البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

"الإسلام الامريكي" يحول وجهة الثورات العربية

كاتب المقال رضا حمودة   
 المشاهدات: 3724



بعدما فطنت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أنه يستحيل استئصال الإسلام من على وجه الأرض كدين لا يُراد له أن يسود ويحكم كمنهج حياة وواقع عملي بدأت في اتباع سياسة جديدة، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، تقوم على استئناس الإسلام والمسلمين على السواء بدلاً من الصدام المباشر، الذي أسهم بدوره في تشويه سمعتها بين المسلمين، فضلاً عن تصدير صورة نمطية بالغة السوء بأن أمريكا تحارب الإسلام وتمارس تمييزاً عنصرياً ضد المسلمين.

عندما نقرأ تصريحات رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA الأسبق «جيمس وولسي» في عام 2006م، نكتشف أن الإدارة الأمريكية تطبق خطة استئناس الإسلام بحنكة وبخبث منقطع النظير، حيث قال الرجل عن المسلمين: «سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، ثم يتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية، ومن بعدها قادمون للزحف، وسوف ننتصر»، وأضاف وولسي: «إننا سننجح في النهاية كما نجحنا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، وسوف أختم بهذا [هكذا يقول وولسي] سوف نجعلهم متوترين».

المثير في كلام مدير أكبر جهاز استخبارات في العالم أنه شخّص الداء بدهاء، ثم بدأ في تنفيذ الخطة الشيطانية وبسرعة، حتي وصلنا بعد سنوات قليلة إلى تطبيق عملي مأساوي على أرض الواقع لخطة المخابرات المركزية الأمريكية، فاندلع الربيع العربي بداية عام 2011م في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، وكأنه ترجمة حرفية لتصريحات مدير CIA، الأمر الذي جعل البعض يتشكك في ماهية الربيع العربي ومن يقف وراءه، لكنني لا أتعاطى شخصياً مع هذا التشكيك، ذلك أن المنطقة العربية كانت تعيش وما تزال على فوهة بركان من الغضب الشعبي، ومهيأة تماماً للانفجار والثورة كنتيجة طبيعية للاستبداد والفساد على مدى عقود طويلة على يد حكام حولوا بلدانهم إلى متاع خاص لهم ولأبنائهم والدائرة المقربة منهم.

ما يهمنا في هذا الصدد أن أمريكا خلصت إلى حقيقة مفادها، أنه لا مانع من وجود المسلم الصوام القوام، المسلم الذي يحج البيت الحرام كل عام، إسلام الطقوس والمظاهر، لكنه غير مسموح أن يتحول إلى سلوك خارج حيز المسجد إلى منهج للحياة لتأصيل قيم الحرية والعدالة والتنمية والاستقلال على خلفية إسلامية، حتى لا يخرج جيل قادر على منافسة الحضارة الغربية، أو يستطيع مقارعتها وهزيمتها متشبعاً بالحضارة الإسلامية الشاملة، ليصبح جيلاً مقطوع الصلة بربه ودينه، لا يعرف من الإسلام سوى اسمه. ذلك أن الغرب أراد تحويل الإسلام عن طبيعته ليجعله كما قال المفكر الأمريكي الشهير «فرانسيس فوكوياما»: دينا حداثياً ليبرالياً علمانياً، يقبل المبدأ المسيحي «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، باعتبار الإسلام تياراً فكرياً قابلاً للنقد والتفكيك أيضاً، وليس ديناً أو عقيدة ثابتة، حيث خصوصياته في تأصيل القيم والمعاني التي لا تستغني الحياة عنها.
هذا الجيل المسخ كما تريده أمريكا والغرب، عبر عنه المفكر الكبير د. مصطفي محمود قائلاً: «وما أكثر المسلمين ممن هم في البطاقة مسلمون، ولكنهم في الحقيقة ماديون، اغتالتهم الحضارة المادية بأفكارها، وسكنتهم حتى الأحشاء والنخاع، فهم يقتل بعضهم بعضاً، ويعيشون لليوم واللحظة، ويجمعون ويكنزون ويتفاخرون، ولا يرون من الغد أبعد من لذة ساعة».

لقد جنت أمريكا والغرب أهم ثمرتين من تعثر الربيع العربي بفعل الثورات المضادة التي اجتاحت المنطقة، الأولي: تشويه ثورات الربيع العربي بنظر شعوب المنطقة لاسيما البسطاء لما لها من انعكاسات سلبية على مصالحها في المنطقة، إذ إن الثورات في جوهرها تمرد على الواقع المرير لتطالب بالاستقلال عن القرار الأجنبي، والانعتاق من التبعية لأمريكا والغرب، أما الثمرة الثانية الأكثر نفعاً فهي استئناس الإسلام وقطاع ليس بالقليل من المسلمين لحظيرتها، عبر تشويه مفاهيم المقاومة والجهاد ضد الاستبداد والاحتلال، فصار التطرف مرادفاً طبيعياً للإسلام في ظل الحرب التي تقودها أمريكا وحلفائها في المنطقة على «الإرهاب الإسلامي».

وغرقت المنطقة في حروب ونزاعات مسلحة استهدفت الربيع العربي في الصميم بالوكالة لأطراف استثمرت استقواء الثورات المضادة المدعومة أمريكياً، في صنع عدو بديل للاستبداد، فكان الإسلام هو العدو الأكبر في صورة الإسلاميين الراديكاليين، مما يستدعي من الذاكرة مقولة داهية وزير الخارجية الأمريكي (جون فوستر دالاس) في خمسينات القرن الماضي إبان الحرب الباردة: «إن الإسلاميين الأصوليين هم أكبر حليف لنا ضد الشيوعيين»، وقد رأينا كيف استخدمتهم «حركة طالبان» في الثمانينات ضد الاحتلال السوفيتي في أفغانستان ثم حاربتهم لتستولي على المنطقة وتعمل على تفتيتها بعد الحادي عشر من سبتمبر!

ولنا أيضاً في تنظيم داعش (المريب) النموذج الفج، والذي أكد على تبعيته للغرب ضابط كبير في جهاز الاستخبارات البريطانية يدعي «تشارلز شويبردج» في حوار لقناة روسيا اليوم بتاريخ 9 أكتوبر 2014م عرضه موقع القناة على الإنترنت تحت عنوان: «هكذا صنعنا داعش وهكذا نقرع طبول الحرب ضدها»، حيث قال إن جهازي الاستخبارات الأمريكية والبريطانية يقفان وراء كل الأحداث الدرامتيكية التي تعصف بدول في الشرق الأوسط مثل سوريا والعراق وليبيا، وكشف عن تفاصيل أخرى مثيرة عن دور واشنطن ولندن في صناعة الإرهاب، حيث استطاعت احتواء الربيع العربي، ومن ثم إجهاضه بضرب أهم مكوناته وهي التيارات الإسلامية المعتدلة التي حازت على ثقة الجماهير في كل الاستحقاقات الديمقراطية، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين، وتعمد خلط الأوراق عند عوام الناس والبسطاء والتلبيس عليهم، وعبر الأنظمة التابعة لها في المنطقة، أنه لا فرق بين معتدل ومتطرف، فكل التيارات الإسلامية من المنظور الأمريكي متطرفة ونبعت من رحم الارهاب (أو بالأحرى الإسلام) حتي وإن لم تعلن ذلك رسمياً.

-------
وقع تحوير جزئي للعنوان الاصلي للمقال
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورات العربية، حركات التحرر العربي، الثورات الإجتماعية، الإسلام الوسطي، الإسلام الامريكي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-05-2016   المصدر: موقع مجلة البيان

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
فتحـي قاره بيبـان، د.محمد فتحي عبد العال، حسن الطرابلسي، أبو سمية، مصطفى منيغ، د- محمود علي عريقات، كريم فارق، د - محمد بن موسى الشريف ، سلوى المغربي، أحمد ملحم، فتحي الزغل، يزيد بن الحسين، د. أحمد محمد سليمان، د. صلاح عودة الله ، د. أحمد بشير، عمار غيلوفي، د- محمد رحال، عبد الرزاق قيراط ، سلام الشماع، عبد الله الفقير، محرر "بوابتي"، حسن عثمان، صالح النعامي ، د - الضاوي خوالدية، علي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، رشيد السيد أحمد، د - شاكر الحوكي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. عبد الآله المالكي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سعود السبعاني، الناصر الرقيق، محمد الياسين، أ.د. مصطفى رجب، محمد أحمد عزوز، د - محمد بنيعيش، عمر غازي، سفيان عبد الكافي، فتحي العابد، د. مصطفى يوسف اللداوي، رضا الدبّابي، صلاح المختار، رحاب اسعد بيوض التميمي، منجي باكير، عراق المطيري، د - المنجي الكعبي، عزيز العرباوي، رمضان حينوني، أنس الشابي، المولدي الفرجاني، د- جابر قميحة، محمد العيادي، فهمي شراب، محمد الطرابلسي، د - عادل رضا، محمود فاروق سيد شعبان، علي الكاش، عواطف منصور، محمد عمر غرس الله، أشرف إبراهيم حجاج، صفاء العراقي، د- هاني ابوالفتوح، أحمد بوادي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، الهيثم زعفان، حاتم الصولي، جاسم الرصيف، مجدى داود، عبد الغني مزوز، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد النعيمي، سيد السباعي، د. طارق عبد الحليم، سليمان أحمد أبو ستة، سامر أبو رمان ، محمود سلطان، نادية سعد، صلاح الحريري، صباح الموسوي ، الهادي المثلوثي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فوزي مسعود ، محمود طرشوبي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - صالح المازقي، إياد محمود حسين ، محمد اسعد بيوض التميمي، كريم السليتي، إيمى الأشقر، العادل السمعلي، يحيي البوليني، رافع القارصي، حميدة الطيلوش، محمد يحي، مصطفي زهران، تونسي، صفاء العربي، أحمد الحباسي، إسراء أبو رمان، ياسين أحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد شمام ، خالد الجاف ، مراد قميزة، د - مصطفى فهمي، طلال قسومي، ضحى عبد الرحمن، سامح لطف الله، رافد العزاوي، وائل بنجدو، عبد الله زيدان، د. خالد الطراولي ، حسني إبراهيم عبد العظيم،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة