كيف تقوم وكالة الاستخبارات الأمريكية بتجنيد الأكاديميين سراً؟
دانيال غولدن المشاهدات: 3253
طرق عميل المخابرات الأمريكية بهدوء على باب غرفة الفندق. في الواقع، وبعد سماع مختلف الخطب الرئيسية وحضور المناقشات وحفلة العشاء، آوى الحاضرون في المؤتمر إلى غرفهم لقضاء الليلة. وقد أظهرت أجهزة الرقابة السمعية والبصرية للغرفة أن حراس العالِم النووي، التابعين إلى الحرس الثوري الإيراني، قد خلدوا إلى النوم، لكن العالِم لا يزال مستيقظا. وبالطبع، فتح الباب للطارق بمفرده.
وفقا لشخص مطلع على هذا اللقاء، الذي حدث منذ عقد من الزمن، كانت الوكالة تعد لمثل هذا اللقاء لأشهر عديدة. ووراء واجهة تجارية، قامت الوكالة الأمريكية بتنظيم وتمويل المؤتمر في مركز بحوث علمي أجنبي غير مشكوك فيه. كما قامت الوكالة بدعوة المتحدثين والضيوف ونشرت عملائها ضمن العاملين في المطبخ وغيرهم من الموظفين.
في الحقيقة، قامت الوكالة بجميع هذه الترتيبات من أجل إغراء الخبير النووي للخروج من إيران، ومن ثم فصله لبضع دقائق عن حراسه وإقناعه على انفراد بما تروم تحقيقه. في المقابل، وقعت مشكلة في اللحظة الأخيرة كادت أن تغير مسار المخطط، حيث غيّر الشخص المستهدف مكان إقامته من فندق إلى آخر، إذ أن تكلفة الفندق الذي اختاره منظمو المؤتمر، 75 دولارا، تفوق المبلغ الذي يمكن للعالم إنفاقه.
من أجل إظهار صدقه وحسن نواياه، وضع العميل يده على موضع قلبه وقال: "سلام حبيبي، إني أعمل لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية وأريدك أن تركب الطائرة برفقتي للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية". آنذاك، كان بإمكان العميل قراءة ردود الفعل التي ظهرت على وجه العالم الإيراني، والتي كان مزيجا من الصدمة والخوف والفضول.
انطلاقا من خبرته السابقة مع المنشقين، أدرك العميل أن آلاف الأسئلة قد انهالت على ذهن العالم: ماذا عن عائلتي؟ هل ستوفر لي الحماية؟ أين سأعيش؟ كيف يمكنني توفير الدعم الشخصي؟ كيف أحصل على التأشيرة؟ هل لدي الوقت حتى أحزم حقائبي؟ ماذا يحدث في حال رفضت ذلك؟ وعندما بادر العالم بطرح السؤال الأول، قاطعه العميل قائلا:" أولا، أحضر دلو الثلج". فأراد العالم الاستفسار عن السبب فبادره العميل قائلا أنه يمكن أن يخبر الحراس، في حال استيقظ أحدهم أنه قدم للحصول على بعض الثلج.
في الواقع، وفي إطار عملية توغل، التي تعتبر الأكثر جرأة ودقة في المجال الأكاديمي، أنفقت وكالة الاستخبارات الأمريكية في كنف السرية ملايين الدولارات لتنظيم المؤتمرات العلمية حول العالم. ولقد كان هدف الوكالة الأمريكية يتمثل في إغراء العلماء النوويين الإيرانيين حتى يغادروا وطنهم والتحول إلى مكان آخر، حيث يمكن لضباط المخابرات التحدث إليهم بشكل فردي والضغط عليهم للانشقاق. بعبارة أخرى، كانت وكالة الاستخبارات الأمريكية تسعى لتأخير تطوير إيران للأسلحة النووية عبر استغلال العلماء والأكاديميين، وإحباط المؤسسات التي استضافت المؤتمرات والأساتذة الذين حضروا وقدموا محاضرات فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن الحاضرين في المؤتمر لم يكن لديهم أدنى علم بأنهم كانوا يشاركون في مسرحية تحاكي الواقع، في حين يقع إدارتها عن بعد. وفي حين أن مسألة تبرير الأمن القومي من عدمه لهذا التلاعب، تعتبر قابلة للنقاش، إلا أنه لا مجال للشك في أن أغلب الأكاديميين سيصيبهم الإحباط، جراء تعرضهم للخداع ضمن مخطط وكالة الاستخبارات الأمريكية.
في الواقع، تعتبر المؤتمرات قابلة للتجسس أكثر من أي مجال أكاديمي آخر. وفي ظل العولمة، باتت هذه الطقوس الاجتماعية والفكرية موجودة في كل مكان. وفي الأثناء، يتم تنظيم المؤتمرات كلما كان المناخ مناسبا لذلك، كما أنها تحظى باهتمام علية القوم. علاوة على ذلك، لا يكون الهدف من هذه المؤتمرات المال بل نيل الحظوة. وعلى الرغم من أن الباحثين يتواصلون عبر شبكة الإنترنت في كل الأوقات، إلا أن اللقاءات الافتراضية لا تمثل بديلا للاجتماعات مع الأقران وتدعيم شبكة العلاقات للحصول على وظائف والتعرف على أحدث الآليات وتقديم البحوث التي ستنشر لاحقا في مجلدات محضر المؤتمر.
في هذا السياق، قال الروائي الإنجليزي، ديفيد لودج، في كتابه "العالم الصغير" إن "جاذبية المؤتمرات تمثل طريقة لتحويل العمل إلى مساحة ترفيه والجمع بين الحرفية والسياحة. في حين يحدث كل ذلك على حساب شخص آخر. على العموم، لا يتطلب الأمر في مجمله سوى كتابة بحث حتى يتمكن الفرد من التجول في أرجاء العالم".
عموما، يمكن قياس أهمية المؤتمر ليس من خلال عدد الحاصلين على جائزة نوبل أو أساتذة أوكسفورد الذين يستقطبهم للحضور، بل من خلال عدد الجواسيس. في هذا الصدد، يتوافد ضباط المخابرات الأمريكية والأجنبية على المؤتمرات السبب ذاته الذي يدفع المسؤولين عن التجنيد في الجيش إلى التركيز على الأحياء الفقيرة، حيث تمثل أرضا خصبة لاقتناص الفرص. وفي حين قد يوجد في الحرم الجامعي أستاذ أو اثنين ممن يحظون باهتمام المخابرات، قد يضم المؤتمر المناسب، حول الطائرات من دون طيار ربما أو تنظيم الدولة، العشرات من هؤلاء الأساتذة.
في هذا الشأن، أفاد أحد العملاء السابقين في وكالة الاستخبارات الأمريكية أن "كل جهاز مخابرات في العالم يعمل ضمن المؤتمرات ويرعاها، في حين يبحث عن طرق لاستقطاب الأشخاص لحضورها". من جانب آخر، أفاد مارك غيلوتي، باحث بارز في معهد العلاقات الدولية في براغ ومستشار خاص سابق في وزارة الخارجية البريطانية، أن "تجنيد الشخص المطلوب لصالح الاستخبارات تعتبر عملية مطولة ترتكز بالأساس على عامل. وتتمثل المرحلة الأولى ضمن هذه العملية في الإعداد لوجود العملاء في ورشة العمل ذاتها مع الشخص المستهدف. وحتى إن بدأ الأمر بتبادل معلومات تفاهات، يمكنك في المرة المقبلة أن تبادر بالتواصل أكثر مع الشخص المعني".
في الحقيقة، طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي من الأكاديميين الأمريكيين في سنة 2011، توخي الحذر بشأن المؤتمرات، مستشهدا بسيناريو تعرضت له باحثة كانت قد تلقت دعوة غير مرغوب فيها لتقديم ورقة بحثية في مؤتمر دولي. وقد قامت الباحثة بتقديم ورقتها البحثية التي تم قبولها فيما بعد. وخلال المؤتمر، طلب المشرفون على المؤتمر من الباحثة نسخة من العرض الذي ستقدمه، ومن ثم أدخلوا في حاسوبها المحمول وحدة ذاكرة فلاشية، ليقوموا إثر ذلك بتحميل ملفات ومصادر البيانات الخاصة بها، دون علمها.
في واقع الأمر، تحشد وكالة الاستخبارات الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي أعدادا كبيرة من الأشخاص أيضا ضمن المؤتمرات. وقد أفاد عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي أن "ضباط المخابرات الأمريكية يحاولون خلال المؤتمرات التي تعقد في الولايات المتحدة الأمريكية التقرب من جمع الباحثين الأمريكيين، كما يبادر مكتب التحقيقات بدوره بالسعي ورائهم".
من ناحية أخرى، تشارك وكالة الاستخبارات الأمريكية في المؤتمرات بأشكال مختلفة على غرار إرسال ضباطها لحضور هذه المؤتمرات أو استضافتها عبر شركات في المنطقة المحيطة بواشنطن. وبالتالي، يمكن لمجتمع الاستخبارات الاستفادة من الحكمة الأكاديمية وتنظيم المؤتمرات الزائفة للوصول إلى المنشقين المحتملين عن الدول العدوة.
في الأثناء، تراقب وكالة الاستخبارات الأمريكية المؤتمرات التي ستنعقد في جميع أنحاء العالم وتقوم بتحديد أي منها يعد مثيرا للاهتمام. فلنفترض انعقاد مؤتمر دولي في باكستان حول تكنولوجيا الطرد المركزي، غالبا ما تبادر وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى إرسال عملائها السريين أو تجنيد أستاذ قد يشارك في هذا المؤتمر ليُقدم تقريرا عنه. وفي حال علمت بحضور عالم نووي إيراني في المؤتمر، قد تعمل الوكالة على احتمال تجنيده خلال دورة السنة المقبلة من المؤتمر. والجدير بالذكر أنه يمكن للمعلومات الاستخباراتية المستقاة من المؤتمرات الأكاديمية أن تحدد معالم السياسة. فقد ساعدت هذه المعلومات، على سبيل المثال، في إقناع إدارة جورج بوش الابن، على نحو خاطئ كما تبين، أن صدام حسين لا يزال بصدد تطوير أسلحة الدمار الشامل في العراق.
في سياق متصل، كتب جون كيرياكو، وهو ضابط مختص في مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات الأمريكية، في مذكراته التي صدرت سنة 2009، أن الجواسيس والمخبرين الأمريكيين كانوا يلاحظون الظهور المتواصل للعلماء العراقيين المختصين في الكيمياء والبيولوجيا والطاقة النووي، بدرجة أقل، في الندوات الدولية. وأضاف كيرياكو أن هؤلاء العلماء العراقيين قدموا ورقات بحثية واستمعوا إلى محاضرات غيرهم من العلماء والباحثين وسجلوا ملاحظات مكثفة ومن ثم عادوا إلى الأردن، حيث يمكنهم نقل المعلومات إلى العراق.
عموما، قد يكون بعض هؤلاء الجواسيس قد استخلصوا استنتاجات خاطئة ذلك أنهم يفتقرون إلى شهادات عليا في الكيمياء والبيولوجيا أو الطاقة الذرية. وفي ظل افتقارهم للخبرة، يمكن أن يقع العملاء في سوء فهم للموضوع الذي يمثل محور اهتمام العلماء. من جهته، أوضح جين كويل أنه من المحتمل أن يكون عدد ضباط الاستخبارات قد فاق عدد العلماء خلال المؤتمرات التي استضافتها وكالة الطاقة الذرية في فيينا حول مواضيع مثل هيدرولوجيا النظائر المشعة والطاقة الإنصهارية. وتجدر الإشارة إلى أن جين كويل عمل لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية في الفترة ما بين سنة 1967 و2006.
في هذا الصدد، أشار كويل إلى وجود مشكلة بسيطة، تتمثل في ضرورة إرسال عميل يكون على دراية بالموضوع الذي سيتم مناقشته في المؤتمر. وصرح كويل أنه متحصل على شهادة دكتوراه في فيزياء البلازما. كما بين العميل السابق أيضا أنه إذا ما عرف العميل نفسه على أنه عالم ينتمي إلى معهد علمي ما، فلابد أن يستفسر أحد العلماء الآخرين عن العلماء والباحثين المنتمين لتلك المؤسسة أو المعهد.
بدلا من ذلك، يقترح جين كويل أن تقوم وكالة الاستخبارات بتجنيد أستاذ عن طريق قسم الموارد الوطنية، الذي لديه "علاقات عمل" مع عدد من العلماء. وأردف كويل، أنه "إذا ما علمت وكالة الاستخبارات بانعقاد مؤتمر في فيينا، فقد تطلب من الأستاذ سميث الحضور لأن الأمر سيبدو طبيعيا". في هذا الصدد، "قد يقول سميث: 'سأحضر المؤتمر وسأعلمك مع من تحدثت. أما إذا صادفت إيرانيا فلن أركض في الاتجاه المعاكس'. وإذا ما قال: 'أرغب في الحضور، ولكن ميزانية السفر محدودة للغاية'، قد تقول "سي آي إيه" أو "أف بي آي": "حسنا، أنت تعلم، قد نكون قادرين على الاعتناء بتذكرة السفر، ولكن في الدرجة الاقتصادية'".
أثناء المؤتمرات الأكاديمية، عادة ما تبدأ عملية تودد جاسوس لأحد الأساتذة بلقاء عشوائي في الغالب. وفي هذا السياق، بين لي أحد العاملين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية في الخارج، الذي سأطلق عليه اسم "آر"، كيف كان يعمل. وفي هذا الإطار، صرح آر قائلا: "لقد جندت عددا كبيرا من الأشخاص ضمن المؤتمرات. لقد كنت جيدا في ذلك، نظرا لأنها عملية غير صعبة".
من بين مهامه، أفاد "آر" أنه كان مطالبا بالبحث في قائمة من المؤتمرات التي ستعقد قريبا، لاختيار أحدها، وتحديد محور الاهتمام الذي من المرجح أنه سيحضر ذلك المؤتمر، نظرا لتوصله لمعلومات تفيد أن هذا الشخص قد تحدث مرتين على الأقل في الحدث ذاته في السنوات السابقة. علاوة على ذلك، يكلف آر بعض المتدربين في وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي بالبحث عن تفاصيل حياة الهدف، على غرار المدارس التي درس فيها ومن كانوا معلميه....
عقب ذلك، يقوم آر بإرسال برقية للمقر الرئيسي من أجل طلب تمويل للسفر. في الواقع، يجب على تلك البرقية أن تكون مقنعة بما فيه الكفاية للحصول على الأموال اللازمة للسفر. في المقابل من المحتمل ألا تفي بالغرض في حال قرأها وكلاء آخرين، قد يكونون في مكان قريب من ذلك المؤتمر، ويمكنهم استهداف الشخص ذاته. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يقوم آر بإنشاء غطاء يتستر تحته في هذه العملية، حيث من الممكن أن يتحول إلى أحد رجال الأعمال ويخترع اسم شركة، ويقوم بتأسيس موقع على الانترنت وطبع بطاقات عمل، فضلا عن إنشاء سجلات الفوترة والهاتف وبطاقات ائتمان للشركة الوهمية. أما فيما يتعلق بالاسم الذي سيعمل وفقا له، فيستطيع اختيار أحد أسمائه المستعارة السبعة.
وتجدر الإشارة إلى أن آر ليس عالما لذلك لا يمكنه الانخراط في حوار حول فرضية ريمان باعتبارها من أصعب الفرضيات التي استعصت على العلماء. في ظل معرفته بأن معظم العلماء انطوائيون اجتماعيا، فيمكنه الذهاب إلى الهدف بسهول والشروع في الحديث قائلا: "هل تكره الاكتظاظ مثلي؟"، ثم يتركه ويسير بعيدا عنه. وتهدف تلك الخطوة إلى أن يسجل الهدف في ذهنه صورة لآر. في الأثناء، لا يجب أن يفطن أحد إلى ذلك اللقاء الأول.
من ناحية أخرى، يعتبر الاقتراب من الهدف أمام الآخرين، بمثابة خطأ مبتدئين، حيث قد يكون هناك بعض الأشخاص الذين تم تعيينهم من قبل بلده الأصلي من أجل مراقبة الباحث. ومن المحتمل أن هؤلاء الأشخاص سيبادرون بتقديم تقرير عن المحادثة، ما يعرض أمن الهدف للخطر ويجعله غير راغب أو غير قادر على الاستجابة للعروض المقدمة إليه.
طيلة بقية المؤتمر، يبقى آر في حالة من الاضطراب، في حين يحاول في كل فرصة تسنح له الاقتراب من الباحث. في كل لحظة لقاء بينهما، التي تسميها وكالة المخابرات المركزية "الوقت مع الهدف"، والتي تُحسب في مقاييس أدائه الوظيفي، يحاول آر كسب ود البروفيسور. فعلى سبيل المثال، وبعد القيام بمهمة بحث معمقة، قد يخبر آر الباحث أنه قرأ مقالا رائعا حول موضوع ما، ولكن لا يتذكر اسم المؤلف. فيجيب الباحث، بكل خجل وتواضع، أنه "كاتب المقال".
بعد بضعة أيام، يبادر آر بدعوة الباحث إلى الغداء أو العشاء. وفي الأثناء، يشرع في تنفيذ مخططه الفعلي، قائلا إن شركته مهتمة بمجال بحث العالم، وترغب في دعم عمله. وفي هذا السياق، أفاد آر أن "كل الأكاديميين الذين التقيتهم باستمرار كانوا يحاولون معرفة كيفية الحصول على المنح لمواصلة بحوثهم. وذلك ما كانوا يتحدثون عنه بالأساس". عقب ذلك يتفق آر مع العالم على مشروع محدد، وتكلفته، التي تختلف كثيرا انطلاقا من بلد العالم. فعلى سبيل المثال "تتراوح التكلفة بالنسبة لعالم باكستاني من 100 دولار إلى 5000 دولار. أما الباحثين الكوريين فهم يتقاضون أكثر من ذلك".
بمجرد أن تبدأ وكالة الاستخبارات المركزية بتمويل أستاذ أجنبي، حتى لو لم يكن على دراية بمصادر تمويله، تستمر في مراقبته، نظرا لأن كشف العلاقة التي بينهم قد تعرض مسيرة الباحث المهنية للخطر أو حتى حياته في بلده الأصلي. وقد أصبحت المؤتمرات العلمية ساحة جذابة لعملاء المخابرات، لكنها في الوقت ذاته قد تتحول إلى أكبر مخاوف عملاء وكالة الاستخبارات المركزية، في حال تدخل أحد زملائهم في الوكالة وحاصر الفريسة الأكاديمية ذاتها.
في هذا الإطار، أورد ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الذي غالبا ما يكتب تحت اسم مستعار، إشمائيل جونز، في كتابه سنة 2008، تحت عنوان، "العامل البشري: اختلال الثقافة المخابراتية داخل وكالة الاستخبارات المركزية" قائلا "نحن نميل إلى الأحداث المتتالية مثل هذه". والجدير بالذكر أن جونز كان يتوقع أن يكون مؤتمر باريس لسنة 2005، " كانا مثاليا لزيارة علماء الأسلحة المارقة"، لكنه أصيب بخيبة أمل عندما رأى في الغرفة اثنين من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية (الذين كانوا يتنكرون على اعتبرهم أساتذة). وبالتالي، حاول جونز تجنب مرمى نظرهم والتجول والبحث عن أهداف مثالية من كوريا الشمالية وإيران، وليبيا، وروسيا، والصين.
في سياق متصل، أخبرني رئيس سياسة الأمن السيبراني في المكتب الأجنبي الألماني، كارستن جير، عندما كنت أتبادل معه أطراف الحديث خلال المؤتمر الدولي السنوي السادس بشأن الانخراط السيبراني، الذي عقد في أبريل سنة 2016، في جامعة جورج تاون في واشنطن العاصمة، أنه "مندهش من الوجود الاستخباراتي المكثف في مثل هذه المؤتمرات، حيث كان هناك الكثير من العملاء الذين يحومون حول الكثير من الأهداف". على العموم، ساعد العامل الديني، والنوافذ الزجاجية الملونة والاقتباسات الكلاسيكية، مدراء وكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي في إلهاء بقية الحضور بصفة متقنة، في حين ركزوا على الخطابات المتعلقة بمكافحة أكثر التحديات الشاقة في القرن الواحد والعشرين، ألا وهي الهجمات الإلكترونية.
في خضم ذلك المؤتمر، ألقى رئيس هيئة الأمن القومي السابق خطابا، على غرار الرئيس السابق لمجلس المخابرات الوطني، ونائب مدير إدارة الأمن في إيطاليا، فضلا عن مدير مركز أبحاث، يعنى بجمع المعلومات والبيانات لصالح الاستخبارات السويدية. وقد كشفت بطاقات الأسماء التي كان يحملها جميع الحضور، الذين يصل عددهم إلى نحو 700 تقريبا، أنهم يعملون لحساب الحكومة الأمريكية والسفارات الأجنبية ومقاولي المخابرات أو بائعي المنتجات ذات الصلة بالإنترنت أو أنهم يدرسون في الجامعات.
ربما لم يكن الوجود الاستخباراتي واضحا. فرسميا، كان يحضر ذلك المؤتمر قرابة 40 دولة، انطلاقا من البرازيل وصولا إلى موريشيوس، مرورا بصربيا إلى سريلانكا لكن ليس من روسيا. في الأثناء، كان يحوم في الجزء الخلفي من الشرفة شاب نحيل يحمل حقيبة ويستمع إلى المناقشات، في حين كان لا يضع أي بطاقة هوية على سترته. في المقابل، لم أتوان عن الاقتراب منه، وقدمت نفسي له، وسألته عن اسمه فأجابني، "الكسندر"، ثم سكت وقال "بلوسوف". وأردفت قائلا: "هل أعجبك المؤتمر. ردّ "لا"، في محاولة منه لمنعي عن طرح المزيد من الأسئلة. لكني أضفت "أنا من السفارة الروسية. لم أتمكن من الحصول على آراء البقية. ووددت أن أعرف موقفك، هذا كل شيء".
في الوقت ذاته، قدمت له بطاقتي، إلا أنه رفض تقديم أي دليل عن هويته قائلا: "أنا جئت هنا فقط لشهر واحد. ولم تَجهزْ بعد بطاقاتي". وقد أصريت على معرفة طبيعة وظيفته في السفارة إلا أنه نظر إلى ساعته، وقال لي "أنا آسف. يجب أن أذهب الآن". عندما كانت وكالة الاستخبارات المركزية ترغب في معرفة رأي البروفيسور جون بوث، كانت تهاتفه لمعرفة ما إذا كان قادرا على إلقاء محاضرة في ذلك المؤتمر. وعموما، لا يرد اسم الوكالة في الدعوة الرسمية للمؤتمر وجدول أعماله، الذي يذكر دائما اسم متعهد في واشنطن باعتباره الجهة الراعية.
من خلال إخفاء دورها، تُسهل وكالة الاستخبارات المركزية على العلماء تبادل الرؤى فيما بينهم. مقابل ذلك، يتقاضى هؤلاء العلماء أتعابهم مقابل المحاضرات التي يلقونها دون الكشف عن وظيفتهم على اعتبارهم مستشارين لوكالة الاستخبارات المركزية، الأمر الذي قد ينفر بعض الزملاء من الأكاديميين، وكذلك البلدان التي تجري أبحاثها في مواضيع مشابهة.
في حقيقة الأمر، يعمل بوث أستاذا فخريا للعلوم السياسية في جامعة شمال تكساس، ويتخصص في دراسة أمريكا اللاتينية، وهي المنطقة التي لقّن فيها التاريخ المسؤولين أن يكونوا حذرين من وكالة الاستخبارات المركزية. وفي هذا السياق، أخبرني بوث، خلال شهر آذار/ مارس من سنة 2016، أنه "إذا كنت تنوي العودة إلى أمريكا اللاتينية يوما ما، فمن المهم جدا ألا تعكس سيرتك الذاتية ذلك".
وأضاف المصدر ذاته أنه "عندما تذهب إلى إحدى هذه المؤتمرات، حيث يكون هناك بعض مديري المخابرات أو وكالة الدفاع، فيجب ألا يكون ذلك مدرجا في سيرتك الذاتية، حيث لا يزال هناك بعض التحيز في الأوساط الأكاديمية ضد هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال أنا لا أذهب في اجتماعات دراسات أمريكا اللاتينية قائلا إنني حضرت سابقا مؤتمرا نظمته وكالة الاستخبارات المركزية".
من جهة أخرى، تقوم وكالة الاستخبارات المركزية بتنظيم مؤتمرات حول قضايا السياسة الخارجية بحيث يمكن للمحللين، الذين غالبا ما يكون بحوزتهم الكثير من التفاصيل السرية، أن يتعلموا من العلماء الذين يفقهون حيثيات ما يجري على الساحة السياسية وعلى دراية بمصادر المعلومات المتاحة للجميع. بصفة عامة، يُدفع للأساتذة المشاركين مبلغا قدره ألف دولار، بالإضافة إلى النفقات. وتعقد جلسات العروض العلمية مثل أي اجتماع أكاديمي، إلا أن العديد من الحضور، الذين يكونون من محللي وكالة الاستخبارات المركزية، غالبا ما يرتدون شارات كُتب فيها أسماءهم الأولى فقط.
من بين 10 مؤتمرات لوكالة الاستخبارات التي حضرها جون بوث على مر السنين، لعل آخرها دورة سنة 2015، التي كانت تتمحور حول موجة الأطفال اللاجئين من أمريكا الوسطى باتجاه الولايات المتحدة، لم تُدرْ وكالة الاستخبارات المركزية أو مكتب مدير الاستخبارات الوطنية سوى واحد أو اثنين بصفة مباشرة. أما فيما يتعلق ببقية المؤتمرات، فقد تم الاستعانة بشركة "سنترا" للتكنولوجيا التي تتصدر صناعة متنامية من الوسطاء في منطقة واشنطن وتتكفل عادة بإدارة مؤتمرات وكالة الاستخبارات المركزية.
من جانب آخر، تزود وكالة الاستخبارات المركزية سنترا بالتمويل وقائمة من الناس حتى يقع دعوتهم، ليجتمعوا في مركز مؤتمرات سنترا، الذي يوجد في مقاطعة أرلنغتون، فيرجينيا. ويعد "هذا الموقع مثاليا لعقد المؤتمرات والاجتماعات والألعاب والأنشطة التعاونية لعملائنا"، وذلك وفقا لما جاء في موقع شركة سنترا الإلكتروني. من جهته، أفاد روبرت جيرفيس، أستاذ السياسة الدولية في جامعة كولومبيا والمستشار لدى "سي آي إيه" لوقت طويل، أنه "في حال كنت على اطلاع ببعض الأمور، فإنك وحين تنظر إلى سنترا ستدرك أنها شبيهة بوكالة الاستخبارات المركزية أو مكتب مدير الاستخبارات الوطنية. في الغالب، تعتقد بعض الجهات الاستخباراتية أن منح تغطية لبعض الأكاديميين أمر مفيد".
تم إنشاء سنترا سنة 1997. وقد تلقت منذ ذلك الحين أكثر من 200 مليون دولار في شكل عقود حكومية، بما في ذلك 40 مليون دولار من قبل وكالة الاستخبارات المركزية للدعم الإداري من قبيل تجميع وتحرير البرقيات والوثائق السرية ضمن دراسة لجنة استخبارات مجلس الشيوخ لمدة خمسة سنوات لبرنامج التعذيب الخاص بالوكالة. وخلال سنة 2015، تعاونت الجهات التنفيذية للشركة مع مسؤولين استخباراتيين سابقين.
والجدير بالذكر أن المؤسس والرئيس التنفيذي لسنترا، هارولد روزنباوم، كان مستشارا العلوم والتكنولوجيا لدى وكالة الاستخبارات المركزية، في حين ترأس نائب الرئيس الأول، ريك بوغوسكي، القسم الكوري في وكالة استخبارات الدفاع. فضلا عن ذلك، أدار نائب الرئيس للبحوث، جيمس هاريس، البرامج التحليلية في وكالة الاستخبارات المركزية لمدة 22 سنة، فيما كان مدير الوصول العالمي، بيغي ليونز، مديرا في وكالة الاستخبارات المركزية لوقت طويل وضابطا قام بالعديد من الجولات في شرق آسيا. أما المدير التحليلي لسنترا، ديفيد كانين، فقد قضى 31 سنة في منصب محلل لدى وكالة الاستخبارات المركزية.
تماما مثلما هو الحال بالنسبة لجون بوث، تحدث أستاذ العلوم السياسية في جامعة إنديانا، سوميت جانجولي، في العديد من المؤتمرات التابعة لسنترا. وقد صرّح جانجولي أن "كل من يعمل مع سنترا يعرف أنهم يعملون فعليا لصالح الحكومة الأمريكية. وفي حال تم ذكر وكالة الاستخبارات المركزية، فسيتسبب ذلك في إزعاج عدد من الأشخاص الآخرين. بالنسبة لي، أتحدث بصراحة تامة عن ذلك مع زملائي، وإن كان ذلك لا يعجبهم فهو أمر يعنيهم لوحدهم. وباعتباري مواطنا أمريكيا، أشعر أن من واجبي تقديم أفضل النصائح الممكنة لحكومة بلادي".
في سياق متصل، أورد أستاذ علوم سياسية آخر، كان قد قدم أربعة محاضرات لفائدة سنترا، أنه قد تم إعلامه أن الشركة تمثل "عملاء" مجهولين، ولكنه لم يدرك أن المسألة تتعلق بعملاء وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى أن لاحظ أن بعضا من الحاضرين كانوا يحملون شارات تتضمن الاسم الأول فقط. وفي وقت لاحق، قابل واحدا أو اثنين من الأشخاص ذاتهم ضمن مؤتمر أكاديمي، إلا أنهم لم يكونوا يرتدون شارات الأسماء ولم يكونوا مُدرجين ضمن البرنامج.
في الواقع، جاهدت سنترا لإخفاء علاقاتها مع وكالة الاستخبارات المركزية، حيث محت كل السير الذاتية التابعة لمدرائها التنفيذيين من موقعها على شبكة الإنترنت سنة 2015. وتشمل لائحة "العملاء المميزين" المُدرجة في الموقع وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، والجيش، و16 فرعا آخر للحكومة الفدرالية، ولكن ليس وكالة الاستخبارات المركزية. وعندما هاتفت روزنباوم وسألته عن عقد سنترا لمؤتمرات لفائدة وكالة الاستخبارات المركزية، أجاب قائلا: "أنت تتصل بالشخص الخطأ، فلا علاقة لنا بهذا الأمر"، ليغلق السماعة بعد ذلك.
كنت قد مررت بمكاتب سنترا في الطابق الخامس في مبنى في مدينة بورلينغتون بولاية ماساتشوستس، وهي ضاحية شمالية في بوسطن. وضمن ورقة تسجيل الدخول، يُطلب من الزوار تحديد جنسيتهم "ونوع الزيارة" إن كانت سرية أم لا. ومن ثم، استدعى موظف الاستقبال مديرة الموارد البشرية، ديان كولبيتس، التي استمعت لي بكل أدب، لتبادر بالتشاور مع روزنباوم. وفي النهاية، أخبرتني أن سنترا ستمتنع عن الإدلاء بأي التعليق. وأضافت كولبيتس "لكي نكون صريحين، يفضل عملائنا ألا نتحدث مع وسائل الإعلام".
بالنسبة للأكاديميين الإيرانيين الفارين باتجاه الغرب، تعتبر المؤتمرات الأكاديمية بمثابة "خط سكة حديد تحت الأرض" في عصرنا الحديث. وفي الحقيقة، استفادت وكالة الاستخبارات المركزية بشكل كامل من هذه النقطة الحساسة. وابتداءً من عهد جورج بوش الابن، امتلكت الحكومة الأمريكية "أموالا لا حد لها" لبذل الجهود الخفية لتأخير تطوير إيران للأسلحة النووية، وفقا لما أخبرني به ديفيد أولبرايت، من معهد العلوم والأمن الدولي. وقد ارتكز أحد البرامج التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، على عملية استنزاف الأدمغة. وقد سعت من خلاله إلى تحفيز كبار العلماء الإيرانيين النوويين على الفرار من بلادهم.
نظرا لأنه كان من الصعب التقرب من العلماء في إيران، قامت وكالة الاستخبارات المركزية بجذبهم إلى المؤتمرات في بلدان صديقة أو محايدة، وفقا لما أطلعني عليه ضابط مخابرات سابق. وبالتشاور مع إسرائيل، تقوم الوكالة باختيار عالم محتمل، ومن ثم تقيم مؤتمرا في معهد علوم مرموق عن طريق وسيط، الذي عادة ما يكون رجل أعمال، والذي غالبا ما يؤمن الندوة بالاعتماد على مبلغ يتراوح بين 500 ألف ومليوني دولار مقدمة من قبل الوكالة.
في هذا الصدد، قد يمتلك رجل الأعمال شركة تكنولوجيا، أو قد تُنشأ الوكالة شركة وهمية من أجله كي يبدو دعمه للمعهد، الذي لا يكون على علم بتدخل وكالة الاستخبارات المركزية، مشروعا. ووفقا لما أخبرني به ضابط المخابرات السابق، "كلما كان الأكاديميون أكثر جهلا بما يحدث، كلما كان ذلك أكثر أمنا بالنسبة للجميع. في الواقع، كان كل وسيط على علم بأنه يساعد وكالة الاستخبارات المركزية، إلا أنه كان يجهل السبب وراء ذلك، كما أن الوكالة كانت توظفه لمرة واحدة فقط".
كان المؤتمر يركز على أحد جوانب الفيزياء النووية التي لها تطبيقات مدنية، كما أنها تتماشى مع المصالح البحثية للعالم الإيراني المستهدف. علاوة على ذلك، عادة ما يقع تعيين العلماء النوويون في الجامعة. وتماما مثل أي أستاذ في أي مكان، كان الإيرانيون يتمتعون بالرحلات. وفي بعض الأحيان، سمحت الحكومة الإيرانية لهؤلاء بالذهاب إلى المؤتمرات، وإن كان ذلك تحت الحراسة، بهدف مواكبة أحدث البحوث ومقابلة الموردين للتكنولوجيا المتطورة، ولأغراض دعائية أيضا.
وفقا لما أطلعني عليه رونين بيرغمان، "كان من الجلي، من وجهة نظر الإيرانيين، أن لهم مصلحة في إرسال العلماء إلى المؤتمرات بشأن الاستخدامات الآمنة للطاقة النووية". ويُعتبر بيرغمان صحفيا إسرائيليا بارزا، كما أنه مؤلف "الحرب السرية مع إيران: النضال السري لثلاثين سنة ضد القوة الإرهابية الأكثر خطورة في العالم". بالإضافة إلى ذلك، يعمل هذا الصحفي على دراسة تاريخ جهاز المخابرات المركزي الإسرائيلي، الموساد. وقد أورد بيرغمان أنهم "يقولون 'نعم'، نحن نرسل علمائنا إلى المؤتمرات لاستخدام التكنولوجيا المدنية لغرض مدني".
في الأثناء، قد يتظاهر ضابط الوكالة المكلف بالحالة بأنه طالب، أو مستشار فني، أو عارض أمام كشك. وتتمثل وظيفته الأولى في إبعاد الحراس المحيطين بالعالم. وفي إحدى الحالات، قام موظفو المطبخ الذين جندتهم وكالة الاستخبارات المركزية بوضع السم في وجبات الحراس، مما جعلهم عاجزين عن حماية العالم بسبب الإسهال والقيء. وفي الأثناء، كانت الوكالة تأمل أن يعزو هؤلاء مرضهم للطعام على متن الطائرة أو المأكولات غير المألوفة.
بفضل ضربة من الحظ، يتمكن الضابط من الاختلاء بالعالم لدقائق معدودة ويتلاعب به، كما أنه قد يقوم بدراسة الإيراني من خلال قراءة الملفات ووضع"عملاء الوصول" بالقرب منه. وبهذه الطريقة، إذا ما أعرب العالم عن شكه فيما يتعلق بتعامله فعلا مع وكالة المخابرات المركزية، بإمكان الضابط آنذاك أن يجيبه بأنه يعلم بشأنه كل شيء، وحتى أكثر التفاصيل حميمية، مقدما الدلائل على ذلك. فعلى سبيل المثال، قال أحد الضباط ذات مرة لمنشق محتمل: "أعلم أنك مصاب بسرطان الخصية وأنك قد استأصلت خصيتك اليسرى".
في مرحلة لاحقة، وحتى بعد موافقة العالم على الهرب، قد يعيد هذا الشخص النظر في المسألة ويلوذ بالفرار. وفي هذا السياق، أفاد الضابط السابق، أن "الأمر يتمثل في إعادة تجنيد الرجل مرارا وتكرارا وباستمرار". وبمجرد أن يصبح بمأمن في سيارة متجهة إلى المطار، تقوم وكالة الاستخبارات المركزية بتنسيق التأشيرات اللازمة ووثائق الرحلة الجوية مع وكالات الاستخبارات الحليفة. فضلا عن ذلك، لن تدخر الوكالة جهدا من أجل جلب زوجته وأطفاله إلى الولايات المتحدة، إن لم يكن عشيقته، مثلما جاء في طلب أحد العلماء. كما ستقوم الوكالة بإعادة توطين العالم وأسرته وتوفر فوائد له على المدى الطويل، بما في ذلك دفع أقساط كلية أبنائه ودراساتهم العليا.
من المثير للاهتمام أن عددا كافيا من العلماء فروا إلى الولايات المتحدة إثر حضورهم المؤتمرات الأكاديمية أو من خلال غيرها من الطرق، وذلك في سبيل عرقلة واشنطن برنامج الأسلحة النووية الإيراني، وفقا لما أخبرني به الضابط السابق المُطّلع على العملية. وأضاف الضابط أن مهندسا دأب على تجميع أجهزة الطرد المركزي لصالح البرنامج النووي الإيراني وافق على الفرار بشرط واحد وهو متابعة دراسة الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ولسوء الحظ، كانت الوكالة قد أخرجته من إيران دون أوراق اعتماد من قبيل الشهادات وغيرها.
في البداية، رفض معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا طلب الوكالة بالنظر في أمره، ولكن مع إصرار الوكالة، وافقت مدرسة الهندسة الشهيرة على طلب الوكالة من خلال التنازل عن إجراءات الفحص المعتادة. ونتيجة لذلك، حشد المعهد مجموعة من الأساتذة من أقسام ذات صلة لاستجواب المنشق. وبعد تفوقه في الامتحان الشفوي، تم قبوله وحصل على شهادة الدكتوراه.
في المقابل، نفى الإداريون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا علمهم بهذه المسألة. وقد أكد رئيس قسم الهندسة الميكانيكية،غانغ تشن، هذا الأمر قائلا: "أجهل تماما أي معلومات بخصوص ذلك". خلافا لذلك، أقر اثنين من الأكاديميين بالحيثيات الرئيسية للقصة. فوفقا لما أطلعني عليه محمد سهيمي، أستاذ الهندسة البترولية بجامعة كاليفورنيا الجنوبية الذي يدرس التطور النووي والسياسي الإيراني، حظي منشق عن البرنامج النووي الإيراني على شهادة دكتوراه من قبل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الهندسة الميكانيكية.
أما بروفيسور الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تيموثي غوتوسكي، فأورد قائلا: "أعرف شابا كان يوجد هنا في مختبرنا، وبطريقة ما علمت أنه عمل على أجهزة الطرد المركزي في إيران. وحينها بدأت أفكر وأتساءل عما يحدث هنا". وبالتزامن مع موافقة إيران خلال سنة 2015، على الحد من تطوير الأسلحة النووية مقابل رفع العقوبات الدولية، فقد تجنيد المنشقين عن البرنامج من قبل المخابرات الأمريكية بعضا من صبغته العاجلة.
في حال قام الرئيس الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق أو سعى إلى إعادة التفاوض بشأنه، وهو ما ندد به ضمن خطاب ألقاه في أيلول/سبتمبر الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد تسجل المؤتمرات التي تنظمها وكالة المخابرات المركزية لاعتراض طريق كبار العلماء النوويين الإيرانيين عودتها بشكل سري.
---------
دانيال غولدن
محرر بارز في "برو بوبليكا" ومقره في بوسطن
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: