البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

العيد التونسي ماسط

كاتب المقال  نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 3693



الماسط عند أهل تونس طعام لا يغري بالأكل أو شراب لا يستسيغه الشارب أو شخص لا تستحب صحبته أو نكتة لا تضحك. في تونس هذه الأيام ماسطة والحديث فيها ماسط وهذا العيد يهل ماسطا لا يغري بحلواه وربما انصرف الناس عنه سريعا لكي ينسوه بالبحر والسهر والكسل المنظم في مهرجانات ماسطة فلا شيء يستحق العناء. روح استسلامية تسري في عروق أهل تونس فتجعل أيامهم ماسطة كوجبة سجن.

الشعور بأن المنظومة القديمة عادت للسيطرة والتحكم أثبط عزائم كثيرة. وفرقة الطبقة السياسية المعارضة سابقا حول سبل دفع عملية التغيير الايجابي إلى مداه أجهز على بقايا الأمل في النخبة القائدة، وضاعف بالتالي من الإحساس بالعار والهزيمة أمام منظومة مفسدة عرفت كيف تنحني للعاصفة ثم تعود بحيل اللصوص. لم يعد بإمكان كتاب الأمل أن يركبوا جملا حماسية لجمهور يفقد روحه ولا ينشغل بالأمل.

الحكومة الماسطة

قبل رمضان لم يكن الوضع محتاجا لتغيير الحكومة. كان الجميع يطالب بتوضيح برنامج عمل الحكومة القائمة. فقد حققت نتائج طيبة في ما كان مهمة عسيرة (مقاومة الإرهاب) خاصة باستبعاد وزير داخلية عاجز أو متواطئ وإسكات نقابات أمنية منفلتة. كانت تسرب أسرار العمليات القتالية في التلفزة. فجأة طلب رئيس الدولة حكومة جديدة. ومر الشهر ولم تتشكل ويبدو أن الرئيس لحس الأجل المضروب يوم 29 يونيه كآخر أجل لإعلانها.

الإعلان عنها والعجز دونها بعد شهر كامل أفقد العملية/الحكومة طعمها وانتهى التشويق ولكن انكشف للتونسيين الكثير مما كانوا أملوا نسيانه فأحبطوا بعودته كأنه قدر مقدور..

الرئيس خضع في طلبه وفي عجزه لأسرته. ابن الرئيس يشكل مجموعة ضغط داخل ما تبقى من حزب النداء ويريد فرض حكومة موالية له. يختار رئيسها ووزراءها ويأمرها فتطيع. والأب عاجز أو متواطئ وشكل الأسرة المتنفذة بالسياسة يبرز للعيان. وهذا الوضع في تونس يعيد إلى الأذهان صورة بن علي وأصهاره وأسرته الذين استولوا على الدولة. نحن هنا بعيدون عن آل كينيدي وآل كلينتون (كأسر سياسية مشهورة) فابن الرئيس المتنفذ لا يتقن تركيب جملة مفيدة. لكننا أمام مثال أسرة بن علي أو مبارك أو القذافي جديدة. أسرة فاسدة تفسد بلدا.

في مواجهة نوايا الأسرة لم يكن الحريصون على سلامة البلد والمرحلة أكثر وطنية من لوبي الفساد الذي يقوده ابن الرئيس. ومن أجله يريد القفز على الدستور ومبادئ العدالة الانتقالية التي أسسها ويسير فيها الجميع بصبر وأناة.

في المقابل كيف يعيش الشارع الفرحة بعيد عادي جدا وممل؟!

شارع تائه ونخبة جشعة

شارع الملابس القديمة يتجدد وينتعش في العيد. إنه الملاذ الأخير ليس لطبقة المفقرين التي اعتادته بل لطبقة كانت وسطى ثم انحدرت مقدراتها بشكل كارثي. الأسرة التونسية تقسط فرحها بالعيد ولا تجد له حلاوة. يوجد زحام أمام محلات الحلويات الراقية في الأحياء الراقية لكن الفقراء والمفقرين يؤجلون الفرح في انتظار فرج ما. الانقسام الاجتماعي يزداد حدة. وهذا يغذي إحساسا بالخوف عند القلة المرفهة ويغذي إحساسا بالقهر عند البقية. التجانس الاجتماعي في أدنى درجاته. وهي بوابة للعنف الاجتماعي الذي يُصَرَّف الآن هجرة سرية وتجارة موازية لا تسمن ولا تغني من جوع إلا للمهربين الكبار الذين شكلوا طبقة خاصة من بوابة فساد الجمارك (الديوانة).

الوضع السياسي العام آخذ في التحلل والتفكك. لكن الطبقة السياسية (المخولة نظريا بالتحرك والحكم) هي آخر من سيجد إجابة عن هذا السؤال المشروع. الوضع السوداوي الماثل للعيان صنعته هذه النخبة ولا يمكنها بالتالي أن تعالجه. إنها تتحول إلى مشكل في ذاتها وعقبة لكل حل منطقي. والصراع على الحكومة الذي يتابعه التونسيون كمسلسل تافه يكشف المزيد من الانهيار الأخلاقي للطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة. إنها لا تريد إلاّ أن تحكم من عل. وكل الحيل في ذلك جائزة، بما في ذلك دفع البلد إلى انهيار اقتصادي واجتماعي. لكن لعل في ذلك خيرا ولعلها الضارة النافعة.

المنظومة تخوض آخر معاركها

انكسر حزب النداء وتشتت شمله إلا من عصابة حول ابن الرئيس تعرف يقينا أن حظوظها في الحياة السياسية مرتبطة بنصرته وأبيه في هذه المرحلة. عجز الدساترة أو فلول التجمع الجهوية عن التآلف في كتلة سياسية ذات ملمح قابل للقراءة. ويبدو أنهم لن يستبقوا البلديات لعام 2017. وضعت النقابة نفسها في موضع لا تحسد عليه عند التونسيين خاصة بعد إضراب البريد الوحشي في مواعيد صرف المعاشات. كثير من التونسيين يرى النقابة سبب الخراب الرئيسي بمطالبها المجحفة في غير أوانها بما قد يكشف جانبا مضيئا في الصورة القاتمة.

المنظومة تفككت وتتلاشى والوعي بعارها وعجزها يتسع. لكن لا يجب الإفراط في التفاؤل فالوضع يفتح على احتمالات فوضى عارمة، ذلك لأن الشارع الذي يفترض أن يكون منظما لتلقف البلد بعد انهيار وشيك لم يحزم أمره. وأنى له وهو مشتت بين حزيبات تبث فيه فرقة مميتة لصناعة زعامات بلا مشروع ولا تختلف في جوهر فعلها عما تفعله عصابات النداء المتناحرة. لذلك كلما فرح المرء برؤية المنظومة القديمة تعجز وتتفكك رأى في الجانب الآخر شارعا مشتتا وعاجزا ومتناحرا.

وعليه نختصر بألم إذا كانت المنظومة تخوض آخر معاركها فإن الشارع (الذي يفترض أن يكون منتميا للثورة ومطالبها ويحمل شعاراتها) لم يتهيأ لأول معاركه. وعند احتمال الانهيار الماثل ستكون الفوضى سيدة المكان والتاريخ.

هل يتواضع التونسيون لحكومة حد أدنى؟

في هذه الساحة المخترقة بالزعامات القميئة المحتربة على المواقع والمغانم، لا يملك التونسيون إلا الرضا بحكومة الحد الأدنى القائمة أو المعدلة، حكومة تكون مهمتها الحفاظ على الوضع القائم (حكومة صرف رواتب). إنها ليست مطمحهم ولكن وعيهم القاصر بلحظة الثورة أوصلهم إلى هذه النقطة (الاختيار بين الجمود والفوضى). لقد ضيقوا على أنفسهم فوجدوا أنفسهم بين الحفاظ على الجهاز (شقف السفينة) وبين التغيير الحقيقي المكلف. وقفوا أمام كدس ملابس سياسية قديمة وعليهم أن يختاروا كسوة سياسية متآكلة لأنهم يخجلون أن يخرجوا عراة للتاريخ يضربون من أجل مستقبل أبناء لا يلتجئون إلى الملابس القديمة ليستروا عوراتهم. حتى الآن ليس أمامهم إلا الماسط والماسط في لسان العرب نبت مالح تأكله الإبل فيصيبها بالإسهال. والإسهال يؤدي إلى الهزال.

هنيئا لأطفال تونس بالعيد قبل أن يطلعوا على عورات الأجيال التي سبقتهم وقد أصابهم هزال الدهر.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، تشكيل الحكومة، حكومة الوحدة الوطنية، عيد الفطر،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-07-2016   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- محمد رحال، د. أحمد بشير، سامح لطف الله، حاتم الصولي، صلاح المختار، صلاح الحريري، ضحى عبد الرحمن، محمود فاروق سيد شعبان، ياسين أحمد، د - الضاوي خوالدية، د- جابر قميحة، طارق خفاجي، د - محمد بنيعيش، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد أحمد عزوز، د. أحمد محمد سليمان، محرر "بوابتي"، فتحي الزغل، د- محمود علي عريقات، حميدة الطيلوش، د. عبد الآله المالكي، رضا الدبّابي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عراق المطيري، وائل بنجدو، أنس الشابي، مجدى داود، د - عادل رضا، عمار غيلوفي، خالد الجاف ، المولدي اليوسفي، محمد الطرابلسي، فوزي مسعود ، نادية سعد، منجي باكير، د. طارق عبد الحليم، د- هاني ابوالفتوح، عبد الله الفقير، أحمد بوادي، فتحـي قاره بيبـان، فتحي العابد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د.محمد فتحي عبد العال، إيمى الأشقر، مراد قميزة، كريم السليتي، مصطفى منيغ، علي عبد العال، سفيان عبد الكافي، أشرف إبراهيم حجاج، كريم فارق، محمود سلطان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سلام الشماع، الناصر الرقيق، أ.د. مصطفى رجب، جاسم الرصيف، المولدي الفرجاني، طلال قسومي، د - شاكر الحوكي ، عزيز العرباوي، د - محمد بن موسى الشريف ، صباح الموسوي ، سيد السباعي، محمد الياسين، صفاء العربي، محمد يحي، أحمد الحباسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - مصطفى فهمي، إياد محمود حسين ، محمد العيادي، عمر غازي، أحمد ملحم، تونسي، صالح النعامي ، د - المنجي الكعبي، سعود السبعاني، خبَّاب بن مروان الحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، سلوى المغربي، عواطف منصور، عبد الله زيدان، سامر أبو رمان ، الهادي المثلوثي، مصطفي زهران، محمد علي العقربي، محمد شمام ، إسراء أبو رمان، الهيثم زعفان، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - صالح المازقي، عبد الرزاق قيراط ، صفاء العراقي، العادل السمعلي، علي الكاش، رشيد السيد أحمد، يزيد بن الحسين، د. صلاح عودة الله ، محمد اسعد بيوض التميمي، رافد العزاوي، عبد العزيز كحيل، أبو سمية، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسن الطرابلسي، فهمي شراب، ماهر عدنان قنديل، يحيي البوليني، بيلسان قيصر، أحمد النعيمي، د. خالد الطراولي ، محمد عمر غرس الله، عبد الغني مزوز، محمود طرشوبي، رافع القارصي، رحاب اسعد بيوض التميمي، رمضان حينوني، سليمان أحمد أبو ستة، حسن عثمان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة