البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الإمارات وتونس: ليست زوبعة في فنجان

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 3481



في زمن قريب سيطلب الإماراتيون من تونس خبراء في بناء المؤسسات الديمقراطية مثلما طلبوا منها ذات يوم خبراء في بناء المؤسسات التعليمية والبرامج والبيداغوجيا وهذه ليست عِرافة أو كهانة ولكنه مسار تحديث انطلق بسرعات مختلفة سبقت فيه تونس بأشواط وهي تسبق الآن في مجال بناء الديمقراطية وهذا هو منطلق الخلاف وجوهره.


إن ما يجري بين البلدين الآن هو حديث كاشف إلى أن التحديث العمراني بدون مؤسسات ديمقراطية يخدع المتحدثين عن التقدم والرقي ففارق العمران لا يغطي فارق النضج الديمقراطي وبهذا سنقرأ الواقعة ونحاول تبيان مصدر الخلاف وننظر في مسارات التحديث لنجيب عن سؤال بسيط أيهما أبقى للمستقبل عمارة الفكر أم عمارة الإسمنت.


الإمارات وتونس: ليست زوبعة في فنجان


يوجد شيء غامض خلف القرار الإماراتي وهذا الغموض سمح باختراع تأويلات لا حصر لها ولكن لا تفسير أشفى الغليل ودل على طريق لفهم ما يجري. لذلك بدت لي كل الأخبار متساوية في قلة الأهمية وعليه وجب العودة إلى تحليل مسار الاختلاف بين البلدين ليس في مجال السياسة الآنية فقط بل في المنشأ والمآلات الجذرية لبلدين تجمعهما فقط العضوية في جامعة الدول العربية وربما التقي بعض مواطنيهم في موسم الحج أما الجوهر فمختلف تماما ومنذ قرون عديدة.


ودون أن ندخل في المناكفة السائدة هذه الأيام بين بعض التونسيين الغيورين على بلدهم وبين بعض المدونين الإمارتين الذين يمنّون على العالم المال والعمل، فإننا نختصر ثم نفسر تونس دولة والإمارات كيان سياسي ما قبل الدولة ولم يرتق بعد إلى دولة يمكن قراءة أفعالها بعلم الاجتماع السياسي. وشكل العمارات والأبراج لا يصنع كيانا سياسيا وإنما فندقا على طريق سفر القوافل فلا فرق بين ترانزيت المطارات والمبيت ليلة في خان على طريق الحرير القديم ودفع معلوم الإقامة ووجبة العشاء لصاحب الخان.
مسار التحديث المؤسساتي مقابل بناء الخان.


الدولة التونسية قديمة في وجودها وقد راكمت الكثير من التراث الفكري والسياسي من روافدها المختلفة. تعرضت إلى نكسات سياسية كبيرة وخضعت للاستعمار المباشر وعانت الذل والهوان ولكنها في كل المراحل كانت تراكم تجربة وتحدث نفسها وترتقي لتكون دولة في عصرها.


وكان التعليم الحديث رافعة تحديث قوية حولت البلد إلى مصدر خبرات. تجربة التحديث التي انطلقت منذ أكثر من قرنين ورغم النكسة الاستعمارية فإنها لم تتوقف بل تعلمت من المستعمر نفسه فنون الزارعة والصناعة بما جعل البلد ينتج غذاءه ويصدر فوائض.


في المقابل ولدت الإمارات من ثروة النفط ووضعت نفسها على طريق التجارة الدولية محطة في موقع استراتيجي وسمح لها ذلك بمراكمة ثروة كبيرة حولتها رغم قلة العدد إلى فاعل محلي مؤثر ولكن هذا الفاعل لا يتحرك في الساحة كدولة إنما كمجموعة من المغامرين الذين لا يتحلون بأية أخلاق سياسية مما يجعلهم أقرب إلى العصابة المنفلتة في العالم تخرج للغزو ثم تعود إلى مستقرها المنيع.


ليس معنى هذا أن البلد لم تعرف تحديثا بل هي شكلا في قمة الحداثة المادية ولعلها معماريا من أعاجيب الدنيا السبع ولكن ماذا داخل العمارات العالية؟ لكن ليس للبلد مؤسسات تحول الثراء المادي إلى وجود دائم في التاريخ. لذلك يظل ثروة قابلة للنقل إلى أي مكان في العالم بكبسة زر.


للجغرافيا أحكامها في تدبر الغذاء ولكن ليس إنتاج الغذاء وحده كاف لتكون دولة يمكن إرسال الأبناء إلى أكبر مؤسسات تعليمية في العالم وهو ما يجري في الإمارات وللبلد نخبة متعلمة ولكنها نخبة من صناع المال مما يجعل البلد كله مملوكا لتجار ينسلون تجارا في فندق مرفه على الطريق ولذلك لم ينتبه من أصدر القرار بمنع التونسيات من ركوب طائراته إلى أنه يقوم بمخالفة قوانين دولية ما كان يمكنه تملك طائرة بدونها (وهو فعل من جنس الحصار على الطيران القطري) حيث مخالفة الشرعة الدولية للطيران المدني وهو ما يعيدنا إلى صورة العصابة المنفلتة في العالم والتي تعود للتحصن بالفندق في انتظار غزوة أخرى.


أي صورة الكيان ما قبل الدولة الحديثة الذي ردت عليه الدولة الحديثة عبر مؤسسات لا عبر تغريدات في توتير. الهجوم كشف أسلوب العصابة والرد كشف أسلوب الدولة والمعركة كشفت الفارق التاريخي في تجربة التحديث التونسية التي تنتهي الآن إلى بناء ديمقراطية وتنتهي بالإمارات إلى معاداة كل احتمال الديمقراطية في تونس.


احتمالات الديمقراطية التونسية يهدد وجود الإمارات كعصابة منفلتة قد تجد نفسها مضطرة ذات يوم إلى الدخول في معركة تحديث مؤسساتي تجبر رؤوس العصابات على فقدان مكاسبهم التي حصلوها بالبلطجة في المربع العربي والدولي القريب منهم.


الدولة ضد البلاطجة


جمع اليمنيون لفظ البلطجي على البلاطجة فكان أجمل في النطق من البلطجية وأعتقد أنهم كانوا يرون جيرانهم من البلاطجة فنادوهم بأسمائهم وهم الآن يحاربون من أجل طردهم وتحرير بلدهم فالبلاطجة احتلوا المكان (بمرتزقة مجلوبة) ويريدون تقسيمه لأن مشاهد المليونيات اليمينة في ربيع 2011 كشفت الفرق بين الدولة وإن كانت فقيرة وبين العصابة وإن كانت غنية.


ما فُعل باليمن يفعل بليبيا ويراد أن يفعل بتونس وقد فعل بمصر حيث في كل المواقع تظهر الدولة فتظهر العصابة لكسر احتمالات الديمقراطية ومعركة منع النساء التونسيات من الطائرات لا يمكن أن تخرج عن هذه المعركة ضد الديمقراطية.


الإرباك لفرض المعاركة الخاطئة وبث الشقاق في الموقف عبر شراء الذمم والرشى السياسية ثم التدخل السافر بحسب ما تتيح الجغرافيا. هذا أسلوب عصابة لا أسلوب دولة لها تراث في العمل السياسي ولها موقع في شبكة العلاقات الدولية القائمة (رغم كل الحروب) على القانون وعلى التخاطب الراقي بقنواته الدبلوماسية والمؤسساتية.


ثم تفصيل مهم في الأخير يمكن لجورج بوش أن يمارس البلطجة الدولية لأنه يملك وسائلها الفعلية ويمكنه ممارسة الظلم الدولي كرئيس عصابة مسلحة بالنووي ولكن تقليد حاكم إماراتي لجورج بوش في بلطجته الدولية يفتقد إلى عنصر مهم. فبوش يبلطج لصالح دولة مستقرة ولها شعب بينما يبلطج الأمير لنفسه ولمن يحميه لأن الأمير وإن افتقد للذكاء فإنه لم ينس أنه أضعف من أن يحمي نفسه لذلك يتمتع بالبلطجة ويدفع كلفة حراسته لبلطجي أقوى منه وهذه أكبر علامة على كيان ما قبل الدولة بل كيان ما قبل العصابة الحديثة.


وللتذكير فقط، نقول إن احتمالات الديمقراطية في البلدان العربية الحديثة تؤدي إلى فتح طريق القدس والتحرير بينما تخريب مسارات التحديث الديمقراطي تستديم الدكتاتوريات التي قامت واستقرت بصفتها بلطجية على شعوبها لصالح البلطجي الصهيوني. ويمكننا أن نرى بسهولة لمن يبلطج البلطجي الإماراتي .


رغم كل ألم الإهانة فإننا في تونس مستعدون لتعليم الإماراتي أبجديات الديمقراطية مثلما ما علمناه يوما كتابة اسمه على السبورة.. ذلك قدر المعلمين. أبناء الدول لا أبناء الكيانات!


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الإمارات العربية المتحدة، حظر الطيران الإماراتي بتونس، تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-12-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. أحمد محمد سليمان، طارق خفاجي، عراق المطيري، د - شاكر الحوكي ، صفاء العراقي، فتحـي قاره بيبـان، سيد السباعي، صلاح الحريري، أنس الشابي، صالح النعامي ، د - محمد بن موسى الشريف ، الناصر الرقيق، د - عادل رضا، إسراء أبو رمان، فوزي مسعود ، فتحي العابد، المولدي الفرجاني، عزيز العرباوي، د - مصطفى فهمي، عمار غيلوفي، إياد محمود حسين ، محمد الياسين، أبو سمية، حسن عثمان، محرر "بوابتي"، د- محمود علي عريقات، تونسي، فهمي شراب، سليمان أحمد أبو ستة، صباح الموسوي ، رضا الدبّابي، عبد الغني مزوز، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عواطف منصور، عمر غازي، د- هاني ابوالفتوح، محمود طرشوبي، سعود السبعاني، نادية سعد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، خالد الجاف ، ماهر عدنان قنديل، علي الكاش، رشيد السيد أحمد، حاتم الصولي، رافد العزاوي، د - المنجي الكعبي، محمود فاروق سيد شعبان، ياسين أحمد، أحمد بوادي، سامح لطف الله، محمد يحي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد شمام ، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد أحمد عزوز، محمد الطرابلسي، إيمى الأشقر، مجدى داود، رحاب اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، حميدة الطيلوش، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - الضاوي خوالدية، رمضان حينوني، علي عبد العال، عبد الرزاق قيراط ، مراد قميزة، حسني إبراهيم عبد العظيم، جاسم الرصيف، محمد العيادي، د. أحمد بشير، رافع القارصي، كريم فارق، سامر أبو رمان ، سفيان عبد الكافي، د- جابر قميحة، كريم السليتي، د. صلاح عودة الله ، يحيي البوليني، فتحي الزغل، أحمد ملحم، د - محمد بنيعيش، سلوى المغربي، يزيد بن الحسين، بيلسان قيصر، المولدي اليوسفي، عبد العزيز كحيل، محمود سلطان، الهيثم زعفان، د.محمد فتحي عبد العال، مصطفى منيغ، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الله الفقير، ضحى عبد الرحمن، صفاء العربي، د. طارق عبد الحليم، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الله زيدان، منجي باكير، د. خالد الطراولي ، د - صالح المازقي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد الحباسي، أحمد النعيمي، وائل بنجدو، العادل السمعلي، حسن الطرابلسي، الهادي المثلوثي، محمد عمر غرس الله، صلاح المختار، د. عبد الآله المالكي، أ.د. مصطفى رجب، طلال قسومي، خبَّاب بن مروان الحمد، د- محمد رحال، مصطفي زهران، محمد علي العقربي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة