البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: عبير موسي واجهة لليسار الإستئصالي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2301



لم تكن عبير موسي إلا واجهة، لكنها كانت واجهة شفافة فاضحة، ولقد فضحت أنصارها ومحركيها بحركة واحدة لم تدم إلا وقتا وجيزا، وقد أعادت بوصلة المراقبين إلى قطبها. الفاشيون يتخفون داخل السيستام ويحركون عبير الواجهة القاصرة المولية. لم يستغرق الأمر أكثر من أسبوع لنرى الجميع عراة مفضوحين.

لقد انكشف التحالف بين الأجنحة الفاشية في السيستام: جناح التجمعيين الظاهر في عبير، وجناح اليسار الاستئصالي الكامن وله أنصار من غير اليسار الصريح الذي فشل في دخول البرلمان، فحرك التجمعيون حليفهم الأبدي ووسيلتهم في حربهم الخفية والظاهرة ضد الإسلاميين. وقد فشلوا مرة أخرى وسنوضح.

عبير واجهة لليسار الفاشي

الوجه القانوني الحزبي الظاهر لعبير موسي هو الوجه التجمعي الذي يدافع عن تجربة الفاشية ودولة القمع، لكن الوجه الحقيقي هو الاستئصال السياسي الموجه ضد الإسلاميين أولا، وضد الديمقراطية التي سمحت لهم بالحياة، بقطع النظر عما إذا كانت حياة كريمة فيها حقوق مساوية لبقية المواطنين. انكشف الوجه الأول منذ الحملة الانتخابية، بل منذ تأسيس الحزب تحت حكم الباجي وجمع أشد الاستئصاليين في صفوفه، وخاصة الكثير من ضباط ابن علي المهزومين أمام الثورة. لكن الوجه الثاني ظل كامنا ولا يزال يتخفى، لكنه يستثمر في عبير موسى ويدفع "نضالها" ضد الإسلاميين إلى مداه. فالطرفان أو الوجهان (التجمعي واليساري الاستئصالي) يلتقيان في الهدف وفي الوسيلة لمنع الإسلاميين من الحياة.

متابعة المواقف من خارج المجلس كشفت أن اللقاء حاصل، وأن صفحات التحريض اليساري كانت تدفع عبير إلى التمسك بموقفها وتعلن التضامن معها. وربما كان بعضها في مظاهرة الإسناد التي وقفت خارج البرلمان، بدعم مباشر من قنوات إعلامية خاصة وقفت دوما ضد الإسلاميين وضد الثورة ورذلت مخرجاتها، حتى أنها استعملت تقنية الفوتوشوب لتوهم بمظاهرة كبيرة تقف خارج البرلمان. كل الذين عجزوا عن دخول البرلمان عبر الصندوق وقفوا مع عبير في ثورته ضد رئيس المجلس ونوابه الذين لم تنادهم يوما باسمهم السياسي.

الفاشلون يركبون الفُرْكَة

يتوهم البعض في المِذْرَاة (الفركة) حصانا فيركبه فيبارك له الساخرون حصانه. وقد رأينا من يرى في عبير حصانا فركب وتوهم فروسية هذا أو هؤلاء. الركاب كثر في الأسماء وواحد في التوجه.. إنهم فيلق ابن علي الاستئصالي الذي خاض معركة تطهير تونس من الإسلاميين لمدة نصف قرن وفشل، فبقي الإسلاميون واندثر هو. وكانت انتخابات 2019 هي إعلان موكب دفنه، لكنه يصر على التنفس بقصبة التجمع مرة أخرى، وأعني فصائل اليسار الفاشل.

لم يدخل هذا اليسار نزالا انتخابيا وفاز فيه، إلا إذا أفسد سبل الوصول إلى الصندوق، وهو يفعل ذلك دوما في النقابات ويحتكرها. لذلك، خير دوما التخفي في جسد حزب السلطة، فهي منظّر التجمع الذي يحكم من وراء ستار، بالنظر خاصة إلى أن التجمع كان ولا يزال تجمع جهلة مغرمين فقط بمغانم مادية، وليس له أي طرح فكري يعارض به أطروحات الإسلاميين (على خوائها).

خسر اليسار في 2011 فاشتغل عصا غليظة في اعتصام الرحيل حتى سقط الإسلاميون وفاز الباجي في 2014، فسكن اليسار الفاشل القصر يكيد للإسلاميين ويفكك جمعياتهم ويهاجمهم إعلاميا. وخاض نزالات 2019 وانكسر نهائيا، لكنه وجد في عبير صوتا عائدا من زمن سحيق، فوقف وراءها يدفعها إلى التطرف في فاشيتها وخسر مرة أخرى. فالفاشية عجزت عن إيقاف مسار العمل البرلماني، ولم تنل من اعتصامها غير نقمة قطاع واسع من الشعب التونسي ينتظر أن يتم مناقشة قانون الموازنة لتجد الحكومة القادمة وسيلة لتصريف الرواتب.

التخفي في جسد آخر هي تقنية اليسار التونسي (وربما العربي) منذ أول الثمانينيات والفشل في النزالات الانتخابية هو مصيره الدائم، لذلك وصل مرحلة الاعتماد على أمثال عبير موسى، وهي امرأة قاصر في فكرها وفي سياساتها، وليس لها إلا هدف وحيد الحرب على الإسلاميين (دون معنى آخر). ولأنها بلا هدف حقيقي خاص بها، فإن اليسار وجد فيها مركوبا جيدا لهدفه. فهي تؤدي المهمة هذه المرة في البرلمان بعد أن عجز هو عند دخوله. وهذا سر حملة التعاطف الإعلامي معها وسر الصفحات الكثيرة التي صورتها بصورة الضحية بحثا لها عن سند شعبي، لكن اللعبة انفضت سريعا.

لذلك فالمراقب يرى أنه بعد الرهان على الباجي بتجربة السياسية الكبيرة، ينتهي اليسار إلى الرهان على عبير، فيكون ذلك علامة على هزيمة أخرى تكمل هزيمة انتخابات 2019، وتؤذن بإغلاق حيل السكن في أجساد أخرى لتحقيق أهداف لم يحققها الوجود المباشر. فمن لم يقدر بنفسه لن يقدر بغيره. وقد صارت هذه قاعدة حكم في تونس، فكل من استعار جسم التجمع سقط معه.

انتهت الأجسام البديلة بعد أن عجز الجسد الأصلي عن حمل أصحابه وأفكارهم نحو السلطة. عبير الفاشلة آذنت بنهاية اليسار الاستئصالي، وفقدت في مسرحها الأخير كل قدرة على إخفاء اليسار تحت فستانها. إنها نهاية مزدوجة: الساكن والمسكون لم يفلحا في تحقيق هدفهما. لقد بقي الإسلاميون في مكانهم ويفاوضون على حكومتهم، واحتمال نجاحهم أكبر من احتمال فشلهم. وعندهم أمل (يظهر خاصة في برودة أعصاب زعيمهم) أن الذكاء الذي دفع إلى الاعتماد على عبير قد ضيع سبيله وفقد حجته.

النقاش تغير بعد حادثة البرلمان

ستكون حادثة مرجعية.. لم يعد لهذا الحزب من حجة. لقد صعد بسرعة ضد النهضة (الحزب الأول)، فانقلب الأمر عليه فوجد نفسه ضد الشعب التونسي برمته (طبعا أستثني بعد النواب الذين تظاهروا بالحياد ويتلذذون بهزيمة افتراضية للإسلاميين).

خرج النقاش من معركة تونس ضد الإسلاميين (كما أرادت عبير) إلى معركة تونس ضد الفاشية، ممثلة في عبير وحزبها وأنصارها داخل البرلمان وخارجه، وهؤلاء بالتحديد عليهم إضافة سطرين آخرين في كراس هزائمهم السياسية المتلاحقة؛ الأول أنه انحط بهم الدهر حتى اعتمدوا على عبير، والثاني أن عبير لم تفلح وسلمت وتستعد لصمت دائم تكتفي فيه براتب جزيل وبعض الصراخ القصير الأمد. لقد أصابها ما يصيب عدّاء مسافات طويلة انطلق سريعا ففقد النفس في أول السباق، وأصاب المستثمرين فيها ما يصيب المراهن على حمار في سباق خيول أصيلة.

لقد خسرت الفاشية معركة أخرى في وقت حساس جدا (داخل البرلمان وخارجه)، ومن سيراهن عليها لاحقا سيضع نفسه في مرمى الشعب التونسي الذي عرف أعداءه المستثمرين في عبير، أي المستثمرين في الفاشية، وما زال يفرز أصدقاءه بأناة وصبر، ولا نخاله إلا بالغا هدفه في القريب.

لقد تغير النقاش، فإما أن يكون المرء مع الديمقراطية واحترام المؤسسات وإدارة النقاش السياسي في كنف الاحترام رغم الاختلاف، أو الفاشية.
-----------
وقع التصرف في العنوان الاصلي للمقال


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الحزب الدستوري، عبير موسي، الثورة المضادة، اليسار التونسي، اليسار،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 10-12-2019   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
الهادي المثلوثي، د. عبد الآله المالكي، وائل بنجدو، صفاء العراقي، ضحى عبد الرحمن، د. خالد الطراولي ، عزيز العرباوي، عبد الرزاق قيراط ، عبد العزيز كحيل، ياسين أحمد، حاتم الصولي، د.محمد فتحي عبد العال، صالح النعامي ، أحمد بوادي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الله الفقير، سلوى المغربي، فهمي شراب، صباح الموسوي ، أنس الشابي، يحيي البوليني، د - عادل رضا، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - الضاوي خوالدية، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فتحـي قاره بيبـان، رضا الدبّابي، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد ملحم، علي الكاش، طلال قسومي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. طارق عبد الحليم، سلام الشماع، خالد الجاف ، د - صالح المازقي، د- محمود علي عريقات، جاسم الرصيف، رشيد السيد أحمد، د. صلاح عودة الله ، فوزي مسعود ، طارق خفاجي، محمد اسعد بيوض التميمي، مصطفى منيغ، فتحي العابد، د - شاكر الحوكي ، سيد السباعي، إيمى الأشقر، تونسي، محمود سلطان، يزيد بن الحسين، د. أحمد بشير، أبو سمية، سامر أبو رمان ، محمد عمر غرس الله، إياد محمود حسين ، عمر غازي، المولدي اليوسفي، كريم السليتي، د - المنجي الكعبي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، خبَّاب بن مروان الحمد، حسن الطرابلسي، د- جابر قميحة، حميدة الطيلوش، محمد العيادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - محمد بنيعيش، صلاح المختار، ماهر عدنان قنديل، بيلسان قيصر، د - مصطفى فهمي، العادل السمعلي، سليمان أحمد أبو ستة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد علي العقربي، صفاء العربي، حسن عثمان، صلاح الحريري، سعود السبعاني، محرر "بوابتي"، محمد الياسين، عمار غيلوفي، محمود طرشوبي، محمد الطرابلسي، عبد الغني مزوز، محمد يحي، رافع القارصي، أحمد النعيمي، أشرف إبراهيم حجاج، فتحي الزغل، المولدي الفرجاني، إسراء أبو رمان، سفيان عبد الكافي، محمد شمام ، أ.د. مصطفى رجب، محمد أحمد عزوز، مصطفي زهران، مراد قميزة، كريم فارق، عراق المطيري، الناصر الرقيق، رافد العزاوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، منجي باكير، علي عبد العال، نادية سعد، الهيثم زعفان، عبد الله زيدان، د- هاني ابوالفتوح، د - محمد بن موسى الشريف ، سامح لطف الله، د. أحمد محمد سليمان، عواطف منصور، د- محمد رحال، رمضان حينوني، مجدى داود،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة