البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

سقوط حلب والرأي العام التونسي

كاتب المقال المهدي مبروك - تونس   
 المشاهدات: 4235



على غرار ما كان متوقعاً، انقسم الرأي العام التونسي، وهو يشاهد سقوط مدينة حلب في يد النظام السوري، وهي التي عانت من حصاره وبراميله، ما لم تعرفة مدنٌ في أفظع الحروب، كما عانت أيضاً من جماعاتٍ دينية متشدّدة وأمراء حربها التي لم تفسد بهاء حلب، بل أفسدت الثورة السورية برمتها، حين شوّهتها ونفرت قطاعات واسعة من الرأي العام العربي والدولي، حتى فقدت، أو تكاد، في تقديرنا، أفقها الإنساني الرحب. لسنا بصدد تفكيك العوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى هذا الوضع المأساوي المحزن وانقلاب أوساط مهمة من هذا الرأي العام العربي والدولي تجاه ما حدث في سورية. ولكن، علينا أن نستحضر أن هذا الأمر لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتيجة مسار متدرّج، ربما يعود إلى لحظة اندلاع الثورة وحتى سقوط مدينة حلب، أهم معقل للثورة، ظلت تفاخر به وتشحذ بها الهمة والعزم، ذلك أن هذا الانقسام الحاد الذي يبدو غريباً ومفارقاً لتونس، وهي التي قدحت الثورات العربية.

كان يفترض في تونس أن تحتضن شقيقتها الثورة السورية، وقد ألهمتها، شئنا أم أبينا، "إسقاط النظام". ولكن، حدث خلاف ذلك، فقسم لا يستهان به من الرأي العام التونسي ينقلب على عقبيه، ويناصب العداء للثورة السورية، بل وتتشكل وفودٌ من المجتمع المدني، لمساندة النظام السوري، ويحج إليه بعض نواب مجلس نواب الشعب، كما لا تخفي عدة محطات إعلامية مساندتها المطلقة للنظام، حتى وهو يرتكب تلك المجازر البشعة، ويصب جهنم المنفلتة من البراميل الطائرة في سماء تلك البلدات، سواء رمتها طائراته أو الطائرات الروسية.

علينا أن نعود إلى بدايات حكم الترويكا في تونس، أو حتى ما قبلها، حين بدأ التعاطف مع الثورة السورية يغمر الشارع التونسي، من دون تحفظ أو من تصريحات الزعماء السياسيين، على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم. ولعل أهم حدث كان آنذاك استقبال تونس مؤتمر أصدقاء سورية، وقطع العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسورية، وطرد السفير السوري. وقد رافق ذلك التحاق بعض الشباب التونسي بالجماعات المقاتلة في سورية، بل وتصدّرهم، بحسب أخبار وتقارير غير مؤكدة، عدد المقاتلين، وربما شوّه بعضهم من هؤلاء التونسيين أنفسهم الثورتين، التونسية والسورية معاً، من خلال ما نشرته وسائل التواصل الاجتماعي من جرائم بشعة، ارتكبوها في حق مدنيين وجنود سوريين، ما يعد انتهاكاً، حتى لقوانين الحرب.

ولكن، مع تصاعد العمليات الإرهابية التي انفجرت في تونس بشكل لافت، وحصدت مئات الضحايا منهم، مدنيين أبرياء وأبناء المؤسسة الأمنية والجيش التونسيين، فضلا عن السياح، وتزايد الخطر الإرهابي الداهم من الحدود الليبية، تنامى رعب حقيقي من كل الجماعات المسلحة، بما فيها الجماعات العلمانية التي تقاتل النظام السوري، على غرار الجيش الحر، علاوة على أن التونسي، تحت ضغط الضيق اليومي لمعاشه بفعل الأزمات الاقتصادية الحادة والرهاب الذي أصابه من فرط العمليات الإرهابية تلك، لم يعد معنياً بتتبع التفاصيل السورية، لتمييز تلك الفصائل الكثيرة والمعقدة، وهو الذي ضاق ذرعاً بالتشتت السياسي المدني في بلده، كما أن خفوت صوت الاعتدال والمقاومة المدنية والسلمية في سورية قد أصاب وعيه السياسي في الصميم.

ظل الانقسام السياسي الحاصل بين النخب، وأساساً بين مخيمي الإسلاميين والعلمانيين، خصوصاً بعد انتخابات سنة 2013، مع تنسيباتٍ طفيفة، ماثلاً ومحدّداً في انشطار الرأي العام وانقسامه تجاه سقوط حلب، إذ ظل الإسلاميون وقوى حزبية أخرى، على غرار التيار الديمقراطي، منتصرين للثورة السورية، مصدومين من سقوط حلب، في حين ظلت القوى اليسارية (مع استثناءات قليلة)، ممثلة في الجبهة الشعبية وحزب المسار وغيرهما من الفصائل العروبية الأخرى، محتفية بما أسمته تحرير حلب وإسقاط "المؤامرة الدولية" ضد "الممانعة"، وضد سورية خصوصاً.

ربما حدث هذا في أكثر من بلد عربي، فالثورة السورية لم تعد للأسف تجد إجماعاً، على غرار ما حصدته في بداية اندلاعها، ذلك أن الانعطافات الخطيرة التي مرّت، خصوصا ذات العلاقة، بتسلحها أولاً، والتفاف الجماعات الإرهابية عليها ثانياً، فضلا عن التلاعبات الإقليمية الخطيرة التي وظفتها، وتشرذم قياداتها وتناحرهم، أفقدها كثيراً من التعاطف والتأييد، حتى داخل مجتمعات ثورات الربيع العربي.

كما أن الثورة السورية لم تسلم من أعداء الثورة التونسية نفسها، فهم الذين تحرّشوا بها وشوّهوها، مستغلين أخطاءً وانحرافاتٍ حدثت في مسار التحول الديمقراطي الصعب الذي استغلوه للعودة من جديد، وإن كان بأشكال مختلفة، فوجدوا من الثورة السورية، في مناسبات كثيرة، "أفضل مثال سيئ" للحرب الأهلية التي جلبتها الثورات العربية.

ربما يفلح النظام السوري في سحق ثورة شعبه، ولكن إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر.. ولو بعد حين، كما قال يوماً الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

حلب، سوريا، تونس، سقوط حلب،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-12-2016   المصدر: العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صلاح الحريري، عبد الرزاق قيراط ، محمد اسعد بيوض التميمي، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفى منيغ، محرر "بوابتي"، محمد العيادي، أبو سمية، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسن الطرابلسي، عراق المطيري، سليمان أحمد أبو ستة، حسن عثمان، فهمي شراب، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، العادل السمعلي، رافد العزاوي، وائل بنجدو، علي الكاش، خالد الجاف ، ماهر عدنان قنديل، د - محمد بن موسى الشريف ، يحيي البوليني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عمار غيلوفي، سلام الشماع، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد بوادي، طلال قسومي، صلاح المختار، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، إيمى الأشقر، د - المنجي الكعبي، د.محمد فتحي عبد العال، صباح الموسوي ، صفاء العربي، أ.د. مصطفى رجب، رمضان حينوني، عواطف منصور، د. أحمد محمد سليمان، د. عادل محمد عايش الأسطل، حاتم الصولي، محمد الياسين، ضحى عبد الرحمن، رافع القارصي، د. صلاح عودة الله ، المولدي الفرجاني، محمد الطرابلسي، يزيد بن الحسين، أحمد النعيمي، محمد عمر غرس الله، المولدي اليوسفي، بيلسان قيصر، عزيز العرباوي، سفيان عبد الكافي، منجي باكير، نادية سعد، مراد قميزة، صالح النعامي ، د- محمد رحال، مصطفي زهران، د. أحمد بشير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فتحـي قاره بيبـان، سامح لطف الله، محمود طرشوبي، محمد أحمد عزوز، إسراء أبو رمان، كريم السليتي، د - صالح المازقي، محمود سلطان، علي عبد العال، سامر أبو رمان ، سعود السبعاني، أشرف إبراهيم حجاج، رشيد السيد أحمد، مجدى داود، د- هاني ابوالفتوح، سلوى المغربي، فوزي مسعود ، عمر غازي، الهادي المثلوثي، د - مصطفى فهمي، عبد الغني مزوز، تونسي، د - محمد بنيعيش، أحمد ملحم، د - شاكر الحوكي ، سيد السباعي، فتحي العابد، فتحي الزغل، د - عادل رضا، إياد محمود حسين ، عبد الله الفقير، الناصر الرقيق، صفاء العراقي، كريم فارق، أحمد الحباسي، محمد علي العقربي، د- محمود علي عريقات، أنس الشابي، د. عبد الآله المالكي، د - الضاوي خوالدية، جاسم الرصيف، رضا الدبّابي، د. خالد الطراولي ، عبد العزيز كحيل، محمد يحي، محمد شمام ، عبد الله زيدان، طارق خفاجي، محمود فاروق سيد شعبان، د- جابر قميحة، حسني إبراهيم عبد العظيم، حميدة الطيلوش، الهيثم زعفان، ياسين أحمد،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة