البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تقاطع الفعل الثوري بين ليبيا وتونس

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 2628



بمناسبة الذكرى السابعة لثورة الحرية التونسية تعود الأسئلة حثيثة من أجل حفظ المشهد التونسي في المخيال والذاكرة مدخلا لصيانته من التزييف ومن التعتيم بما هو فعل متواتر من أفعال الثورات المضادة والقوى المرتبطة بها لتشويه الثورات.

تسمح المسافة الفاصلة بين انفجار ربيع تونس يوم السابع عشر من شهر كانون الأول /ديسمبر 2010 واللحظة الراهنة بتبيين الكثير من التقاطعات ونقاط الارتكاز القادرة على إزاحة المعطيات الهامشية عن المشهد التونسي. لكنه من الأساسي قبل البدء في تحديد مرتكزات الحدث من رسم ثلاث ملاحظات أساسية:

أولا: لم يكن من الممكن تحليليا قراءةُ المشهد التونسي خلال السنوات التالية للثورة مباشرة بسبب تتابع الأحداث سريعا بفعل الخاصية الانفجارية للحدث.

فكثافة الغبار الذي تلا الانفجار النوعي الكبير وتتابع الرجات الارتدادية عربيا ودوليا فيما عرف بالربيع العربي لم تكن لتسمح بتحديد موضوعي دقيق لمختلَف الآليات التي حكمت الحركة الاجتماعية والسياسية الضخمة التي عرفتها المنطقة سواء في نشأتها أو في مسارها أو في مآلاتها.

ثانيا: إن طبيعة الحدث البركاني لم تكتمل بعدُ رغم إمكانية القول بأن الموجة الثورية الأولى قد خمدت بفعل مجموعة من العوامل الذاتية أي تلك المتعلقة بالموجة الثورية نفسها أو بفعل عوامل خارجية تتعلق أكثر بردود الأفعال على الموجة نفسها وخاصة ما اصطلح عليه فيما بعد بفعل الثورة المضادة أو آليات الدولة العميقة.

بناء عليه فإن قراءة هذا المقطع لا تسمح ولا تحتم بالضرورة سحب نتائجه على بقية الأحداث التي سبقته أو التي ستليه.

آخر الملاحظات لا تنفصل عن سابقتها ومفادها أن الحدث الثوري التونسي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينفصل في قراءته عن مجموع المعطيات الإقليمية عربية كانت أو غير عربية أو عن البقية المعطيات الدولية.

بل إن الصعوبة التحليلية الكبرى إنما تكمن أساسا في القدرة على الفصل بين هذه المعطيات من ناحية وتحديد مقدار تأثيرها ومساهمتها في تشكيل الحدث وتحديد خصائصه.

لا تتحدد الفواعل الإقليمية في الحالة التونسية بدول الجوار المباشرة فقط بما هي دول تتفاوت درجات تأثيرها في المشهد التونسي حسب طبيعة النظام السياسي الذي يحكمه بل تتجاوز ذلك إلى المحيط الحضاري واللغوي والجغرافي الذي يحكم تونس بما هي جزء من محيطها العربي الإسلامي.

فإذا كان تأثير ليبيا في جنوب البلاد وشرقها وتأثير الجزائر في غرب البلاد يعتبر أهم التأثيرات المباشرة بفعل التماس الجغرافي فإن تأثير باقي الدول العربية لا يقل فعالية وأثرا في المشهد التونسي وإن بشكل غير مباشر.

إن سرعة تفاعل المشهدين التونسي والليبي في تحقيق الحركة الثورية جعل منهما مشهدين متلازمين رغم اختلاف طبيعة الموجة الثورية لكل منهما إذ سرعان ما تسلحت الثورة الليبية بعد أن فرض النظام الليبي مبدأ الحسم العسكري.

يبقى المشهدان متلازمين أيضا رغم أن الموجة الثورية المصرية هي الأقرب في خصائصها من الموجة التونسية سواء في زمانها أو في طبيعة وسائلها الإجرائية.

هذا الإقرار إنما يتأسس على عوامل تاريخية وجغرافية وبشرية باعتبار الروابط العائلية المتينة التي تجمع سكان الجنوب التونسي عامة وخاصة جنوبه الشرقي بغرب ليبيا منذ قرون.

فعلى طرفي الحدود توجد نفس العائلات وهي امتداد مباشر لنفس النسيج القبلي والاجتماعي واللساني اللهجي.

خلال الثورة لم يكن تأثير الجوار الليبي يذكر بسبب سرعة المنجز التونسي أساسا بشكل لم يسمح للطرف الليبي ممثلا في نظام العقيد القذافي بالاستعداد لمنع حدوث الكارثة وليس أدل على ذلك من الخطاب التاريخي الذي ألقاه العقيد الليبي غداة هروب بن علي عندما اعتبره خير من حكم تونس.

سرعة المنجز الثوري عربيا ساهمت كذلك في تشتيت رد الفعل الليبي لحظة انفجار الوضع المصري فأصبحت بذلك الثورة التونسية فعلا ثانويا مقارنة بما يمكن أن يحدث في مصر حينها.

هذا وقد كان العقيد القذافي يعدّ العدة لإعادة صديقه القديم بن علي إلى السلطة قبل أن تنفجر بعدها ثورة فبراير المجيدة.

عند اندلاع ثورة فبراير ظهر جليا حجم التأثر والتأثير بين الحدث التونسي والحدث الليبي حيث بلغ عدد الليبيين المتواجدين على الأراضي التونسي في أوج الثورة ما يزيد عن مليوني نازح.

نجحت تونس في استيعاب عشرين ألف وافد ليبي يوميا خلال أوج المواجهات المسلحة بين الثوار من ناحية وكتائب القذافي من ناحية ثانية وشكلت هذه التجربة لحظة تاريخية في تاريخ التلاحم والتآزر بين الشعبين وهو تضامن لعب فيه المد الشعبي العفوي دورا مركزيا خاصة من العائلات والأفراد والجمعيات.

بعد سقوط نظام القذافي لم تدم المرحلة السلمية طويلا إذ سريعا مما ظهرت الانشقاقات بين القوى المحسوبة على الثورة وبين الثوار الأصليين حيث يدّعي كل منهما أحقيته بالسلطة ولم يتأخر ظهور الجنرال حفتر وبروز الجماعات الارهابية المسلحة وعلى رأسها تنظيم داعش الدموي.

هنا بدأ الشرخ يظهر إلى السطح بين المشهدين حيث كانا في السابق يترافدان على مستوى دعم نجاح الثورة والثوار ضد النظام القائم لكن الثورة المضادة مدعومة بفعل الفوضى نجحت في فرض عناصر الفشل بين الحدثين.

فمن جهة تونس دأب الإعلام الرسمي الخاص والعمومي التابع برمته للدولة العميقة في اتهام ليبيا بإيواء الإرهابيين وتهديد الأمن القومي التونسي مستدلين بعمليات إرهابية قادمة من الأرض الليبية مثل عملية بنقردان الشهيرة.

من جهة ليبيا كرس الإعلام الليبي مفهوم الدواعش التونسيين باعتبارهم مصدر العمليات الارهابية التي نفذت على الأرض الليبية وهي عمليات شارك فيها فعلا تونسيون مثل مجموعة أحمد الرويسي أو ما يعرف بجماعة أنصار الشريعة.

ففي الحالتين ركز إعلام الثورات المضادة العائد بقوة بعد انحسار الموجة الثورية الأولى على ضرب اللحمة التي خلقتها الثورات وهو ما سيسمح بضرب خطوط الإمداد السارية بين البلدين خاصة على المستوى الاقتصادي والتجاري والطبي والخدماتي بشكل عام.

اليوم تستبسل الثورة المضادة في تونس بأبواقها المختلفة في تعمد الإساءة للشعب الليبي ولثورته وهي إساءة بلغت ذروتها مؤخرا مع السخرية العلنية واتهام الليبيين بتجارة الرقيق وبسوء معاملة المهاجرين في الوقت الذي تغص فيه مراكز الايقاف التونسية بمدنيين تصل معاملتهم أحيانا إلى حدود الموت تحت التعذيب كما حدث في حالات كثيرة.

يظهر جليا اليوم أن تقاطع المنجز الثوري إيجابا يؤدي في حال انحساره إلى تقاطع المنجز الثوري المضاد سلبا وهو ما يؤكد أن نجاح الثورة وفشلها لا يتحدد فقط بالعوامل الداخلية الذاتية بل يتحدد أيضا بالعوامل الخارجية.

هذا الإقرار إنما يستمد مصداقيته من طبيعة الدول العربية بما في الحقيقة مكون واحد لا يكف عن التفاعل سلبا وإيجابا رغم حدود سايكس بيكو ووعي سايكس بيكو الحارس لخطوط الرمل.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، ليبيا، الثورات العربية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 22-12-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سامح لطف الله، عراق المطيري، عبد الغني مزوز، د - الضاوي خوالدية، د. صلاح عودة الله ، فهمي شراب، د. أحمد بشير، رافد العزاوي، د- محمود علي عريقات، د. عبد الآله المالكي، أحمد ملحم، محمود سلطان، صلاح المختار، عمر غازي، تونسي، محمود طرشوبي، رشيد السيد أحمد، نادية سعد، سلوى المغربي، علي عبد العال، محمد شمام ، د- محمد رحال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صفاء العراقي، جاسم الرصيف، إيمى الأشقر، فتحـي قاره بيبـان، الهيثم زعفان، أنس الشابي، مصطفى منيغ، يزيد بن الحسين، فتحي العابد، فوزي مسعود ، محمد عمر غرس الله، د. طارق عبد الحليم، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، د. خالد الطراولي ، صفاء العربي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سيد السباعي، رافع القارصي، وائل بنجدو، محرر "بوابتي"، مجدى داود، العادل السمعلي، محمود فاروق سيد شعبان، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد اسعد بيوض التميمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أ.د. مصطفى رجب، سليمان أحمد أبو ستة، د - صالح المازقي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد الحباسي، كريم السليتي، أحمد النعيمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد يحي، فتحي الزغل، مصطفي زهران، صالح النعامي ، أبو سمية، د - محمد بن موسى الشريف ، د- هاني ابوالفتوح، محمد الطرابلسي، سلام الشماع، صلاح الحريري، عمار غيلوفي، يحيي البوليني، علي الكاش، عواطف منصور، أحمد بوادي، مراد قميزة، طلال قسومي، عزيز العرباوي، د - المنجي الكعبي، د. مصطفى يوسف اللداوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، منجي باكير، د- جابر قميحة، سعود السبعاني، حسن الطرابلسي، محمد الياسين، ياسين أحمد، عبد الله زيدان، المولدي الفرجاني، ماهر عدنان قنديل، إسراء أبو رمان، رمضان حينوني، حميدة الطيلوش، محمد العيادي، كريم فارق، محمد أحمد عزوز، رضا الدبّابي، عبد الرزاق قيراط ، حسن عثمان، د.محمد فتحي عبد العال، خالد الجاف ، د - مصطفى فهمي، خبَّاب بن مروان الحمد، سفيان عبد الكافي، د - محمد بنيعيش، أشرف إبراهيم حجاج، الناصر الرقيق، عبد الله الفقير، د - عادل رضا، حاتم الصولي، سامر أبو رمان ، صباح الموسوي ، ضحى عبد الرحمن، د - شاكر الحوكي ، إياد محمود حسين ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة