كان لهذا الكتاب " حقائق الإسلام وأباطيل خصومه " لمؤلفه الأستاذ العقاد أبلغ الأثر في وجداني عبر رحلة العمر ..والسبب بسيط وهو أن العقاد أحترم عقل القارئ مستخدما علمه الموسوعي في المقارنة بين العقائد المختلفة ليقنع للقارئ العادي كم هو الإسلام جوهرة ثمينة تستحق منا أن نصونها في نني العين وسويداء القلب ..ما يجب التنويه إليه مقدما – منعا لسوء الفهم - أن عموم منهج العقاد في تناوله للكتب السماوية السابقة يعتمد على النسخ المتاحة والموجودة حاليا لا على الأصل السماوي الذي تم تحريفه في عقيدة المسلمين .
1- العقيدة الإلهية
القرآن هو الكتاب الوحيد الذي قدم الصورة المتكاملة للإله الخالق التي لهثت البشرية وراءها.. العهد القديم – في نسخته الحالية - يقدم لنا إلها يحب رائحة الشواء ويتمشى في ظلال الحديقة ليتبرد بهوائها ..يصارع عباده ويصرعونه ..إنه "يهوا " إله شعب إسرائيل الخاص بالقبيلة الذي يعبدونه لأنه أقدر على حمايتهم من الآلهة الأخرى ولذلك يعتبر الكفر به خيانة وطنية لا أكثر ..كان النبي آرميا يقول على لسان الرب " إن آباءكم قد تركوني وذهبوا وراء آلهة أخرى وعبدوه وسجدوا لها ) .
عقيدة شعب مختار بين الشعوب في إله مختار بين الآلهة ، وليس في العقيدة إيمان بالتوحيد ولا هي تتسع لديانة إنسانية أو مقدمة للإيمان بالإله الذي يدعو إليه الإسلام .
وحتى الفلاسفة تخبطوا أيما تخبط في صفات الخالق رغم ملكاتهم النقدية الرائعة . ها هو أرسطو يتصوره كمالا مطلقا لا يعمل (لأن العمل طلب لشيء والإله غني عن الطلب ) ولا يريد (لأن الإرادة اختيار بين أمرين والله لديه الأصلح والأفضل ) ولا يهتم بالخلق لأن الخلق يجب أن يطلبوا الكمال بالسعي إليه ..باختصار كمال مطلق يوشك أن يكون والعدم سواء..
أما إله الإسلام فكما تعلمون هو ملك الناس إله الناس . ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى) ..خالق الموت والحياة (لَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) واحد بلا شركاء ( لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد )..متكامل الصفات ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) يعرف كل شيء ( وسع ربنا كل شيء علما ) لا يأخذ أحدا بذنب أحد ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ).
يصحح تلك الصورة الخاطئة التي جاءت في فلسفة أرسطو بأنه لا يعقل ذاته ولا دونها ليؤكد أنه عالم الغيب والشهادة " لا يعزب عنه مثقال ذرة " وهو سبحانه وتعالى (بكل خلق عليم ) ليس غافلا عما يفعله العباد ( وما كنا عن الخلق غافلين ) فاعل بإرادته كيفما شاء ( ألا له الخلق والأمر ) .
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
2- النبوة
وكانت النبوة تختلط مع السحر والكهانة والجنون المقدس وتقوم على الغرائب والأعاجيب ونبوءة التنجيم وطوالع الأفلاك والقدرة على تسخير نواميس الطبيعة .. وقد عرفت ديانات العبريين نبوءات السحر والكهانة والتنجيم كما عرفتها الشعوب البدائية . كانوا يقصدون صموئيل ليدلهم على مكان الماشية الضائعة وينقدونه أجرا على ردها ، وكانوا يعولون على النبي يعقوب عليه السلام في التنجيم . ووجب على النبي في عرفهم أن يكون مستعدا بكراماته ومعجزاته في كل وقت كلما أريدت منه ..بل وصل الأمر إلى ما يشبه مباريات الرياضة بين فريقين متنافسين وقد ثبت لهم غلبة أنبياء "يهوا " على أنبياء " بعل " على أثر مباراة من هذا القبيل في التنبؤ والإنذار بالأخطار
ثم جاء محمد ...رجل ليس بساحر ولا بكاهن ولا مجنون ولكنه إنسان كسائر الناس.لا يعلم الغيب ..لا يملك خزائن الأرض "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك ، إن أتبع إلا ما يوحى إلى "..لا يستطيع دفع السوء عن نفسه فضلا عن قومه " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله " فالأمر كله لله عز وجل " ليس لك من الأمر شيء "
لا يعرف صناعة الخوارق والمعجزات فيقول لمن يطالبه بها " سبحان ربي ، هل كنت إلا بشرا رسولا ؟" وحينما أتته المعجزة طائعة بكسوف الشمس وقت دفن ابنه إبراهيم وتهامس المسلمون أنها كسفت حزنا عليه لم ينسه الحزن أمانة الهداية للمؤمنين فبادرهم بقوله أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنخسف لموت أحد ولا حياته ..وكان بوسعه – صلى الله عليه وسلم – أن يسكت على الأقل فلا يدعيها ولا ينكرها .ذات مرة فقد بعيره فطلب من أصحابه ألتماسه قال رجل: يزعم أنه يعلم خبر السماء ولا يعرف مكان بعيره فقال النبي على الفور أنه لا يعلم إلا ما علمه ربه.
3- الإنسان
والإنسان في القرآن الكريم هو المخلوق المكلف لا يعرف الخطيئة الموروثة ولا يحاسب بذنب أبيه ولا تزر وازرة وزر أخرى ..ارتفاعه وهبوطه منوطان بالتكليف وقوامه الحرية والتبعة فهو بأمانة التكليف قابل للصعود إلى قمة الخليقة وقابل أيضا للهبوط إلى أسفل سافلين ..
بهذه الأمانة أرتفع فوق مكانة الملائكة لأنه قادر على الخير والشر فله فضل من يصنع الخير لأنه لا يقدر على غيره ولا يعرف سواه ..وربما هبط إلى دون منزلة الشياطين ولا يزال في الحالتين إنسانا مكلفا قابلا للنهوض بنفسه بعد العثرة قابلا للتوبة بعد الخطيئة بعد أن تكرم الله بفتح باب التوبة مهما أذنب العبد .
4- الشيطان
عرف الإنسان الشر والخير منذ قديم الأزل وكانت عقيدة الهند أن المادة كلها شر فلا خلاص منه إلا بالخلاص من الجسد بينما كانت عقيدة مجوس فارس أن الشر من عند إله الظلام والخير من إله النور ..مصر الفرعونية تصورت أن الإله سيت شرير مع خصومه خيرا مع أتباعه ..ولم تتميز الديانة العبرانية بفاصل حاسم وكانوا ينسبون العمل الواحد إلى يهوا مرة وإلى الشيطان مرة فجاء في كتاب صموئيل الثاني أن الرب حينما غضب على إسرائيل أمر داود بإخصائهم بينما جاء في كتاب الأيام أن الشيطان هو الذي وسوس لداود ..وانفصلت الصفات الإلهية والشيطانية بعد ظهور المسيحية وأصبح للإله عمل وللشيطان عمل ولكنه عمل جسيم لأنه سمي في الأناجيل باسم رئيس هذا العالم وإله هذا الدهر فقد كانت لد مملكة الدنيا ولله ملكوت السموات وبلغ من نفوذه سقوط الجنس البشري بعد الخطيئة ووجوب الكفارة بالفداء .
في الإسلام الشيطان هو قوة الشر ولكنها قوة بلا سلطان على ضمير الإنسان ما لم يستسلم لها بهواه وضعفه " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " و " إن كيد الشيطان كان ضعيفا " و" وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي " .والشيطان لا يعرف الغيب " لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " وبهذه العقيدة الوجدانية الفكرية أقام الإسلام عرش الضمير .
5- العبادات
العبادة المثلى هي تلك التي تنبه ضمير الإنسان إلى وجوده الروحي وتشغله بمطلب غير مطالبه الجسدية وشهواته الحيوانية ..وتنبه ضميره إلى الوجود الخالد الباقي إلى جانب وجوده الزائل في حياته الفردية ..وعبادة المسلم تنبه دائما إلى ذلك فهو في صلاته يستقبل النهار والليل واقفا بين يدي الله مستهديا إياه في عمله ..متذكرا حق الروح في صيامه ..ومتذكرا نصيب الإنسانية في زكاته ..معانقا إياها في فريضة الحج التي تتمثل فيها الأخوة الإنسانية في أبلغ صورها وكأنها صلة الرحم مع البشرية بأسرها ..ومما تتميز به العبادات الإسلامية عن عبادات الأديان أنها لا تحتاج لوسيط أو كهانة ..يصلي حيث أدركه موعد الصلاة ولا تتقيد صلاته الجامعة بمراسم كهانة ويؤمه في هذه الصلاة من هو أهل للإمامة ..ويصوم ويفطر ويزكي ويحج إلى بيت لا سلطان فيه ولا حق عنده لأحد ..
6- المعاملات
البعض يرى أن الأديان ينبغي أن تكون للعقائد والوصايا ولا تتعرض للتشريع وأحكام المعاملة التي تتغير مع تقلبات الأحوال ..وربما اتهموا المسلمين بالتخلف بسبب هذه المعاملات والواقع يقول أن كل الديانات جاءت بالتشريع حتى المسيحية التي قد يخطر للبعض أنها تعمدت أن تقصر الدين على العقائد والوصايا دون القوانين والمعاملات فالواقع أن المسيح عليه السلام جاء مؤيدا لشرائع العهد القديم ولم يجيء مبطلا لها أو معطلا لأحكامها ..جاء متمما للناموس لا هادما له ..وكل نقد يمكن أن يوجه إلى أحكام المعاملات يمكن أن يوجه مثله إلى العقائد والوصايا إذا تحجرت العقول وساء الفهم والتطبيق فما منع الإسلام قط معاملة بين الناس تنفعهم وتخلو من الضرر والغبن على فريق منهم وأساس التحريم في الإسلام أن يكون في العمل المحرم ضرر أو إجحاف وما فرض الإسلام من جزاء قط ‘لا لمصلحة الفرد والجماعة ..والإسلام لا يقف في طريق رأي صالح ولا يحول بينه وبين التجارب فهو لا يمنع الملكية العامة ولكنه لا يبيح لأحد أن يملك موارد الماء والنار والكلأ ، ولا يبطل الملكية الفردية ولكنه يخول الإمام في أن تحتسب نصيبا منها ويحرم كنز الذهب والفضة يأمر بتوزيع الثروة بين الناس " كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم "..وقوام الأمر فيما يبيح ويمنع ثابت على الزمن وهو المصلحة العليا التي تتقدم فيها مصلحة الكثير على مصلحة القليل ويتقدم فيها حساب الزمن الطويل على حساب الزمن القصير.
وينبغي أن نتذكر فيما يتعلق بالحدود مجموعة من الضوابط أولها أن الحدود مقيدة بشروط وأركان لا بد من توافرها جميعا بالبينة القاطعة وإلا سقط الحد وانتقل إلى عقوبات التعزيز كما يجب أن يكون هناك العمد وإرادة الأذى والشريعة توجب درء الحدود بالشبهات فروح التشريع الإسلامي سمحة جانحة إلى العذر وتمهيد الطريق للتوبة والإصلاح فليست العقوبة غرضا مطلوبا لذاته ولكنها ضرورة لمصلحة الجماعة والمبدأ العام أن إطلاق المذنب خير من إدانة البريء.
7- الحرية الإسلامية
المساواة "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم "والمسئولية الفردية " كل امرئ بما كسب رهين " وقيام الحكم على الشورى " وأمرهم شورى بينهم " هي العناصر الثلاثة التي نادى بها الإسلام لأول مرة في تاريخ الأديان ..ونبي الإسلام هو القائل صلى الله عليه وسلم : لا فضل لعربي على عجمي ولا لقرشي على حبشي إلا بالتقوى . وهو القائل في خطبة الوداع : أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ..وهو القائل : يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا . يا عباس بن عبد المطلب ما أغني عنك من الله شيئا ، يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا .
وهذه الديمقراطية الإسلامية لم تكن نباتا نما في الجاهلية وورثه الإسلام ولا منقولا عن تربة أجنبية بل هي ديمقراطية حقوق تلازم الإنسان باعتباره إنسانا مساويا لسائر أبناء آدم وحواء ..كانت معجزة إلهية مثلها في الظهور بين الجاهليين كمثل الإيمان بالإله الواحد الأحد الذي لا يحابي قوما لأنهم قومه من دون الأقوام ولا يلعن قوما لأنهم ورثوا اللعنة من الآباء والأجداد .
8- الرق
شرع الإسلام العتق ولم يشرع الرق ..إذ كان الرق مشرعا قبل الإسلام في القوانين الوضعية والدينية بجميع أنواعه : رق الأسر في الحروب ورق السبي في غارات القبائل ورق البيع والشراء والاستدانة والوفاء بالدين ..وكانت اليهوديه تبيحه ونشأت المسيحيه وهو مباح فلم تحرمه ولم تنظر إلى تحريمه في المستقبل وأمر بولس الرسول العبيد بطاعة ساداتهم كما يطيعون السيد المسيح فقال في رسالته إلى أهل أفسس : أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح . وأوصى الرسول بطرس بمثل هذه الوصية ..ومذهب أرسطو أن فريقا من الناس مخلوقون للعبودية لأنهم يعملون عمل الآلات . وأفلاطون يقضي في جمهوريته الفاضلة بحرمان العبيد حق المواطنة وإجبارهم على الطاعة والخضوع لسادتهم ..وانقضى على العالم عصور وهذا النظام شائع في أرجائه بين الأمم حتى جاء الإسلام وهو حالة لا يستغربها أحد ولا يفكر أحد في تغييرها أو تعديلها ولكنه لم يتركها ولم يؤجلها بل جرى فيها على دأبه في علاج المساوئ الاجتماعية والأخلاقية : يصلح ما هو قابل للإصلاح في حينه ويمهد لمزيد من الإصلاح مع الزمن رغم أنهم كانوا أهون شأنا من أن يحفل بهم صاحب شريعة أو ولاية ولم يبلغ من مسألتهم أن تسمى مشكلة تلح على ولاة الأمر أن ينظروا في حلها بما يرضي العبيد وإذا كانت تعاليم الإسلام خولفت فيما بعد فهذا ذنب المسلمين لا الإسلام الذي حرم الرق جميعا إلا ما له علاقة بالحروب فيتم التفاهم فيه بالصلح أو تبادل الأسرى أو التعويض ..ولقد سبق الشريعة الدولية بأكثر من ألف عام فجعل فك الأسرى من مصارف الزكاة وحث المسلمين على قبول الفدية من الأسير ، وجعل العتق كفارة عن كثير من الذنوب كالقتل الخطأ والحنث باليمين ومخالفة قسم الظهار ..وجعل اقتحام العقبة فك رقبة كما كثرت وصايا الرسول بالأرقاء وكان آخر وصاياه قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى " الصلاة وما ملكت أيمانكم " ونهى أن يقول أحد عبدي وأمتي وإنما يقول فتاي وفتاتي كما يذكر أبناءه وكان صلى الله عليه وسلم القدوة في معاملة الرقيق فيتورع عن تأديبهم وقال لوصيفة أرسلها فأبطأت عن الطريق : لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك .
15-12-2007
http://www.almesryoon.com/
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785