البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

القدس وأمريكا: جاذبية المعجم الجهادي

كاتب المقال حسن أبو هنية - الأردن   
 المشاهدات: 2398



منذ بروز الظاهرة الجهادية المعاصرة، مع نهاية الحرب الباردة، أصرت المنظومات الخطابية والممارسات العملية للقوى الإمبراطورية الإمبريالية العالمية والدولة الاستعمارية الاستيطانية الإقليمية والأنظمة الدكتاتورية المحلية؛ على التعامل مع الظاهرة الجهادية خطابيا وعمليا باعتبارها نقيضا لنظام العالم الراهن الذي ينشد السلام والاستقرار والتقدم.. كمنظومة بربرية إرهابية تناهض الحضارة الإنسانية، وترفض التطور والتكيّف لارتباطها بنصوص الإسلام التأسيسية وجمودها وانغلاقها على لحظة تاريخية بائدة. لكن تاريخية الجهادية بصيغتها المعاصرة تكشف عن أسباب أخرى أشد تأثيرا في تكوين الظاهرة الجهادية، تشير بوضوح بالغ إلى ثلاثية الإمبريالية والاحتلال والديكتاتورية.

في هذا السياق تكشف المسألة الفلسطينية عموما، ووضعية القدس خصوصا، عن خرافة أصول ومنابع "الإرهاب". فعندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رسميا، في السادس من كانون الأول/ ديسمير 2017 اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، توالت التحذيرات من تصاعد العمليات "الإرهابية" من قبل أطراف تنتمي إلى ذات المنظومات الإمبريالية والاحتلالية والديكتاتورية التي تربط الإرهاب بالاعتقاد، فضلا عن الخبراء والباحثين، وهي مفارقة تقر بأن ما يطلق علية "الإرهاب" والتطرف العنيف ينبع من أسباب سياسية ظاهرة.

تشير التشكلات الإيديولوجية والممارسات العملية للجهادية المعاصرة، الموصوفة بـ"الإرهاب"، بوضوح؛ إلى أنها ظاهرة تكونت بعد نهاية الحرب الباردة، تؤسس لبناء منظومة جهادية متحدة تسعى لرفع الهيمنة الغربية عن المنطقة العربية والإسلامية، من خلال بناء إيديولوجية خطابية مناهضة للعولمة، واعتماد استراتيجية قتالية تقوم على فلسفة جهاد النكاية ودفع صائل العولمة العسكرية الأمريكية؛ التي عملت على دعم المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية من جهة، وإسناد الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة من جهة أخرى. فقد تنامت سردية جهادية بأن "العدو القريب" الذي تمثله الأنظمة الديكتاتورية العربية والإسلامية لا يقوم بذاته، وإنما يستند إلى القوة الإمبريالية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الإسرائيليين. وبهذا، بدأت تتسرب سردية أولوية القتال ضد "العدو البعيد"، وعولمة الجهاد في سياق بروز ثلاثة ظروف استراتيجية؛ الأولى: محلية وطنية، وتتمثل بإنغلاق الأنموذج السياسي وفشل وعود التحول الديمقراطية ورسوخ الاستبداد، والثانية: إقليمية، وتتمثل بعدم التوصل إلى سلام عادل وحقيقي في فلسطين، والثالثة: عالمية وتتمثل بانهيار الاتحاد السوفييتي، وسيادة القطب الأمريكي الواحد وحلول العولمة.

عقب إعلان الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، سارعت الجهادية العالمية، من تنظيم الدولة الإسلامية إلى تنظيم القاعدة بقيادته المركزية وكافة فروعه الإقليمية، إلى إصدار بيانات لا تختلف في مضمونها عما يعتقده الناس في العالمين العربي والإسلامي؛ تؤكد على أن الاعتراف الأمريكي هو ثمرة تواطؤ وتعاون وتضامن الإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية والأنظمة الدكتاتورية العربية، وهو ما يدركه ترامب، حيث دعا في خطابه إلى "الهدوء والاعتدال لكي تعلو أصوات التسامح على أصوات دعاة الكراهية".

بصرف النظر عن البلاغة الخطابية الفارغة لترامب؛ بأن القرار يعكس "مقاربة جديدة" إزاء النزاع العربي الإسرائيلي"، وادعاء الشجاعة الشخصية بأنه اتخذ قرارا أرجأ كل الرؤساء الأمريكيين اتخاذه منذ العام 1995؛ تنفيذا لقانون أمريكي أجمع عليه الكونغرس، مؤكدا أنه إنما يفي بوعد "فشل" أسلافه بالوفاء به، وتشديده على أنه في حال اتفق الطرفان على هذه المسألة فإن الولايات المتحدة ستدعم "حلا بدولتين".

لكن ترامب محق بقوله إنه إنما يعترف أصلا بـ"واقع" قائم. فكما قال مسؤولون أمريكيون، فإن هذه الخطوة هي اعتراف بحقيقتين: "تاريخية قائمة على أن المدينة تعتبر عاصمة دينية للشعب اليهودي، وأخرى حالية باعتبارها مركزا للحكومة الإسرائيلية".

لا تنفصل الخطوة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ عن التحولات التي عصفت بالمنطقة عقب الانقلاب على "الربيع العربي"، وإعادة بناء الدكتاتوريات في المنطقة تحت ذريعة "الحرب على الإرهاب"، وما تبع ذلك من إعادة تعريف السياسة في المنطقة، لتصبح إيران عدوا وتغدو إسرائيل صديقا.

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قد زعمت أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طرح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال زيارته العاجلة للرياض في الشهر الماضي، خطة جديدة لتسوية الصراع؛ تكاد تتطابق مع مقترحات إسرائيل. وفي إطار الخطة السعودية المقترحة، يتم استبدال القدس بأبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية، والإبقاء على معظم المستوطنات، والتنازل عن حق العودة، في سياق الحديث عن "صفقة القرن" التي يعمل عليها جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأمريكي.

في خطاب الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، شدد ترامب على أن الخطوة "مصلحة أمريكية". ولا جدال في أن الولايات المتحدة تعتمد في تدبير سياستها الخارجية على نهج يقوم على فلسفة "براغماتية" تستند إلى تحقيق "المصلحة القومية الأمريكية"، بصرف النظر عن شخصية الرئيس في أمريكا والإدارات المختلفة. وعلى الرغم من اللغط والجدال حول الفروقات بين إدارة أوباما وخلفه ترامب، إلا أن كليهما ينتمي إلى ذات الفلسفة البراغماتية الأمريكية بوجوهها المتعددة، الإمبراطورية والإمبريالية والحقوقية. إذ تقوم سياستها الخارجية في الشرق الأوسط على الحفاظ على "الأمن والاستقرار" لضمان إمدادات "النفط"، وحماية أمن المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية في فلسطين، وذلك من خلال الالتزام بدعم الأنظمة الاستبدادية، وحماية تلك المصالح من "إرهاب" أبناء المنطقة ممن يقاومون تلك السياسات.

على الرغم من موجة الإدانات والشجب والاستنكار الدولية والإقليمية والمحلية لقرار ترامب حول القدس، إلا أن ذلك لا يتجاوز حدود الكذب والنفاق. فترامب إنما يعترف أصلا بـ"واقع" قائم، لم يجد أي ممانعة على مدى عقود. وكان إدوارد سعيد قد تنبأ بهذا المصير، في مقالة لافتة بعنوان "وضع القدس ومستقبل عملية السلام"، منذ أكثر من عقدين من الزمن. فقد بيّن بجلاء نهج سياسة إسرائيل في منذ سنة 1967؛ ذاك المنهج الذي يتمثل أولاً في بناء تصوّر لما تريد أن يصدقه العالم، ثم العمل بكل عزيمة وتصميم على تحويل تلك الرؤية إلى واقع. هكذا سبقت سياسةُ الإعلان التغيرات الفعلية على الأرض، وكان الجهر بالقدس "عاصمة أبدية موحدة" لإسرائيل؛ عبر العمل الذي اشتمل على ابتلاع القدس العربية، وتحويل سكانها، من خلال تكثيف الاستيطان، إلى أقلية حتى في الشطر الشرقي من المدينة، وفصلها عن محيطها في الضفة الغربية.

حسب رشيد الخالدي، فعلى الرغم من الحديث الفارغ كله عن "الدعاية الصهيونية"، إلاّ إنه قلّما كُتب شيء بمثل هذه البصيرة التي امتلكها سعيد بشأن الترابط الوثيق بين الجوانب الخطابية والفعلية في السياسات الإسرائيلية. والأعوام التي تلت وفاة سعيد سنة 2003؛ قلّما شهدت تحسناً على هذا الصعيد: فما من إفصاح مطلقاً عن أي رؤية عربية تجاه القدس، سواء أَكانت لدى المجتمع المدني الفلسطيني، أم لدى مئات الوزراء والموظفين الكبار في "السلطتين الفلسطينيتين" الواهيتين في رام الله وغزة، فضلاً عن الأنظمة الأوتوقراطية التي ابتُلي بها العالم العربي، من المحيط إلى الخليج. وما يستوقف أيضاً، أن نقد سعيد "عملية السلام" الهزلية؛ كان في محله، على الرغم من مرور 15 عاماً على كتابته. فمعظم ما يحذر منه في المقالة حلّ بالقدس، بل إن الأمور تزداد سوءاً بمرور الوقت. إذ بدلاً من أن تقرّب هذه العملية السلام العادل، فإنها زوّدت الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الاستيطاني بمزيد من التمكين، وأتاحت لإسرائيل إحكام قبضتها على القدس.

على صعيد الخطاب والفعل، فقد استهدفت اتفاقيات "أوسلو" خلق انزياح في المعجم النضالي الفلسطيني العربي الإسلامي الذي يختزن طاقة متجددة من الحرية والتحرر والتحرير، وهو معجم منفتح على استعمالات تاريخية مخصوصة واستدخالات كونية عمومية، كالجهاد والمقاومة والنضال، والتحرير وتصفية الاستعمار ومناهضة العنصريّة، والتصدي للعنف الإرهابي الإسرائيليّ، وفضح ومواجهة سرقة الأراضي، ومطالب الاستقلال، وحقّ العودة، ومبادئ الحق والعدالة والقانون الدوليّ، والتي باتت في معجم أوسلو مرذولة ودلالاتها إرهابوية. وتم تدشين مصفوفة دلالية استبدالية، وحقول تحرث في مياه مصطلحات ومفاهيم تؤسس للاستقالة عن الاستقلال، كالبراغماتيّة السياسية؛ التي تتضمن سلسلة من المفاوضات والاتفاقيّات، والمساومات، والتنسيق الأمنيّ، والدخول في جنة الاعتدال ودهاليز الاعتراف، وتداوليات السلام، وهي ديانة إمبريالية تعني الخنوع والاستسلام للقوة، وتصف مناهضيها بالشذوذ والسادية والإرهاب والبربرية.

كان إدوارد سعيد قد خلص، في مرحلة مبكرة من سيادة عصر "الإرهاب"، إلى تعريف طريف ودقيق للإرهاب، بحيث يصبح "هو أي شيء يقف في وجه ما نرغب "نحن" في "فعله". فمع نهاية الحرب الباردة، بحثت الولايات المتحدة عن عدو دائم، ووجدت ضالتها بمفهوم "الإرهاب"، وهو اسم مفروض غير مفترض تحدده سلطة القوة وفق المصالح القومية. فاستراتيجية التسمية، حسب جاك دريدا، لا تأتي اعتباطا، وإنما تقع في قلب استراتيجية السيطرة والهيمنة في لعبة القوة.

كان جوزيف مسعد، في مقالة لافتة بعنوان "لغة الصهيونيّة: الاستعمار هو السلام، ومقاومة الاستعمار هي الحرب"، قد أدرك، بفضل سعيد، الاستراتيجية الصهيونية الممنهجة خطابيا وفعليا. وإذا استعرنا مصطلحي "البراغماتية" و"التطرف"، فـ"البراغماتية" في اللغة الصهيونية تعني جوهرياً القبول بالمعاني التي تعطى للكلمات في اللغة الصهيونية، ما يعني أن البراغماتي هو الشخص الذي يقبل أن "الاستعمار هو السلام هو الأمن"، ويقبل أيضاً أن "مقاومة الاستعمار هي الحرب هي الإرهاب"، بالإضافة إلى أن على البراغماتي أن يقبل بأن بانتوستنات الفصل العنصري تعني "السيادة"، وأن نصف الضفة الغربية يعني الضفة الغربية بأكملها.

يجب أن لا ننسى هنا أن ياسر عرفات نفسه كان قد تعلم اللغة الصهيونية جزئياً؛ عندما وافق على تعريف المقاومة الفلسطينية المسلحة للاستعمار الإسرائيلي بأنها "إرهاب"، وتعهد بنبذه عام 1988. لكن مع ذلك، كان عرفات يعاني صعوبات تعلمية لغوية جمة؛ منعته من فهم أن "نصف الضفة الغربية هو الضفة الغربية بكاملها"، وأن "بانتوستنات الفصل العنصري تعني السيادة"، ورغم كل الجهود التي بذلها إيهود باراك لتعليم عرفات مفردة صهيونية جديدة، ألا وهي أن القدس تعني القرية الفلسطينية أبو ديس، إلا أن عرفات ظلّ أميّاً من هذه الناحية.

كلمة "التطرف"، حسب مسعد، تعني في اللغة الصهيونية أي موقف رافض للمعاني التي تضفيها اللغة الصهيونية على الكلمات. فأي فلسطيني يصر - مثلاً - على أن الضفة الغربية تعني كل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ويرفض الإقرار بأنها تعني نصف الضفة دون القدس الشرقية، هو "متطرف". كذلك، إن أي فلسطيني يصر على أن السيادة تعني دولة مستقلة تسيطر على حدودها وفضائها الجوي، ولا تقبل بنشر جيوش أجنبية على أراضيها إلا بموافقتها ودعوتها، هو "متطرّف" كذلك. كما أن من يؤمن بأن الاستعمار لا يعني السلام والأمن، وأن مقاومة الاستعمار لا تعني الحرب والإرهاب، لا شك بأنه متطرف أيضاً.

لا شك أن سلطة "أوسلو" باتت منفصلة عن المعجم النضالي للمقاومة الفلسطينية، واستدخلت المعجم البراغماتي الأمريكي الإسرائيلي، وهي غير قادرة على الخروج من سجن الكلمات ومعتقل الدلالات، الأمر الذي أصبح محركا لممارساتها. فعلى مدى سنوات عملت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية على تفكيك البنية التحتية للمقاومة المسلحة، سواء أكانت تتبع حركات جهادية كحركة حماس، أم تتبع كتائب ثورية كشهداء الأقصى، لكن سلطة أوسلو التي انشغلت في مراكمة الثروات وشراء الولاءات؛ أخفقت في بناء نموذج مقنع في الحكم. فقد تدهورت الظروف الاجتماعية والاقتصادية خلال الأعوام الماضية، كما أن مفاوضات السلام التي طرحت كخيار استراتيجي وحيد، في إطار حركة فتح، فشل في تعزيز شرعية السلطة الفلسطينية.

في سياق سيادة اللغة الأمريكية الإسرائيلية وتعميمها، أصرت الجهادية العالمية على التمسك بمعجمها الهوياتي. ففي الوقت الذي شهد تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية عربيا باعتبارها قضية العرب المركزية الأولى، ثم تحولها إلى مسألة هامشية، وتقدم النزعة المحلية القُطرية، ودخول العرب في سياق السلام الإسرائيلي، كانت الجهادية العالمية تعيد تأسيس المسألة الفلسطينية، وتعمل على بناء سردية خطابية محورها فلسطين، وتؤكد على نهج القتال الجهادي، والتي غدت في صلب المشروع الجهادي العالمي منذ بداياته الأولى في أفغانستان. وفي مرحلته الثانية، احتلت فلسطين قلب النشأة فيه، عبر الإعلان عن تشكيل "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين"، في شباط/ فبراير 1998. وفي أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، أطلق أسامة بن لادن قسمه الشهير عن فلسطين؛ الذي قال فيه: "أقسم بالله العلي العظيم.. لن تنعم أمريكا ولا من يعيش في أمريكا بالأمن حتى نعيشه واقعا في فلسطين، وحتى تخرج جميع الجيوش الكافرة من أرض محمد صلى الله عليه وسلم".

لقد تطورت السردية الجهادية العالمية الخاصة بفلسطين مع ولادة الجيل الثالث، عقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وباتت عبارة أبو مصعب الزرقاوي الشهيرة، والتي وردت في خطابه المرئي الأول "هذا بلاغ للناس": "نقاتل في العراق وعيوننا على بيت المقدس"، ثيمة راسخة في خطابات الجهادية العالمية. ففي خطاب الإعلان عن تأسيس قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، بعد اندماج الفرعين السعودي واليمني بداية 2009، كان عنوان الشريط الذي صدر عن مؤسستها الإعلامية "الملاحم": "من هنا نبدأ وفي الأقصى نلتقي". كما أن الأشرطة المرئية لمؤسسة "السحاب" التابعة لتنظيم القاعدة المركزي؛ تغيّر نهجها منذ العدوان على غزة 2009، وأصبحت تضع صورة المسجد الأقصى خلفية لبداية أشرطتها، وكذلك فعلت كافة الفروع الإقليمية، كقاعدة المغرب الإسلامي، ومؤسستها الإعلامية "الأندلس"؛ التي ظهرت في أشرطتها، منذ 2009، قبة الصخرة في بداية الشريط كخلفية، ومرفقة بنشيد "عذرا فلسطين". وكذلك في شريط: "غزوة الشريعة"، حيث ظهرت قبة الصخرة في مطلعه يمرفقه بنشيد "صبرا يا أقصى".

في سياق تأسيس الجهادية العالمية، كانت فلسطين المحرك الأساس منذ بداياتها الأولى. ولا غرابة في كون أبرز المنظرين الجهاديين من أصول فلسطينية، إذ يعتبر الدكتور صالح سرية من أوائل الفلسطينيين الذين آمنوا بالنهج الجهادي العالمي. فقد عمل على تأسيس تنظيم إسلامي جهادي في مصر باسم "الفنية العسكرية"، وتم القضاء عليه عام 1974، وانتهى باعدامه. وكان يهدف إلى قلب نظام الحكم؛ باعتباره خطوة على طريق تحرير فلسطين، وفق تدشين رؤية تقوم على الاعتقاد بأولوية قتال "العدو القريب"، ممثلا بالأنظمة العربية التي تحول دون قتال "العدو البعيد" ممثلا بإسرائيل، الأمر الذي سوف يتطور مع الفلسطيني محمد سالم الرحال الذي ساهم في تأسيس فكر حركة "الجهاد" في مصر. ويعتبر الشيخ الفلسطيني عبدالله عزام؛ الأب الروحي للجهادية العالمية ومؤسس ظاهرة الأفغان العرب إبان حقبة الجهاد الأفغاني، خلال الثمانينيات من القرن الماضي. وقد عمل على طرح مشروع "الجهاد التضامني" الذي ينتهي بتحرير فلسطين. وقد تولى تطوير أطروحات الجهاد العالمي بعد وفاته؛ اثنان من فلسطينيي الشتات، وهما: الشيخ عصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي)، والشيخ عمر محمود أبو عمر (أبو قتادة الفلسطيني). وقد طورا مفهوم الجهاد وقتال العدو الأبعد، ممثلا بالولايات المتحدة وحلفائها من الأنظمة العربية، كطريق لتحرير فلسطين.

خلاصة القول؛ أن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل سوف يعزز مرة أخرى الإيديولوجية الجهادية التي تستند في قوتها إلى صلابة خطابها وتماسك معجمها الهوياتي، وهو معجم ينهل من تراث تاريخي يتماهى مع المعتقدات الراسخة لشعوب المنطقة وتأويلاتها للواقع. فثمة قناعات واسعة وشائعة بتضامن الإمبريالية الأمريكية والاستعمار الصهيوني والديكتاتوريات المحلية التي تنطوي على فائض من العنف البنيوي.. وتلك هي ثيمات الخطاب الجهادي. ويبدو أننا نقترب في المنطقة من حقبة جهادية جديدة مستأنفة، حيث لا رهبة من رهاب "الإرهاب". فبلاغات خطاب السلام بلغة الصهيونية يصعب استهلاكها مع غياب العدالة، وعدالة مسألة القدس تجسد خطل منظورات السلام والإرهاب.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

القدس، فلسطين، الجماعات الجهادية، داعش، أمريكا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-12-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - مصطفى فهمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، محمود طرشوبي، عبد الرزاق قيراط ، محمد الياسين، د. عبد الآله المالكي، د. طارق عبد الحليم، إياد محمود حسين ، سامر أبو رمان ، عبد الله زيدان، سيد السباعي، مصطفى منيغ، د - محمد بنيعيش، د- محمود علي عريقات، الهادي المثلوثي، أحمد بوادي، د- هاني ابوالفتوح، فهمي شراب، كريم السليتي، حسن عثمان، ضحى عبد الرحمن، مصطفي زهران، فتحي العابد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مجدى داود، محمود فاروق سيد شعبان، د. خالد الطراولي ، رضا الدبّابي، عبد الغني مزوز، د. ضرغام عبد الله الدباغ، الناصر الرقيق، سعود السبعاني، أبو سمية، جاسم الرصيف، رمضان حينوني، أ.د. مصطفى رجب، وائل بنجدو، طلال قسومي، أشرف إبراهيم حجاج، رافع القارصي، سلوى المغربي، محمد يحي، منجي باكير، رحاب اسعد بيوض التميمي، حميدة الطيلوش، د- جابر قميحة، يحيي البوليني، أنس الشابي، محمد علي العقربي، محرر "بوابتي"، إسراء أبو رمان، محمد العيادي، محمود سلطان، صالح النعامي ، إيمى الأشقر، عبد الله الفقير، د. صلاح عودة الله ، د - صالح المازقي، خالد الجاف ، محمد الطرابلسي، بيلسان قيصر، د - محمد بن موسى الشريف ، د - عادل رضا، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن الطرابلسي، مراد قميزة، فوزي مسعود ، علي عبد العال، الهيثم زعفان، محمد أحمد عزوز، كريم فارق، رافد العزاوي، عواطف منصور، د. مصطفى يوسف اللداوي، تونسي، عمر غازي، محمد شمام ، سفيان عبد الكافي، المولدي الفرجاني، محمد عمر غرس الله، د - شاكر الحوكي ، علي الكاش، د. أحمد بشير، د. أحمد محمد سليمان، ماهر عدنان قنديل، طارق خفاجي، صفاء العراقي، عبد العزيز كحيل، صفاء العربي، المولدي اليوسفي، صلاح المختار، د - الضاوي خوالدية، ياسين أحمد، فتحـي قاره بيبـان، صلاح الحريري، نادية سعد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حاتم الصولي، د.محمد فتحي عبد العال، د- محمد رحال، خبَّاب بن مروان الحمد، عمار غيلوفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، سامح لطف الله، أحمد النعيمي، يزيد بن الحسين، د - المنجي الكعبي، رشيد السيد أحمد، عزيز العرباوي، عراق المطيري، صباح الموسوي ، فتحي الزغل، أحمد ملحم، سلام الشماع، سليمان أحمد أبو ستة، العادل السمعلي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة