البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

محمد عمارة المفكر الحي

كاتب المقال سمية الغنوشي - تونس   
 المشاهدات: 2179


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يمثل محمد عمارة، الكاتب والمفكر المصري، نموذجًا فريدًا من نوعه في الساحة العربية والإسلامية الأوسع. لا يعود ذلك لغزارة كتاباته وتنوع عناوينه، التي غطت ساحات وتخصصات متعددة فحسب، بل للمسار الفكري الذي اختطه لنفسه ومنحه ملمحًا خاصًا وبصمة مميزة في المشهد الإسلامي.

بدأ محمد عمارة حياته الفكرية يساري التوجه قومي الهوى. لكنّ المثقف المتشبّع بالتراث الإسلامي والتقاليد الأزهرية العريقة، لم يفقد توازنه حتى في الحقبة اليسارية. فاليسار لم يعن له غير مناهضة الاستعمار والهيمنة الإمبريالية على مصير الأمة العربية ومقدراتها، والدفاع عن العدالة الاجتماعية ومصالح المهمّشين والمفقّرين.


أتاحت له صدمة السجن زمن عبد الناصر تأمّل مساره وتصويب بوصلته الفكرية، فدنا من التوجهات الإسلامية، دون تقيد أيديولوجي أو انتماء حصري واضح.

كتب عمارة في قضايا شتى، وأغنى المكتبة العربية بما يربو عن سبعين عنوانًا. كتب عن المعتزلة والأشاعرة، وعن الغزالي وابن رشد، وعن ابن تيمية والشوكاني، وخير الدين التونسي وعلي عبد الرزاق، وعن الإصلاح الديني في المشرق والمغرب.

ساجل تيارات التشدد من العلمانيين والإسلاميين ودافع عن قيم الحرية والعدالة ووقف إلى جانب ثورات الشعوب ورفض الانقلابات وحكم العسكر. ظل صامدا على مواقفه ولم يبدّل تبديلا، حتى حين دوّى الرصاص وخيّم الخوف على مصر وفتحت السجون على مصراعيها وانتصبت المشانق مجدّدا.

تحرّك عمارة على خطين مترابطين جعلا منه ظاهرة فريدة في الساحة العربية والإسلامية:

1- أعاد عمارة وصل الحركة الإصلاحية بالتيار الإسلامي، بفضل جمعه وتحقيقه ادبيات الاصلاحيين، من الأفغاني وعبده، إلى رشيد رضا والكواكبي وشكيب ارسلان وسعد زغلول وعبد العزيز الثعالبي.. بينما اتجهت الحالة الإسلامية، تحت تاثير مشيخات النفط، نحو الفكر السلفي، بقي محمد عمارة ثابتا على الخط الاصلاحي المستنير. بفكره وقلمه وجهاده السياسي، كان تلميذًا وفيًا أصيلًا لآباء الاصلاح الاسلامي وروّاده.

2- اتجه الإسلاميون إلى مناهضة القومية العربية، جرّاء الصدام المرير مع عبد الناصر، ووصل بهم الأمر حدّ اعتبار الرابطة العربية ضربًا من ضروب الجاهلية والخروج على الإسلام، كما فعل سيد قطب. تصدّى عمارة لهذه الموجة، مبيّنا عمق الصلة بين العروبة والإسلام، مؤكّدا أن العرب رافعة أساسية لنهوض الإسلام والمسلمين، ومدافعا عن فكرة الوحدة العربية في واقع التجزئة والوهن الذي يتخبط في أتونه العرب.

بقي عمارة في هذا أيضا وفيًا للحركة الإصلاحية، التي أكدت على أهمية الرابطة العربية، وسعت لتخليص مشروع الرابطة العربية من مخلّفات النزاع العربي التركي، الذي ظهر أواخر الدولة العثمانية وكانت نتائجه وخيمة على العرب والترك على السواء.

القومية العربية عند عمارة ببساطة مشروع سياسي لوحدة العرب ونهوضهم، في إطار التكامل مع الجوار الإسلامي، وليست انتماءً عقائديا ايديولوجيا، كما هي عند القوميين العرب.

بحكم خلفيته الأزهرية وتكوينه الإسلامي العميق، وقف عمارة جريئا ثابتا في وجه موجة التشدد الإسلامي التي ارتفعت في مصر ، مع بروز تيارات التطرف، كالتكفير والهجرة والجماعة الإسلامية، منتصرا لمعاني الوسطية والاعتدال في فهم النصوص والواقع.

قاوم عمارة مشايخ الوهابية المدعومة سعوديًا، بفكره وقلمه ولسانه، مؤصّلا للتعدد المذهبي والتسامح الديني، ولقيم الفن والجمال في الإسلام. أصّل فكرة الحرية والديمقراطية، ورفض الحكم الفردي والشمولي.

وعلى الضفة المقابلة، ساجل رموز العدمية الحداثية، الذين سعوا جاهدين لتقويض كل ثوابت الدين والنصوص، ومناهضة كل ما له صلة بالإسلام والتراث الأزهري، وجادلهم بلا كلل او ملل.

ولعل هذا ما يفسر حساسية، بل عداء هؤلاء له ولاطروحاته.

وقف خارج الحدود الأيديولوجية والتنظيمية، لكنه كان صاحب صولات وجولات في المحطات الحاسمة.

ناصر ثورة 25 يناير دون تردد، عنوانًا لتحرر مصر والأمة العربية، وساهم في وضع الدستور الجديد. وحين داست الدبابات على الصناديق وسالت الدماء في الشوارع انهارا، رفع صوته ضد الانقلاب وحكم العسكر. ظل معتصما بقلمه وصلابة فكره وحجته الدامغة، منافحا عن قيم الحرية والديمقراطية والعدالة.

لكن عمارة، على جلال قدره وعمق تفكيره وثرائه لم ينل بعد ما يستحق من العناية والاهتمام، وهو الذي غطت أعماله مساحات شاسعة، امتدت من علم الكلام والفلسفة والأصول الى التاريخ والسياسة وعلم الاجتماع.

ونحن اليوم احوج ما يكون لفكره، الجامع بين التجذّر العميق في التراث، والوعي التاريخي المتّقد، والانفتاح على آفاق المستقبل..

رحم الله محمد عمارة، الفقيه واللغوي والمفكر والفيلسوف والسياسي الأريب.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

محمد عمارة، الفكر، الفكر الإسلامي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-03-2020  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أبو سمية، المولدي اليوسفي، الناصر الرقيق، صلاح المختار، عبد الله زيدان، علي عبد العال، محمد الطرابلسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - عادل رضا، حميدة الطيلوش، صلاح الحريري، أحمد النعيمي، محرر "بوابتي"، عراق المطيري، فهمي شراب، فوزي مسعود ، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد بوادي، علي الكاش، فتحي الزغل، محمود فاروق سيد شعبان، د- جابر قميحة، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الرزاق قيراط ، المولدي الفرجاني، ياسين أحمد، سلوى المغربي، طارق خفاجي، جاسم الرصيف، د - محمد بنيعيش، د. طارق عبد الحليم، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، رمضان حينوني، ضحى عبد الرحمن، رافد العزاوي، نادية سعد، أحمد الحباسي، فتحي العابد، سليمان أحمد أبو ستة، رشيد السيد أحمد، د. عبد الآله المالكي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - الضاوي خوالدية، محمد علي العقربي، أ.د. مصطفى رجب، يحيي البوليني، الهيثم زعفان، العادل السمعلي، محمد يحي، فتحـي قاره بيبـان، د. أحمد بشير، محمود سلطان، صباح الموسوي ، د- محمد رحال، محمد العيادي، عبد العزيز كحيل، د- محمود علي عريقات، كريم فارق، عواطف منصور، وائل بنجدو، محمد الياسين، صفاء العربي، سفيان عبد الكافي، تونسي، عمر غازي، محمود طرشوبي، د. خالد الطراولي ، محمد أحمد عزوز، إسراء أبو رمان، صالح النعامي ، عبد الله الفقير، عبد الغني مزوز، إياد محمود حسين ، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفي زهران، مجدى داود، عمار غيلوفي، د - المنجي الكعبي، محمد عمر غرس الله، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - صالح المازقي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أنس الشابي، سيد السباعي، سامح لطف الله، مراد قميزة، د - محمد بن موسى الشريف ، منجي باكير، محمد اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد شمام ، حسن الطرابلسي، طلال قسومي، إيمى الأشقر، د - شاكر الحوكي ، ماهر عدنان قنديل، حاتم الصولي، كريم السليتي، الهادي المثلوثي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العراقي، خبَّاب بن مروان الحمد، رافع القارصي، أحمد ملحم، سعود السبعاني، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. أحمد محمد سليمان، د. صلاح عودة الله ، يزيد بن الحسين، د - مصطفى فهمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- هاني ابوالفتوح، سامر أبو رمان ، بيلسان قيصر، رضا الدبّابي، عزيز العرباوي، سلام الشماع، حسن عثمان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز