سياسات الحماية الاجتماعية لمتحدى الإعاقة فى المجتمع
أ.د.عبدالونيس الرشيدى - السعودية
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3557
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
معاق، معوق كلمتان يستخدمهما العامة في نعت الإنسان الذي يفضل التربويون والأكاديميون تسميته إنساناً ذي إعاقة أو متحدى الإعاقة.
وقديماً ولظروف اجتماعية واقتصادية وثقافية كان الطفل ذو الإعاقة لا يجد إلا مصيراً واحداً العزلة، فلا إمكانيات لتأهيله وتدريبه ومحاولة علاجه، ولا ثقافة تؤهله للتعامل الصحيح معه، ومع مرور الأيام تغيرت الصورة نحو الأحسن، وربما كان تغيرها بطيئاً في الوقت الذي يتزايد فيه أصحاب هذه الاحتياجات بشكل كبير، فتتزايد أهمية العمل على رعايتهم أولاً، ثم على بحث كيفية جعلهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع على مقاعد الدراسة والتعليم صغاراً، وفي محافل العمل والإنتاج كباراً.
وتعد الإعاقة مشكلة خطيرة تواجه كافة المجتمعات وتؤدي إلي العديد من الآثار السلبية ليس فقط علي المستوي الفردي(مستوي متحدى الإعاقة) بل تمتد أثارها للأسرة والمجتمع، وتعد رعاية متحدى الإعاقة مبدأ إنساني وحضاري راقي يؤكد علي ضرورة إشباع احتياجاتهم وحصولهم علي حقوقهم حتى يتسنى لهم الاندماج مع الآخرين في المجتمع بدرجة تمكنهم من الحياة الكريمة.
ولذا يجب توفير سياسات الحماية الاجتماعية وتطوير آلياتها بما يتناسب مع احتياجات ومشكلات متحدى الإعاقة، فالحماية الاجتماعية تعبر عن مجموعة من السياسات والبرامج الرامية إلي الحد من العجز وعدم القدرة من خلال تعزيز كفاءة المؤسسات الاجتماعية وأسواق العمل والذي يقلل من تعرض المجتمعات للمخاطر وتعزيز قدرة الفئات الضعيفة علي حماية أنفسهم ضد المخاطر أو فقدان الدخل وعدم ضمان فرصة عمل، بما يتناسب وقدراتهم وإمكانياتهم.)
ويأتي الاهتمام بمتحدى الإعاقة استناداً على ضرورة التنمية البشرية التى تعد أحد المقومات الأساسية والضرورية فى تنمية القدرات والكفاءات البشرية فى جوانبها العلمية والفنية والسلوكية، ومن ثم فهى وسيلة تعليمية تمد الإنسان بمعارف أو معلومات أو نظريات أو مبادئ أو قيم تزيد من طاقته فى العمل، كما أنها تمنح الإنسان خبرات ومهارات ذاتية ومهنية تعيد صقل قدراته وتعيد تشكيل سلوكه، والتنمية التى ننشدها تتركز فى تنمية الإنسان أو فى تنمية الطاقة البشرية، فالإنسان بما يملكه من طاقة عمل هو أحد عناصر الإنتاج بل هو أهمها على الإطلاق وبدونه لا يمكن أن يتحقق أى إنتاج ولا يمكن لعناصر الإنتاج الأخرى المتمثلة فى رأس المال والموارد الطبيعية والتنظيم أن تقدم لنا إنتاجاً ملموساً ما لم تكن مقرونة بالإنسان.
فمتحدى الإعاقة يعيش في مجتمع من الأفراد العاديين الذين يجب أن يتقبلوه ويقدموا له العون ويدركوا أنه يحتاج إلى مساعدة، كما أن له الحق فى المشاركة الفاعلة وفقاً لاستعداداته وقدراته والتى يجب العمل على تنميتها، وله أيضاً الحقوق الإنسانية والاجتماعية التى يجب على المجتمع كفالتها تمشياً مع مبادئ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة بين الناس، وأياً كانت نوع الإعاقة سواء كانت بصرية أو سمعية أو ذهنية أو بدنية أو صحية أو متعلقة باضطرابات سلوكية أو تعليمية أو غيرها، فإنها تحتاج إلى تكاتف المهن والمؤسسات المجتمعية من أجل رعاية متحدى تلك الإعاقة.
من هنا يجب علينا الاهتمام بتوفير ودعم سياسات الحماية الاجتماعية لمتحدى الإعاقة فى المجتمع والعمل على تزويدهم بالقدر المناسب من المعرفة والثقافة المختلفة بقدر ما تسمح به ظروف كل فئة من فئات الإعاقة، والحرص على الكشف عن استعدادات وميول متحدى الإعاقة وتنميتها وإكسابهم المهارات الأساسية للحياة اليومية اللازمة للمشاركة والاندماج مع زملائهم في المجتمع، تأهيلهم لاكتساب مهارات مهنية معينة تتناسب مع قدراتهم وميولهم وفق خطط مدروسة وبرامج متطورة للوصول بهم إلى أفضل مستوى من التأهيل، وتوفير الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية التي تساعدهم على التكيف مع أفراد المجتمع تكيفاً يشعرهم بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.
وتتحدد إجراءات تطوير سياسات الحماية الاجتماعية متحدى الإعاقة فيمايلى:
1- إجراءات تطوير التمكين كآلية للحماية الاجتماعية لفئة متحدى الإعاقة:
• تفعيل إستراتيجية التمكين رباعية الأبعاد(البعد المعرفي- البعد النفسي- البعد الاقتصادي- البعد السياسي) لمتحدى الإعاقة لمساعدهم على إشباع احتياجاتهم ومواجهة مشكلاتهم، والسعي لتفعيل برامج المساندة المجتمعية لمتحدى الإعاقة فى المجتمع.
• منح متحدى الإعاقة قدراً أكبر من الاعتماد علي الذات وتلبية احتياجاته الإستراتيجية المرتبطة بالتغيرات التي تؤثر علي حياتهم وتهدف إلي إحداث تغيير في وضعيتهم في كافة مجالات الحياة.
• إنشاء ودعم مراكز التدريب والتأهيل المهني لإكساب متحدى الإعاقة المهارات التي تمكنهم من العمل المهني بمختلف أشكاله لمساعدتهم علي الحياة المستقلة.
• تدريب متحدى الإعاقة على التعامل مع مختلف القضايا المتصلة بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوقهم بشكل خاص، بالإضافة إلى تدريبهم على مهارات التفاوض، مهارات الإدارة، العمل الفريقى، الممارسات الديمقراطية......الخ.
• إتاحة الفرص لمتحدى الإعاقة من استعادة أو تحقيق أو تطوير قدراته الجسمية أو العقلية أو المهنية أو الاجتماعية أو النفسية أو الاقتصادية واستثمارها واستخدامها لكفالة استقلاليتهم ومشاركتهم على نحو كامل في جميع مناحي الحياة وذلك على قدم المساواة مع أقرانهم من غير ذوي الإعاقة.
• تنمية قدرة متحدى الإعاقة علي المشاركة في اتخاذ القرارات المرتبطة بهم والمشاركة في صنعها، بما يتناسب مع رؤيتهم لاحتياجاتهم ومشكلاتهم وسبل مواجهتها.
• تعبئة الموارد والإمكانات المحلية لمواجهة مشكلات متحدى الإعاقة، وتعبئة طاقة المجتمع وتوسيع خيارات متحدى الإعاقة لتحقيق أهدافهم.
2- إجراءات تطوير المدافعة كآلية للحماية الاجتماعية لفئة متحدى الإعاقة:
• تعزيز برامج إعادة التأهيل المهني والوظيفي والاحتفاظ بالوظائف والعودة إلى العمل لصالح متحدى الإعاقة.
• تسهيل إجراءات حصول متحدى الإعاقة، خاصة النساء والفتيات وكبار السن من خدمات وبرامج الحماية الاجتماعية وبرامج الحد من الفقر وضمان نسبتهم فى برامج الإسكان العام.
• بناء برامج إرشادية لاستثارة متحدى الإعاقة وتحويلهم من متلقين للخدمات إلي مطالبين بها، وتزويدهم بالموارد والإمكانات المالية والمادية الكافية لاحتياجاتهم.
• إجراء البحوث والدراسات الميدانية لمعرفة العوامل المؤدية لانتهاكات حقوق متحدى الإعاقة وكيفية منع حدوث تلك الانتهاكات من خلال تنمية وعى أفراد المجتمع بذلك.
• العمل على دعم مؤسسات المجتمع المختلفة التى تعمل فى مجال حقوق متحدى الإعاقة فى المجتمع من خلال تنظيم شبكات العمل بين تلك المؤسسات ومن أجل التنسيق والتكامل فيما بينهم.
3- إجراءات تطوير الدمج الاجتماعي كآلية للحماية الاجتماعية لفئة متحدى الإعاقة:
• دعم أنشطة وبرامج الجمعيات الأهلية العاملة في مجال رعاية وتربية متحدى الإعاقة بمختلف أشكال الدعم المالي والمادى والمهني من أجل تحقيق المساندة الاجتماعية ودمج تلك الفئة اجتماعياً وتنظيم الأنشطة الرياضية والترفيهية الخاصة بمتحدى الإعاقة وتطويرها والمشاركة فيها، ومنح الحوافز المعنوية والمادية للمشاركين فيها لتشجيعهم على المشاركة وجذب الآخرين لزيادة نسبة المشاركة فى تلك الأنشطة.
• الاهتمامِ بالتخطيط السليم للمناهج الدراسية وأساليب التقويم وارتباطها بالأهداف الخاصة لمتحدى الإعاقة من أجل تحقيق الدمج بالأسلوب الذي يحقق الأهداف المرجوة، وربط فلسفة تطوير منظومة التعليم بفلسفة الاستثمار الاجتماعي لمتحدى الإعاقة وبناء رأس مال اجتماعي فعال وايجابي.
• تمكين الأطفال متحدى الإعاقة حركياً أو بصرياً أو سمعياً من الوصول بسهولة إلى المدارس والتنقل داخلها، غير أنه ينبغي الاعتراف بأن سهولة الوصول ليست الغاية من الإدماج بل مجرد شرط من شروطه، وتوفير الحماية الاجتماعية الكافية والمناسبة لظروف تلك الفئة.
• تنظيم برامج إرشادية تشمل متحدى الإعاقة وأسرهم بهدف وضع تنمية وعيهم بالسياسة القومية لرعاية وتعليم الأطفال الصغار متحدى الإعاقة وتسهيل عملية دمجهم فى الفصول العادية.
• تصميم برامج اجتماعية وإعلامية لتعديل اتجاهات أفراد المجتمع وبالذات العاملين في المدارس العامة من مديرين ومدرسين وطلاب وأولياء أمور تجاه متحدى الإعاقة الذين لم تتاح لهم الظروف المناسبة للظهور والتفوق.
• إجراء البحوث والدراسات الميدانية للتوصل للمستجدات الحديثة فى مجالات الدمج الاجتماعي لمتحدى الإعاقة وتفعيل سياسات الحماية الاجتماعية لتلك الفئة فى المجتمع ومساعدتهم على التعايش بشكل جيد والتكيف والتوافق مع إعاقاتهم واستثمار قدراتهم المتبقية.
4- إجراءات تطوير التأهيل المجتمعي كآلية للحماية الاجتماعية لفئة متحدى الإعاقة:
• التنسيق مع الجهات ذات الصلة لإعداد الإحصاءات الدقيقة عن أعداد متحدى الإعاقة وتصنيفاتهم للاستفادة منها عند وضع الخطط والبرامج الخاصة برعاية وتأهيل هذه الفئة.
• التوسع في إنشاء مشروعات التأهيل المرتكز على المجتمع كمنهج وإستراتيجية عمل نحو دمج متحدى الإعاقة بالمجتمع والحد من الإعاقة وتغيير نظرة المجتمع السلبية لنظرة ايجابية مما يساعد في المشاركة الفاعلة لتلك الفئة في التنمية.
• إجراء البحوث والدراسات الميدانية للتوصل للمستجدات الحديثة فى مجالات التأهيل الاجتماعي لمتحدى الإعاقة وتفعيل سياسات الحماية الاجتماعية لتلك الفئة فى المجتمع ومساعدتهم على الاستفادة من برامج التأهيل الاجتماعى.
• استخدام التكنولوجيا المستحدثة في رعاية وتأهيل متحدى الإعاقة وتوفير الدعم المالى والمادى الكافى لتحقيق إستراتيجية التأهيل المجتمعي وفق أحدث الوسائل الحديثة.
• تطوير مؤسسات التثقيف الفكري القائمة لمتحدى الإعاقة للمساهمة في تأهيلهم وتوفير الدعم اللازم للتوسع في إنشاء مؤسسات جديدة يمكنها خدمة الأيتام وكبار السن من متحدى الإعاقة.
• إصدار بطاقة لمتحدى الإعاقة مع بيان أوجه استعمالها يوضح، وضمان حقهم في العلاج والتأهيل الطبي وتوضيح نسب التقدم في برامج التأهيل المهني والاجتماعي لمتحدى الإعاقة.
• توفير الخدمات التأهيلية وتحقيق تكافؤ الفرص والاستفادة من كافة الخدمات المحلية المتاحة بالمجتمع لفئة متحدى الإعاقة في إطار فلسفة الاستثمار الاجتماعي لقدراتهم.
• الاستفادة من تجارب الدول الناجحة في تنمية وتدريب القدرات المتبقية لمتحدى الإعاقة لاستثمارها في اكتساب الخبرات والمعارف والمهارات المناسبة لتأهيلهم مجتمعياً.
5- إجراءات تطوير الدور الاعلامى كآلية للحماية الاجتماعية لفئة متحدى الإعاقة:
• تبنى مجموعة من الحملات الإعلامية حول قضية متحدى الإعاقة تسهم في استثارة الرأي العام ومؤسسات المجتمع لتبنى استراتيجيات عاجلة وفاعلة لرعاية متحدى الإعاقة ودعم سياسات الحماية الاجتماعية لهم والقائمة على أساس الشراكة بين الدولة والقطاع الأهلي والقطاع الخاص.
• إعداد خطة إعلامية وطنية شاملة من إعلانات وبرامج ومسلسلات وأفلام وثائقية للتعريف بالإعاقة وسبل الوقاية منها وحقوق متحدى الإعاقة والمؤسسات المشاركة في تحقيقها من أجل بناء رأى عام قوى ومستنير مساند ومدافع عن حقوق تلك الفئة.
• العمل على تكوين رأى عام قوى تجاه قضية التطوع في مجالات رعاية متحدى الإعاقة وتبنى قضاياهم من أجل تحقيق المساندة المجتمعية لتلك الفئة من كافة المؤسسات الاجتماعية.
• تغطية المشاركات الرياضية لمتحدى الإعاقة إعلامياً والتعريف بالأبطال وحاملي الميداليات والاهتمام بهم فى كافة الفعاليات الرياضية العالمية والإقليمية والمحلية من أجل إعطاء نموذج ناجح ومحفز لتلك الفئة للنهوض والنجاح والاهتمام باستثمار قدراتهم المتبقية.
• التشجيع الاعلامى المستمر للمواقف الإيجابية تجاه متحدى الإعاقة من قبل المؤسسات والأفراد وذلك لتحفيز كافة الأطراف لتشجيع تلك الفئة ومحاولة جذب الرعاة لمتحدى الإعاقة من رجال الأعمال خاصة فى المجال الرياضي والابداعى والعلمي.
• تفعيل وتطوير الاحتفال الاعلامى والمجتمعي باليوم العالمي لمتحدى الإعاقة(3 ديسمبر من كل عام) ليكون نقطة انطلاقة سنوية دورية لتبنى قضية معينة لمتحدى الإعاقة ومحاولة جذب المشاركات المختلفة لتناول ومعالجة تلك القضية من كافة الأطراف.
--------------------
أ.د.عبدالونيس الرشيدى
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: