يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
… جاء في يوميات الأخبار في ردكم على المستفهم عن أخوال النبي عليه السلام أن جده لأمه لم ينجب ذكورًا وأن كتب السير لم تذكر ذلك، وإني أستأذن سيادتكم في عرض ما أعرف عن هذا الموضوع، فقد قرأت في كتاب «محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء» لأبي القاسم حسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهاني ما نصه: «يروى أن الأسود بن وهب خال رسول الله استأذن عليه فبسط له رداءه فقال الأسود: حسبي أن أجلس على ما أنت عليه، فقال النبي ﷺ: اجلس فإن الخال والد.» ومن هذا نعلم أن للرسول عليه السلام خالًا اسمه الأسود بن وهب، والسلام عليكم ورحمة الله …
عبد الحميد حسن محمود، مدرس
إننا لم نقل إن جد النبي عليه السلام لم ينجب ذكورًا، ولكننا قلنا بهذا النص: إن «المفهوم من القول بأن والد السيدة آمنة قد مات عنها، أنه لم يمت عن أحد غيرها من البنين والبنات.»
أما رواية الراغب الأصبهاني فهي تذكر الأسود بن وهب، وهكذا ورد الخبر عن الأسود في أنساب قريش لأبي عبد الله المصعب الزبيري: «من ولد عبد مناف بن زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة.»
فليس هو ابن وهب على هذه الرواية ولكنه ابن عبد يغوث بن وهب، ولم يثبت أن أباه مات عنه مع السيدة آمنة والدة النبي صلوات الله عليه.
ولا تدل أخبار الأسود هذا على أنه كان موضع الحفاوة من النبي؛ لأنه كان من المستهزئين، ويروي عنه صاحب «الأنساب» و غيره: «أن جبريل حنى ظهره ورسول الله ﷺ ينظر فقال رسول الله ﷺ: خالي خالي! فقال جبريل: دعه عنك، فمات الأسود.»
وعن روايات الراغب الأصبهاني يسألنا — في هذا البريد — الأستاذ عبد الرحيم الشهاوي من قلين بمحافظة كفر الشيخ: كيف نوفق بين ما روي في هذا الكتاب من حديث منسوب إلى رسول الله: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا»، وبين قول الرسول: «إن من الشعر لحكمة»؟
وكلنا نعلم أنه عليه الصلاة والسلام كان له شاعره حسان بن ثابت، وأن الإمام الشافعي كان شاعرًا، وأن الكثيرين من أجلاء الصحابة كانوا ينظمون الشعر وإن لم يحسبوا من الشعراء.
ونقول للأستاذ الشهاوي: إننا لا نصحح الكثير مما ورد في «محاضرات الأدباء» من الأحاديث، وإن ما ورد في هذا الكتاب قد ورد في غيره من كتب الروايات المقبولة وغير المقبولة، وليس من العسير دفع التناقض الظاهر بين الروايات إذا صحت بهذه النصوص، فإن كلمة «الشعر» قد تقال ولا يلزم منها أن تطلق على جميع الشعر، بل على شعر معهود منه تدل عليه المناسبة ويصدق عليه التحريم، ولا تناقض في هذه الحالة بين قوله صلوات الله عليه: «إن من الشعر لحكمة» وبين سائر الأحاديث المروية في كراهة الشعر، فإن قوله: إن في الشعر لحكمة، معناه بالبداهة: إن من الشعر لحكمة، ومعناه بالبداهة بعد ذلك أن نعلم أن الشعر المنهي عنه هو الشعر الذي يناقض الحكمة ويدعو إلى الخطل والسفه. وفي الآية القرآنية التي استهل بها الأصبهاني شواهده وأشار إليها الأستاذ صاحب الخطاب بيان فاصل لشعر الغواية وشعر الهداية؛ إذ تقول الآية الكريمة: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).
فلا موجب إذن للحيرة بين مختلف الروايات عن الأحاديث الخاصة بالشعر، فإن الحد الفاصل بين الشعر المكروه والشعر المباح واضح من الآية القرآنية وضوحه من الأحاديث النبوية، فكل ما سلك بأصحابه سبيل الظلم والغواية، وهام بهم في كل وادٍ على غير هدًى، فهو مستنكر معيب، وكل من قال صالحًا وعمل صالحًا وتاب عن الظلم فلا جناح عليه. ولعل الشعر الذي يمتلئ الجوف قيحًا خير من الامتلاء منه هو الشعر الذي كان معهودًا قبل توبة من تاب وقبل الذين ذكروا الله وانتصروا من بعد ما ظلموا … فلم يكن من العمل الصالح ولا من القول الحكيم.
------------
جريدة الأخبار
١٨ نوفمبر ١٩٦١
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: