اهدار المال العام في زمن انهيار الدينار: قصة من عهد السبسي
طارق الكحلاوي - تونس المشاهدات: 3822
تمثل كل الشبهات حول شبهات اهدار المال العام لصفقة شركة تونس للاتصالات بدفع واضح من الشريك الاماراتي لاقتناء شركة Go Malta، والتي يملكها نفس الشريك الاماراتي، هذه الشبهات التي كشفتها بعض المواقع الاعلامية (خاصة موقع "نواة") اخر المؤشرات على فشل الدولة تحت حكم السبسي. لكن الى الان بقي الموضوع مهمشا لسبب اساسي وهو ان المنشأة العمومية التونسية تدفع مبالغ كبيرة للاشهار في معظم وسائل الاعلام التونسي وهو ما يمثل ضغطا ضمنيا عليها للحديث في الموضوع.
تم تقديم الرئيس المدير العام لشركة تونس للاتصالات في الواجهة وتخفى في المقابل الروزير المسؤول على الشركة اي وزير تكنولوجيا المعلومات والاتصال. لنأخذ أهم حجج المتحدث باسم الشركة واحدة واحدة.
أولا، حجة ان هذا مناسب للتوسع الاستراتيجي للشركة. اذ أكد المدير العام لشركة اتصالات تونس أن الاقتناء هو جزء من استراتيجية اتصالات تونس التي شملت محور التوسع الدولي لعدة سنوات ، مشيرا إلى أن المشغل المالطي فرصة أتناسب الاتجاهات الاستراتيجية (القرب الجغرافي والثقافي الذي يسمح بالانسجام على حد قوله). لكن الخطة الإستراتيجية لشركة الاتصالات التونسية الأكثر حداثة والتي انجوها في عام 2016 المكتب الدولي للاستشارات" آرثر دي ليتل" تنص على أن الهدف الاستراتيجي لاتصالات تونس هو أن تصبح أول مشغل رقمي في تونس بحلول عام 2020 وليس هناك اي اشارة لتوسع خارج تونس.
ثانيا، إن التوسع الدولي هو الاستراتيجية التي تهدف إلى تطوير شروكة تونس للاتصالات لزيادة حجمها مع الهدف النهائي المتمثل في أن تصبح المشغل الرئيسي لجنوب البحر الأبيض المتوسط. هنا السؤال: كيف يمكن للمشغل التونسي والذي يقارب حجمه أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون مشترك (الخطوط الثابتة والمتنقلة) بصفقة مع مشغل مالطي لا يزيد حجمه على خمسمائة الف مشترك بين الهاتف الثابت والمحمول؟ هل ان إضافة 10? من حجم تونس للاتصالات سيجعلها تصبح طرفا رئيسيا في جنوب البحر الأبيض المتوسط، في حين ان ذلك لا يحسن بجدية حتى تنافسيتها مع منافسيها الرئيسيين في السوق المحلي التونسي؟
ثالثا، أوضح المتحدث أيضا أن الصفقة تمكن شركة تونس للاتصالات للاستمتاع بمركز كفاءة مالطي من أجل توفير المزيد من المنتجات والخدمات الأخرى، و الاستفادة من هذا الاندماج لتطوير هذه الخدمات في تونس، وقال ان المشغل هو في مرحلة النضج، ويولد الأرباح في مالطا و قبرص. لكن لا نشتري مشغلا جديدا فقط لتطوير محتوى الوسائط المتعددة، عقد بسيط مع شركة تقدم هذه الخدمة يلبي إلى حد كبير هذه الحاجة، كما أن ما يسمى بـ"اللعب الرباعي" ("مربع" خدمات يوفر الوصول إلى الإنترنت، و الهاتف الثابت والتلفزيون و الهواتف المحمولة) لا يستجيب لخصوصيات تونس الفنية واللوجستية خاصة ان الكثير منها متوفر بطريقة القرصنة بشكل شائع.
رابعا، أشار اخيرا الى ان الصفقة خيار استراتيجي تم فيها بدقة اتباع الإجراءات القانونية الأكثر تقدما، وتمت النصادقة عليها مثل أي شركة مساهمة عامة من قبل CAREP (اين يقرر وزراء ومسؤولون في الدولة اي عمليات بيع او شراء كبيرى تخص المنشآت العمومية)، مع استشارة مختلف الشركات العالمية الشهيرة لإجراء عمليات التدقيق و تقديم مشروع القرار للتصويت في مجلس الذي لم تحسب المخرجين الإماراتيين حتى لا يكون هناك أي تضارب في المصالح.لكن تضارب المصالح صارخ في هذه الحالة، اذ ان الشريك الاماراتي موجود في قوة في مختلف نواحي الصفقة. من ممثليها في تونس للاتصالات (الدير العام المساعد، المدير التجاري، المدير المالي)، بنك استشاري للشريك الاماراتي (كريدي سويس) الذي نصح واعطى الائتمان، وتأثيرها على الشركة المالطية حيث هو الشريك الاغلبي (60? من الاسهم) لتمرير العرض المقدم من شركة الاتصالات التونسية. ومن جهة أخرى وجود مؤشرات قوية على تأثير احد احزاب الحكم اي حزب افاق من خلال وزير الاتصالات له الذي يمثل الدولة وحصتها 35? في شركة تونس للاتصالات، وزير الاستثمار الذي هو المدير التنفيذي للجنة الذي أعد التقرير المقدم إلى CAREP للتصويت لشراء العودة مالطا. أخيرا رئيس المجلس الوطني للحزب الذي يدير بنفسه شركة "ديلويت تونس" التي قدمت الاستشارة لشركة تونس للاتصالات لشراء الشركة المالطية.
الحقيقة ان وزراء حزب افاق تحديدا مسؤولون بشكل مباشر على صفقة شركة تونس للاتصالات والتي تحوم حولها شبهات واضحة في اهدار المال العام من خلال توريط بلادنا في قرض لا يمكن ان تتحمل مسؤوليته شركة تونس للاتصالات وستوضع الدولة في وضع حرج وعليها ان تستزف المزيد من احتياطي العملة الصعبة لدفع القرض الذي يمكن ان يصل الى 300 مليون يورو حيث سيكون عليها ربما التدخل لانقاذ مؤسسة عمومية تشغل الاف الموظفين والمهندسين.
وفي النهاية الطرف المستفيد الاساسي من هذه الصفقة هو الشركة الاماراتية التي لم تضف اساسا اي شيء لشركة تونس للاتصالات اذ هي فرع من شركة "دبي هولدينغ" المختصة في العقارات اساسا ولهذا فهي تخطط للانسحاب قريبا من سوق الاتصالات. هذا واضح خاصة ان شركة تونس للاتصالات لم يكن في خطتها الاستراتيجية 2016-2020 اي توجه نحو التدويل او التوسع خارج السوق التونسية.
مسؤوليتهم كانت واضحة خاصة في اجتماع CAREP حيث كانوا الاكثر حماسا في الدفاع عن عملية الشراء، ولو ان ذلك لا يخلي بقية من حضر في هذا الاجتماع ووافق على الصفقة من المسؤولية. لكن يبقى وزير تكنولوجيا والاتصال ووزير التعاون الدولي المسؤولين المباشرين على هذا الملف. بالمناسبة خلال نقاش "القانون الانتخابي" كان نواب حزب افاق الاكثر حماسا لرفع السقف حول الانفاق الانتخابي.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: