البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

أموال الاستثمار في تونس بين عطش الفقراء ونهم الفاسدين

كاتب المقال محمد هنيد   
 المشاهدات: 4098



تُوّجت في تونس منذ يوم فعاليات مؤتمر الاستثمار الذي جمع مجموعة هامة من الدول العربية والأوروبية من أجل دعم الاقتصاد التونسي المتهالك بفعل المسار الانتقالي المتعثر وبفعل عديد العوامل الداخلية والخارجية. قدمت الدول العربية مبلغا هاما كما قدمت المجموعة الأوروبية جملة من الوعود الاستثمارية التي تهدف إلى تخفيف حالة الاحتقان الاجتماعي من ناحية ومنع انهيار الاقتصاد الهش من ناحية ثانية.

احتلت دولة قطر المرتبة الأولى عربيا بمبلغ ناهز المليار والربع من الدولارات كما قدمت المملكة العربية السعودية هبة بمائة مليون دولار وظرفا استثماريا بسبع مائة مليون دولار أما الكويت فقدمت قرضا بخمس مائة مليون دولار موزعة على خمس سنوات.

الشارع التونسي رحب كثيرا بالمؤتمر الذي تكفلت دولة قطر بكل تكاليفه التنظيمية واللوجستية. هذا الترحيب يأتي بسبب الأزمة الخانقة التي أطبقت على مفاصل الاقتصاد التونسي فأصابته بالشلل. عديدة هي العوامل التي تفسر هذا الشلل وهي أسباب يعرفها كل أهل تونس وأهمها فساد الإدارة بشكل تحول معه الفساد إلى دولة داخل الدولة بل إن الفساد هو الدولة نفسها.

قد يرى البعض في هذا الحكم تجنيا على البلاد ومبالغة كبيرة لكن الحقيقة التي يعلمها كل ساكنة إفريقية هو أن سبب فقرهم وسبب تداينهم وسبب المؤتمر نفسه إنما هو الفساد والإفساد الذي جعل من الاقتصاد الوطني رهين حفنة من المتنفذين ومن العائلة الاقطاعية التي جعلت من الدولة وأملاكها مزرعة عائلية خاصة.

خذْ كل القطاعات والوزارات والإدارات فلن تجد غير منظومة محكمة من المسؤولين الفاسدين الذين يستنزفون الدولة وخيراتها ويبيعون ثروات الوطن لشركات النهب العالمية بأبخس الأثمان ومن أجل بعض الملايين التي يحولونها إلى حساباتهم المصرفية خارج البلاد.

زد على ذلك منظومة ضريبية قُدّت على مقاس الفاسدين ولصالح الأغنياء وأشباههم فلا المحامون ولا الأطباء ولا الكثير من القطاعات الحرة ملتزمون بدفع ضرائبهم بل يستنزفون الدولة كما يستنزفها كبار رجال الأعمال بالقروض الخيالية التي لا تعود إلى خزينة الدولة أبدا.

على الطرف الآخر للمشهد التونسي يقبع ملايين الفقراء خاصة في المناطق الداخلية المسحوقة سواء في جنوب البلاد أو وسطها أو شمالها حيث يفتقر المعذبون في الأرض إلى أبسط ضروريات البنية التحتية من طرقات وماء وكهرباء ومدارس ومستشفيات. ففي تونس تخفي البطاقة البريدية للسياحة التونسية جيوبا ضخمة للفقر والعوز والحاجة كما تحجب قصصا مرعبة عن الخصاصة التي أسقط فيها نظام الاستبداد التونسي ـ مع الوكيليْن بن علي وبورقيبة ـ آلاف العائلات التي لا تزال إلى اليوم تصارع من أجل قوتها وقوت أطفالها.

صحيح أن النظام القمعي خلال حقبة الاستبداد قد نجح في تدمير الطبقة الوسطى وفي تهميش الداخل التونسي الذي وجد نفسه خارج خطط التنمية فتحول إلى ساحات واسعة لكل العاهات الاجتماعية وانخرط في حالة الموت البطيء التي واكبها تجهيل منظم وإعدام لكل وسائل الخروج من الفقر إلا بالتحالف مع النظام القمعي أو بالهجرة والهروب أو الموت والانتحار.

هكذا أفرغ المنوال الاستبدادي قرى بكاملها من شبابها ومن قواها الحية القادرة على تغييرها وعلى إخراجها من حالة الموت الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. فتكونت موجات الهجرة الأولى مبكرا سواء نحو المدن فنشأت بذلك أحزمة الفقر ومدن الصفيح التي لا تزال تطوق العاصمة تونس أو نحو أوروبا لتجلب بالعملة الصعبة مداخيل إضافية للعائلات الحاكمة.

أما بعد الثورة المباركة ثورة 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010 فلا يزال صنّاع الثورة نفسها من الفقراء والمسحوقين والمعطلين والمهمشين ينتظرون قطار التنمية الذي طال انتظاره.

فلقد لعبت الاعتصامات والاضرابات التي قادتها القيادات النقابية من رموز الدولة العميقة دورا خطيرا في تركيع الاقتصاد وفي إحلال حالة الفوضى وفي تنفير المستثمرين بشكل فاقم من حالة العجز الاقتصادي وضاعف من منسوب الاحتقان الاجتماعي.أما ضعف مؤسسات الدولة بسبب هشاشة المسار الانتقالي فقد ساهم هو أيضا في انتشار ظواهر الفساد سواء ما تعلق منه بالصفقات العمومية أو ما اختص بنهب المال العام وبضرب المؤسسات الحكومية واستنزافها.

هكذا دمّرت المطلبيّة المتطرفة كامل المسار الانتقالي للثورة التونسية كما ساهمت العمليات الإرهابية المشبوهة في نسف ما تبقى من البناء الاقتصادي فتضرر قطاع السياحة بشكل كبير ومفزع وأغلقت أغلب المؤسسات السياحية أبوابها دافعة بآلاف العمال إلى الشارع المشتعل أصلا.

اليوم يمثل مؤتمر الاستثمار حقنة منشطة جديدة في الجسد التونسي العليل فتشكل الأموال المرصودة فرصة نادرة من أجل وضع المسار الانتقال على الطريق السليم والخروج بشكل نهائي من منطقة الخطر التي سقطت فيها ثورات الربيع الأخرى.

إنّ إبقاء المنظومة القضائية والمنظومة الجبائية والمنظومة المالية كما هي عليه اليوم في تونس لن يسمح بالتقدم خطوة واحدة على طريق بناء الاقتصاد ولن تستطيع كل مليارات الأرض النهوض بالاقتصاد التونسي ولا النهوض بجيوب الفقر والمفقرين لأن الفساد الذي ينخر الدولة ومؤسساتها قادر على ابتلاع أمواج المحيط من الدولارات مثلما تؤكد ذلك التجربة المصرية.

عندها وعندها فقط يستنفذ الفقراء صبرهم بعد تبخّر كل المليارات التي أسندت لتونس وساعتها ستعود أمواج المهمشين والمسحوقين عالية صاخبة تعانق السماء لتطحن جيوب الفساد والمفسدين فتستعيد الجماهير كرامتها وتستعيد ثروتها وتبني مستقبلها ومستقبل أبنائها وتزأر شعارها الأصيل "التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق" رغم خيانة النخب وتضليل إعلام العار التونسي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، مؤتمر الإستثمار، الفساد، الفساد المالي، الفساد السياسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-12-2016   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. صلاح عودة الله ، د. أحمد محمد سليمان، أ.د. مصطفى رجب، نادية سعد، بيلسان قيصر، الناصر الرقيق، فهمي شراب، سفيان عبد الكافي، إسراء أبو رمان، حسن الطرابلسي، سامر أبو رمان ، د - مصطفى فهمي، الهادي المثلوثي، رشيد السيد أحمد، محمود طرشوبي، محمد أحمد عزوز، د. خالد الطراولي ، كريم فارق، محمد شمام ، سلوى المغربي، ياسين أحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد العيادي، محمود سلطان، طارق خفاجي، صفاء العراقي، د - صالح المازقي، محمد الطرابلسي، د- محمد رحال، حسن عثمان، أحمد الحباسي، د - محمد بنيعيش، وائل بنجدو، منجي باكير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العربي، صلاح المختار، أبو سمية، خبَّاب بن مروان الحمد، صلاح الحريري، يزيد بن الحسين، أشرف إبراهيم حجاج، محمد الياسين، إيمى الأشقر، محمد اسعد بيوض التميمي، صالح النعامي ، د - محمد بن موسى الشريف ، رضا الدبّابي، رافع القارصي، أحمد النعيمي، د - عادل رضا، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - شاكر الحوكي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، طلال قسومي، عراق المطيري، سامح لطف الله، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- محمود علي عريقات، د- جابر قميحة، محمود فاروق سيد شعبان، ماهر عدنان قنديل، كريم السليتي، علي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، مصطفى منيغ، الهيثم زعفان، عبد الرزاق قيراط ، أنس الشابي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محرر "بوابتي"، د - الضاوي خوالدية، عبد الغني مزوز، المولدي الفرجاني، سعود السبعاني، جاسم الرصيف، سلام الشماع، إياد محمود حسين ، مراد قميزة، العادل السمعلي، محمد يحي، مصطفي زهران، د. عبد الآله المالكي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د- هاني ابوالفتوح، حسني إبراهيم عبد العظيم، تونسي، عواطف منصور، عبد الله زيدان، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد العزيز كحيل، علي الكاش، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، محمد علي العقربي، سيد السباعي، رمضان حينوني، عمار غيلوفي، يحيي البوليني، سليمان أحمد أبو ستة، المولدي اليوسفي، رافد العزاوي، حاتم الصولي، فتحي العابد، أحمد بوادي، د.محمد فتحي عبد العال، خالد الجاف ، محمد عمر غرس الله، فوزي مسعود ، د. طارق عبد الحليم، أحمد ملحم، عبد الله الفقير، د - المنجي الكعبي، فتحي الزغل، عمر غازي، فتحـي قاره بيبـان، مجدى داود، حميدة الطيلوش، عزيز العرباوي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة