يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
احتفل الجزائريون ليلة أول أمس، في شوارع وساحات المدن والقرى وداخل البيوت والمقاهي، بعدول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح لعهدة خامسة وتأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة والقرارات العديدة الأخرى التي أعتبرت استجابة لإرادة الشعب وانتصارًا لكلمته، لكن في ظل هذا الفرح الكبير يتساءل الجزائريون عن البديل القادم، فليس من السهل على المستفيدين من الوضع القائم في البلاد التخلي عن امتيازاتهم الكبيرة، خاصة القوى الأجنبية منها على رأسها فرنسا مستعمرتهم السابقة.
ترحيب فرنسي
لم تمر دقائق معدودات على قرارات الرئيس بوتفليقة، حتى بادرت فرنسا بالترحيب، حيث رحب وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان بقرار الرئيس الجزائري العدول عن الترشح لولاية رئاسية خامسة "واتخاذه إجراءات لتحديث النظام السياسي الجزائري".
وتابع لودريان في بيان له: "غداة التظاهرات الكبرى التي حصلت بهدوء واحترام في كل أنحاء الجزائر، تعرب فرنسا عن أملها في أن يتم سريعًا إطلاق دينامية جديدة من شأنها تلبية التطلعات العميقة للشعب الجزائري"، وقال الوزير الفرنسي: "فرنسا تجدد تمسّكها بأواصر الصداقة مع الجزائر وتتمنى لشعبها السلام والاستقرار والازدهار".
وصباح اليوم، وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارة رسمية لجيبوتي تحية لقرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالعدول عن الترشح لولاية رئاسية خامسة، ودعا لفترة انتقالية "بمهلة معقولة"، ولكنه لم يحدد ما يعتبره مهلة معقولة، وقال ماكرون في مؤتمر صحفي مع نظيره الجيبوتي إسماعيل عمر غيلله: "أحيي قرار الرئيس بوتفليقة الذي يفتح صفحة جديدة في التاريخ الجزائري".
قبل ذلك، أشاد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية بنجامين غريفو بـ"الهدوء والكرامة وضبط النفس" الذي يتحلى به المتظاهرون في الجزائر، موضحًا أنه يعود للشعب الجزائري أمر اختيار قادته ومستقبله، وصرح غريفو إثر اجتماع مجلس الوزراء بباريس صباح أمس "نتابع بكثير من الإعجاب هدوء المتظاهرين"، مؤكدًا على الكرامة وضبط النفس لدى مئات آلاف المتظاهرين في شوراع الجزائر العاصمة.
وأضاف غريفو أنه إزاء هذه الأزمة "لم يتغير الموقف الفرنسي وهو يقوم على ثلاثة مبادىء ثابتة أولها أن الجزائر بلد يتمتع بالسيادة، ويعود للشعب الجزائري وحده أمر اختيار قادته ومستقبله، ما من شأنه أن يؤدي إلى شفافية المسار وحريته"، وتابع "المبدآن الآخران هما واقع أن الجزائر بلد صديق لفرنسا وبلد محوري في إفريقيا ومنطقة المتوسط (...) لذا، فإن استقرار الجزائر وأمنها وتنميتها أمور أساسية".
فرنسا تؤمن حضورها
ضمن القرارات الأخيرة التي أعلنها بوتفليقة أمس، تم إحداث منصب حكومي جديد وهو نائب الوزير الأول، وإسناد هذا المنصب للوزير الأسبق رمطان لعمامرة، وارتبط اسم رمطان لعمامرة لسنوات بالدبلوماسية الجزائرية وهو سياسي يوصف بأنه متعدد الكفاءات، إذ أنيطت به العديد من المسؤوليات في الدولة الجزائرية.
لعمامرة هو أحد خريجي المدرسة العليا للإدارة في الجزائر، عمل سفيرًا للجزائر في عدة بلدان منها الولايات المتحدة الأمريكية وجيبوتي وإثيوبيا وسفيرًا لبلده لدى منظمة الأمم المتحدة بين عامي 93 و96 من القرن الماضي، وعمل مبعوثًا باسم المنظمة الدولية إلى ليبيريا بين 2003 و2007.
وتم تعيينه مفوضًا لمجلس شؤون السلم والأمن الإفريقيين، التابع للاتحاد الإفريقي، عام 2008 نتيجة اطلاعه على الكثير من الملفات، ما سمح للجزائر بتبوء مقعد طليعي داخل هذه الهيئة المؤثرة على الساحة الإفريقية، وقد شغل لعمامرة أيضًا، منصب أمين عام لوزارة الخارجية الجزائرية حتى 2010.
وتم تعيين لعمامرة في الـ11 من سبتمبر/أيلول 2013 وزيرًا للشؤون الخارجية، ثم وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بين عامي 2015 و2017، وفي سبتمبر/أيلول من السنة نفسها عين عضوًا في اللجنة الاستشارية العليا لمنظمة الأمم المتحدة المكلفة بالوساطة الدولية، وفي 14 من فبراير/شباط من عام 2019، عين لعمامرة وزيرًا للدولة ومستشارًا دبلوماسيًا لرئيس الجمهورية.
وتراهن فرنسا، على رمطان لعمامرة ليكون ذراعها القوية في الفترة القادمة التي ستشهدها الجزائر عقب الاحتجاجات التاريخية التي عرفتها مختلف مدن البلاد في الأسابيع الثلاث القادمة.
يعرف عن رمطان علاقته الكبيرة بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسبق أن قال لعمامرة (كان يشغل منصب وزير الخارجية حينها) في فبراير/شباط 2107، خلال السباق الانتخابي الفرنسي إن ماكرون صديق الجزائر، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول جزائري رفيع المستوى دعم بلاده لأحد مترشحي الرئاسة في فرنسا.
وكثيرًا ما يلتقي رمطان بالمسؤوليين الفرنسيين إما في فرنسا أو في الجزائر، فهو أحد أبرز الوجوه الجزائرية الداعمة للسياسات الفرنسية في الجزائر، وفقًا لعدد من المراقبين.
ويرى العديد من الجزائريين أن رمطان لم يكن أحد أيدي فرنسا في الجزائر فقط، بل في القارة الإفريقية كذلك، وهو ما يفسر شغله منصب مفوض لمجلس شؤون السلم والأمن الإفريقيين، التابع للاتحاد الإفريقي، عام 2008.
وخصص الإعلام الفرنسي أمس حيزًا كبيرًا من تغطيته للأوضاع في الجزائر والتطورات الحاصلة هناك، لإبراز خصال الدبلوماسي رمطان لعمامرة وبيان دوره في المرحلة الانتقالية القادمة.
خشية فرنسية من خروج الأوضاع عن السيطرة
هذا الاهتمام الفرنسي بما يحدث في الجزائر ومستقبل هذا البلد النفطي، يمكن تبريره بخشية باريس من تأزم الأوضاع في الجزائر وخروجها عن السيطرة في ظل التطورات الأخيرة.
وكشفت بعض وسائل الإعلام الفرنسية، نقلاً عن مقربين من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ظاهرة ملفتة للنظر مفادها أن الموضوع الذي كان دائمًا يؤرقه وهو يدير شؤون فرنسا من قصر الإليزيه ليس تداعيات حركة السترات الصفراء ولا انعكاسات البريكسيت ولا إمكان اندلاع حرب دولية ضد ايران، بل الكابوس الذي يشغل اهتمامه هو تطورات الأزمة الجزائرية في حال تعثرت جهود فريق الرئيس بوتفليقة في عملية "بيع سلمي" للعهدة الخامسة.
هذا الخوف منبعه عدة دراسات صدرت مؤخرًا عن بعض مراكز التحليل السياسي والأمني الأوروبي التي تحظى بمصداقية كبيرة تقول استنتاجاتها إنه إذا اندلع صراع على السلطة في الجزائر بمناسبة حيثيات العهدة الخامسة فإن ذلك سيتسبب في وضعية فوضى وعنف ولا استقرار قد تدفع بملايين الجزائريين إلى محاولة عبور المتوسط والوصول إلى الفضاء الأوروبي.
تواجه الجزائر وضعًا أمنيًا صعبًا في محيطها المباشر يشمل هشاشة الأوضاع في مالي والنيجر وليبيا وتونس، إضافة إلى التوتر المزمن للعلاقات مع الجار الغربي المغرب بسبب قضية الصحراء، وتخشى فرنسا من أن تدهور الوضع وانهيار الدولة في الجزائر سيزيد من خطورة الوضع في المنطقة.
ودليلاً عن هذا القلق الفرنسي الكبير، سارع الرئيس ماكرون بطلب سفيره في الجزائر كسافيي دريانكور للمجيء إلى باريس الأسبوع الماضي وعقد اجتماعات مع وزير الخارجية جان إيف لوديران والقيادات الفرنسية للاستعداد لكل السيناريوهات التي قد تتمخض عنها إشكاليات العهدة الخامسة.
التحكم في خيرات البلاد
هذا السعي الفرنسي الكبير لتثبيت مكانها في الجزائر، يفسر وفق العديد من المتابعين للوضع العام في البلاد بالرغبة الفرنسية الكبيرة لمواصلة التحكم في خيرات البلاد واستنزاف موارده الطبيعية.
وتحاول فرنسا جاهدة استنزاف ثروات الجزائر بأي شكل من الأشكال، حتى باتفاقيات شكلية لا ترجع بالخير على الشعب الجزائري، فهي توقع الاتفاقيات الاستنزافية مع الحكومات الجزائرية المتعاقبة، وكل حكومة منها تحاول أن تنافس سابقتها في التقرب أكثر من مستعمر الأمس الذي تفنن في التلاعب بها كما يشاء.
وتملك فرنسا امتيازات عديدة في الجزائر في شتى المجالات الاقتصادية والتجارية، من ذلك ما تملكه شركات سيارات بيجو ورينو من امتيازات خاصة، فقد حافظت هذه الشركات على أرقام أعمالها العالية والممتازة بفضل المستهلك الجزائري.
لم تلتزم هذه الشركات بفتح مصانع لصناعة أو تركيب سياراتها في الجزائر، كما نصت الاتفاقيات بين البلدين، بل بقيت تستنزف المليارات من العملة الصعبة التي تستحقها الجزائر في هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تعرفها.
ومنذ 1962 مر ما لا يقل عن 800 وزير في الحكومات الجزائرية المتعاقبة، منهم 600 وزير حصلوا على جنسية أجنبية أغلبها فرنسية، وهو ما يفسر النفوذ الفرنسي الكبير في الجزائر، واستعمرت فرنسا الجزائر منذ 1830 حتى العام 1962 عندما نالت استقلالها، بعد حرب استمرت ثماني سنوات لا تزال تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: