البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

نيرون طاغية لكن الأسد حاكم 'شرعي'

كاتب المقال منى فياض - لبنان   
 المشاهدات: 3148


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


هناك شيء غريب وغير قابل للتصديق يحدث في العالم وللعالم. فعندما نريد أن نصف طاغية بمنتهى الوحشية والعنف والتعطش للدماء ننعته بأنه نيرون. لكن عند مقارنة ما حدث في روما منذ حوالي ألفي عام وما يحدث في سوريا اليوم ماذا نجد؟
أن سوريا تحترق وتتمزق وتدمّر منذ خمس سنوات قابلة للتجديد إلى أمد غير منظور تحت أنظار العالم “المتمدن” المعني بالحقوق والديمقراطية.

وبينما جعل التاريخ من نيرون مثالا للطغيان، لا تزال القوى العالمية المهيمنة تعتبر أفعال بشار الأسد وسلوكه شرعية؟ فهو الرئيس “الشرعي المنتخب”؛ تلك الشرعية المستندة إلى الآلاف من الجنود المرتزقة الملمومين من شتات الكرة. شرعيته التي تحمي نظام إيران وبلسان مرشده الأعلى ولذا يفرضها بدوره. شرعيته التي تدعي محاربة الإرهاب والتطرف، والإرهاب المقصود هو نفسه الشعب السوري الذي انتخب رئيسه “الشرعي” بنسبة 99,9 بالمئة من الأصوات!!

فما الذي فعله نيرون في روما أكثر مما يفعله بشار الأسد وحلفاؤه في سوريا أو حلب مثلاً ليتحول إلى مثال الوحشية، بينما يظل الأسد رئيسا منتخبا ومقبولا؟

تخيل نيرون سنة 64 ميلادي أن يعيد بناء روما. نشب فيها الحريق من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير فانتشرت النيران بشدة لمدة أسبوع في أنحياء روما، والتهمت عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر.

وهلك في هذا الحريق الآلاف من سكان روما واتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسيين تشير إلى نيرون في أنه هو المتسبب في الحريق المتعمد، وتهامس أهل روما بالأقاويل عليه وتعالت كلماتهم وتزايدت كراهية الشعب له. ما جعله يحتاج إلى كبش فداء يحمّله مسؤولية ما حصل أمام الشعب. كان أمامه أن يختار إما اليهود وإما أتباع المسيحية حديثة العهد في روما، فألصق التهمة بالمسيحيين، وبدأ يلهي الشعب في القبض على المسيحيين واضطهادهم وسفك دمائهم.

واستمر الاضطهاد الدموي أربع سنوات ذاق فيها المسيحيون كل ما يتبادر إلى الذهن من أصناف التعذيب الوحشي، وكان من ضحاياه بولس وبطرس اللذان قتلا عام 68. ولما سادت الإمبراطورية الرومانية الفوضى والجريمة أعلن مجلس الشيوخ “السناتو” أنه أصبح “عدو الشعب”. فمات منتحرا في عام 68.

ما الحكمة التي نستنتجها من حكاية نيرون؟ أن روما ومجلسها لم تحتمله أكثر من 4 سنوات بعد حريق روما، وأنه عندما أعلن عدوا للشعب انتحر. ونستنتج أيضا أن نيرون لم يحرق روما جهارا وعلانية، ولم يرمها بالبراميل الروسية المتفجرة تحت أنظار العالم المتفرج والأخرس وبغطاء دولي من مجلس الأمن. وأن ضحاياه بالآلاف ولا بالملايين.

والمفارقة أن ما حصل في روما منذ ألفي عام لم يكن معروضا ومتابعا لحظة بلحظة بشكل فاضح وأمام أنظار البشرية كما هو حاصل اليوم.

تحولت حلب إلى جحيم حيث تقوم الطائرات الحربية الروسية بتدميرها بالقصف الجوي المكثف لتغطية تقدم رجال إيران وميليشياتها برا، أما قوات الأسد فربما تقوم بدور المرشد السياحي للمعتدين على الشعب السوري. يُقصفُ السكان بالقذائف المحظورة دوليا، تهدم المنازل على رؤوسهم. إضافة إلى ذلك يحاصرون المدينة ويطوقون المناطق والأحياء ويجوّعون السكان دافعين بهم إلى ترك منازلهم واللجوء بالآلاف إلى الحدود التركية الملزمة بقبولهم.

يوصف الوضع في حلب بالجحيم حيث مئات الآلاف يعانون الجوع ويرتعدون من البرد مختبئين في المدن المدمرة على رؤوسهم. مشهد الآلاف من السوريين المهجرين المنتشرين في أنحاء المنطقة تحت أنظار العالم المتفرج يثير الاستغراب. الآلاف من اللاجئين السوريين يحاولون الهرب من جحيم نظام الأسد والجماعات الإرهابية المؤيدة له لا يمكن لعقل أو منطق أن يجد له تبريرا.

في مطلع سبتمبر الماضي كان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يصرح “الأسد رئيس شرعي والجيش السوري هو القوة الفاعلة لمحاربة “داعش”. نافيا نية موسكو التدخل.

بعد أشهر قليلة وفي أعقاب فشل جولة المباحثات في جنيف مع ممثلي المعارضة السورية، هدد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أنه إذا لم ينجح خيار الاتفاق السياسي فسيستمر النظام السوري، بمساعدة جوية روسية، في الحسم العسكري حتى الانتصار. لم يعد الحسم العسكري المقصود ضد تنظيم داعش، بل ضد فصائل المعارضة السورية المعتدلة.

أما الأسد فقد أعلن، بعد أن اطمأن إلى صواريخ الروس ومشاة الإيرانيين، أن هدفه استعادة كل الأراضي السورية، مقدرا أن ذلك قد يتطلب وقتا “طويلا” في ظل الوضع الحالي في سوريا. فتخيلوا استمرار هذا الوضع لسنوات قادمة؟ هل يعقل كل هذا؟

تعتقد كل من إيران وروسيا أن بقاء بشار الأسد هو أمر حيوي لأنه يعطي التدخل الأجنبي الشرعية المطلوبة لإجهاض أي طعن قانوني على أساس الأعراف والقوانين الدولية.

الشرعية التي يعتمدون عليها هي شرعية الانتخابات التي أجريت بعد الثورة وأثارت سخرية العالم أجمع نظرا لظروف البلاد التي دمرت معظم بناها التحتية، وتعطلت معظم مؤسسات الدولة في دمشق، وتم تشريد أكثر من نصف السكان وقتل أكثر من نصف مليون سوري بعد أن أوقف العدّ.

ثمة مفهوم بدائي وخبيث للديمقراطية يروّجه الأقوياء ومفاده أن الانتخابات تضفي شرعية على السياسي المنتخب، وأن هذا هو مؤشر وجود الديمقراطية.

لكن الانتخابات ليست مرادفا للديمقراطية، إنها جزء من النظام الديمقراطي المبني على فصل السلطتين التنفيذية والتشريعية، ودستور يكفل الحريات الأساسية من سياسية ومدنية، ونظام قضائي مستقل.

طالما كانت أنظمة الاستبداد تجدد هيمنتها المتسلطة أو تلبسها الشرعية من خلال الانتخابات – المهزلة، التي تحسم قبل عملية الاقتراع.

درج الأمر في بعض أوساط العلوم السياسية على الحديث عن شرعية نظام سياسي ما كأنها خاصية ملتصقة به حصرا يفضي غيابها بالضرورة إلى أزمة شرعية أو إلى اللاشرعية.

فكيف تتشرعن سلطة معينة؟ وهل اعتماد العنف العاري وسيلة مقبولة ديمقراطيا؟

الشرعية بحسب ماكس فيبر ترتبط بالهيمنة ويحتل مفهوم الهيمنة الشرعية مكانة مركزية في السوسيولوجيا السياسية لفيبر الذي أورد تصنيفا لها. لكن ما يهمنا هنا هو أن هذه الأنماط التي عددها للهيمنة لا يمكن أن تؤسس شرعيتها على دعائم خارجية ومادية فقط، بل لا بد لها من (اعتقاد) الخاضعين لها في شرعيتها.

تظهر التجربة أنه لا توجد هيمنة يقتصر بناء استمراريتها وبقائها على مجرد دوافع مادية أو عاطفية أو عقلانية ناهيك عن العنفية. خلافا لذلك كل أنماط الهيمنة تبحث عن بث الاعتقاد عند الخاضعين لها. إذن اعتقاد المهَيْمَن عليهم وقبولهم لها هو مصدر الشرعية الأول.

ألم يظهر الشعب السوري، بما فيه الكفاية بعد، أنه نزع الشرعية عن هذا النظام وممثله؟ ألا يؤكد يوميا على عدم إيمانه بشرعية سلطة الأسد؟ ألا يكفي الدمار والموت والتهجير لمئات الآلاف وللملايين كي تفقد “الحكومة الشرعية” شرعيتها.

ألم يحن أوان إعلان سلطة الأسد القائمة بفعل التدخل العسكري الخارجي والمباشر فقط كسلطة محتلة من قبل منظمة الأمم المتحدة؟

تخيلوا أن يعمد الرئيس الأميركي إلى قصف مدينة أميركية أعلنت العصيان عليه وأن يقبل العالم بذلك لمجرد أنه منتخب شرعيا؟ وتخيلوا أن تعني الشرعية وأن يعني السلام في أيامنا هذه، بحسب حامل جائزة نوبل للسلام، أن يترك الملايين عرضة للعنف والقتل والتشريد.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

سوريا، الحرب الأهلية بسوريا، النظام السوري،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-02-2016  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الله زيدان، أحمد ملحم، إسراء أبو رمان، العادل السمعلي، وائل بنجدو، فتحي الزغل، ماهر عدنان قنديل، محمد العيادي، د - صالح المازقي، عراق المطيري، نادية سعد، د- محمود علي عريقات، عبد الرزاق قيراط ، إياد محمود حسين ، سليمان أحمد أبو ستة، سعود السبعاني، محمود طرشوبي، د.محمد فتحي عبد العال، مراد قميزة، رمضان حينوني، مصطفي زهران، أبو سمية، عبد الغني مزوز، د. مصطفى يوسف اللداوي، أنس الشابي، د- جابر قميحة، منجي باكير، أ.د. مصطفى رجب، يزيد بن الحسين، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فتحـي قاره بيبـان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. عادل محمد عايش الأسطل، كريم السليتي، محمود فاروق سيد شعبان، د. طارق عبد الحليم، سفيان عبد الكافي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - محمد بنيعيش، ضحى عبد الرحمن، د. أحمد بشير، حسن عثمان، د. عبد الآله المالكي، بيلسان قيصر، خالد الجاف ، صالح النعامي ، محمد شمام ، د. خالد الطراولي ، الهيثم زعفان، تونسي، د. صلاح عودة الله ، أحمد النعيمي، محرر "بوابتي"، المولدي الفرجاني، رضا الدبّابي، محمد يحي، د - مصطفى فهمي، سيد السباعي، عبد الله الفقير، صفاء العراقي، يحيي البوليني، مجدى داود، د - شاكر الحوكي ، فتحي العابد، علي الكاش، محمد عمر غرس الله، د - عادل رضا، خبَّاب بن مروان الحمد، صفاء العربي، فهمي شراب، سامر أبو رمان ، الهادي المثلوثي، سلوى المغربي، عزيز العرباوي، فوزي مسعود ، عمر غازي، أحمد بوادي، علي عبد العال، سلام الشماع، د. أحمد محمد سليمان، عواطف منصور، رافع القارصي، سامح لطف الله، محمد علي العقربي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مصطفى منيغ، د - المنجي الكعبي، أحمد الحباسي، ياسين أحمد، د - الضاوي خوالدية، صباح الموسوي ، صلاح المختار، محمود سلطان، عمار غيلوفي، محمد أحمد عزوز، عبد العزيز كحيل، إيمى الأشقر، صلاح الحريري، رافد العزاوي، د- هاني ابوالفتوح، محمد الطرابلسي، حسن الطرابلسي، طلال قسومي، د- محمد رحال، حميدة الطيلوش، كريم فارق، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - محمد بن موسى الشريف ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رشيد السيد أحمد، أشرف إبراهيم حجاج، حاتم الصولي، محمد الياسين، المولدي اليوسفي، الناصر الرقيق، جاسم الرصيف، طارق خفاجي، محمد اسعد بيوض التميمي، رحاب اسعد بيوض التميمي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة