خمسةُ أشهر مرت على الانتخابات التشريعية في تونس، فترة لم تكن كفيلة إلى الآن بتشكيل الحكومة التي يترقبها التونسيون لإنقاذ الوضع في بلادهم، الذي يزداد تأزمًا يومًا بعد يوم، حتى إننا أصبحنا اليوم أمام فرضية إعادة الانتخابات في ظل هذا الانسداد السياسي والعجز عن تشكيل حكومة.
النهضة تلوح بالذهاب إلى انتخابات مبكرة
حركة النهضة الإسلامية الحائزة على أغلبية مقاعد البرلمان، أوصت في ختام مجلس الشورى الخاص بها، مكتبها التنفيذي بـ"التهيؤ لكل الاحتمالات، بما فيها الانتخابات السابقة لأوانها، على أن يبقى مجلس الشورى في حالة انعقاد دائم".
وأوضح رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني أن شورى الحركة أوصى المكتب التنفيذي للحركة بالاستعداد لكل الاحتمالات، بما في ذلك انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وقال في ندوة صحفية: "إذا فشلنا في تشكيل حكومة علينا أن نعود للشعب التونسي الذي سيأخذ بعين الاعتبار كل ما حصل في مفاوضات تشكيل الحكومة".
موقف حركة النهضة، جاء بعد تأكيد رئيس الحكومة التونسية المُكلف إلياس الفخفاخ في مؤتمر صحفي عقد الجمعة بدار الضيافة بالعاصمة تونس، أن حزبي "قلب تونس" و"الدستوري الحر" سيكونان خارج الائتلاف الحكومي.
واستند هذا الموقف أيضًا إلى تعهد الفخفاخ بتشكيل حكومة سياسية مصغرة لا تتجاوز 25 حقيبة وزارية، فيما يدعو مجلس شورى النهضة إلى تكوين حكومة واسعة تؤمن حزامًا برلمانيًا وسياسيًا واسعًا، وتوسيع مشاورات تشكيل الحكومة، لتشمل مختلف الكتل النيابية، لتوفير حزام سياسي واسع، مثلما ورد في نص التكليف الصادر عن رئيس الجمهورية، بما يضمن الوصول إلى حكومة وحدة وطنية ذات مضمون اجتماعي ديمقراطي"، حسب بيان للمجلس.
كلف الرئيس سعيد، الإثنين الماضي، إلياس الفخفاخ، وزير المالية الأسبق والقيادي في حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"، بتشكيل حكومة خلال شهر، بدأ في 21 من يناير/كانون الثاني الحالي، وهي مهلة غير قابلة للتجديد.
وجاء تكليف الفخفاخ في أعقاب رفض مجلس نواب الشعب (البرلمان) في 10 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، منح الثقة للحكومة التي قدمها رئيس الوزراء المكلف الحبيب الجملي، وفشل الجملي في تمرير حكومة كفاءات خالية من مشاركة الأحزاب، بعد أسابيع من المشاورات، إذ صوت 134 نائبًا ضد الحكومة، في حين صوت 72 لصالحها وتحفظ ثلاثة نواب.
بحسب مقتضيات الفصل 89 من الدستور، أمام الفخفاخ مهلة شهر لتشكيل حكومته وعرضها على البرلمان بعد فشل حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان، ويعطي الدستور التونسي الحق لرئيس الجمهورية في حال تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه 45 يومًا وأقصاه 90 يومًا.
تنبيه إلياس فخفاخ لتفادي الخطأ
موقف حركة النهضة في خصوص الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، في تقدير المحلل السياسي التونسي عبد السلام الزبيدي، "ليس تهديدًا وإنما إعلان إمكانية الذهاب لخيار نص عليه الدستور المصادق عليه في فبراير/شباط 2014".
ويرى الزبيدي في حديث لنون بوست أن "التلميح لهذا الخيار يعتبر محاولة لإيقاظ وتنبيه إلياس فخفاخ إلى ضرورة تدارك خطئه الذي يتمثل في إقصاء بعض الأطراف عن المشاركة في الحكومة المقبلة رغم أننا في فترة انتقال ديمقراطي ولسنا في فترة استقرار يمكن أن يكون فيها فرز أو إقصاء".
ويرى محدثنا أن "خسارة سنة أو سنة إلا ربع أفضل بكثير من خسارة 5 سنوات في محاولات لتشكيل حكومة غير قابلة للحياة"، ويضيف "هذا الخيار له كلفته الباهظة باعتبار أن الأطراف الدولية تنتظر تونس للتفاوض معها، وهناك استحقاقات اجتماعية واقتصادية، لكن أن نعيد الانتخابات ويكون الفرز على قاعدة واضحة وتغيير النظام الانتخابي أفضل"، و"تشهد تونس اليوم صعوبات كبيرة جديدة، وتشكيل حكومة جديدة أمر ضروري لحل الإشكاليات الآنية التي تعرفها البلاد ذات العلاقة بالتوازنات المالية العامة والمديونية والمقدرة الشرائية"، وتساءل محدثنا "هل تشكيل الحكومة غاية بحد ذاتها، طبعًا لا"، وفق قوله
يؤكد المحلل السياسي التونسي أن تشكيل الحكومة في بلاده ضروري، لكن "الأهم أن تكون هذه الحكومة قابلة للحياة، فوجود 5 أو 6 أحزاب في حكومة تختلف عقائديًا واقتصاديًا مثل التي يعمل على تشكيلها إلياس الفخفاخ يمكن أن تتعثر مع أول أزمة، كما ستكون بالضرورة عاجزة عن استكمال المؤسسات الدستورية كالمحكمة الدستورية وهيئة الانتخابات التي يتطلب انتخاب أعضاء فيها الأغلبية داخل البرلمان".
هذا الرأي للزبيدي، يشاركه فيه العديد من التونسيين، كونهم لا يريدون تكرار نفس التجربة التي عرفتها البلاد عقب انتخابات 2014، حيث عرفت تونس تشكيل العديد من الحكومات التي لم تقدر على تحقيق آمال التونسيين وبقيت رهينة الحسابات السياسية الضيقة، ويأمل التونسيون أن تتشكل في بلادهم التي تعرف انتقالًا ديمقراطيًا منذ سنة 2011، حكومة متماسكة لها القدرة في إنقاذ البلاد من أزماته المتكررة وأن تضع حدًا لمشاكل البلاد.
قانون انتخابي معطل
يرجع عبد السلام الزبيدي هذه الضبابية التي تعرفها تونس، إلى القانون الانتخابي، حيث يقول في هذا الشأن لنون بوست: "ما نعيشه اليوم هو حصيلة ونتيجة شبه طبيعية لنظام انتخابي لم يفرز أي أغلبية كبرى في كل المحطات الانتخابية التي عرفتها تونس منذ سنة 2011، فدائمًا ما نضطر إلى إجراء توافقات بين أحزاب لا تتفق في الخلفية الأيديولوجية والعقائدية ولا تتفق أيضًا في التوجه الاقتصادي".
يضيف محدثنا "في انتخابات 2011 و2014، لم تفرز الانتخابات أغلبية لكن تمكنا من إيجاد توليفة بين حزبين أو ثلاثة، لكن في هذه الانتخابات الأخيرة التي عرفتها تونس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أكثر حزب حصل على 18% من الأصوات، لذلك فإن إيجاد توليفة بناء على نتائج الانتخابات أمر صعب جدًا".
يؤكد الزبيدي ضرورة العودة إلى "المشكل الأصلي وهو القانون الانتخابي، فما نجده اليوم ليس بالضرورة تلكؤ حزب بقدر ما هو خلل في النظام الانتخابي الذي تم إقراره سابقًا ونجني ثماره الآن، وهو ما يستوجب تعديله".
ولا يسمح النظام الانتخابي الحاليّ في تونس الذي يعتمد على نظام الاقتراع النسبي مع أكبر بقايا الانتخابات، لأي حزب بالفوز بالأغلبية المطلقة للأصوات بالبرلمان (109 مقاعد)، وهو ما يحتم على الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد البحث عن تحالفات سياسية أخرى، كما حصل مع حركة نداء تونس في انتخابات 2014.
ترى العديد من الأحزاب التونسية، ضرورة تعديل هذا القانون وإقرار "عتبة انتخابية" لترشيد الأصوات وتفادي تشتتها، ونعني بالعتبة الحد الأدنى من الأصوات التي يشترط القانون الحصول عليها من القائمة المترشحة، ليكون لها حق في الحصول على حصة ضمن المقاعد المتنافس عليها في الانتخابات.
وساهم القانون الانتخابي الحاليّ في تونس في وجود مشهد برلماني فسيفسائي يميزه التشتت والاختلاف بين مكوناته، مما يصعب عمل أي حكومة، فكل طرف يسعى لتحقيق مصالحه دون إيلاء أي اهتمام لمصلحة البلاد الأولى.
من شأن تعديل القانون الانتخابي الحاليّ، القضاء على التشتت الحزبي داخل البرلمان التونسي ويسهل تمرير مشاريع القوانين المعطلة، ويسهل عمل أي حكومة قادمة، لذلك تسعى العديد من الأطراف إلى إقراره من الرئيس، خاصة أن البرلمان السابق أقر تعديل كهذا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: