البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هكذا تعامل التونسيون مع الأوبئة عبر التاريخ

كاتب المقال عائد عميرة - تونس   
 المشاهدات: 2014



تعيش تونس كغيرها من دول العالم على وقع انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي صنفته منظمة الصحة العالمية "جائحة" نظرًا لخطورته وسرعة انتشاره، لكن بالعودة إلى التاريخ، نجد أن البلاد التونسية واجهت أوبئة عديدة عبر التاريخ.

من الطاعون إلى الكوليرا وصولًا إلى كورونا، أوبئة فتكت بالتونسيين، وكاد بعضها أن يفتك بمعظم سكان البلاد لخطورته وصعوبة السيطرة عليه، في هذا التقرير لنون بوست سنتطرق لأهم الوسائل التي اعتمدت عليها تونس لمقاومة هذه الأوبئة من الاستسلام وانتظار الموت إلى التداوي تقليديًا والدعاء إلى الله والحجر الصحي.

الحجر الصحي أو "الكرنتينة"
منتصف شهر مارس/آذار الماضي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد، إقرار حجر صحي شامل في كامل التراب التونسي، مع تأمين الدولة للمرافق الحيوية من أمن وصحة وغذاء والإبقاء على المحلات التجارية مفتوحة، في إطار إجراءات مواجهة انتشار فيروس كورونا.

وطالب قيس سعيد في كلمته، التونسيين بالبقاء في منازلهم، للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، لتصبح تونس أول دولة عربية تفرض حجرًا صحيًا في كامل أراضيها لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وجاء هذا القرار بعد أيام قليلة من فرض السلطات التونسية حظرًا جزئيًا للتجول في أنحاء البلاد كافة، ومنعت التنقل بين محافظاتها.

وسجلت السلطات التونسية إلى حدود مساء أمس الجمعة، 864 حالة إصابة بفيروس كورونا، و37 حالة وفاة، منذ تفشي المرض في البلاد بداية شهر مارس الماضي، طبقًا لإحصاءات وزارة الصحة التونسية.

قصة التونسيين مع الحجر الصحي ليست جديدة، فخلال انتشار وباء الطاعون في البلاد التونسية سنة 1783، ظهر هذا الإجراء. وصل هذا الوباء حينها عن طريق السفن التجارية القادمة من مدينة الإسكندرية في مصر، وقد خلف عددًا كبيرًا من الضحايا، وذهبت بعض الروايات إلى أن المرض حينها أهلك نسبة من السكان قُدرت بين خمس وثلث مجموع سكان الإيالة التونسية.

حرصت سلطات تونس في ذلك الوقت، على رأسهم الباي "حمودة باشا"على التصدي للوباء وتطويقه خوفًا من هلاك كل الشعب نظرًا لخطورته، وضمن إجراءات التصدي للوباء لجأ الباي لفرض الحجر الصحي على جميع القادمين من أماكن الوباء، وهو ما يعرف حينها بـ"الكرنتينة".

كان يوجد بتونس مكان للحجر الصحي "كرنتينة" في البحيرة قرب حلق الواد لمراقبة السفن التي تأتي من الشرق، فإذا ثبت وجود إصابات بإحدى السفن يخضع كل طاقمها للعزل لمدة 15 يومًا كما تحجز السفينة، كان الهدف من هذا الإجراء التأكد من خلو القادم من أي مرض معدٍ قد ينتقل إلى أهل البلد.

عدم وجود أماكن للحجر الصحي في كل موانئ البلاد، حتم على السلطات إجبار كل السفن المشكوك في وجود إصابات بالوباء بها إلى التنقل لميناء حلق الواد ومنع إرسائها بالموانئ الأخرى، وكان هذا الإجراء سببًا في نشوب حرب بين تونس والبندقية دامت سنوات وانتهت بانتصار تونس.

إضافة إلى ميناء حلق الواد، كان الحجر الصحي يطبق بجزيرة زمبرة خاصة على الحجيج العائدين من مكة المصابين بمرض "الكوليرا" وذلك لمدة 40 يومًا، كما خصص السجن المدني بتونس لحجز المرضى بوباء الطاعون سنة 1930.

خصص الباي وأعيان البلاد القصور والبساتين لعمليات الحجر، من ذلك عزل المُشِير أحمد باي الأول "أَمِيرُ الإِيَالَةِ التُونُسِيةِ"، نفسه في بستان لأحد وزرائه في قرطاج ثم انتقل إلى أحد قصوره، فيما لجأ الأوروبيون إلى قنصليات بلدانهم للهروب من الوباء والابتعاد عن الناس.

أثار هذا الإجراء جدلًا كبيرًا في صفوف العامة والعلماء، فقد حرم الشيخ محمد المناع التونسي (مالكي المذهب) الكرنتينة، وكان محمد المناع التونسي مدرسًا بجامع الزيتونة، واستند في تحريمه لهذا الإجراء إلى أدلة من الكتاب والسنة النبوية، انتهى فيها إلى أنها من جملة الفرار من القضاء، باختصار أن المرض قضاء الله سبحانه وتعالى ومحاولة اتقائه ومقاومته نوع من الفرار أو عدم القبول بقضاء الله، وذلك دلالة على ضعف الإيمان.

جمع 40 شريفًا اسمهم محمد والتوجه إلى الله
ضمن إجراءات التوقي من خطر الأوبئة التي عرفتها تونس أيضًا، نجد ما ذهبت إليه السلطات التونسية سنة 1850، فخلال انتشار الكوليرا في البلاد حينها، وفتكها بآلاف التونسيين لجأ باي البلاد إلى الله حتى يزيح الغمة عن الأهالي.

يذكر المصلح التونسي أحمد بن أبي الضياف في كتابه "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان"، أن العالم الفقيه والقاضي الحنفي محمد بن حسين بيرم أشار على الباي "أحمد باي الأول" بانعقاد موكب خاشع، وجمع 40 شريفًا من أبناء الحاضرة اسمهم محمد في جامع الزيتونة المعمور.

أوكلت لهؤلاء الشرفاء البقاء في الجامع من الصباح إلى الظهر لقراءة سورة يس أربعين مرة، ودعاء الله بدعوات حررها لهم محمد بن حسين بيرم، ناقلًا إياها عن بعض كتب الصالحين، حتى يضمحل المرض بفضله ورحمته، فلم يمانع الباي في ذلك.

الاستسلام للقضاء والقدر
سنة 1818، عرفت حاضرة تونس "الطاعون"، وأول من نبه إليه وفق المؤرخ أحمد بن أبي الضياف حكيم من مسلمة الإفرنج اسمه رجب الطبيب، لكن الغريب أن محمود باي لما علم بالموضوع، أمر بضرب الحكيم وسجنه كالمجرمين.

مع انتشار الوباء وفتكه بالمئات، اضطر البعض للتسليم بضرورة الحظر الصحي "كارنتينة" حتى يتم السيطرة عليه وتجنب بلائه، فيما رأى آخرون عدم وجود مهرب من الطاعون وضرورة التسليم للقضاء والقدر.

في ذلك الوقت، فر العديد من رجالات الدين المعارضين لقرار الحجر الصحي إلى خارج المدن، وأكدوا للأهالي أن هذه الأوبئة هي قضاء الله ويحرم الهروب من قضائه لذلك لا فائدة من الحجر واتخاذ إجراءات للتوقي منه، باستثناء الدعاء والتضرع إلى المولى تعالى.

رفض أغلب شيوخ وفقهاء الدين آنذاك قرار "الكرنتينة" وإغلاق المساجد والأسواق والمدارس القرآنية ومقامات الأولياء، اعتقادًا منهم أن هذا الحظر سيؤثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان، وأن لا فائدة منه إلا مزيد من الذنوب.

برر هذا الموقف التفسير السحري الديني الذي يجعل الطاعون أي الوباء طعن جن ليس بمقدور الإنسان مواجهته، وتدعم هذا الموقف السلبي نظرًا لعجز الطب عن إيجاد دواء لهذا الوباء، لذلك نصح الفقهاء بالاستسلام له والصبر عليه وانتظار الموت.

الطب الشعبي
خوفهم من المرض وعجز الطب عن إيجاد حل لهذه الأوبئة، جعل الناس تلجأ إلى الطب التقليدي (الشعبي)، ويقول أحمد السعداوي في كتابه "المغرب الإسلامي في مواجهة الطاعون..الطاعون الأعظم والطواعين التي تلته القرنين 8-9هجري/ 14-15": "لو رأيت الأعيان ويطالعون من كتب الطب الغوامض ويكثرون في العلاج من أكل النواشف والحوامض".

يضيف أحمد السعداوي "بخروا بيوتهم بالعنبر والكافور والسعة والصندل وتختموا بالياقوت وجعلوا البصل والخل والطحينة من جملة القوت، وأقلوا من الأمراق والفاكهة وقربوا إليهم الأترج وما شابهه".

إلى جانب كل هذه الإجراءات، عمد بايات تونس إلى حرق ثياب الموتى وكسوة بيوتهم وغلقها وغسل الغرباء بالمقابر، بالإضافة إلى دفن الموتى في عمق لا يقل عن المترين، وأجبروا أصحاب العقارات على إصلاح محلاتهم أو بيعها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

كورونا، تونس، الوباء، تاريخ تونس، تاريخ الوباء،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-04-2020   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سعود السبعاني، فتحي الزغل، د. طارق عبد الحليم، بيلسان قيصر، د. كاظم عبد الحسين عباس ، كريم فارق، رافع القارصي، محرر "بوابتي"، د. خالد الطراولي ، محمد الياسين، عواطف منصور، صالح النعامي ، سامح لطف الله، د - محمد بن موسى الشريف ، جاسم الرصيف، أشرف إبراهيم حجاج، عبد الله زيدان، كريم السليتي، د - المنجي الكعبي، صفاء العراقي، عزيز العرباوي، فتحي العابد، رضا الدبّابي، طارق خفاجي، عبد الغني مزوز، سامر أبو رمان ، محمد يحي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمود سلطان، منجي باكير، رمضان حينوني، المولدي الفرجاني، نادية سعد، محمد أحمد عزوز، إسراء أبو رمان، وائل بنجدو، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسن الطرابلسي، أحمد ملحم، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - شاكر الحوكي ، عراق المطيري، محمد علي العقربي، رشيد السيد أحمد، سليمان أحمد أبو ستة، محمد عمر غرس الله، د - محمد بنيعيش، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الله الفقير، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، خبَّاب بن مروان الحمد، سيد السباعي، طلال قسومي، محمود طرشوبي، يحيي البوليني، د- هاني ابوالفتوح، محمد الطرابلسي، صفاء العربي، سفيان عبد الكافي، د- جابر قميحة، أ.د. مصطفى رجب، مصطفى منيغ، مجدى داود، تونسي، إيمى الأشقر، أحمد النعيمي، أبو سمية، فهمي شراب، صلاح الحريري، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. أحمد محمد سليمان، أنس الشابي، الهيثم زعفان، محمود فاروق سيد شعبان، د. مصطفى يوسف اللداوي، عمر غازي، د - مصطفى فهمي، محمد العيادي، د. عادل محمد عايش الأسطل، حسن عثمان، ضحى عبد الرحمن، خالد الجاف ، د. أحمد بشير، محمد شمام ، فوزي مسعود ، رافد العزاوي، صباح الموسوي ، الهادي المثلوثي، رحاب اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، علي الكاش، يزيد بن الحسين، مراد قميزة، حميدة الطيلوش، علي عبد العال، إياد محمود حسين ، مصطفي زهران، أحمد بوادي، عبد العزيز كحيل، أحمد الحباسي، د- محمود علي عريقات، الناصر الرقيق، فتحـي قاره بيبـان، د.محمد فتحي عبد العال، د. صلاح عودة الله ، صلاح المختار، د - صالح المازقي، سلوى المغربي، د - الضاوي خوالدية، العادل السمعلي، المولدي اليوسفي، د - عادل رضا، د. عبد الآله المالكي، ياسين أحمد، عبد الرزاق قيراط ، د- محمد رحال، عمار غيلوفي، ماهر عدنان قنديل، حاتم الصولي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة