يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الجميع يسبّون الاتّحاد، فمن هو الاتّحاد إذن إذا لم يكن أنتم؟
الاتّحاد هو أكثر منظّمة تونسيّة مائة بالمائة، لأنّه يعبّر بمنتهى الدّقّة والأمانة عن شخصيّة التّونسيّ النّمطيّ الأصيل، عن جشعه وانتهازيّته وخبثه ولؤمه وعطالته وكسله ولا وطنيّته ومصلحيّته الكافرة. ولذلك فهو صنيعتنا وصورتنا الحقيقيّة في المرآة، إذا كنّا فعلا صادقين ونريد أن نرى أنفسنا بلا أقنعة وبلا مساحيق ولا بوطوكس.
عندما بدأ الاتّحاد بالتّمرّد على الثّورة، أعلنها الأحرار بالصّوت العالي، وقالوا إنّ الخطر قادم، وإنّ هذا الوحش سيجعل النّاس يترحّمون على أيّام بن علي، قيل لنا وقتها أنتم من جوقة الإخوان المؤدلجة الّتي لم يكن لها يوما تاريخ ولا إيمان بالعمل النّقابيّ والشّغّالين، وعندما كان يخوض الإضراب تلو الإضراب ويضرب مصالح النّاس ويرتهن البلاد بالقطعة ويدمّر الاقتصاد، قلنا لهم انسلخوا، فلم يزدهم ذلك إلاّ تمسّكا بالاتّحاد، لأنّه كان يحقّق لهم ما عاشوا يحلمون به دائما، حلب الدّولة بلا حساب وتسخيرها للنّهّابين... المواطن التّونسيّ لا يهمّه شيء أمام الزّيادة في الأجر والتّنقيص من مدد العمل، بدون أن يسأل نفسه يوما هل هناك في المقابل تحسين في قيمة العمل وفي نتائجه على النّاس وعلى الاقتصاد، المهمّ هو الزّيادة تلو الزّيادة، ولو أدّى ذلك إلى قطع الطّرقات وتعطيل المرافق العامّة وسلب الحقوق من فئات أخرى وتحويل الدّولة إلى قطاعات متناحرة وتعميق معضلة البطالة ووووو.... كلّ ذلك لا يهمّ، مادام الاتّحاد سوف يأتينا بالزّيادات، والتّونسيّ من أجل 10 دينارات يبيع أمّه وأباه، بعد أن يبيع بلاده ...
لا يعنيه أن تكون قياداته من الشّبيحة الّذين يذهبون باسمه لزيارة السفاحين وتزكية القتلة، لا يهمّ أبدا... أن يكون عدد المتفرّغين من النّقبوتيّين بالآلاف يأكلون من اللّحم الحيّ للشّعب... المهمّ فقط أنّه يعرف كيف يأتيه بحفنة الدّنانير.
الّذين يجعجعون اليوم ويسبّون إضراب عمّال الملاحة في ميناء حلق الوادي، هم أنفسهم ستجدهم غدا في الصّحة أو في التّعليم أو في البريد أو في النّقل، يقومون بما هو أشنع منه من أجل الدّينار، هم أنفسهم ستجدهم غدا يقومون بنفس الإضرابات الوحشيّة ويمارسون البلطجة في قطاع آخر ويتشدّقون بأنّها مطالب مشروعة، وبعد غد ستجد منتقديهم من القطاعات الأخرى يمارسون نفس البلطجة "النقابيّة" بنفس الحجج، وهكذا...
حلقة مفرغة من النّفاق والمصلحيّة والأنانيّة تدور من باب إلى باب ومن مؤسّسة إلى مؤسّسة، ولذلك يزداد الاتّحاد قوّة وغطرسة وانفلاتا وجرأة على كلّ شيء.
الاتّحاد هو صورتنا الحقيقيّة البشعة، ولو قدّر أن تمسك بدواليبه قيادات وطنيّة نظيفة صادقة، فسوف يكون المنخرطون أوّل من ينقلب عليها ويرميها إلى المزبلة، لأنّه سيكون وقتها قد تحوّل إلى اتّحاد العمّال اليابانيّين، وليس التّونسيّين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: