البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

شهادات المعتقلين والاختفاء القسري بين تونس والعراق

كاتب المقال هيفاء زنكنة - لندن    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3146


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


خلال الاسبوع الماضي، أصغيت لمعتقلين عانيا من التعذيب بكافة اشكاله. يفصل ما بين الاثنين المكان والزمان واسم الجلاد وان تشابهت ممارساته. المعتقل الأول هو العراقي علي القيسي والثاني هو التونسي بشير الخلفي. لم يكن لقائي بالقيسي شخصيا بعكس الخلفي الذي التقيت به أولا عبر كتابه «دراكة ـ ستار يحجب الحقيقة»، عن تجربة الاعتقال والسجن مدة 17 عاما، ثم التقيت به شخصيا في ندوة أقامتها منظمة « ألسن»، بتونس، تحدث فيها عن كتابه الجديد «المدغور».

قد لا يتعرف الكثيرون على القيسي عند اللقاء به شخصيا، او رؤية صوره المنشورة وهو يتحدث في الندوات. الا انهم ستعرفون عليه، حتما، حالما يرون صورته التي تم توزيعها في جميع انحاء العالم، واصبحت مطبوعة في الذاكرة الجماعية، عربيا وعالميا، كرمز للتعذيب في معتقل أبو غريب، ببغداد، من قبل قوات الاحتلال الأمريكي، وبصمت وتبرير الساسة العراقيين المتعاونين معه. علي شلال القيسي هو ذلك المعتقل الذي ارادوه بلا وجه ليحرموه من انسانيته، فاصبح وهو الموضوع على صندوق، مادا ذراعيه المربوطتين بالاسلاك الكهربائية جانبا، رمزا للأنسان المعذب، كاشفا عن الوجه القبيح لأدعياء حقوق الانسان.

تزامن اصغائي للخلفي والقيسي مع انعقاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فى جنيف، في دورته الحادية والثلاثين. فما يجمع الاثنان، بالاضافة إلى تعرضهما للاعتقال والتعذيب، اختيارهما النشاط في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، كطريقة يواصلان خلالها نضالهما السلمي، لتحقيق العدالة والكرامة. فأسس القيسي جمعية «ضحايا الاحتلال الأمريكي في العراق» وأسس الخلفي جمعية «صوت الأنسان» لتكون «صوت الانسان ضد القهر والظلم والقمع وطمس الحقائق من اي…كائن كان».
اختارا ان تكون تجربتهما لا اداة انتقام يتماثلون من خلالها مع الجلاد بل مسارا يتسامون فيه على نزعات الانتقام، لأيمانهما بانها ستقود، بالنتيجة، إلى خرابين : شخصي وعام. خراب الذات والبلد.

تحدث القيسي، في ندوة عقدها «مركز جنيف الدولي للعدالة»، عن أوضاع حقوق الانسان في العراق. مركزا، بصوت الشاهد الذي عاش تجربة مريرة لا تمحى من الذاكرة، على جرائم الاحتلال الأمريكي وكيف شرعنت استمرارية استخدام التعذيب، في السنين التالية، تحت مسميات وأعذار متعددة. في شهادته، وثق القيسي، بالصور، مظاهر قاسية من أساليب التعذيب وتحدّث عن حالات لمعتقلين آخرين، من بينهم اكاديميون ومثقفون، كانوا معه في السجن وتعرضوا لأبشع صنوف التعذيب. واكد ان الاحتلال، ورغم استخدامه كل هذه الأساليب البشعة، الا انه فشل فشلا تاما في التأثير على مواقف هؤلاء المعتقلين بل ان ذلك زادهم صلابة وإصرارا على موقفهم المبدئي.

يهدي بشير الخليفي كتابه الاول «دراكة» عن تجربة الاعتقال والتعذيب والحبس « لكل واحد رفع الصوت من غير ما يخاف من الموت… وكل انسان بتهمة «الفكرة» يشنقونه، ومن غير عنوان يدفنونه». مؤشرا بذلك إلى موضوع كتابه الثاني «المدغور» أي المخفي في مكان لا تصله العيون، والمطعون غدرا، عن ضحايا الاختفاء القسري، وأحدهم هو كمال المطماطي الذي يحكي الخلفي قصة اعتقاله وتعذيبه ومن ثم اختفائه، على مدى عشرين عاما، وانعكاسات ذلك على زوجته نفسيا وجسديا وقانونيا، اذ بقيت معلقة في برزخ مظلم من عدم المعرفة بمصيره ومعاناتها لعدم وجود وثيقة رسمية تثبت وفاته.

يتساءل كمال «هل سمعتم عن ميت بلا جثة ولا شهادة وفاة ؟ وتصر الوثيقة على اني موجود حي، رغم اني ميت»، تاركا للذاكرة الانسانية التي «لا يستطيعون طمسها أو تغيير معالمها لأنها حية إلى الأبد كما الحقيقة» مسؤولية سرد وتوثيق اختفائه والمطالبة بكشف الحقيقة. ليصبح كمال، كما بقية المختفين قسرا، وقضاياهم المعلقة، بالنسبة لبشير الخلفي والناشطين في مجال العدالة الانتقالية، هي الحقيقة.
هل من امل بتطبيق العدالة الانتقالية بتونس مع تعرض سيرورتها للكثير من المصاعب بعد مرور خمس سنوات على الثورة؟

نعم، يؤكد بشير الخلفي «لأن تطبيق العدالة هو الذي سيجنب تونس فصلا مؤلما لا نريد أن يتكرر. وما مورس علينا يجب الا نمارسه على غيرنا». تم تقديم 27 ألف قضية إلى هيئة الحقيقة والكرامة حتى الآن. وأعداد ضحايا العهدين السابقين المتوجهين إلى هيئة الحقيقة والكرامة للإدلاء بشهادتهم وبما سُلِّط عليهم من انتهاكات طالتهم وطالت عائلاتهم، وكما ذكر أحد الضحايا على موقع الهيئة «يجب أن نتعاون جميعًا لمحاسبة الجناة ولكي يأخذ كل ذي حقٍّ حقّه، يجب الإدلاء بالشهادات على المظالم لحفظ الذاكرة وللتاريخ».

وهذا ما يطمح اليه بشير الخلفي، وعدد آخر من ضحايا الاعتقال التعسفي الذين اختاروا كتابة تجاربهم المؤلمة ليطلع عليها الناس، وليوثقوا، لئلا يكرر التاريخ نفسه تعذيبا واهانة وسلبا للكرامة. ويشكل اعتراف محكمة تونسية يوم 30 حزيران/ يونيو 2015، بقتل كمال المطماطي بتاريخ 8/ 10 /1991، وحكمها بوفاته والأذن لعائلته باستخراج حجة وفاة، خطوة اولى نحو كشف الحقيقة في سيرورة تقتضي خطوات عدة و فترة طويلة لإنجازها كما لاحظنا في جنوب أفريقيا.

بالمقارنة مع تونس، يغلف الصراع السياسي والمحاصصة الطائفية والعرقية حالات الاختفاء القسري، واذا ما حدث تحقيق فهو انتقائي على الرغم من تجاوز اعداد المختفين مئات الآلاف من كافة شرائح المجتمع. إذ لا وجود لنص قانوني يجرم ممارسة الاختفاء القسري. واعتبار الاختفاء القسري جريمة ضد الانسانية، كما تنص اتفاقية الأمم المتحدة، يطبق فقط على فترة حكم البعث ( 1968 ـ 2003) وكذلك قانون حماية المقابر الجماعية، تاركا كل ما حدث بعد الغزو، ربما باستثناء جرائم الدولة الإسلامية (داعش)، بلا تشريع قانوني، مما يمنح المجرمين من الميليشيات والقوات الامنية، حرية ارتكاب الجرائم بلا مساءلة أو عقاب، خالقا في ذات الوقت حاضنة طبيعية للظلم والانتقام.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، العراق، المقاومة، الجماعات االجهادية، مشاركة التونسيين في المقاومة بالعراق،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 15-03-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - محمد بنيعيش، محمد اسعد بيوض التميمي، رافد العزاوي، د - شاكر الحوكي ، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد يحي، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسني إبراهيم عبد العظيم، إياد محمود حسين ، علي عبد العال، يزيد بن الحسين، أشرف إبراهيم حجاج، سعود السبعاني، حاتم الصولي، صباح الموسوي ، محمود فاروق سيد شعبان، د- جابر قميحة، د. عادل محمد عايش الأسطل، صلاح الحريري، سليمان أحمد أبو ستة، محمود طرشوبي، المولدي الفرجاني، طلال قسومي، صالح النعامي ، كريم السليتي، مراد قميزة، محمد الطرابلسي، الهيثم زعفان، ماهر عدنان قنديل، فتحي الزغل، عبد الغني مزوز، الهادي المثلوثي، صفاء العراقي، أبو سمية، د. أحمد بشير، صلاح المختار، سامح لطف الله، د - المنجي الكعبي، د. عبد الآله المالكي، مجدى داود، منجي باكير، رشيد السيد أحمد، فهمي شراب، د. صلاح عودة الله ، وائل بنجدو، محمد شمام ، الناصر الرقيق، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سلوى المغربي، كريم فارق، محمود سلطان، د - الضاوي خوالدية، ضحى عبد الرحمن، سامر أبو رمان ، حسن عثمان، عواطف منصور، حميدة الطيلوش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحي العابد، د- هاني ابوالفتوح، د. أحمد محمد سليمان، مصطفى منيغ، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د. مصطفى رجب، عراق المطيري، د - عادل رضا، إسراء أبو رمان، محمد العيادي، العادل السمعلي، عمر غازي، عبد الرزاق قيراط ، د - محمد بن موسى الشريف ، سلام الشماع، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العربي، خالد الجاف ، سيد السباعي، ياسين أحمد، أحمد الحباسي، نادية سعد، سفيان عبد الكافي، د- محمد رحال، عبد الله زيدان، عبد الله الفقير، فوزي مسعود ، تونسي، رمضان حينوني، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، أحمد بوادي، علي الكاش، مصطفي زهران، رافع القارصي، حسن الطرابلسي، يحيي البوليني، فتحـي قاره بيبـان، محمد الياسين، محمد أحمد عزوز، عزيز العرباوي، أحمد ملحم، د - صالح المازقي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رضا الدبّابي، أنس الشابي، محمد عمر غرس الله، د. خالد الطراولي ، جاسم الرصيف، د.محمد فتحي عبد العال، د - مصطفى فهمي، د- محمود علي عريقات، عمار غيلوفي، أحمد النعيمي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة