العبارة. المعنى من الفكرة، والفكرة بقيت حبيسة الكراس المدرسي. الكراس لم يتعذب في الطريق إلى المعنى، فجاء درسا باهتا حتى أنه ينسي البسملة، وقد كانت البسملة رقية للقلب إذا وجف من رهبة أو انبهار.. كلام أبتر من قلب أبتر من عين فارغة تغطي فراغ المعنى بالمترادفات.

فراغ المعنى من العين يفرغ اللسان من العبارة.. بعض فراغ العبارة من فراغ العين من هدب وحاجب. الأهداب كما الحاجب كما الشارب كما اللحية، تعطي سحنة فتخرج ذلك السطح اللحمي من لوح إلى محيا. مسطح مثقوب لا محيا.. ثقوب تقوم مقام عين لا تشفق ولا تعشق، عين بلا أهداب، ثقب في مسطح حوّر الزمن لونه فصار بلا لون، فلا شقرة الغرب ولا سمرة العرب أدمة بلا هوية لونية.. عين فارغة بل عينان فارغتان..

العين الفارغة لا تشرق بالمعنى، لكنها تُخَشِّب اللغة فتجرح الأذن المشتاقة لخطيب مفوه وخطاب سلس يمتح من عربية القرون. تبحث الأذن عن تكملة المعنى بتخضل عين بشوق وعاطفة، فلا يخرج عليها إلا الخشب يجرح الطبلة فتنفر من صوت احتكاك الكلام الحديد على صخر الاصطلاحات المترادفة، في جملة بلا فواصل ولا استراحات تنفسية ولا نقطة نهاية.

هنا نضع نقطة نهاية للرجاء ونقول للعين الآملة لا تتطلعي في فراغ، عين نسيت أن تبكي لأنها غفلت أن تسير في مسارب المعنى..
ولذلك نخرج من الأمل إلى القنوط فنكتب له شفقة، وقد نضب الود بعد خيبة.. لكن لعل النصيحة تصيب شتات روح.. فتؤلف فقرتها الباهرة ذات خطاب: ارتخِ تَطْفُ فإنك إن لم تَطْفُ تَطْفَأ وتغمرك سيول من تراب، وهذا اليم جارف.

ارتخ تُنِرْ فتَيَسّرْ فتَسِير، فإذا أنت بشير لا نذير، واشرب زيتا على الريق سيفتح لك الزيت طريق الكلام إذ يذوب البلغم. هل تعلّمت تنقيط الجمل؟ أم هل غنيت في ليالي الوحدة على البحر الطويل؟ لو كنت على الرجز لجاء الكلام كبرد على سطح صقيل يتناثر.

ارتخ وارخ الحزام تلطفا، فالهواء في بطنك قليل، املأ جنبيك بالهواء وقطع الجمل وضع فواصل، فنحن بقينا في الجملة الأولى نبحث عن مسافة تفصل الفعل عن الفاعل، بينما وصلت فقرة أخرى ولم تعد إلى سطر جديد.

هوّن عليك، فنحن نعشي السوائم على حواف الزرع، حيث تعلمنا الصبر ندندن على البحر البسيط وقمرنا يبتدر، فنحسب دوائر الضوء الشحيح على الماء الشفيف ونقول الليل طويل ونحن مقمرون. وقد نتفاءل فنظن الليل ملكنا والسماء والأنجم؛ لأن نعاجنا اجترت وفاحت رائحة الحشيش. هل سرت خلف القطيع يوما؟ هناك ولد الكلام قصائد وقلائد، واتضحت الرؤى وكتبنا باللغة الحبيبة.

في الغُدران تعلمنا السباحة، فلما دخلنا البحر طفونا طفو العارفين بسر الماء، إذ نحلو فيرفعنا على رغوة الملح الأجاج. وأنت يا سيدي تشد بطنك بحزام فييبس ظهرك فلا تطفو باللغة على بحر المعاني. يخرج الكلام من قعر عميق كفوار من خشب كخشب الآكاسيا. واسأل الحطابين عن هذا الخشب.. هل عرفت حديث الحطابين عن نوع الحطب؟ إنه لغتك إذ تكبس فتنقطع عروقك.. ارتخ تطفُ، فإن الماء حولك يسهل تحريك اللسان بالكلام..

ماء العربية لا يشح فبل لسانك وشنف سمعنا بالخطاب.. سئمنا نص الدستور على لسانك حتى كأنه معجون خشب. جمع مغنيك حول زهر الأقحوان في ربيعنا، وحول خطاب الحب في لغة الشباب، وحول صلاة العجائز في الفجر يصلين لنجاح الولدان في المدارس. قل جملة طرية فيها ماء على الريق تغزل قليلا، واكتب نسيبا في الشهيد الأخير.. قل أي شيء فيه روح.

أين أنت إذا نزلت سيول على سهول، وفاضت أنهارنا بالطمي، وحسب الفلاحون عدد السنابل في المزارع وقالوا صابة من صيب وغازلوا زوجاتهم؟ أين أنت من نهر لا يتبع الدساتير ولكنه يأخذ برأي الجاذبية، فيسقي حيت تنبسط الحزون؟ أين أنت إذا علقنا نتائج المدارس ونظمنا احتفالات النجاح؟ أين أنت وقد خرجنا من كورونا على شعب ذكي يتقي الموت بالضحك الكثير والشماتة السمحة؟

أين أنت يا رئيسي؟ هلا تكلمت بغير القانون المعجون في كراسك القديم؟ لنتفق أننا بشر أولا، وأن الدستور ليس ربا للعبادة، إنما هو نص يأتي بعد وجودنا ليرتب قدراتنا على الضحك السعيد .. لقد أوحشتنا يا سيدي، فاتق فينا ربا نصلي له معا في مساجد مجهولة.

-----------
وقع تحوير العنوان الأصلي للمقال
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-06-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حميدة الطيلوش، مصطفي زهران، فوزي مسعود ، محمد العيادي، عبد الله زيدان، محمد علي العقربي، د - الضاوي خوالدية، صباح الموسوي ، كريم فارق، حسن الطرابلسي، د - مصطفى فهمي، سامر أبو رمان ، كريم السليتي، سلام الشماع، فتحي العابد، صفاء العراقي، عمار غيلوفي، يزيد بن الحسين، د - محمد بن موسى الشريف ، د - المنجي الكعبي، محمد الطرابلسي، أ.د. مصطفى رجب، حسن عثمان، فتحـي قاره بيبـان، الهيثم زعفان، د. طارق عبد الحليم، علي الكاش، صالح النعامي ، أشرف إبراهيم حجاج، عبد الله الفقير، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود طرشوبي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عمر غازي، أحمد النعيمي، رافد العزاوي، العادل السمعلي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد بوادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، رشيد السيد أحمد، محمد يحي، نادية سعد، سليمان أحمد أبو ستة، د. أحمد محمد سليمان، طلال قسومي، سامح لطف الله، عبد العزيز كحيل، فتحي الزغل، حاتم الصولي، علي عبد العال، مصطفى منيغ، صلاح الحريري، محمود سلطان، طارق خفاجي، المولدي الفرجاني، مجدى داود، عبد الرزاق قيراط ، مراد قميزة، د - شاكر الحوكي ، د.محمد فتحي عبد العال، د- هاني ابوالفتوح، محمد الياسين، د - محمد بنيعيش، إياد محمود حسين ، سعود السبعاني، د. عبد الآله المالكي، منجي باكير، خالد الجاف ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. أحمد بشير، عبد الغني مزوز، رضا الدبّابي، الهادي المثلوثي، د - صالح المازقي، صفاء العربي، د. خالد الطراولي ، رافع القارصي، إيمى الأشقر، خبَّاب بن مروان الحمد، سلوى المغربي، ضحى عبد الرحمن، فهمي شراب، سفيان عبد الكافي، عزيز العرباوي، إسراء أبو رمان، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، تونسي، د- محمد رحال، رمضان حينوني، محمد أحمد عزوز، محمد عمر غرس الله، أحمد ملحم، رحاب اسعد بيوض التميمي، محرر "بوابتي"، جاسم الرصيف، وائل بنجدو، يحيي البوليني، محمد اسعد بيوض التميمي، بيلسان قيصر، د- محمود علي عريقات، عواطف منصور، أنس الشابي، سيد السباعي، أبو سمية، المولدي اليوسفي، عراق المطيري، محمود فاروق سيد شعبان، د. عادل محمد عايش الأسطل، صلاح المختار، أحمد الحباسي، ياسين أحمد، محمد شمام ، د - عادل رضا، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ماهر عدنان قنديل، د. صلاح عودة الله ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة