إشكالية ‘الصورة و المادة’ في أعمال الفنان التشكيلي سامي عافي
وجدان بن ميلاد - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4347
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
‘ما السكن’ الفني؟ هذا السؤال أصبح اليوم لدى الفنان التشكيلي سامي عافي إشكالا جذريا لضرب العناية بعالمه ‘الحفري’، الذي يمكن أن يكون نمط الإشارة ‘الراهنة’ المتجاوز لحدود ‘الأنا’ – الضيّقة- إلى منطقة ‘النحن’ – الواسعة – لكن هذا الراهن الموجود لم يكن لدى العافي الإمكان الوحيد لهذا العالم الفني بقدر ما كان ضربا جذريا من القراءات ... بوصفها نمط يمكن أن يعبر عن ‘النحن’ وعن عصرها.
ونلحظ ذلك في جل أعماله الحفرية التي تمّ عرضها في عديد قاعات الجمهورية كقاعة ‘محمد الحليوي’ و’سيدي حمد الغرياني’ بالقيروان و ‘قصر خير الدين’ و’البلفيدير’ بتونس و’نيابوليس’ و’سيدي علي عزوز’ بنابل ... التي أخلص فيها إلى ضرورة داخلية جعلته مرتبطا أشدّ الإرتباط بمواضيع التوق و الشوق و الانعتاق و الحداد... مواضيع اختار لها ما يناسبها من تقنيات كالنفخ و السكب و اللطخ والتهشير والتمثيل والتجاوز... حتى أنه يقول في حديث له عن بعض لوحاته: ‘... لوحاتي معطى ينطوي بصورة غامضة على حياة كاملة، مستلهما مرجعياتها من المظالم، من المأساة، من الشكوك، من الألم، من المعاناة...’.
إنها أعمال فنية تعبّر بحقّ عن تجربة حفرية عميقة حاول فيها الفنان التشكيلي سامي عافي التركيز على عديد الجزئيات والنظريات ... مقسّما بحق التاريخ المنقوش على كفّ ولادته (matrice) بأن يهتك ستر السواد مقطّعا أوصال الصمت مغنيّا أغنية النصر ‘الليلة أيها الحفر سأخرج من صمتها كلاما يعبر بالخطّ، بالشكل، بالقيم، باللون... إلى أن تروق جروحي و يلين وجعي...’.
لننظر معا ... نتأمل ... لنقرأ لغة شكلي هذا ‘الحفار’ « Graveur » المستجيبة للمادة التيبوغرافية المستعملة وهمسة الخامة المستحوذة على الفضاء، كيف ترتعش على المساحة التشكيلية، تهمس، تغازل، تزمجر، تنحني ، تعلو، تنزل... تحوّل الفراغ إلى ملأ والخلاء إلى ثراء مرددة قول الفنان: ‘طفوا معي... ممراتها مزدحمة ... أشيحوا اللثام و تأملوا جبينها وقل كيف تراه؟ أأحرزت صياغة الشكل ودروب التشكيل أم خرجت من السهل نحو الهضاب تتوسل بليف النخل والماء ورمال الجريد وموادها العابقة برائحة الحبر والبنزين ...’
و إن كل هذا مكّمن التساؤلات ومنبع البحث المشرّع للسفر في المجاهيل والأسرار والشكوك ... لتأسيس فلسفة ‘إظهار الصورة في المادة’، هذه النظرية التي ظلت تلازم الفنان في كل تظاهراته ومعارضه الفردية والجماعية... التي أكّد فيها بأن ‘الفن الحق’ هو ذاك الفعل الذي يوقف الحدث ويجعل من اللحظات التي نعيشها أزلية مغذية حاجتنا إلى معرفة المزيد عن أسرار الكون وكنه عوالمه المنسية التي لا يمكن أن نطالها في هذا الواقع.
لذلك ظلّ هذا الفنان التشكيلي يحاول انشاء ‘عوالمه الحفرية’ لخلق ‘كونه الموازي’ مستغلا بذلك عديد التقنيات كالحفر على الخشب واللينو والترنسفير والغوفراج والمنقاش والمنقاش الصلب...
هذا الاستغلال المفرط -تقريبا- لجميع أنواع الحفر الناتئ والغائر والمساحي... لايأكد بأن كل التقنيات المستخدمة وحتى المنتقات –بمهارة- تظلّ عاجزة عن رسم ‘عالمه المنشود’ وأنّ ‘الفنّ ليس الحياة’ بقدر ما هو ‘توق خالص لطرح السؤال وصراع مطلق ضدّ الزمن ورغبة لا محدودة في الفعل والتشكيل...’
وتتجلى هاته المسائل بوضوح في سلسلة لوحاته الشهيرة ‘امنية عاشق 1، 2، 3، 4’ التي صوّر فيها شابا صحبة عشيقته –العارية- في وضعيات مختلفة، محاولا في كلّ مرّة اطماع هذا العاشق دون اطعامه
فلكأننا بالفنان التشكيلي سامي عافي هنا يريد يقول لهذا العاشق الجرئ ‘أبدا، أبدا لن تنال القبلة -رغم دنوّك من هدفك- لكن لا تحزن ولا تيأس وحاول من جديد رغم أنك لن تنال مرادك ! مثلي سأظل أبحث معك عن مرادي وعن عوالمي المنشودة’ من خلال تلافي ‘مسألة الحدث ضمن الزمن’ واختيار نظرية ‘الابعاد عن الحدث وتجميد الحياة وصورها’ كبديلا لتأسيس فكرة الخلود ‘عبر الابتعاد عن الرغبة والانسحاب من الزمن’.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: