البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الفساد الديمقراطي بتونس

كاتب المقال طارق الكحلاوي - تونس   
 المشاهدات: 3974



أصدرت "مجموعة الأزمات الدولية" تقريرا منذ أسبوع عنوانه "الانتقال المعطل: الفساد والجهوية في تونس". التقرير الذي استغرقت كتابته أشهرا يرصد بدقة وعمق الوضع في تونس من زاوية متشائمة؛ إذ يؤكد أهمية التفاهمات التي تمت لتمرير "توافق" هش والحفاظ على الحد الأدنى الديمقراطي في تونس، فهو أيضا يشير بوضوح إلى حقل الألغام الذي رافق هذه التفاهمات، التي تمت أساسا بين القوى التي ورثت المنظومة القديمة برئاسة قائد السبسي والتيار الإسلامي الأبرز حركة النهضة، بقيادة راشد الغنوشي.

المسألة الأساسية في هذا التقرير التي تستوجب التأمل هي: هل الوصفة التي أنقذت ظاهريا الديمقراطية أي "التوافق"، هي التي تفرز الآن السم الذي يقتلها ببطء، أي مأسسة الفساد وانتشاره تحت غطاء ديمقراطي؟ وأن لن يترك ذلك ندوبا عميقة على فكرة الديمقراطية في المجال العربي الوحيد الذي عرفت فيه بعض النجاح؟ ومن ثمة إمكانية قبرها إلى أجل غير معلوم؟

وأشار التقرير في أحد مفاصله الأساسية إلى "أن الإجماع السياسي القائم منذ الانتخابات البرلمانية والرئاسية في أواخر العام 2014، قد استقر في السياسة التونسية ولكنه بدأ في الوصول إلى حدوده. وعلى الرغم من تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الأحزاب السياسية الرئيسية، تعاني البلاد من إحساس متزايد بالاستبعاد الاجتماعي والإقليمي وإضعاف سلطة الدولة، التي يغذيها انتشار الفساد والمحسوبية. وسيتطلب استمرار التحول الديمقراطي وتحقيق الانتعاش الاقتصادي توافق الآراء، هذا إلى ما هو أبعد من الترتيبات الحالية بين القادة السياسيين وقادة النقابات، وهذا يتطلب أيضا مقاربة جريئة وجديدة تستقطب الشخصيات الأكثر تأثيرا في عالم الأعمال، بمن فيهم الذين ينحدرون من المناطق المهمّشة الذين يحصلون على سلطات غامضة في الحياة السياسية والاجتماعية."

وأفاد التقرير الذي أعدته "الأزمات الدولية" بعد لقاءات مع أكثر من 200 شخصية من الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والنقابيين وغيرهم، أن مجلس نواب الشعب أصبح مركز التقاء لشبكات سمسرة وأفاريات، وأن بعض النواب أصبحوا مختصين في هذا المجال .

وأشارت المنظمة إلى أن تونس باتت تعيش في ظل "منظومة مافيوزية" وأن الفساد بلغ مستويات خطيرة، خصوصا في وزارة الداخلية والديوانة والقضاء، وأن "رجال الظل" يحركون خيوط اللعبة في الكواليس للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية ويؤثرون في الإعلام والسياسية على حد سواء. وأضافت أن التأثير المتنامي لرجال الظل في المؤسسات العمومية، شلّ جزءا كبيرا من الإصلاحات فيها.

وأكد التقرير أنه في الوقت الذي تشهد فيه التوازنات الاقتصادية انخراما ملحوظا، فإن الاستقطاب ما فتئ يقوى في عالم الأعمال بين رؤساء المؤسسات، ولكن أيضا بينهم وبين بارونات الاقتصاد الموازي وأهمّهم المهرّبون . فمن جهة نجد نخبة اقتصادية تنتمي إلى جهة الساحل وإلى بعض المدن الكبرى مبجّلة ومحميّة بواسطة ترسانة من التشريعات، وتأمل أن تبقى ببقاء الحال على ما هو عليه، نجد من جهة أخرى طبقة جديدة من رجال الأعمال برزت من المناطق المهمّشة، بعضهم تخصص في التجارة الموازية ويساند جزئيا الاحتجاجات العنيفة ضد السلطة، وهو يأمل أن يجد لنفسه مكانا بين النخبة الموجودة أو حتى تعويضها.

وأوضح التقرير في هذا الشأن أن المهربين بالمناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر بنوا بعد الثورة ثروات طائلة بمليارات الدولارات، وأنهم يريدون اليوم مكانة وحظوة سياسية واقتصادية مثل تلك التي يحظى بها "رجال أعمال النخبة" في الساحل والعاصمة تونس، الذين يعطلون إقامة مشاريع تنموية بالمناطق الداخلية حتى لا تؤثر على مشاريعهم ومصالحهم.

وبناء على هذا الصراع العميق، أصبح التنافس الاقتصادي والسياسي متعفّنا؛ إذ يهدف هذا الصراع إلى الاستئثار بالمناصب الحساسة، والأولى في الإدارة بما يسمح بالتحكم ومراقبة النفاذ إلى التمويل البنكي وإلى الاقتصاد الرسمي. ويساهم هذا الصراع في توسيع و "دمقرطة" الفساد وإصابة الإصلاحات بالشلل. وهذا يؤجج اللاعدالة بين الجهات التي تغذّي بدورها التفرقة بين مواطني المناطق المهمّشة، وقد أصبحت ممكنة في ظل التصرف العشوائي للمسؤولين الإداريين وانغلاق النظام البنكي وجموده.

وفي الوقت الذي رفعت فيه حكومة يوسف الشاهد شعار مقاومة الفساد وإعادة دوران عجلة الاقتصاد، وجدت الحكومة نفسها بصفة "منهجيّة" معطّلة منذ الانطلاق؛ فالإصلاحات التي تقترحها الحكومة يصعب تحقيقها في غياب مبادرة سياسية تهدف إلى "تحجيم" السلطة الغامضة لهؤلاء الفاعلين.

ولئن بدت العديد من الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة مهمّة ولقيت سندا لدى شركاء تونس الدوليين، فإن العديد من الإجراءات الأخرى يجب أن تكون ذات أولوية من أجل تحسين الوعي العام وحماية الدولة من شبكات المحسوبية والتوجّه مباشرة إلى ضرب منابع الإقصاء الاجتماعي الجهوي، وهو عنصر سلبي ومقلق على المدى المتوسّط بالنسبة إلى استقرار البلاد.

ومن التوصيات المذكورة في التقرير أنه ينبغي على الحكومة أن توفر للسلطة الوطنية لمكافحة الفساد موارد بشرية ومالية كافية لتنفيذ استراتيجيتها، وعلى البرلمان أن يقلل من السلطة التقديرية التي يتمتع بها المسؤولون الإداريون - وهو ما يعزز الزبونية والفساد الذي يتحمل جزئيا المسؤولية عن عدم حصول أصحاب المشاريع من المناطق المهمشة على الائتمان من البنوك والأسواق- من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية في المجال الاقتصادي وإزالة الأحكام القانونية القمعية المفرطة، التي تنطوي على أحكام بالسجن. وينبغي على الحكومة والبرلمان، بناء على القانون القائم، أن يطلبا من الأحزاب السياسية تقديم تقاريرها المالية السنوية إلى دائرة المحاسبات، وأن توسع متطلبات الكشف المالي المطبقة بالفعل على وزراء الحكومة وكبار الموظفين المدنيين على البرلمانيين وموظفي الرئاسة من أجل إضعاف الشبكات الزبائنية.

تقرير "الأزمات الدولية" مجرد مؤشر آخر إلى أن العين الدولية التي تنظر إلى تونس من بعيد، ولكن بكثير من التدقيق، لا تبدو مرتاحة لما يجري. وآخر مؤشرات ذلك ما تسرب من لقاء وفد صندوق النقد الدولي إلى رئاسة الجمهورية في تونس، حول تحذيرهم من تمرير القانون الذي بادر به الرئيس السبسي حول "المصالحة الاقتصادية"، واعتبروا أنه لا يوفر مناخ استثمار متساويا، من خلال شطب الديون المتخلدة لدى رجال اعمال المنظومة القديمة التي ساهمت في إفلاس بنوك عمومية أساسية.

-----------
وقع تحوير طفيف للعنوان الأصلي
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الفساد، الفساد المالي، الجهويات، الإحتجاجات الإجتماعية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 19-05-2017   موقع: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محرر "بوابتي"، د. عبد الآله المالكي، د. طارق عبد الحليم، د.محمد فتحي عبد العال، محمد الياسين، سامر أبو رمان ، خالد الجاف ، فتحي الزغل، د. صلاح عودة الله ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، ياسين أحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، مصطفى منيغ، مراد قميزة، حاتم الصولي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - محمد بنيعيش، محمد اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، كريم فارق، محمد الطرابلسي، إسراء أبو رمان، صفاء العربي، علي عبد العال، طلال قسومي، د - مصطفى فهمي، محمد عمر غرس الله، محمود سلطان، إياد محمود حسين ، بيلسان قيصر، كريم السليتي، رشيد السيد أحمد، محمد العيادي، مجدى داود، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الله الفقير، د- جابر قميحة، رمضان حينوني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الغني مزوز، محمد أحمد عزوز، د - المنجي الكعبي، صفاء العراقي، جاسم الرصيف، إيمى الأشقر، أشرف إبراهيم حجاج، عراق المطيري، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الله زيدان، سيد السباعي، سلوى المغربي، الهادي المثلوثي، يحيي البوليني، ماهر عدنان قنديل، صالح النعامي ، د - محمد بن موسى الشريف ، رضا الدبّابي، عمار غيلوفي، فتحـي قاره بيبـان، عواطف منصور، يزيد بن الحسين، محمود طرشوبي، تونسي، د - صالح المازقي، محمد شمام ، حسن عثمان، د- محمد رحال، المولدي الفرجاني، رافع القارصي، د. أحمد بشير، سلام الشماع، أبو سمية، د- محمود علي عريقات، حميدة الطيلوش، سامح لطف الله، محمد علي العقربي، سعود السبعاني، د - شاكر الحوكي ، سفيان عبد الكافي، أحمد النعيمي، عزيز العرباوي، نادية سعد، وائل بنجدو، د - عادل رضا، رافد العزاوي، أحمد بوادي، د. خالد الطراولي ، صلاح المختار، الهيثم زعفان، خبَّاب بن مروان الحمد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صلاح الحريري، ضحى عبد الرحمن، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد يحي، سليمان أحمد أبو ستة، د. أحمد محمد سليمان، أحمد ملحم، مصطفي زهران، عبد العزيز كحيل، أنس الشابي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - الضاوي خوالدية، عمر غازي، أحمد الحباسي، فهمي شراب، منجي باكير، علي الكاش، أ.د. مصطفى رجب، العادل السمعلي، فوزي مسعود ، طارق خفاجي، فتحي العابد، المولدي اليوسفي، عبد الرزاق قيراط ، د- هاني ابوالفتوح، الناصر الرقيق، حسن الطرابلسي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة