البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

لماذا نجح التونسيون وفشل السوريون؟

كاتب المقال صلاح الدين الجورشي - تونس   
 المشاهدات: 3801



لحظتان مختلفتان في المضمون وفي الدلالة، من جهة عودة الجيش السوري إلى مدينة حلب إعلانا عن المأزق الذي انتهى إليه مشروع الثورة في هذا البلد، بعد عناء كبير تجاوز كل التوقعات، وفي المقابل يحتفل التونسيون بالذكرى السادسة لحادثة احتراق البوعزيزي التي تمت يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2010، التي اتسعت شرارتها لتنتقل الى كل من ليبيا ثم مصر، وتستقر في دمشق بعد أن أطاحت بأربعة رؤساء لم ينجحوا في تهدئة شعوبهم التي طالبتهم بالرحيل، قبل أن يتخلى عنهم حلفاؤهم الغربيون.

لعل من أهم الأسئلة التي تفرض نفسها عند الوقوف أمام هذين المشهدين المتناقضين: لماذا نجح التونسيون في تأمين انتقالهم السياسي بأقل كلفة وأكثر نجاعة، رغم الصعوبات التي لا تزال قائمة في طريق ديمقراطيتهم الناشئة، في حين مني السوريون بكل هذه الخسائر في الأرواح، وفي الحجر، وفي ثروتهم البشرية، دون أن يتمكنوا بعد خمس سنوات من الإطاحة بالنظام، والشروع في إنجاز بديل سياسي منبثق عنهم ومنهم؟

يجب الإقرار ابتداء، بأن بين البلدين اختلاف كبير وجوهري في بنية النظام السياسي لكل منهما. فالنظام السياسي التونسي بني بشكل مدني وحافظ على طبيعته، حتى عندما أمسك به رجل عسكري برتبة جنرال.

فعلى الرغم من احتكاره السلطة واعتماده على منظومة أمنية قاسية، إلا أن النظام بقي محكوما بالبيئة الاجتماعية والسياسية التي انبثق منها، ولهذا، عندما تخلت عنه هذه البيئة، انهارت الشخصية الأولى ولم تجد من يقف إلى جانبها، بما في ذلك الجيش وأجهزة الأمن.

الأمر مختلف تماما في سوريا، فنظام حزب البعث ارتبط من جهة بهيمنة الطائفة العلوية، ومن جهة أخرى استند في حكمه على المؤسسة العسكرية، وعلى منظومة أمنية قاهرة.

ولهذا، لم يكن الرئيس بن علي قادرا على التمسك بالسلطة بأي ثمن، في حين أن الرئيس بشار الأسد رأى ولا يزال، بأن استمراره في الحكم مسألة حياة أو موت، ولهذا قرر البقاء والمواجهة حتى النهاية، مستعملا كل الوسائل والاختيارات المتاحة أمامه.

لكن، إلى جانب طبيعة النظامين، هناك عوامل أخرى لم تخدم الثورة السورية وألقت بها في هذه المتاهة الفضيعة. ويمكن أن نشير إلى أبرزها:

أولا: عسكرة الثورة، وهو تحول مفاجئ حصل في وقت مبكر، وأدى إلى حدوث منعرج خطير استفاد منه النظام بشكل واسع، وألحق أضرارا جد مدمرة بالمدنيين.

لا شك في أن النظام تعامل بقسوة شديدة مع الحراك الاحتجاجي السلمي، الذي كسر حاجز الخوف وخلق وعيا مدنيا عاليا، إلا أن أجهزة الجيش والشرطة تصدت لذلك بوحشية رهيبة.

لكن مع ذلك، لم يكن التسرع في حمل السلاح الرد الأفضل على سياسة النظام، لأن هذا الاختيار فتح أبواب جهنم على الجميع.

فالحصول على السلاح يحتاج إلى مال قارون، ولتذليل هذه الصعوبة لابد من الاستعانة بقوى إقليمية ودولية لها حساب تريد أن تصفيه مع النظام السوري وحتى مع سوريا بلدا وشعبا.

وهكذا، تراجع صوت الحركة الديمقراطية السلمية المدنية، ليرتفع في المقابل صوت السلاح الملوث أحيانا بالحسابات السياسية الضيقة والأهداف المتضاربة وغير النظيفة، في أحيان كثيرة.

وفي هذا السياق، نجح نظام الأسد في إعادة تسويق صورته، ولقي من يدعمه إقليميا ودوليا.

ثانيا: لم تنجح المعارضة السورية في توحيد صفوفها وتقديم نفسها في صورة البديل المقنع أمام السوريين وأمام العالم.

اشتدت المنافسة بين التنظيمات والشخصيات والزعامات المفترضة، وتضاربت المصالح وتعددت الارتباطات الخارجية، وتغيرت الصيغ التنظيمية، وهو ما أفقد القوى السياسية المناهضة لنظام الأسد حضورها الشعبي في الداخل، وجعلها محل استقطاب وتجاذب على الصعيدين الاقليمي والدولي.

ثالثا: أحدث دخول تنظيم القاعدة ثم تنظيم داعش إرباكا واسعا على المشهد السوري، وكان من نتائج ذلك إثارة المخاوف في صفوف السوريين، وهمش المعارضة الديمقراطية وغذى تقسيماتها، كما أنه وفر فرصة هامة للنظام الذي استغل على ذلك، ولا يزال لتقديم نفسه جهة شرعية تقاوم الإرهاب، وتعمل على حماية سوريا من التقسيم.

ولا شك في أن وجود هذه التنظيمات المسلحة التي تتكون من أفراد متعددي الجنسيات، يعتقدون بأنهم جاؤوا ليحكموا بلدا له شعب وتاريخ، أحدث تشويشا إضافيا وتشويها للمشهد السوري برمته، وزاد في خلط أوراق المعارضة وفي إرباكها.

في ظل هذه المعطيات والعوامل، وجد السوريون أنفسهم في متاهة يصعب الخروج منها رغم حقهم المشروع في إقامة نظام ديمقراطي يحررهم من كابوس الدكتاتورية والطائفية.

لكن بين ما ثاروا من أجله وبين ما آل إليه حالهم المسافة شاسعة، والحلم انقلب في النهاية إلى كابوس رهيب.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

سوريا، تونس، الثورات العربية، الحرب الأهلية بسوريا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 19-12-2016   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أنس الشابي، محمود سلطان، الهيثم زعفان، إيمى الأشقر، د - شاكر الحوكي ، أحمد بوادي، محمد الطرابلسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد أحمد عزوز، محمد العيادي، تونسي، كريم فارق، عمر غازي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رضا الدبّابي، محمد يحي، حاتم الصولي، عبد العزيز كحيل، محمد عمر غرس الله، رمضان حينوني، سامر أبو رمان ، د. عادل محمد عايش الأسطل، يحيي البوليني، عبد الله الفقير، د - المنجي الكعبي، رشيد السيد أحمد، أ.د. مصطفى رجب، محمد علي العقربي، سلوى المغربي، فوزي مسعود ، د. أحمد بشير، نادية سعد، محرر "بوابتي"، رافع القارصي، الناصر الرقيق، د- هاني ابوالفتوح، سيد السباعي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. صلاح عودة الله ، حسني إبراهيم عبد العظيم، سعود السبعاني، جاسم الرصيف، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فتحي العابد، محمد الياسين، عمار غيلوفي، د. خالد الطراولي ، فهمي شراب، حسن عثمان، منجي باكير، العادل السمعلي، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، عراق المطيري، مصطفى منيغ، أبو سمية، عزيز العرباوي، د. عبد الآله المالكي، طلال قسومي، خالد الجاف ، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد النعيمي، عبد الغني مزوز، صفاء العربي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رافد العزاوي، إياد محمود حسين ، د- محمد رحال، كريم السليتي، علي الكاش، أحمد ملحم، محمود فاروق سيد شعبان، د - مصطفى فهمي، بيلسان قيصر، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. طارق عبد الحليم، د - صالح المازقي، عبد الله زيدان، مجدى داود، صلاح المختار، علي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، د. أحمد محمد سليمان، سفيان عبد الكافي، خبَّاب بن مروان الحمد، طارق خفاجي، سليمان أحمد أبو ستة، مصطفي زهران، مراد قميزة، سلام الشماع، صفاء العراقي، صالح النعامي ، ياسين أحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود طرشوبي، صلاح الحريري، عواطف منصور، سامح لطف الله، المولدي اليوسفي، فتحـي قاره بيبـان، د - عادل رضا، د - محمد بنيعيش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حميدة الطيلوش، د- جابر قميحة، إسراء أبو رمان، د - الضاوي خوالدية، أشرف إبراهيم حجاج، حسن الطرابلسي، يزيد بن الحسين، فتحي الزغل، الهادي المثلوثي، وائل بنجدو، عبد الرزاق قيراط ، ضحى عبد الرحمن، د- محمود علي عريقات، محمد شمام ، صباح الموسوي ، المولدي الفرجاني،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة