نور الدين الخادمي يسأل المفتي: نموذج للسطحية الفكرية
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5645
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نقلت مواقع إخبارية أن نور الدين الخادمي وهو مختص في علوم الإسلام ومقرب من حركة "النهضة"، دعا مفتي الجمهورية التونسية ل"إصدار فتوى وإبداء رأي تخصصي واضح في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة"، وهو موقف خطير لما سأوضحه في ما يلي بتناول العوامل الثلاثة: المفتي كوظيفة داخل منظومة حاكمة، ثم المفتي في إطار زماني ومكاني معين ثم منظومة الحكم التي يتحرك ضمنها المفتي.
كمدخل ورجوعا لكلام الخادمي، فإنه يحسن التذكير أنه ما أهلكنا إلا مثل هذه المواقف التي تؤكد غياب العمق الفكري حين تناول مشاكلنا في تونس، وهي أنها في حقيقتها تفاصيل لمواجهة أعمق وأشمل تدور حول محور عقدي إيديولوجي مع ممثلي محتل غربي ولّى ولكن ترك بقاياه تحكمنا، وليس صراعا سياسيا تقنيا، وأن يكون شخصية بوزن أحدهم يفترض أنه مختص، بهذا القدر من التشويش الذهني، ذلك يفسر تنامي فاعلية بقايا فرنسا رغم أقليتهم ونجاحهم في تشكيل المجالات الفكرية والإعلامية والثقافية والقانونية حسب تصوراتهم، مقابل غياب الفاعلية للشق المتحكم في مسار الثورة: "النهضة" والمتحلقين حولها ومنهم الخادمي هذا.
أن يطلب الخادمي من المفتي رأيا، ذلك يفترض أن المفتي مرجعية عقدية في مفهومها النظري وفي شخصية المفتي واقعا، وقبل ذلك أن منظومة الحكم التي أختارته، لا عداء لها مع الاسلام وإعتماده مرجعا وحكما في الواقع.
كل هذه الفرضيات التي أنطلق منها الخادمي غير سليمة وهي تمضي بين الفساد وغياب الدقة
أولا، لأن أمر الإفتاء كوظيفة في الكيانات السياسية منذ عهد بني أمية حرّف نحو منصب سياسي جعل للتحكم في مجال التدين داخل التجمعات البشرية وتوجيهه بما يضمن عدم مغالبته لمشاريع المتحكمين في الواقع، ثم العمل على تسطيح والتلاعب بمفاهيم الدين لينتهي أداة دعائية تضاف لأدوات التحكم في تشكيل ذهنيات الناس كالإعلام والثقافة والتعليم، إذن لا يمكن للمفتي الوظيفي أي المفتي العامل تحت سلطة حاكمة، لا يمكنه مطلقا أن ينتج موقفا حرا، باعتبار تعارض المصالح إذ هو مجرد موظف لدى سلطة يتحرك بما يرضيها لأن وجوده مشتق من وجود السلطة، فهو يستعمل الإسلام ويطوعه لخدمة الواقع، وليس كما هو مفترض يستعمل الإسلام لتقييم وتقويم الواقع، نحن إزاء مرجعية الواقع وليس مرجعية الفكرة، فلسفيا هذا تغليب لنموذج أصالة الواقع على أصالة الفكرة التي يعتمدها الإسلام، هذا كلام يصح في كل من شغل منصب مفتي أو رجل دين يدور في فلك السلطة، واذكروا إن شئتم حديثا الطاهر والفاضل بن عاشور ومعهم جملة "علماء" الزيتونة وخدمتهم فرنسا وتكريسهم الواقع زمن البايات ثم زمن بورقيبة، فضلا على هياكل المختصين في علوم الدين بكل البلدان الاسلامية وبالأخص السعودية
ثانيا، المفتي في حالتنا هنا تحديدا سجل ضده أنه تحرك بما غالب الإسلام و حارب الملتزمين به، ويكفي لتأكيد ذلك أن نعرف أنه كان إحدى أدوات بن علي وشراذم اليسار التي تحالفت معه، كان المفتي هذا عونا لهم، يشرع لهم بالقول تارة وبالسكوت والقبول الضمني لمواقفهم المحاربة لله ولأنصاره تارة أخرى، هذا أيضا كلام ينطبق على كل المتحدثين بعلوم الإسلام وكانوا موظفين تحت أمر السلطة الحاكمة، وليس المفتي فقط
ثالثا، المنظومة الحاكمة تونس حاليا، من حيث التشريعات الموجدة لها والضابطة لمجالاتها، لا علاقة لها بالإسلام إلا علاقة الشكل بما أستحفظ على إستحياء في بعض نصوص متفرقة بين الدستور وتشريعات ثانية ما دون ذلك بصيغ غير حاسمة ومترددة، تنازعها نصوص أخرى تنفي الإسلام وتستبعده وتسفهه، بعضها موجود بالدستور ذاته، وهو الوضع الذي أوجد جرأة على الإسلام وأهله في تونس بما لم يوجد لا في عهد بورقيبة ولا في عهد بن علي ولا حتى في عهد المحتل الفرنسي، حتى غدا التونسي إذا أراد أن يعيش إسلامه كما طلب منه ربه، عليه أن يستعد لمحن تقارب محن أولى العزم، بفعل ترهيب إعلامي يصوره متطرفا تارة وتكفيريا أخرى، وقد ينتهي به الحال للإيقاف المطول بحكم قوانين قدّت على عجل بعد الثورة تسمى مرة قانون التكفير وأخرى قانون الإرهاب، وحتى أضحت شعائر الإسلام غريبة يسفه الملتزمون بها ويضيق العسس عليهم، أولئك الذين يجعلون رزقهم الوشاية بأنصار الإسلام الملتزمين به
إذا عرفنا كل هذه المقدمات، ثبت أن موقف الخادمي الذي يسأل المفتي أن يستنقذ الإسلام من اعتداءات المعتدين، عمل فاسد لاقيمة له، وهو بعد ذلك فعل يكرس الواقع الموجود مما يقوي مجمل تنظيمات الباطل والفاعيلن بها، إذ لاينازعهم أسباب فاعليتهم، ولا يوضح خطرهم ولا يبين للناس كيفية مواجهتهم، فهو موقف سلبي خطير، سببه الرئيس أنه فعل لا ينطلق من فهم للأبعاد الفكرية لطبيعة صراعنا مع بقايا المحتل الفرنسي، من حيث اننا إزاء ممثلين محليين لعدو عقدي خارجي، مالم ننظر للمسالة من هذه الزاوية، فإننا نواصل تدعيم أعداء تونس ممثلي الغرب ببلادنا
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
22-06-2018 / 09:11:39 حسين العبيدي
تعليق عن مقال نور الدين الخادمي يسأل المفتي
أظن أن إستدعاء الخادمي للمفتي للإدلاء برأيه بخصوص تقرير لجنة الحريات هو من قبيل تحميل كل مسؤول مسؤوليته وإلا فالخادمي يعلم جيدا وهو الذي انخرط بالحكم أن المفتي أداة من أدوات الحكومة التي لم تكن يوما تدافع عن الإسلام والخادمي نفسه تمت إقالته لما لم تستطع الحكومة ومن ورائها اللوبيات أن تجعله أداة من أدواتها
22-06-2018 / 09:11:39 حسين العبيدي