البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

كيف تصرفت فرنسا في الخلاف الإماراتي مع تونس؟

كاتب المقال نزار بولحية - تونس   
 المشاهدات: 2507



يصفونها غالبا بالشريك الاقتصادي وربما حتى السياسي الأول. ويقول التونسيون دائما إن علاقتهم بها «استثنائية وتقليدية واستراتيجية».

فكيف يمكن بعد ذلك أن نستبعد تماما أن يكون لفرنسا أي دور أو تأثير أو بصمة على مجرى الأحداث في تونس؟ أليس من السذاجة حقا أن يظن البعض أن باريس بقيت مثلا مجرد متابع خارجي عادي أو مراقب محايد في الخلاف الإماراتي التونسي الأخير؟

لكن إن افترضنا أنها قامت بالفعل بدور ما. فهل إن أقصى ما فعلته هو أنها خففت من جموح وجنون أصدقائها الإماراتيين، ونصحتهم ببعض التريث والهدوء فقط؟ أم أنها استطاعت أن تتخطى ذلك لتقود في صمت وبعيدا عن جلبة الإعلام، مسعى سمح بتطويق الأزمة التي نشبت أواخر العام الماضي بين البلدين العربيين، وجعلها تكبح بعضا من الخطط الإماراتية التي كانت تهدف لهز استقرار تونس؟ لا نعرف تفاصيل دقيقة أو كثيرة عما يمكن أن تكون قد فعلته باريس خلال الأسابيع والشهور القليلة التي مضت، لكن سيكون من المستبعد جدا أن تكون قد اكتفت بمقعد المتابع والمشاهد للأحداث التي كانت تجري على مرمى حجر من شواطئها الجنوبية.

فالثقل التاريخي والاستراتيجي الذي يشدها للضفة الأخرى، أقوى من أن يجعلها لا تأخذ بالحسبان كل ما يجري داخل تونس وحتى على أطرافها أيضا. ولأجل ذلك فلا أحد بإمكانه أن يتصور أن يكون صمتها الرسمي وعزوفها عن التعليق عما عرف بأزمة الطيران الإماراتي في تونس، ثم عن الأحداث التي حصلت في مستعمرتها السابقة مطلع هذا العام، تحت غطاء الاحتجاجات دليلا كافيا على أنها لم تمارس بالفعل، ومن وراء الكواليس، دورا ما في توصل الطرفين لما قدم صيغة لحل الأزمة، ثم في التأثير في خطة إماراتية معروفة لإرباك المشهد السياسي التونسي.

ما يعزز ذلك هو أن علاقة باريس بأبوظبي، التي وصفها متحدث باسم الإليزيه في نوفمبر الماضي، على هامش زيارة ماكرون الأولى للإمارات «بالوثيقة والمنتظمة والمتنوعة» تؤهلها أكثر من غيرها للقيام بمثل ذلك الدور وتجعلها قادرة على التدخل لدى أصدقائها الإماراتيين متى شعرت أن هناك خطرا على نفوذها التقليدي، أو تهديدا لمصالحها في منطقة، تعدها جزءا من المجال الحيوي لأمنها القومي.

لكن هل كان بإمكان الفرنسيين فعلا أن يقفوا بوجه الطموحات الإماراتية الجارفة في تلك المنطقة بالذات؟ وهل انهم كانوا على استعداد للتضحية بمصالحهم التجارية والاقتصادية الضخمة مع أبوظبي، حفاظا على استقرار تونس ونجاح تجربتها الديمقراطية الاستثنائية؟ ليست المعادلة على ذلك النحو بالضبط. فلسنا الآن أمام مفاضلة من ذلك النوع، رغم أن أكثر ما يجيده الرئيس الفرنسي الشاب هو إدارة المناورات التجارية والسياسية الصعبة. فقد تعلم جيدا فن التفاوض خلال مروره بمصرف روتشيلد الشهير، وبات مقتنعا أنه من مصلحة فرنسا الاستراتيجية والحيوية أن تحافظ على علاقاتها الجيدة بالإمارة الخليجية، من دون أن تمس في شيء من روابطها التقليدية بالدولة المغاربية.

ولعلنا عرفنا بعضا من تلك المهارة في اللعب على أكثر من حبل واحد في زيارته الأخيرة للإمارات حين لم يتورع عن إطلاق إشارتين متضاربتين لإيران، في الوقت نفسه، حين صرح في مقابلة مع صحيفة «الاتحاد» بانه «من المهم بالنسبة لنا مواصلة الحزم مع ايران، في ما يتعلق بأنشطتها الإقليمية وبرامجها للصواريخ البالستية». ثم عاد ليقول في المقابلة ذاتها «باننا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى منطقة سلام ولاعبين إقليميين يتحلون بالمسؤولية ويعملون من أجل استقرار الشرق الأوسط. ففتح جبهة إضافية لن يؤدي إلا لتفاقم التوتر وزعزعة استقرار المنطقة».

ولكن حتى خارج الموضوع الإيراني فهناك كما قال مصدر من قصر الإليزيه لقناة «فرنسا أربعة وعشرين» على هامش تلك الزيارة «مواضيع لا نكون متفقين فيها بالكامل» مثل الحرب في اليمن، حيث تشارك الإمارات في التحالف العربي ضد الحوثيين و»تدعو فرنسا لحل سياسي لأننا لا نؤمن بوجود مخرج عسكري». والأزمة الخليجية مع قطر، حيث تشجع باريس على «التهدئة والحوار» بحسب ما ذكره المصدر نفسه حينها. لكن هل يمكن أن تكون تونس أيضا نقطة خلاف فرنسي إماراتي أخرى؟

ما يعلمه الجميع هو أن ما ترغب به الإمارات، وحتى ما تسعى لتحقيقه بحسب ما أظهرته عدة تسريبات إعلامية هو تقويض الائتلاف الحاكم في تونس وفك الشراكة في السلطة بين من يوصفون بالعلمانيين أو بالحرس القديم، ومن يعتبرون إسلاميين معتدلين. ويكمن المشكل بنظرها في وجود حركة النهضة وبقائها في المشهد السياسي، حتى في ظل ما قامت به من تنازلات، وما أقدمت عليه من مراجعات لدحض كل المخاوف والشكوك الداخلية والخارجية نحوها.

وربما تقاسم الفرنسيون مع الإماراتيين جانبا من القلق والريبة من الإسلاميين ولكن الواضح أن الاختلاف بينهما يكمن بالأساس في طريقة التصرف مع ما تعتبره أبوظبي عدوا لدودا لها، وما تراه باريس خصما ومنافسا شرسا قد يهدد على المدى الطويل مصالحها. والمحدد الأكبر في ذلك هو إدراك باريس أنها الأقدر من الإمارات لا على معرفة تونس فحسب، بل حتى على معرفة حركة النهضة نفسها. وهو ما يجعلها تستبعد تماما كل فرضية لإقصائها بالأسلوب التقليدي الذي اعتمده بورقيبة وبن علي في السابق، أو باستنساخ التجربة المصرية في الانقلاب العسكري مثلا، وتفضل أن يتم بدلا من ذلك استنزافها سياسيا وإعلاميا وإبعادها عن صدارة المشهد السياسي بأقل التكاليف، وعن طريق صناديق الاقتراع إن كان ممكنا. وما يدفعها لذلك هو ليس فقط إدراكها للعواقب الوخيمة التي قد يسببها أي صدام أو استخدام جديد للقوة في طردها وإقصائها من الساحة، بل رغبتها أيضا في الحفاظ على بريق الديمقراطية التونسية، وتقديمها كنموذج ناجح يحظى بدعمها وإسنادها.

إنها ترى عكس الإمارات أن وجود ائتلاف حاكم بين النظام القديم والإسلاميين يمكن أن يكون مفيدا في التخلص من النهضويين في وقت لاحق، وإنه قد يكون مصيدة تطبق على طموحاتهم وتجعلهم يظهرون بنظر التونسيين فقط مجرد حماة لشبكات الفساد لا غير. أما كيف أقنعت باريس أبوظبي بكل ذلك؟ ربما كان المأزق الإماراتي فيما عرف بأزمة الطيران مع تونس هو المدخل الأفضل لفرنسا حتى تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فقد منحها الفرصة حتى تقدم نفسها للإماراتيين كوسيط نزيه وموثوق يشاطرهم العداء والرفض لحكم الإسلاميين، ومكنها في الوقت نفسه أيضا من أن تظهر أمام التونسيين كشريك حقيقي ومدافع صلب عن بقاء واستمرار تجربتهم الديمقراطية الغضة.

لكن هل نجح الفرنسيون في إفهام أصدقائهم الإماراتيين أن التسرع لن يكون مجديا ومفيدا في تحقيق الغاية المشتركة للطرفين؟ هذا ما لا يعرفه أحد الآن، وما لن يقوله بالتأكيد مانويل ماكرون غدا الخميس في زيارته الأولى لبلد سيصف حتما علاقات فرنسا به «بالاستثنائية والتقليدية والاستراتيجية»، مثلما فعل كل أسلافه السابقين.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، فرنسا، الإمارات العربية، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 31-01-2018   المصدر: القدس العربي

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
ضحى عبد الرحمن، ماهر عدنان قنديل، د - الضاوي خوالدية، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد النعيمي، محمد شمام ، د - المنجي الكعبي، مصطفى منيغ، محمد يحي، أشرف إبراهيم حجاج، د. صلاح عودة الله ، د- جابر قميحة، محمد عمر غرس الله، خالد الجاف ، عبد الله زيدان، محرر "بوابتي"، محمد العيادي، د- محمود علي عريقات، د - محمد بن موسى الشريف ، عراق المطيري، الناصر الرقيق، سلوى المغربي، حسني إبراهيم عبد العظيم، نادية سعد، د. عبد الآله المالكي، مراد قميزة، فتحـي قاره بيبـان، عواطف منصور، د - محمد بنيعيش، د. أحمد محمد سليمان، إسراء أبو رمان، أحمد ملحم، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحي الزغل، محمد أحمد عزوز، محمود طرشوبي، سلام الشماع، كريم فارق، محمد الطرابلسي، د- محمد رحال، يزيد بن الحسين، د - عادل رضا، رضا الدبّابي، الهيثم زعفان، د. طارق عبد الحليم، سامر أبو رمان ، فوزي مسعود ، عبد الغني مزوز، عبد الله الفقير، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. أحمد بشير، وائل بنجدو، حاتم الصولي، محمود فاروق سيد شعبان، طلال قسومي، رمضان حينوني، د- هاني ابوالفتوح، صباح الموسوي ، علي عبد العال، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد الحباسي، أ.د. مصطفى رجب، محمد اسعد بيوض التميمي، الهادي المثلوثي، صفاء العربي، كريم السليتي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - مصطفى فهمي، د - صالح المازقي، حسن عثمان، علي الكاش، سفيان عبد الكافي، عزيز العرباوي، د.محمد فتحي عبد العال، محمد الياسين، عبد الرزاق قيراط ، منجي باكير، العادل السمعلي، د. خالد الطراولي ، عمر غازي، صفاء العراقي، أنس الشابي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فهمي شراب، حسن الطرابلسي، أحمد بوادي، إيمى الأشقر، عمار غيلوفي، المولدي الفرجاني، خبَّاب بن مروان الحمد، سليمان أحمد أبو ستة، ياسين أحمد، صلاح الحريري، د. مصطفى يوسف اللداوي، سعود السبعاني، إياد محمود حسين ، رحاب اسعد بيوض التميمي، صلاح المختار، رافد العزاوي، د - شاكر الحوكي ، مصطفي زهران، فتحي العابد، أبو سمية، تونسي، رافع القارصي، يحيي البوليني، سامح لطف الله، سيد السباعي، رشيد السيد أحمد، محمود سلطان، جاسم الرصيف، مجدى داود، صالح النعامي ، حميدة الطيلوش،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة