أثار فوز المرشح الجمهوري بانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب حالة من القلق والفزع على مستوى دول العالم عموما والأوروبية خصوصا لأسباب عديدة لكن ذات الأسباب جعلت من وصوله إلى البيت الأبيض مناسبة سعيدة وسارة لأبي بكر البغدادي وتنظيم الدولة الإسلامية ذلك أن المسألة الثقافية والسياسات القائمة على الهوية تمثل الخيط الناظم المشترك بين أطروحات الرئيس ترامب والخليفة البغدادي فكلاهما يتوافر على أطروحة إيديولوجية متصلبة تبعث على خلق سلسلة من القضايا والمسائل تؤسس لعدم الاستقرار وتشجع الخصوصية وتنشط التيارات المعادية للعولمة في سياق البحث عن الذات الإمبراطورية الأميركية والخلافة الإسلامية.
تستند مقاربة ترامب في الحرب على الإرهاب إلى تصورات شعبوية نمطية في تعريف الإسلام والتطرف والإرهاب أشد اختزالا من الأطروحات الاستشراقية والثقافوية تتجاوز مقاربات برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون العلموية ذلك أن خطاب ترامب شعبوي تجهيلي يتسم ياليقين والوضوح والسطحية دون التباس ففي معرض مقاربته للإرهاب يؤكد على أن أمريكا التي يقودها ستدحر "الارهاب الاسلامي المتطرف" ويشدد على أن السياسات التي اتبعها الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون هي التي أدت الى نمو وصعود تنظيم "الدولة الاسلامية" وعلى الرغم من صحة إدعاء ترامب جزئيا في تعليل أسباب صعود تنظيم الدولة لكن تخصيصه مجاف للحقيقة والواقع فالسياسات الأمريكية عموما ساهمت في تنامي الراديكالية الإسلامية وتلك السياسات التي يتبناها ترامب بعد أن أصبح أحد أبنائها سوف تعمل على انفجار الصراع الهوياتي عموما والديني خصوصا والإسلامي بصورة أخص.
على الرغم من الضحالة المعرفية لترامب حول الديانة الإسلامية لكنه يتماهى مع الأطروحة الاستشراقية والثقافوية عن الإسلام يصيغتها الشعبية التي تضع الإسلام في حالة تلازم مع التطرف والإرهاب دون انفكاك وهي أطروحة سياسية علموية عنصرية مهيمنة وشائعة في أوروبا وأمريكا وتعاظمت وازدهرت مع نهاية الحرب الباردة وبروز تنظيم القاعدة حيث تستند فرضية "تطرف الإسلام" إلى تحميل مسؤولية انتشار العنف على عاتق أطروحات الإسلام السياسي الإيديولوجية منذ نشأته التاريخية المبكرة مرورا بالدولة الأموية وصولا إلى تنظيم الدولة الإسلامية وهي أطروحة لا تخرج عن جوهر النظريات الثقافوية في تعليل أسباب تصاعد موجة العنف على الرغم من كونها نظرية فاشلة في طاقتها وامكاناتها التفسيرية وقدرتها التنبؤية ويكمن ضعفها البنيوي في محاولة فك الارتباط بين العوامل الداخلية والخارجية لنفي مسؤولية الغرب عن شيوعها وعدم رغبتها في تفهم دوافع الفاعلين التي تستند إلى مسائل وقضايا مركبة ومعقدة تتعلق بسلسلة من التدخلات الخارجية الدولية في المنطقة ودعم وإسناد إسرائيل وغياب أي تسوية وحل للقضية الفلسطينة وانسداد الأفاق السياسية في معظم دول المنطقة وشيوع الاستبداد وتنامي الصراعات الهوياتية.
لا شك أن ترامب يتجاوز في مقاربته الشعبوية المتطرفة ضد الإسلام لويس وهنتنغتون حيث كشفت تقارير إعلامية أمريكية عن أن المغذي الرئيس لأفكار ترامب المتشددة ضد الإسلام هو فرانك جافني وهو باحث مغمور مصاب بـ"الإسلاموفوبيا" ويعتمد عليه ترامب بترويج نظريات المؤامرة وسبق له العمل لأربع سنوات في وزارة الدفاع الأمريكية إبان حقبة الرئيس الأسبق رونالد ريغان ويصفه مركز "ساوثرن بوفرتي" المعني بمراقبة الدعوات والنزعات العرقية المتشددة بأنه "أحد أعتى دعاة الإسلاموفوبيا بأمريكا" وصاحب فكرة منع المسلمين من دخول أمريكا.
هكذا فإن أحد أبرز أطروحات ترامب في حرب الإرهاب ترتكز إلى الأخذ بالنظريات الإستشراقية والثقافوية إلى غاياتها النهائية فإذا كان الإسلام يتسم بالجوهرانية والسكونية ومتلبس بالعنف والتطرف والإرهاب فيجب منع المسلمين من دخول أمريكا وإذا لم يكن ممكنا طرد المسلمين الأمريكيين من أمريكا فلا بد من إخضاعهم لفحوصات الوطنية الأمريكية وقد دعا ترامب سابقا لمراقبة المساجد في الولايات المتحدة قائلا إنه لا يعنيه إذا كان قوله "صحيحا سياسيا" واقترح مراقبة المسلمين من قبل الجهات الأمنية كمبادرة لمكافحة الإرهاب وانتشرت تقارير كثيرة على أن ترامب يريد إنشاء قاعدة بيانات عن كل المسلمين الأمريكيين ولكنه نفى ذلك لاحقا.
في سياق محاولة تبيان نهج ترامب الكارثي كان أوباما قد شنّ هجوما غاضبا ضد الجمهوريين وخصوصا دونالد ترامب محذرا من أن الحديث المرسل والفضفاض عن المسلمين أضرّ بحملة الولايات المتحدة ضد الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط وأي مكان آخر وقال بأنه يرفض استخدام عبارة "التطرف الإسلامي" لأنه يؤمن بأنه من غير العادل أن يتم وصم جماعة دينية بأكملها بسبب أفعال متطرفين مسلحين لكن ترامب كان يدرك هيمنة المقاربة الاستشراقية على تصورات الإدارات الإمريكية والثقافة الشعبوية فأحرج أوباما والمرشحة كلينتون بأن تلك رطانة بلاغية الأمر الذي ظهر من خلال تبريرات أوباما بالقول: "يقولون إن هذا هو الحل، لا يمكننا الانتصار على داعش إلا لو أطلقنا عليهم الإسلاميين المتطرفين .. ما الذي سننجزه باستخدام هذا الوصف؟ ما الذي سيغيره؟ هل سيقلل من محاولات داعش قتل الأمريكيين؟ هل سيضيف حلفاء أكثر؟ هل هناك استراتيجية عسكرية تعتمد على ذلك؟ هذا إلهاء سياسي". وأضاف أن "عبارة الإسلام الراديكالي ليست سحرية".
في محاولة للتخفيف من قوة خطاب ترامب الشعبوي الاستشراقي المهيمن قالت هيلاري كلينتون بأنها لم تخش استخدام عبارة "التطرف الإسلامي" لكنها لن تعتبر أوباما خاطئا لعدم استخدامه لها وأكدت أن الإجراءات لمحاربة الإرهاب كانت أكثر أهمية من الخطابات، لكن السيناتور بين ساسي أحد أعضاء لجنة الأمن القومي رد على أوباما في بيان مكتوب قال فيه: "أنت مخطئ" وتابع: "الاعتراف بالحقيقة حول عنف الإسلام هو أمر أساسي للاستراتيجية - الاستراتيجية التي اعترفت أنك لا تمتلكها، فمن واجبات رئيس الأركان أن يحدد الأعداء لمساعدة الشعب الأمريكي على إدراك تحدي العنف الإسلامي".
كشفت المناظرات والنقاشات الانتخابية بين ترامب وكلينتون عن اختلافات عديدة في موضوعة الإسلام والتطرف والإرهاب لكنها أكدت على عمق التصورات الاستشراقية والثقافوية وكادت أن تتلاشى الفروقات الاستراتيجية مع بروز الخلافات التكتيكية على الصعيد الخطابي الأمر الذي دفع إلى القول أن خطاب ترامب لم يقدم شيئًا جديدًا في اطار محاربة الارهاب على الصعيد العملي وأنه يشبه ما طرحه أوباما بخصوص الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وما يطبقه فعلا إذ تحدث ترامب عن عمليات ائتلافية مشتركة من أجل القضاء على تنظيم الدولة وعن تعاون دولي لقطع التمويل عنها واستخدام الطائرات من دون طيار إضافة إلى تعزيز التعاون الاستخبارتي والحرب الالكترونية من أجل تعطيل دعاية تنظيم الدولة وتقويض مساعيها للتجنيد وهي أساليب يستخدمها أوباما.
بصرف النظر عن المزايدات السياسية الانتخابية فإن ثمة فوارق جوهرية بين نهج أوباما والمرشحة الخاسرة كلينتون وبين نهج ترامب فالأخير يتبنى مقاربة تستند إلى الاعتماد على الدكتاتوريات المحلية في مواجهة الإرهاب دون مواربة لكنه يوسع من تعريفه لبشمل كافة حركات الإسلام السياسي فهو لا يؤمن بوجود معتدلين من الإسلاميين وكان وليد فارس وهو مستشار ترامب قد قال في أول تصريح له عقب فوز الأخير برئاسة الولايات المتحدة إن ترامب سيمرر مشروع اعتبار "الإخوان المسلمين" "جماعة إرهابية" على خطى السيسي في مصر، وكان ترامب قد دعا في أحد كلماته الى تعزيز التعاون مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وفي معرض تبيان نهجه الواضح حول الدكتاتورية والإرهاب قال ترامب "صدام كان رجلا شريرا اليس كذلك؟ كان شريرا بل شريرا جدا، ولكن أتعلمون ما كان يجيده؟ كان يقتل الإرهابيين وتفوق في ذلك، لم يكن يشغل نفسه بحقوقهم ولم يدعهم يلقون الخطب، كانوا إرهابيين وانتهى الأمر".
كان ترامب قد رسم أولوياته بشأن الشرق الأوسط ووضع على رأسها مكافحة الإرهاب إذ قال في المناظرة الثانية مع منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون إن الرئيس السوري بشار الأسد "رجل سيئ" لكنه يجيد "قتل الإرهابيين"، وقدم ترامب موقفه من سوريا بصورة أكثر تفصيلا في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية حيث شدد على ضرورة تركيز اهتمام واشنطن على معالجة القضايا الداخلية بدلا من "بناء دول" في الخارج وفي مقابلة صحفية مع وكالة "رويترز" شدد ترامب على أن هزيمة تنظيم "داعش" تحظى بالأولوية على إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي، كما أبدى ترامب شكوكا حول طبيعة المعارضة السورية المسلحة التي تدعمها واشنطن وحذر من أن ممثلي تلك المعارضة قد يكونوا موالين لـ "داعش".
لا تقتصر مقاربة ترامب لحرب الإرهاب على الخطابات البلاغية لكنها تعتمد على نهج براغماتي فج فهو لا يخفي إعجابه بالنهج الروسي البوتيني لمقاربة الحرب على الإرهاب فقد أعرب دونالد ترامب عقب فوزه بالانتخابات عن رغبته في التعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيث تعد مواقف ترامب وبوتين متقاربة في التعامل مع القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية وقد أوضح ترامب أيضا أنه واثق من إمكانية إيجاد لغة مشتركة مع روسيا فيما يخص الحرب على تنظيم الدولة بالإضافة إلى أن روسيا تخوض حربها مع الإرهاب الإسلامي، وبهذا فإن مسألة المعارضة الإسلامية المعتدلة باتت من الماضي.
لا عجب أن يحتفي تنظيم الدولة الإسلامية وأنصاره بفوز ترامب باعتباره يمثل الوجه الحقيقي لأمريكا الأمر الذي سوف يعزز من إيديولوجية التنظيم الهوياتية ويسهل من عناء الدعاية والإقناع ويرسخ صورة أمريكية بغيضة معادية للإسلام المسلمين ويساهم في تيسير عمليات الاستقطاب والتجنيد ويعمل على إزالة العقبات أمام توحد الجهادية المحلية والعالمية، وتبدو مقاربة ترامب حول الأمن والإرهاب متفوقة على رؤية كلينتون شعبيا فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة "فوكس نيوز" في أيار/ مايو تقدّم ترامب على كلينتون في هذه المسألة بـ 12 نقطة.
أحد المخاوف الحقيقية التي سوف تعمل على تصاعد جاذبية إيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية وقدرته على التجنيد عقب فوز ترامب أن نهجه العام يجتذب السياسية "اليمينية المتطرفة" ماري لوبن بـفرنسا وحزب البديل لألمانيا فقد أظهر ترامب أن الشعبوية لا تحدد قضايا النقاش فحسب بل يمكنها أن تكسب أيضا الأمر الذي يجعل المقاربة الترامبية لحرب الإرهاب كارثية وتعمل على تنشيط الإرهاب عوضا عن تقويضه.
خلاصة القول أن مقاربة ترامب النظرية المتعلقة بموضوعة الإرهاب لا تخرج عن جوهر النظريات الاستشراقية والثقافوية في تعليل أسباب تصاعد موجة العنف والتطرف فهي تدفعها إلى نهاياتها المنطقية ومرتكزاتها الهوياتية وتعمد عمليا إلى الدفع بالمقاربة العسكرية الأمنية إلى حدودها البراغماتية القصوى دون النظر إلى أسباب التطرف والإرهاب الموضوعية التي تتعلق بسلسلة من التدخلات الخارجية الدولية في المنطقة ودعم وإسناد إسرائيل وغياب أي تسوية وحل للقضية الفلسطينة وانسداد الأفاق السياسية لدول المنطقة وشيوع الاستبداد وتنامي الصراعات الهوياتية فالمسألة بالنسبة لترامب أن ثمة إرهابي اعتقله والأفضل أقتله بأي وسيلة ممكنة بما فيها استخدام الأسلحة الكيماوية وصولا إلى النووية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: