البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

جبهة الإنقاذ التونسية وخطوة متعثرة

كاتب المقال المهدي مبروك تونس   
 المشاهدات: 3351



يبدو أن المشهد الحزبي التونسي منذ الثورة، وتحت مفاعيل الاستقطاب الثنائي الحاد الذي لم تفلح محاولات التوافق الجارية منذ مدة في الحد منه، مرشّحٌ إلى مزيد من التشرذم، خصوصا بعد أن فشلت أحزاب عديدة منافسة لحركة النهضة في إقصائها من المشهد السياسي، وعجزت أيضا عن بناء تحالفات ذات بال. فعلى خلاف كل التوقعات بأن رحيل حكومة الترويكا سيؤذن باختفاء "النهضة" ونهاية الإسلام السياسي جملة وتفصيلا، استطاعت "النهضة" ببراغماتيةٍ كثيرة يعاتبها عليها بعض قواعدها، فضلا عن حلفاء الأمس الذين تخلت عنهم، أن تذهب، على خلاف ذلك، إلى خصمها اللدود، لتشكيل حكومات متعاقبة منذ انتخابات 2014، ولعل أسهمها المرتفعة تدريجيا في تلك الحكومات، ومنها حكومة الوحدة الوطنية التي أوجدت حكومة الحبيب الصيد قبل أشهر قليلة، كانت ثمنا لهذا التوافق الذي ضمن استقرار البلاد السياسي، على الرغم من تواصل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

كان حضور "النهضة" في المشهد السياسي، والحكومي تحديدا، حتى ولو كان بعدد رمزي من الوزراء، مزعجا لعديدين من هواة الاستعداء، فبعضهم يتهم "النهضة" بأنها هي الحاكم الفعلي للبلاد، وأنها أيضا حدّدت من يحكم من حزب نداء تونس معها، حين انتصرت لشقٍّ على حساب آخر، وقد ساندت، حسب رأيهم، حافظ السبسي ابن الرئيس، في معركة كسر العظم مع بعض خصومه من مؤسسي "نداء تونس" وقياداته.

بعد مخاض عسير، ولدت جبهة الإنقاذ، وقد حرصت على استعادة اسم مكوّن سياسي، كان قد نشط في فترة "الترويكا"، وعمل على إسقاطها. وهي بذلك تعيد إلى ذهن التونسي فزّاعات الخطر الذي يحدق بالبلاد، والذي يسعى جاهدا إلى تعبئة التونسيين ضد "النهضة" تحديدا. ولكن على خلاف ذلك، لم تستطع جبهة الإنقاذ، هذه المرة، تعبئة الرأي العام، على الرغم من تصريحاتها المتشنجة التي صبت النار على زيت معجم سياسي يشتعل، من فرط منسوب الكراهية والتشنج منذ مدة.

يقف المتابع لجبهة الإنقاذ على هجانة تركيبتها، فقد جمعت أقصى اليسار وعتاة الليبراليين، إضافة إلى مكونات أخرى ذات توجهات عروبية و"دستورية". كما أنها جمعت أيضا بين أجيال مختلفة، فالأمين العام للحزب الاشتراكي، محمد الكيلاني، مثلا، وجه سياسي عريق، وكان قد سجن في ستينيات القرن الماضي، يقف اليوم في الجبهة نفسها مع رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر، سليم الرياحي، الذي التحق بالعمل السياسي بعد الثورة قادما من عالم الأعمال، قبل أن يتمدد نفوذه إلى عالم الكرة. في هذه السلة الغريبة نفسها، تقف جماعة من أحد شقوق الحزب الحاكم، على غرار محسن مرزوق الذي أسس حزبا وحده، سماه حركة مشروع تونس، على الأرضية نفسه مع خصمه سابقا مدير الديوان الرئاسي، رضا بلحاج، الذي تم استبعاده هو أيضا على خلفية المشكلات الداخلية التي عصفت بالحزب الحاكم. والغريب أن مرزوق كان يتهم بلحاج بأنه كان وراء دفعه إلى الاستقالة.

يلتقي كل هؤلاء في سلة واحدة، متناسين خلافاتهم السياسية، وحتى الشخصية، مصرّين على المضي في جبهة إنقاذ يرجّح المتابعون للشأن السياسي أنها مرشحة للتفكك قريبا، لأسباب عديدة، نكتفي بذكر ثلاثة منها:

- الاختلافات السياسية والأيديولوجية بين مختلف مكونات هذه الجبهة التي لن تختفي إلا فترة قصيرة، لتعود أكثر ضراوةً في أقرب الفرص المقبلة، فالمواقف ستتباين من مسائل اقتصادية عديدة، على غرار: التداين، الاستثمار، صندوق التعويض، العدالة الانتقالية، المصالحة الوطنية.. إلخ. ولن تتجنب جبهة الإنقاذ هذا إلا إذا تخلت عن خلفياتها الأيديولوجية، وهذا غير ممكن في المدى القريب.

- غياب أي بديل عملي يجيب عن قضايا التونسيين الحقيقية: الشغل والتنمية والعدالة الاجتماعية بين الفئات والجهات، إذ لم تقدم الجبهة إلى حد الآن أي مؤشر حقيقي على قدرتها على تقديم حلول حقيقية، فكل ما سمعه الناس، سواء في مؤتمر التأسيس أو تصريحات رموزها في مختلف وسائل الإعلام هو أنهم اجتمعوا على استعداء "النهضة"، واعتبارها الحاكم الفعلي لتونس، ونسب كل شرور الأرض لها، فكأن برنامجهم الوحيد لحكم البلاد هو "لا للنهضة"، وهو شعار سطحي لأكثر من سبب، فحركة النهضة إلى الآن حازت حضورها مما منحته صناديق الاقتراع لها ولم يمن عليها أحد، على الرغم من كل محاولات التحرّش بها. كما أن التوافق السياسي، على الرغم من نقائصه وهشاشته، هو الذي جنب تونس مزيداً من الأزمات السياسية، وسيكون من الغباء السياسي إعادة إفشال هذا الأمر، قبل الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستعطي خريطة جديدة للمشهد الحزبي وموازين القوى المتحكمة فيه.

- الطموحات الشخصية لبعض قيادات الجبهة، وهي مشروعة في ظل الاستحقاقات السياسية المقبلة، وصورة هؤلاء عن أنفسهم، فضلا عن مختلف الموارد الذاتية الحقيقية أو المتوهمة التي لن تفلح في كبح جماح هذا الشعور.

سيكون من المهم تجاوز حالة التشتت السياسي، وتوحيد القوى الحزبية في بلدٍ تجاوز فيه عدد الأحزاب حاليا 220 حزبا من أجل توحيدها، بما يجعلها وفيةً للمشهد السياسي والحزبي، حتى تكون ممثلة للخريطة السياسية الحقيقية التي تشكلت بعد الثورة، وتحديدا بعد انتخابات 2014، وتتضاعف هذه الأهمية إذا ما اعتبرنا أن تونس تحتاج إلى حركات سياسية قوية، من شأنها أن تعدل مشهداً سياسياً يكاد يتقاسمه لاعبان كبيران فحسب: "النهضة" و"نداء تونس"، غير أن بناء هذا القطب الثالث لا يقوم، في اعتقاد صاحب هذه السطور، على إحياء منطق الاستقطاب هذا ومعاداة "النهضة". يبدو أن هذه العملة غير قابلة للتداول مجدّدا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، جبهة الإنقاذ، حركة النهضة، الثورة التونسية، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-04-2017   المصدر: العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد بوادي، د - الضاوي خوالدية، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العراقي، رضا الدبّابي، منجي باكير، فتحـي قاره بيبـان، فتحي الزغل، أشرف إبراهيم حجاج، كريم السليتي، محمد عمر غرس الله، فتحي العابد، عمار غيلوفي، د.محمد فتحي عبد العال، صلاح الحريري، عمر غازي، يحيي البوليني، إيمى الأشقر، د - المنجي الكعبي، حسن عثمان، محمود فاروق سيد شعبان، محمد الياسين، فوزي مسعود ، علي الكاش، عواطف منصور، مصطفي زهران، سيد السباعي، د. صلاح عودة الله ، كريم فارق، تونسي، مصطفى منيغ، أحمد النعيمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، الناصر الرقيق، وائل بنجدو، أنس الشابي، أحمد الحباسي، سفيان عبد الكافي، رمضان حينوني، سامر أبو رمان ، صلاح المختار، د. أحمد بشير، أبو سمية، جاسم الرصيف، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد ملحم، عبد الرزاق قيراط ، حاتم الصولي، د - صالح المازقي، محمود سلطان، حميدة الطيلوش، د - محمد بن موسى الشريف ، رافع القارصي، الهادي المثلوثي، محمد العيادي، محمود طرشوبي، محمد الطرابلسي، حسن الطرابلسي، عبد الغني مزوز، عزيز العرباوي، عبد الله الفقير، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سليمان أحمد أبو ستة، د. عبد الآله المالكي، سامح لطف الله، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد شمام ، سلام الشماع، عبد الله زيدان، د. خالد الطراولي ، د - عادل رضا، فهمي شراب، يزيد بن الحسين، صباح الموسوي ، الهيثم زعفان، د- محمد رحال، رافد العزاوي، المولدي الفرجاني، مراد قميزة، علي عبد العال، محرر "بوابتي"، صالح النعامي ، أ.د. مصطفى رجب، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العربي، مجدى داود، د - شاكر الحوكي ، ضحى عبد الرحمن، محمد أحمد عزوز، عراق المطيري، د- جابر قميحة، د. طارق عبد الحليم، د - محمد بنيعيش، ماهر عدنان قنديل، أحمد بن عبد المحسن العساف ، إسراء أبو رمان، سعود السبعاني، د - مصطفى فهمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، العادل السمعلي، محمد اسعد بيوض التميمي، ياسين أحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، خالد الجاف ، د. أحمد محمد سليمان، د- محمود علي عريقات، خبَّاب بن مروان الحمد، نادية سعد، رشيد السيد أحمد، إياد محمود حسين ، محمد يحي، سلوى المغربي، طلال قسومي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة