البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"نتشرفو بثورة البرويطة!!"

كاتب المقال طارق الكحلاوي - تونس   
 المشاهدات: 4266



"نتشرفو بثورة البرويطة!" (أتشرف بثورة العربة--اشارة لعربة البوعزيزي). هكذا حدثت فقالت وريدة أم الشهيد عبد الرؤوف الكدوسي، الذي سقط شهيدا بالرصاص الحي لنظام بن علي في مدينة الرقاب. كان ذلك في افتتاح جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة بداية من 17 نوفمبر. سقط الكدوسي شهيدا يوم 9 جانفي 2011 إثر استعمال السلاح الناري في وجه المتظاهرين المحتجين بمدينة الرقاب (سيدي بوزيد)، التي تسببت في مقتل 5 شهداء وإصابة 12 جريحا بإصابات متفاوتة الخطورة. كانت صرخة الأم وريدة هي العنوان الرئيسي لجلسة تميزت بكثير من التأثر. كانت ترد على من شوه وحقر من الثورة في تونس. تكلمت ببساطة ودون تعقيد، ذكرتنا جميعا الجذور العميقة للثورة اي الحق في الكرامة والتأمين الصحي والشغل. ذكرتنا أنها لم تقتص لابنها بالقانون وعن ظلم المحاكمات التي تلت ذلك، حيث تم الحكم سنة 2015 بعدم سماع الدعوى على أهم المتهمين بقتل الكدوسي وهو برتبة رائد في الأمن.

الجلسة الأولى التي بثت على الهواء في عديد القنوات، رغم تواتر قطع البث على القناة العمومية "الوطنية"، كانت حدثا تاريخيا، مكاشفة لا مثيل لها ولا قبل في السياق التونسي حيث استعرض ضحايا القتل والتعذيب تجاربهم أمام النخبة السياسية والحقوقية. لحظة مكاشفة تم فيها أخيرا إعادة فتح جرح لطالما بقي مغطى مما زاد من عفنه. وكانت أحد الشهادات الأكثر تأثيرا التي قدمها الباحث سامي براهم، الذي تعرض للتعذيب في كل سياقات الإيقاف والسجن في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وهو صاحب الجسم الضعيف. قال سامي بكل أنفة وشموخ: "ضربونا على رؤوسنا لتحطيمنا عقليا.. فخرجنا من السجن وأخذت الماجستير وأنا الآن أحضر الدكتوراه… ضربونا على أجهزتنا التناسلية وسكبوا عليها قارورة إيتير حارقة ليحرمونا من الإنجاب.. وخرجنا من السجن وتزوجت وأنجبت طفلة عسولة أنشر صورها من حين لآخر للجلادين.." بكى أغلب من في القاعة حتى زعيم حزب العمال خصم حركة النهضة اللدود التي تم سجن سامي على أساس الانتماء إليها. اثر سامي براهم قدم أحد القيادات التاريخية لليسار جلبار النقاش شهادته عن اعتقاله وتعذيبه آخر الستينيات والسبعينيات، التي سبق أن وثقها في مذكرات "كريستال" الشهيرة.

تميزت الجلسة بالغياب اللافت لممثلي الدولة، حيث سجل الجميع غياب (مقاطعة) من "الرئاسات الثلاثة" بما في ذلك الرئيس السبسي، والبعض أشار إلى أن الأخير معني مباشرة بهذه الشهادات، بما أنها تشمل كل الانتهاكات بداية من سنة 1955 وخاصة في الستينيات، عندما كان أحد أهم مسؤولي وزارة الداخلية وتحديدا مدير الأمن فيها وكاتب الدولة. وهو الزمن الذي تم فيه تعذيب اليوسفيين والقوميين والبعثيين واليسار البديل. الحقيقة أن غيابهم هو الأمر الطبيعي ولا يمكن أن تكون الصورة منسجمة إلا بغيابهم وذلك لأمر أساسي، وهو رفض رموز المنظومة القديمة الاعتراف بالانتهاكات والاعتذار عليها؛ إذ تم محاربة مسار العدالة الانتقالية وتفخيخه ومحاولات تفكيك هيئة الحقيقة والكرامة. لهذا ما حدث بالأمس انتصار تاريخي للذاكرة وللحاضر أيضا، في سياق الصراع اليومي بين من يريد تثبيت الدولة الديمقراطية ومن يريد إرجاعنا للماضي.

ورغم أن السبسي وبعض العجزة الذين معه ومن تبقى من ماكينة النظام السابق يكابرون في الاعتراف بفضل الثورة عليهم، بعد أن تقاعدوا من السياسة لسنوات ولم يكن لهم "مستقبل" إلا بسبب دماء شهداء مثل الكدوسي، الذين سخر منهم السبسي مرارا، وروج أنصاره تعبير "ثورة البرويطة" للتحقير منها، رغم ذلك يقوم حزبه بشقوقه المختلفة باحتكار صفة "الشهيد" على أساس حزبي؛ إذ قامت دعاية الحزب منذ أكتوبر 2012 على أساس مسلمة أنهم ضحايا العنف السياسي، وأن "أول شهيد" هو المرحوم لطفي نقض، المنسق الجهوي لنداء تونس آنذاك. لكن هذا الأسبوع حسم القضاء في طوره الابتدائي أخيرا في قضية وفاته وبرأ ساحة المتهمين. وبمعنى آخر لم يعد لحزب السبسي "شهيده" الذي سوق على أساسه سردية الضحية، وكان أحد أساطيره المؤسسة.

بعد المداولات الطويلة التي سردت بالتفاصيل مؤيدات البراءة وتوقعات صدور حكم القضاء في قضية المرحوم لطفي نقض، المنسق الجهوي في ولاية تطاوين لحركة نداء تونس سنة 2012. تم الحكم وسط الأسبوع ببراءة المتهمين الرئيسيين مثل سعيد الشبلي ورفاقه، وبالتالي إن المرحوم نقض لم يتم قتله بل توفي وفاة طبيعية، بما يضع حدا للمتاجرة السياسية بالدم من قبل حزب السبسي.

لم تبق لهم حجة هذا الأسبوع إلا حربا شعواء ومفتوحة على القضاء. لم يهتموا بالحكم أو تفاصيله أو حججه. لم يسألوا عن تقرير الطب الشرعي النهائي والحاسم وعن تضارب الشهادات. لم يسألوا عن المحاولات اليائسة الاأخيرة للضغط على القضاة بوجود قيادات حزب السبسي بشقوقه في قاعة المحكمة. دخلوا في حالة هستيريا وإنكار وسيحاولون سحل القضاء في بلاتوهات شقيقة وصديقة.

فهل قامت الترويكا بإسداء تعليمات للقضاء؟! القضاء لم يحكم ببراءة الدكتور الشبلي عندما كانت الترويكا في السلطة. ولم يحضر قياداتها آنذاك جلسات المحكمة. حكم القضاء والسبسي راعي كل السلطة التنفيذية من القصبة إلى قرطاج، وأيضا التشريعية في باردو، وهو الذي أعلن لطفي نقض قتيلا رغم تقرير الطب الشرعي الأصلي الذي أكد أنها وفاة طبيعية، ووجه الإعلام الموالي له لتحويلها إلى محاكمة إعلامية بعيدا عن التقارير العلمية، ثم تعهد بكشف الحقيقة وهو في السلطة. للقضاء الآن مجلس منتخب يشرف عليه القضاة من ألفه إلى يائه لم يطعن فيه أحد. والقضاء اليوم حكم بوضوح بأن كل قضية المرحوم لطفي نقض تستند إلى شهادات الزور وبراءة المتهمين.

هناك شهود زور مباشرون سيقبعون في السجن، وهناك رعاتهم وعلى رأسهم من يستغرق في سبات عميق عند صدور الحكم في قرطاج (ولو أن موقعا قريبا من حزب السبسي يقول إنه استفاق مذعورا ليطلب خارج صلاحياته وزير العدل لتستأنف النيابة العمومية) الذين وظفوا الوفاة وتاجروا بالدم.

سيحكم شعبنا وليس القضاء على شهود الزور، والتحيل السياسي سيحكم على هؤلاء بما يستحقون… وسيبقى متشرفا بثورة البرويطة التي أقامت مؤسسات فعلية تشرف شعبنا، وستبقى جدارا يصد أي محاولات للرجوع إلى ممارسات الاستبداد والتعتيم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، بقايا فرنسا، هيئة الحقيقة والكرامة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-11-2016   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
يزيد بن الحسين، مصطفى منيغ، عواطف منصور، سامر أبو رمان ، صلاح الحريري، صباح الموسوي ، العادل السمعلي، محمود طرشوبي، الهادي المثلوثي، محمد الياسين، محرر "بوابتي"، مصطفي زهران، بيلسان قيصر، حاتم الصولي، جاسم الرصيف، محمد اسعد بيوض التميمي، د. أحمد محمد سليمان، أحمد بوادي، د - الضاوي خوالدية، د. أحمد بشير، عبد الله الفقير، د - عادل رضا، المولدي اليوسفي، عبد الغني مزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سيد السباعي، نادية سعد، عراق المطيري، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العربي، طلال قسومي، د - محمد بن موسى الشريف ، مجدى داود، رشيد السيد أحمد، الناصر الرقيق، د. عبد الآله المالكي، أحمد الحباسي، د. صلاح عودة الله ، د - المنجي الكعبي، فهمي شراب، د. طارق عبد الحليم، خالد الجاف ، كريم فارق، صفاء العراقي، د.محمد فتحي عبد العال، تونسي، د. خالد الطراولي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد علي العقربي، فتحـي قاره بيبـان، ماهر عدنان قنديل، محمد شمام ، محمود فاروق سيد شعبان، د. مصطفى يوسف اللداوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد العزيز كحيل، حميدة الطيلوش، محمد يحي، رمضان حينوني، فتحي العابد، عزيز العرباوي، عمر غازي، حسن الطرابلسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد أحمد عزوز، صلاح المختار، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سلام الشماع، أحمد النعيمي، أحمد ملحم، سفيان عبد الكافي، أبو سمية، د- هاني ابوالفتوح، مراد قميزة، علي الكاش، أنس الشابي، د - مصطفى فهمي، وائل بنجدو، إياد محمود حسين ، إسراء أبو رمان، عمار غيلوفي، د- محمود علي عريقات، محمد الطرابلسي، د- محمد رحال، عبد الرزاق قيراط ، صالح النعامي ، الهيثم زعفان، محمد العيادي، رافع القارصي، خبَّاب بن مروان الحمد، حسن عثمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- جابر قميحة، عبد الله زيدان، رافد العزاوي، طارق خفاجي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، منجي باكير، علي عبد العال، د - صالح المازقي، فتحي الزغل، رضا الدبّابي، يحيي البوليني، المولدي الفرجاني، سليمان أحمد أبو ستة، أشرف إبراهيم حجاج، فوزي مسعود ، محمد عمر غرس الله، سعود السبعاني، د - شاكر الحوكي ، إيمى الأشقر، كريم السليتي، ياسين أحمد، أ.د. مصطفى رجب، سلوى المغربي، محمود سلطان، ضحى عبد الرحمن، سامح لطف الله، د - محمد بنيعيش،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة