البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هكذا طوّعت فرنسا الأزمات لنهب مالي

كاتب المقال عائد عميرة - تونس   
 المشاهدات: 1643



أعادت حادثة مقتل الجنود الفرنسيين الأسبوع الماضي في مالي، الحديث عن جدوى التدخّل العسكري الفرنسي في هذا البلد الإفريقي، فرغم مرور 7 سنوات على هذا التدخّل مازال الوضع على حاله فالعنف متواصل والضحايا في ازدياد، ما جعل العديد من المتابعين يؤكّدون أن فرنسا تتغذى من هذه الأزمة ولا تبحث لها عن حلّ، فمستقبلها رهينة تواصل الاضطرابات في المناطق التي يحمل باطنها ثروات هامة.

بداية التدخّل الفرنسي في مالي
ربيع عام 2012، سقط شمال مالي الذي تعتبره فرنسا منطقة نفوذ حيوي، باعتبارها مستعمرة سابقة لها، في قبضة مجموعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة (حركتي التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا) وأخرى منشقّة عنها (الملثمون بقيادة مختار بلمختار) وأخرى تابعة للطوارق (حركة أنصار الدين و الحركة الوطنية لتحرير أزواد).

سارعت فرنسا إلى بدء عملية عسكرية هناك، ولم تنتظر قرارًا من مجلس الأمن كانت تسعى إلى إصداره لكي تتدخل تحت غطاء إفريقي، أو على الأقل تساعد التدخل الإفريقي الذي كان يتم الإعداد له لكن عدم صدور قرار من مجلس الأمن أجله.

وشرعت فرنسا تدخلها بطلب الحكومة المالية مساعدتها في مواجهة المسلحين الإسلاميين، كما اتكأت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2085 الصادر في 20 ديسمبر/ كانون أول 2012، الذي يسمح بإنشاء قوة دولية لدعم مالي في حربها لاستعادة الشمال، هذا فضلا عن مبررات أخرى من قبيل منع قيام كيان "إرهابي" في المنطقة يشكل تهديدا للمنطقة والعالم بأسره.

دخلت فرنسا الحرب وبحراك عسكري يشمل القوات البرية والدعم الاستخباراتي واللوجستي والإسناد الجوي، بعد أن كانت تقول إنها ستكتفي بالدعم اللوجستي والاستخباراتي، ولن تنزل قوات برية للمشاركة في هذه العملية العسكرية.

لم تكتفي فرنسا بذلك، بل قرّرت المشاركة في عملية "برخان" لمكافحة الإرهاب في منطقة غرب إفريقيا بـ4500 مقاتل، وتزويدهم بمروحيات عسكرية وعربات مدرعة و طائرات نقل وطائرات محاربة وطائرات دون طيار.

سنة 2017، نجحت فرنسا في تشكيل قوة عسكرية متعددة الجنسيات (تشاد ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر)، أوكلت لها مهمة العمل إلى جانب بعثتي فرنسا (برخان) والأمم المتحدة (مينوسما) في حربهما ضد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي.

خسائر كبيرة
في اليوم الأول لدخول القوات الفرنسية صحراء مالي سقطت مروحيتان فرنسيتان، وقتل اثنان من الجنود الفرنسيين، الأمر الذي حدا بالفرنسيين إلى سحب سلاح المروحيات الفعال من المعركة بعد أن تبينت قدرة المسلحين على إسقاطها، والتركيز على الضربات الجوية عن بعد بواسطة طائرات "الجكوار" و"الميراج" و"رافال".

تتالت الخسائر الفرنسية هناك، وكان آخرها سقوط 13 قتيلًا معظمهم من الضباط وضباط الصف، الأسبوع الماضي، من قوة "برخان"، إثر حادث تصادم بين مروحيتين أثناء عملية قتالية ضد متطرفين في شمال شرق مالي، في أكبر حصيلة تتكبدها فرنسا، منذ التفجير الذي استهدف مقر قيادة القوات الفرنسية في بيروت في عام 1983 وأوقع 58 قتيلًا.

بمقتل هؤلاء الجنود يصل عند قتلى الجيش الفرنسي، منذ انخراط باريس سنة 2013 في عملية "برخان" إلى 38 قتيلًا، ما جعل العديد من الفرنسيين الذين كانوا متحمسين لهذه العملية يشككون في جدوى الوجود الفرنسي في هذه الدولة الإفريقية.

هذا التشكيك يتضاعف، خاصة إذا علمنا أن الوضع الميداني على حاله فشمال مالي لم يسترجع بعد، فمناطق بكاملها لا تزال خارجة عن سيطرة القوات المالية والأجنبية التي تتعرض بشكل متواصل لهجمات دامية، رغم هذه القوات الفرنسية المنتشرة منذ سنوات عدّة في المنطقة.

حماية استمرار الدولة الفرنسية
سبع سنوات من بدء عملية سرفال وبعدها برخان، لم تكن كفيلة لتحقيق الأهداف التي وضعت لها، إذ لم تستعد سيادة مالي في الشمال ولم تحد من انتشار التهديد الإرهابي في المنطقة، ومع ذلك فرنسا مصرّة على العمل العسكري مستبعدة الحل السياسي.

هذا الأمر يؤكّد توظيف فرنسا آلية التدخلات في مناطق الأزمات والصراعات، بغض النظر عن التكاليف والنتائج المترتبة على ذلك، وذلك لاستمرار الدولة الفرنسية كقوة عظمى ذات مكانة عالمية، فالتدخل في مالي جاء لحماية مصالح باريس في هذا البلد الإفريقي الغني بالنفط والثروات المعدنية، ومحاولة تعزيز الوجود الفرنسي في منطقة تعتبر تقليديًا مركز نفوذ خاص بفعل سابقة الوجود الاستعماري.

ومن خلال متابعة تطورات التدخل الفرنسي في هذه المنطقة، يتبيّن لنا أن الدافع الرئيسي لهذا التدخّل بعيدًا عن مقولة حماية مالي من النموذج الصومالي هو المحافظة والإبقاء على مصالح باريس هناك، والسعي لاسترجاع نفوذها ومكانتها وهيمنتها السابقة على هذه المنطقة.

تقع دولة مالي على مقربة من حقول النفط الجزائرية التي تشكل مطمعًا كبيرًا للفرنسيين، وعلى مسافة قريبة أيضًا من أماكن التنقيب ذات المؤشرات الإيجابية في موريتانيا (خاصة الغاز)، كما أن جارتها النيجر تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في إنتاج اليورانيوم بعد كندا وأستراليا بنسبة 8.7% من الإنتاج العالمي وتغطي ما نسبته 12% من احتياجات الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يفسّر الأطماع الفرنسية هناك.

ليس هذا فحسب، فباطن مالي يحمل ثروات نفطية وغازية ومعدنية كبيرة (الذهب، البوكسيت، اليورانيوم، الحديد، والنحاس، اللتيوم، المنجنيز الفوسفات، الملح..)، ويعتبر الذهب أهم المصادر المعدنية للاقتصاد المالي، إذ تعد ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا وغانا.

وتعمل فرنسا لوضع حدّ لجهود اللاعبين الجدد في القارة الأفريقية كالصين والهند والبرازيل وتركيا وقطر ومحاولتهم الوجود في القارة على حساب المعسكر القديم المتمثل في فرنسا وبريطانيا، لذلك فهي لا تتوانى بالقيام بأي عمل يساعدها في ذلك.

دون إفريقيا فرنسا لا تسوى شيء
مالي ليست الدولة الوحيدة المستهدفة من قبل فرنسا في القارة الإفريقية فغيرها كثير، فعلاقة هذه الدولة الأوروبية بدول إفريقيا مصيرية ليس للطرفين وإنما لفرنسا فقط، فهي تتعلّق ببقاء واستمرار الدولة الفرنسية كقوة عظمى ذات مكانة عالمية.

يتبينّ لنا هنا أنه دون دول إفريقيا، فرنسا لا تساوي شيئًا بشهادة قادتها، ففي مارس/آذار سنة 2008، صرح الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قائلًا: "دون إفريقيا، فرنسا سوق تنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث".

سبقه في ذلك سلفه فرانسوا ميتيران حيث قال عام 1957، قبل أن يتقلد منصب الرئاسة: "دون إفريقيا، فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين"، ليتأكد بذلك الدور الكبير لدول إفريقيا في النهوض بفرنسا قديمًا وحديثًا ومستقبلًا أيضًا، ومن شأن هذه الوثائق أن تعيد إلى الأذهان عمليات النهب الفرنسية المتواصلة للثروات الإفريقية.

ويرجع تخلف دول إفريقية عدّة إلى عمليات النهب المتواصلة لثرواتهم، ففرنسا لم تترك لا النفط ولا الغاز ولا اليورانيوم ولا الأحجار الكريمة ولا المعادن النادرة، فما فوق الأرض وتحتها ملك لها تتصرف فيه مثلما تريد ووقت ما تريد، فخلال السنوات التي طورت فيها البرازيل والهند والصين وسنغافورة وماليزيا وغيرها من "الأسواق الناشئة" اقتصاداتها، ظلت الدول الإفريقية الغنية بالموارد تحت الصفر، فمواردها ليست لها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

قرنسا، مالي، الإحتلال الفرنسي، التدخل الغربي، إفريقيا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-12-2019   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد الطرابلسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، ياسين أحمد، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد ملحم، فتحي الزغل، د- هاني ابوالفتوح، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد يحي، د. طارق عبد الحليم، حسن الطرابلسي، فتحـي قاره بيبـان، عزيز العرباوي، حاتم الصولي، كريم السليتي، د - مصطفى فهمي، مصطفى منيغ، د. عبد الآله المالكي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رحاب اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، مراد قميزة، صلاح الحريري، رافع القارصي، د - محمد بن موسى الشريف ، رشيد السيد أحمد، صالح النعامي ، صفاء العراقي، وائل بنجدو، أ.د. مصطفى رجب، يزيد بن الحسين، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد النعيمي، محمد العيادي، رمضان حينوني، مصطفي زهران، د - الضاوي خوالدية، د - شاكر الحوكي ، محمد الياسين، عبد الغني مزوز، د- محمود علي عريقات، أبو سمية، سلوى المغربي، رافد العزاوي، نادية سعد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. أحمد محمد سليمان، سفيان عبد الكافي، أنس الشابي، محمود فاروق سيد شعبان، عمر غازي، مجدى داود، محمد عمر غرس الله، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، علي عبد العال، عواطف منصور، الهيثم زعفان، عمار غيلوفي، أحمد بوادي، ضحى عبد الرحمن، الناصر الرقيق، حسني إبراهيم عبد العظيم، صفاء العربي، أحمد الحباسي، فتحي العابد، د. عادل محمد عايش الأسطل، يحيي البوليني، كريم فارق، محمد أحمد عزوز، أشرف إبراهيم حجاج، سعود السبعاني، عبد الرزاق قيراط ، د. خالد الطراولي ، فوزي مسعود ، سلام الشماع، د. أحمد بشير، إيمى الأشقر، العادل السمعلي، منجي باكير، د - عادل رضا، الهادي المثلوثي، جاسم الرصيف، محرر "بوابتي"، صباح الموسوي ، محمد اسعد بيوض التميمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بنيعيش، د- جابر قميحة، د. صلاح عودة الله ، د - المنجي الكعبي، سامح لطف الله، خالد الجاف ، إسراء أبو رمان، خبَّاب بن مروان الحمد، علي الكاش، فهمي شراب، محمود طرشوبي، محمد شمام ، طلال قسومي، سامر أبو رمان ، د - صالح المازقي، حميدة الطيلوش، عراق المطيري، تونسي، محمود سلطان، عبد الله زيدان، حسن عثمان، عبد الله الفقير، سيد السباعي، ماهر عدنان قنديل، د- محمد رحال، إياد محمود حسين ، المولدي الفرجاني، صلاح المختار،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة