البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المالية الاسلامية.. الفلسفة لا الآليات

كاتب المقال صبحي ودادي   
 المشاهدات: 3106



منذ الاحتكاك الأول بالصيرفة التقليدية (الربوية) في بدايات القرن التاسع عشر من خلال افتتاح البنوك التقليدية الأجنبية في البلدان الإسلامية وسعي النخب السياسية والاقتصادية إلى افتتاح بنوك وطنية على غرار النموذج الأوروبي، كان الاتجاه الغالب والكاسح في النظر الفقهي لموضوع تعاملات البنوك المعاصرة هو الرفض والتحريم.

ومع أن هذه الفترة لم تشهد دراسات مباشرة ودقيقة تؤسس للنظام المصرفي، إلا أنها أسهمت في تقوية المناعة الفكرية للمسلمين والتأسيس لمذهب اقتصادي إسلامي قوامه الاستقلال ورفض التبعية والتأكيد على حرمة الربا وبيان مخاطره، هذه المذهبية الاقتصادية الإسلامية ستتعزز مع بزوغ البحوث الرصينة التي جمعت بين التقنيات المصرفية المعاصرة المحققة للوساطة المالية التي هي لب النظام المصرفي التقليدي وبين تحديث ومأسسة صيغ المعاملات الفقهية التي كانت معروفة كالمضاربة والمشاركة والسلم والاستصناع، ومن ثم كانت انطلاقة النظام المصرفي الإسلامي مع تجارب متفرقة ستنضج فيما بعد لتشكل اليوم أهم صروح المذهبية الاقتصادية الإسلامية، وذلك حين انخرط مجتمع الأعمال في بلدان إسلامية مهمة مع الأدمغة والخبرات الإسلامية في المجال.

وقد أسفر هذا التلاقي عن نمو كبير في البنوك الإسلامية عددا وموجودات، لتتوسع خريطة وجوده جغرافيا إلى كثير من بلدان العالم بما فيه غير الإسلامي (أوروبا وأمريكا)؛ حيث فتحت عدة بنوك غربية نوافذ للتعامل وفق مقتضيات أحكام الشريعة، ( ووفق تقرير التنافسية العالمية للقطاع المصرفي الإسلامي تجاوزت قيمة الأصول المصرفية الإسلامية تلك التي تملكها المصارف التجارية في الأسواق العالمية بــ 778 مليار دولار بنهاية عام 2014، وأورد التقرير أن الأصول المصرفية الإسلامية حققت أكثر من 17% كمعدل نمو سنوي بين 2009 و2013).

كما تنوع قطاع التمويل الإسلامي ليشمل الشركات الاستثمارية والتأمين التعاوني وغيرها من مجالات قطاع المالية الإسلامية التي تبلورت كصناعة مستقلة لها أصولها وتقنياتها وخبراتها ومخرجاتها المتجددة.

حتى لا تنقلب الآية..

في ظل تلك النجاحات الباهرة التي حققتها المصرفية الإسلامية على مستوى الانتشار والنمو، وعلى مستوى سعي بعض التجارب للتعاطي مع مختلف الخدمات المصرفية التي يشكل بعضها دورا وظيفيا ثانويا للمؤسسات المالية، تبرز توجهات على المستوى البحثي والتطبيقي تتلهف لمجاراة البنك التقليدي في تقديم مختلف الخدمات المالية، وهو أمر حسن حين يكون حرصا على الاستجابة لمطالب السوق وحاجات العميل في إطار من الفلسفة التي تحكم قطاع التمويل الإسلامي، وهي الفلسفة التي مكنته من النجاحات الباهرة وجنبته الهزات الكبيرة التي يعيشها النظام المصرفي التقليدي، إننا نعني أن أي اشتقاق لمنتج مالي يجب أن يكون مربوطا بالفلسفة الكلية للمنظومة المالية الإسلامية ومحققا لغاياتها وملتزما بمنطلقاتها، بحيث لا تغدو النجاعة المتخيلة هي الدافع وراء الإبداع والاشتقاق، هذه الفلسفة يمكن تلمسها من خلال جملة خصائص تميز هذه المنظومة عن النظام المصرفي الربوي:

من ذلك أن التمويل الإسلامي يرتبط ارتباطا مباشرا بالاقتصاد الحقيقي من خلال قيامه على التبادل الحقيقي للسلع والخدمات سواء تم ذلك من خلال عمليات نقل الملكية كما هو الحال في صيغ الإجارات والبيوع مثل المرابحة والإجارة المنتهية بالتمليك أو تم من خلال الاستثمار المباشر كما هو الحال في صيغ التمويل التشاركي مثل المضاربة والمشاركة، وهو ما يساهم في تنمية الاقتصاد الحقيقي.

هذه الخاصية جعلت المصارف الإسلامية تنجو من الأزمة المالية العالمية التي قامت بفعل المبالغة في النشاطات المتصلة بالاقتصاد المالي الذي أوجد قلاعا شامخة من الاقتصاديات الافتراضية انهارت على رؤوس أصحابها ودمرت هذا النشاط، ثم انعكست تاليا على الاقتصاد الحقيقي، وقد نجت البنوك الإسلامية من ضربات الأزمة المالية بفعل طبيعة المنتجات المالية التي تقدمها والمرتبطة بالاقتصاد الحقيقي وبالاستثمارات الحقيقية والإنتاجية، فالمضاربة والمشاركة والاستصناع وغيرها هي صيغ استثمارية ملموسة، وبقية الصيغ التمويلية تتاجر في السلع والخدمات، وقد أشارت دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن تأثيرات الأزمة على الربحية وحجم الإقراض ونمو الأصول المالية في البنوك الإسلامية كان أقل بكثير مما شهدته المصارف التقليدية، وذلك بسبب محافظها الاستثمارية الصغرى والرافعة المالية الدنيا والتمسك بمبادئ الشريعة الإسلامية. وتؤكد دراسات أخرى لصندوق النقد الدولي وكذلك المسح المشترك الذي أجراه المصرف البريطاني ( HSBC ) ومجلة (The Banker) مثلَ هذا الاستنتاج وتعززه بالأرقام.

ثم إن المصرف الإسلامي يقدم جملة من الصيغ التمويلية التي تحكمها المشاركة في الأرباح والخسائر بالإضافة إلى المشاركة في الجهد من قبل المصرف والمتعامل، بدلاً من أسس التعامل التقليدي القائم على مبدأ المديونية (المدين/ الدائن) وتقديم الأموال فقط دون المشاركة في العمل.

يبني المصرف الإسلامي إذن رؤيته على تشارك أطراف التعامل الربح والخسارة )الغنم بالغرم(، وذلك عكس ما هو ثابت في النظام المصرفي التقليدي الذي يعتمد أساساً على مبدأ الاقتراض الزمني الذي يعود تقديره على العامل الزمني وحده، ومن ثم تنشأ علاقة استغلال وإجحاف بين أطراف التعاقد الاستثماري؛ أما نظام الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي فهو مرتكز على توزيع الربح بين هذه الأطراف على أساس من الواقعية في فرص الربح وحصوله؛ مما تنشأ معه علاقات عدل وإنصاف بين مجموع الأطراف.

وهذا يعني أن أساس المشاركة يمثل لب النموذج التمويلي الجديد المميز للمصارف الإسلامية، فالمصرف الإسلامي يحصل على الأموال من الغير مشاركة وهو أيضا يقوم بتقديمها للغير أو توظيفها بنفسه مشاركة، ومن ثم فالمصرف الإسلامي ليس مدينا للمودعين وليس دائنا للمستثمرين وإنما مشاركا لكل منهما في ناتج العمليات الاستثمارية من ربح أو خسارة ولذلك يتحدد العائد الذي يمنحه لمتعامليه – مودعين ومستثمرين- بناء على النتائج الفعلية لهذه العمليات من ربح أو خسارة.

البنك الإسلامي أيضا يتاجر بالنقود لا في النقود، فالنظرة للنقود في النظام التمويلي الإسلامي هو اعتبارها وسيلة للاستثمار وليست سلعة، وهو ما يختلف اختلافا كليا عن النظرة لها في النظام المصرفي التقليدي.

فرق بين أن تكون النقود سلعة وبين أن تكون أداة للتبادل، هذا يعني بالضبط الفرق بين نظام قائم على القرض والاتجار في النقود وبيع الدين (مما تسبب فيما حدث في أزمة القرض العقاري شرارة الأزمة المالية العالمية) وبين نظام قائم على المشاركة والسعي لتحريك النشاط الاقتصادي من خلال النقود كوسيلة للتبادل.

إن الانطلاق من هذه الفلسفة حاكما للتطوير ودافعا لتنمية قطاع المالية الإسلامية هو الضامن لأمرين: احتفاظ هذا النظام بهويته وأسسه الفكرية والشرعية الحاكمة، ونجاته من السقوط في ذات الهوة التي قاد الجشعُ إليها النظامَ التقليدي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

المالية الإسلامية، الصيرفة الإسلامية، البنوك، النظام الربوي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-06-2016   المصدر: إسلام أون لاين

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد شمام ، الهادي المثلوثي، صفاء العراقي، عزيز العرباوي، محمود طرشوبي، د - مصطفى فهمي، إسراء أبو رمان، ياسين أحمد، يحيي البوليني، عبد الرزاق قيراط ، إياد محمود حسين ، رضا الدبّابي، بيلسان قيصر، سلوى المغربي، خالد الجاف ، محمد الطرابلسي، سعود السبعاني، محمود سلطان، أشرف إبراهيم حجاج، رمضان حينوني، المولدي اليوسفي، د - شاكر الحوكي ، جاسم الرصيف، د. طارق عبد الحليم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رشيد السيد أحمد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن عثمان، ماهر عدنان قنديل، د. أحمد بشير، صباح الموسوي ، د - عادل رضا، عواطف منصور، عبد العزيز كحيل، محمد عمر غرس الله، د - الضاوي خوالدية، د. عادل محمد عايش الأسطل، صالح النعامي ، مجدى داود، فتحـي قاره بيبـان، محمد علي العقربي، ضحى عبد الرحمن، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، عمار غيلوفي، الناصر الرقيق، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الله الفقير، د. خالد الطراولي ، أحمد الحباسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رافع القارصي، حميدة الطيلوش، سلام الشماع، إيمى الأشقر، سامح لطف الله، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- هاني ابوالفتوح، تونسي، صفاء العربي، محمد العيادي، د - صالح المازقي، سليمان أحمد أبو ستة، عمر غازي، أنس الشابي، عراق المطيري، فتحي الزغل، طارق خفاجي، صلاح المختار، أ.د. مصطفى رجب، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. عبد الآله المالكي، طلال قسومي، د - المنجي الكعبي، د. صلاح عودة الله ، عبد الغني مزوز، كريم فارق، أبو سمية، حاتم الصولي، العادل السمعلي، سفيان عبد الكافي، محمد اسعد بيوض التميمي، د.محمد فتحي عبد العال، د- محمد رحال، حسن الطرابلسي، رافد العزاوي، سيد السباعي، د- جابر قميحة، أحمد بوادي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد ملحم، محمود فاروق سيد شعبان، مصطفى منيغ، وائل بنجدو، علي عبد العال، د- محمود علي عريقات، عبد الله زيدان، فهمي شراب، د - محمد بنيعيش، فوزي مسعود ، منجي باكير، كريم السليتي، المولدي الفرجاني، أحمد النعيمي، محمد أحمد عزوز، الهيثم زعفان، يزيد بن الحسين، علي الكاش، صلاح الحريري، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بن موسى الشريف ، محرر "بوابتي"، محمد يحي، خبَّاب بن مروان الحمد، فتحي العابد، مراد قميزة، نادية سعد، سامر أبو رمان ، مصطفي زهران،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة