البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الأحزاب ضد الديمقراطية في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2313



نخوض جدالا منذ سنوات مع أصدقاء متحزبين يعيبون علينا نقدنا للأداء السياسي الحزبي في تونس، ويصرون ولا نختلف معهم من حيث المبدأ على دور الأحزاب في تطوير العمل السياسي وبناء الديمقراطية. هذا على الأقل ما شاهدناه وما اطلعنا عليه في التجربة السياسية الغربية التي نحاول تقليدها، لكن الحالة التونسية الماثلة أمامنا وخاصة الأداء الحزبي لما بعد انتخابات 2019 ومناورات تشكيل الحكومة؛ يقدم مثالا ساطعا على تخريب الأحزاب للديمقراطية وللحياة السياسية عامة، بما يدفع أشخاصا كثرا إلى عدم التحزب، نجاة من الدخول في ورطة لا مخرج منها إلا بالاستقالة وإعلان البراءة.

سأقدم أمثلة على تمزق الحزبيين بين ولائهم الفئوي وبين المصلحة الوطنية..

مفاوضات التشكيل وانكشاف الشقوق الحزبية

لا ننطلق من صورة مثالية عن حزب منضبط انضباطا عسكريا وعناصره منسجمة في كل المجالات. هذا نموذج الأحزاب الفاشية التي يقودها فرد متغطرس، وهي نماذج معادية بالقوة للديمقراطية، لكن عندما تظهر خلافات حول الموقف داخل الديمقراطية فإن الخلافات تكشف حالة تنافر في الرؤى والخيارات، وتكشف خاصة أن الأحزاب تتحول إلى مقابر للكفاءات والشخصيات.

لقد عاينا حزب التيار الديمقراطي منقسما على نفسه لجهة المشاركة في الحكومة؛ بين الخبراء وبين الأيديولوجيين. فقد مال ذوو الكفاءة إلى المشاركة، ومنعهم الإقصائيون من الاقتراب من الحزب الفائز. النتيجة المباشرة أنه حافظ الحزب على تماسكه ومنع كفاءات عالية من المشاركة في إدارة البلد. والنتيجة الأبعد هي تحويل الحزب إلى قوقعة منغلقة على نفسها خوف الانفجار، وهذا في تقديرنا خطوة نحو الموت السياسي.

ويمكن أن نقول شيئا مشابها عن حركة الشعب لولا أننا نشك في وجود كفاءات سياسية في هذه المجموعة؛ لأننا لا نعتقد أن شخصا مهما كان تكوينه العلمي وتجربته السياسية ما زال يظن أن معمر القذافي زعيم مبدع وخلاق، وله رؤية ويمكن أن يكون كفاءة تدير دولة ضمن ديمقراطية. ولكن نعرف أن هذا الحزب جنح إلى عدم المشاركة خوف انكساره بين القذاذفة، وهم مكون رئيسي فيه، وبين غيرهم. وجميعهم في الحقيقة طابور خامس لحفتر طريد القذافي نفسه.

صراعات الزعامة في النهضة وراء الأداء الكارثي في التفاوض

بات واضحا أن حزب النهضة منقسم إلى أكثر من شقين سياسيين لا جامع بينهم، وأن الصراع على كرسي الغنوشي المؤسس قد بات هو المحرك الرئيسي في أداء الحزب في كل المسائل المتعلقة بإدارة الحزب وإدارة الدولة التي فوض الشعبُ الحزبَ للقيام بها.

ظن كثيرون مثلنا أن الرابطة الدينية ورابط المعاناة الطويلة يلحمان أركان الحزب ويحميانه من الانقسام، ولكن عاينّا خطأ هذا التقدير الذي لا يخلو من مثالية جاهلة بطبيعة الأفراد. لقد استنزفت كل الروابط، وعلا دخان المعارك الداخلية.

لقد انقسم الحزب بين جهات تفاوض مضحية بالديمقراطية إذ تستهين بحكم الصندوق وتقدم مغانم الأفراد، فسمعنا الحديث عن المستوزرين المدمنين وعن غيرهم. وهذا كشف بدوره طبيعة الشقوق داخل الحزب، ويمكن أن نعود إلى الوراء قليلا لنفهمها.

يوجد عائق كبير داخل الحزب، وأعتقد أنه عائق يشمل كل الأحزاب الإسلامية، فهي أحزاب تربي أفرادها على الطاعة فتمنعهم من التفكير. وهو مرض/ إعاقة نعرفها في الأحزاب اليسارية بامتياز، لكننا وجدناها عند الحزب الإسلامي. لذلك يوجد شخص واحد يفكر ويكتب، بينما يمكث الباقون في وضع التلقي الدائم كأنهم أطفال الحطيئة (زغب الحواصل لا ماء ولا شجر).

منع التفكير تجلى لنا في تقدم الحزب للحكم دون برنامج ودخوله مفاوضا على مواقع لا على أفكار، لذلك أدار مفاوضات تشكيل الحكومة بطريقة كارثية عليه وعلى البلد وعلى المشهد الحزبي عامة، فصار التحزب/ الانتماء مرادفا لأحد أمرين: إما مغنم بأي ثمن، أو حالة انحباس فكري ونكوص إلى التبرير بوضع الضحية.

أزمة تشكيل حكومة 2020 سيكون لها أثر مدمر على حزب النهضة، وسيدخل مؤتمره الحادي عشر لينكشف الفراغ الداخلي لحزب كبير الحجم، ولكن بلا أطروحة حكم تعجز الأحزاب الإسلامية عن تقديمها للناس. وبالتوازي يمكن القول إنه قد انتهى أثر المعاناة المشتركة أمام استحقاقات الحكم، ولم يعد خطاب الضحية يقنع أحدا.

خلاصة بائسة لمشهد حزبي بائس

لم نتحدث هنا عن الأحزاب الخارجة من فلول التجمع المخلوع، فهي لا تعدو عندنا أن تكون قطعان ضباع تخرج للصيد وتفترس كل ما في طريقها، وهي أحد أهم الأسباب التي تجعل المشهد السياسي الحزبي في تونس بائسا. نظرنا في ما يمكن تسميته بالأحزاب الجديدة (التي كان التجمع يمنعها من الوجود)، فإذا هي غير مختلفة عنه إلا في التسميات. فلقد وجدنا عاهات التجمع متوفرة فيها كأنها نسخ منه، لذلك نعتقد أنها وهي تحاول تجميع الأفراد وانتداب الكفاءات؛ تقوم بتنفيرها من التحزب المنغلق الذي يلزم الأفراد بعدم التفكير وإطاعة الشخصية الأولى في الحزب.

أحزاب قواقع فارغة، بينما تمكث أغلب كفاءات البلد خارج كل تنظيم حزبي، ويمكن فهم ميل رئيس الحكومة المكلف (السيد الحبيب الجملي) إلى توليف حكومة من المستقلين كعلامة متقدمة على مستقبل العمل السياسي والحكومي، وعلى أن الأحزاب فارغة وغير قادرة على فرض حكومة سياسية.

نضطر مرة أخرى للمقارنة مع مشهد حزبي متحرك في الديمقراطيات الغربية؛ قدم فيها التحالف العملي المنتج على الأيديولوجيا وعلى دور الشخصية القائدة (الزعيم الأوحد)، أي اللقاء حول المشتركات ضمن أطروحات حكم ذات طبيعة عملية (تقديم النجاعة على المثال) خاصة في الثلاثين سنة الأخيرة. وفي المقارنة نجد الأحزاب التونسية أدوات تنفير من السياسة، حيث تقدم مصلحة الحزب على مصلحة الوطن لتقدم مصلحة الزعيم على مصالح المكونات الحزبية المختلفة، وخاصة على من يمكن أن يكون كفاءة حكم.

وفي عالم متحرر من عبادة الأفراد يبدو أن الأفق الوحيد الممكن لهذه الأحزاب هو أن تموت بسرعة، لينطلق مشهد سياسي جديد بعيد عنها وعن زعاماتها المقدسة. فالعجز عن التطور في ظروف مشابهة لتشكيل حكومة 2020 في تونس ينبئ بأن مصير الأحزاب العاجزة عن التطور هو الموت، وهو قانون دارويني بامتياز. أفق اندثار الأحزاب ونشأة حياة سياسية جديدة لا نملك تخيلها الآن؛ هو الفائدة الأكبر لتونس من فشل تشكيل حكومة تونس بنتائج انتخابات 2019. ورب ضارة نافعة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، اليسار التونسي، اليسار بتونس، الثورات المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-01-2020   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد اسعد بيوض التميمي، سيد السباعي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صلاح الحريري، خالد الجاف ، رضا الدبّابي، رشيد السيد أحمد، رمضان حينوني، محمود طرشوبي، صفاء العراقي، الناصر الرقيق، أ.د. مصطفى رجب، علي عبد العال، رافد العزاوي، سامح لطف الله، أشرف إبراهيم حجاج، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمود علي عريقات، عزيز العرباوي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حميدة الطيلوش، رافع القارصي، عبد الغني مزوز، محمود سلطان، أحمد بوادي، عبد العزيز كحيل، د - الضاوي خوالدية، د - صالح المازقي، طلال قسومي، إيمى الأشقر، حسن عثمان، فتحـي قاره بيبـان، ماهر عدنان قنديل، سلوى المغربي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. صلاح عودة الله ، سفيان عبد الكافي، د - مصطفى فهمي، مجدى داود، محمود فاروق سيد شعبان، منجي باكير، محمد عمر غرس الله، سامر أبو رمان ، عمر غازي، د- جابر قميحة، محمد علي العقربي، فهمي شراب، د. عبد الآله المالكي، الهيثم زعفان، تونسي، د. أحمد بشير، مراد قميزة، بيلسان قيصر، د - محمد بنيعيش، د - عادل رضا، عبد الله زيدان، د- محمد رحال، فتحي العابد، صالح النعامي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، يزيد بن الحسين، نادية سعد، أحمد النعيمي، المولدي اليوسفي، عبد الرزاق قيراط ، سليمان أحمد أبو ستة، محرر "بوابتي"، عمار غيلوفي، د. خالد الطراولي ، المولدي الفرجاني، د. أحمد محمد سليمان، علي الكاش، أبو سمية، الهادي المثلوثي، العادل السمعلي، جاسم الرصيف، أحمد الحباسي، فوزي مسعود ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد أحمد عزوز، مصطفى منيغ، أحمد ملحم، سعود السبعاني، كريم فارق، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد شمام ، سلام الشماع، إسراء أبو رمان، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، صلاح المختار، عواطف منصور، محمد الياسين، وائل بنجدو، محمد يحي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد الطرابلسي، حاتم الصولي، فتحي الزغل، عراق المطيري، د- هاني ابوالفتوح، طارق خفاجي، د - شاكر الحوكي ، د - المنجي الكعبي، صباح الموسوي ، صفاء العربي، ضحى عبد الرحمن، مصطفي زهران، ياسين أحمد، أنس الشابي، حسن الطرابلسي، يحيي البوليني، إياد محمود حسين ، عبد الله الفقير، محمد العيادي، د.محمد فتحي عبد العال، كريم السليتي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة