د.محمد حاج بكري - تركيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3494
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
(اذا مر القطار وسمعت ضوضاء لاحدى عرباته فاعلم انها فارغة . واذا سمعت تاجرا ينادى على بضاعته فاعلم انها كاسدة . فكل فارغ من البشر والاشياء له جلبة وصوت وصراخ . اما العاملون المثابرون فهم فى سكون ووقار لانهم مشغولون ببناء صروح المجد واقامة هياكل النجاح . فسنبلة القمح الممتلئة خاشعة ساكنة ثقيلة . اما الفارغة فانها فى مهب الريح لخفتها وطيشها ) وتلك الكلمات اتذكرها دائما كلما مر على او مررت بجوار قطار .ولكنى تذكرتها اليوم لعلاقتها الشديدة بموضوعنا اليوم .
حيث يوجد فى الناس اناس فارغون مفلسون اصفار رسبوا فى مدرسة الحياة , واخفقوا فى حقول المعرفة والابداع والانتاج , فاشتغلوا بتشوية اعمال الناجحين . وهؤلاء الاغبياء الكسالى التافهون مشاريعهم كلام وحججهم صراخ واعتراض . وادلتهم هذيان لاتستطيع ان تطلق على احدهم لقبا مميزا ولا وصفا جميلا . بل هو صفر على يسار الرقم يعيش بلا هدف ويمضى بلا تخطيط ويسير بلا همة . ليس له اعمال تنقد فهو جالس على الارض , والجالس على الارض لايسقط . لايمدح بشىء لاته خال من الفضائل , ولايسب لانه ليس له حساد .
وفى كتب الادب ان شابا خاملا فاشلا قال لابيه :
ياأبى انا لايمدحنى احد ولايسبنى احد مثل فلان , فما السبب ؟! فقال ابوه : ( لانك ثور فى مسلاخ انسان ) . ان الفارغ البليد يجد لذة فى تحطيم اعمال الناس ويحس بمتعة فى تمريغ كرامة الرواد , لانه عجز عن مجاراتهم ففرح بتهميش ابداعهم .
ولهذا تجد العامل المثابر النشيط منغمسا فى اتقان عمله وتجويد انتاجه ليس عنده وقت لتشريح جثث الآخرين ولابعثرة قبورهم . فالسيف يقص العظام وهو صامت . والطبل يملأ الفضاء ضجيجا وهو اجوف . ان علينا ان نصلح انفسنا وليس علينا حساب الناس والرقابة على افكارهم والحكم على ضمائرهم . الله يحاسبهم والله وحده يعلم السر والعلن .
التافهون وحدهم هم المنشغلون بالناس كالذباب يبحث عن الجرح . اما الخيرون فاعمالهم الجليلة اشغلتهم عن توافه الامور كالنحل مشغول برحيق الزهر يحوله عسلا فيه شفاء للناس . ان الخيول المضمرة عند السباق لاتنصت لاصوات الجمهور . اعمل واجتهد واتقن ولاتصغ لمثبط او حاسد او فارغ .فهناك نوع من البشر ترفعه عن الارض فيدوسك انت , تحتضنه فيخنقك , تشهره فيهيل عليك التراب ليواريك , هذا النوع من الناس فيه من الفأر جبنه ومن الحرباء لونه ومن الصرصور هوايته فى الصعود الى الطوابق العليا . هذا النوع من الناس اشبه بالخرقة القذرة , اذا وقفت الى جوارها تزكم انفك , واذا نظرت اليها اتسخت عينك , واذا دست عليها اتسخ حذاؤك , واذا اردت ان تبعدها اتسخت يدك .
هذا النوع من الناس اذا رأى رجلا غنيا اقسم انه لص , واذا رأى امرأة جميلة تسير فى الشارع اقسم انها على موعد غرامى , واذا رأى رجلا يدخل المسجد اقسم انه هذا الذى يسرق احذية المصلين اثناء الصلاة . هذا النوع من البشر يرى الحقيقة كالتراب تنسفها رياح الايام , وينسى او يتناسى انها راسخة كالجبال تنكسر عليها كل الاعاصير والرياح . فيجب ان نترك هذا النوع الجاحد الحاقد المغرور لتجىء عربة القمامة لتحمله الى مزبلة الزمن .لذلك لاتلتفت لمثبط او حاسد او فارغ .
يحكى انه هبطت بعوضة على نخلة , فلما ارادت ان تطير قالت للنخلة : تماسكى ايتها النخلة فانا سوف اطير . فقالت النخلة للبعوضة : والله ماشعرت بك وقت ان وقعت على , فكيف اشعر بك اذا طرت .
الاسد لايأكل الميتة , والنمر لايهاجم امرأة لعزة النفس وكمال الهمة . اما الصراصير والجعلان فعملها فى القمامة وابداعها فى الزبالة , والذباب لايحط الا على القاذورات والجروح .واعلم انه انسان بلا اعداء , انسان بلا قيمة . حين يكون لك عدو او حاقد او حاسد يتصيد اخطاءك , ويتربص بك ويحسب عليك هفواتك وزلاتك وينتقدك ولايجاملك كالصديق . مما يجعلك على يقظة دوما تتأمل العواقب وتعد العده وتتلافى الاخطاء وترتقى للوصول الى الكمال . فلله در عدوى جعلنى افهم الحياة بمعانى عظيمة , قضت ان يكون ( النصر لمن يتحمل الضربات , لا لمن يضربها ) فمهما كثرت العثرات التى يضعها عدوك الحاقد الحاسد فى طريقك . اعلم انها ماهى الا المزيد من الحطب لاحراقه .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: