البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

كاريكاتير الفنان العراقي علي ابراهيم الد ليمي: الحدث بين الفكرة و التأثير

كاتب المقال شريفة بنزايد - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3501


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يترائ الحدث في كاريكاتير الدليمي معبرا عن تفاعلات ذاتية وجدت طريقها الى القلم تتمّ معها نظرية الحدس المباشرة لتتحول الى حدث شمولي يتعدى الجانب الذاتي في منحى وجودي بإمتياز ، لايقف عند حدود نمط الحيني فهو يمنحه صفة الخلق الفني الذي ينحني أمام تجربة الذات . و الحدث غالبا ما يشير الى واقع معاش إستمات أصحابه في مماهاته عن طريق الدحض الفني في معالجة يتيقّن معه الادراك ان الحدث ليس برزخا أو هيولا يصعب امساكه ، بل إنّه يترائ في أعين الناس ، البسيط و الموظف و السيـــــــاسي و المثقف ... حدث يتعايش معه الفرد مع المجموعة في لغة تتكلّم بحس تفاعلي فتنسج رغبة التغيير بإنزياحها نحو الحقيقة البديلة فلا ترهبها الملاحقات التقليدية أو النظرة الساذجة ، تنطلق من ايمان فكري بحق وجودي لضرورة التغيير ، تغيير ينشده الحسّ الأخلاقي للإنسان دون مماطلة ذهنية تحاول جاهدة تحويل مسار التعبير الخالص .

فالتكثيف الصوري لنفس الحدث أمر استكان إليه الدليمي في أكثر من مناسبة كاريكاتورية ، هو إتجاه فني لا نحسبه إعتباطي أو بديهي من قريحة اعتادت الولوج إلى الصورة الحية في بثّ مباشر لحيثيات عراقية بحتة تشرّبت ثقافة دجلة و الفرات حين تجلّت أحداثها حنينــــــا و ألما على الوطن و الإنسان ، ليوجد الدليمي ذاتا و نفسا مبدعة تنحى بالنّفس البشرية الى أفق التعبير الفني الذي يحاول خلق أنموذج مغاير ولو بطريقة ذهنية يختارها الدليمي فالكاريكاتير بالنسبة إليه :’ ...ليس خبرا و لا مقالا و لا تحقيقا صحفيا مكتوبا لكنّه فنّا تعبيريا أو تعليقا مصورا بريشة متأنية لطيفة و فكرة حاذقة مهذبة بشكل قصّة قصيرة أو ومضة خبر موجز ساخر لحادث كبير قد يوازي مقالا صحفيا طويلا مكتوبا بمكان الكلمات .’
انّ استعراض الصورة و النّص يكتنف الحدث من حيث إستجلابه التحليلي في إعادة تنظيم الوقائع وفق المادة الحسيّة يكتمل معها التنظير العقلي في قدرة عالية على تحويل المتخيّل الى نشاط ذهني يستنطق معها الحدث ليلفض ترّهات تحاول جاهدة ان تحيد إتجاهه الحقيقي

فيبوح بمكنونات و يستعرض دلالات تكاد تغيب عن البصر و البصيرة . فالتناول المباشر و الحي للحدث في كاريكاتير علي ابراهيم الدليمي لا ينكره المتبصّر في هذه التجربة الفنية إنتهى بفضله في انتاج و خلق إنعتاق إستطيقي تجاوز المعقول هو هلاما فني يحاول ان يستند الى مخاضه الداخلي في إقتناص لحظة صدق بإتجاه اللامحدود ، خرج من عبق عطر تسللت إليه هواجس روح إنكبت مطواعة في ترجمة لألفاظ نطقت بلغة الوجود ، فالافصاح عنده تجاوز مرحلة التّلميح الى التّصريح المباشر عن مفسدة يستميت مرتكبوها في تكرارها كل يوم أكثر من سابقه .

ولا يحيد الدليمي عن منطقه النقدي في الجهر برسمه نصّا و صورة في نقل الوقائــــــــــع و الأحداث أحداث مثلت في فكره الفني كفكرة خامرت مخيلته أو كتـأثير نفذ الى روحه ، تأثير لمآسي و مفاسد تشهدها أعين ثاقبة تلمحها بقلم إستشاط غضبا من هول ضيم و حيف ، فلا يبخل و لا يملّ من نقلها وفق نظرته الخاصة ‘فالنقد يعتبر إحدى الوسائل الإيجابية في تقويم القضايا و السلوك و المواقف و الفكر . و من هذا المنطلق نجد أنه لكي يكون رسام الكاريكاتير ناقدا لابد أن يكون دارسا متعمّقا في الأمور التي تتعلق بالموضوع الذي ينقده .’

فالأمر يتعلق بمكنونات و خواص ذاتية و جماعية عايشها و يعيشها الفنان في خضم متغيرات سياسية و اجتماعية المحلية منها و الدولية ، فالتهكم و السخرية ملونة بألوان الحياة بما فيها من إعوجاج ألوان لوثّت بمفاسد الساسة و أرباب المصالح ، ألوان اصطبغت بأصباغ و عجائن مختلفة و لكن عجينة الفقير و البسيط كانت قاتمة تفوح منها روائح الحاجة ، هذه الحاجة التي لامست أنامله الفنية فنقدت استهجانا طبقة سياسية تبرّجت بمساحيق تزيف حقائق كثيرة ، فما كان منه إلاّ إرتداء ثوبه الكاريكاتيري تعبيرا و دفعا فنيا في فضح هذه الممارسات ، فالكاريكاتير لا يلتهي بتلك السخرية الساذجة ، او تلك الضحكات المجانية ، فصحيح أنه يرتكز على تلك السخرية اللاذعة وموجعة ولكنها سخرية تحمل الكثير من الجدية في معالجة الوقائع السياسية خاصة لما لها من إستتباعات إجتماعية و إقتصادية ...

فالكاريكاتير هي سياسة من نوع آخر يمارسها الدليمي ، سياسة على سياسة لتكون المفارقة الجديّة بين الفن و السياسة . هذه العلاقة التي تتبرّم و تتلون في صراع محموم من الطرفين فسياسة الفنّ في الكاريكاتير سلاحها قلم و ورقة و لكنّها قادرة على نقل مجال الحرب الفكرية الى أبعد ما يتخيّلها بعض الساسة . فالفنّ ينقل ما يدور في الخفاء في كواليس السياسة ، عن طريق لحظات فنية تصور حدثا مؤثّرا لاتفوت فطنة الفنان عادة في إقرارها و إخراجها للعيان لما كانت الصورة الكاريكاتورية هي سبيله و مرشده في إدراك الحقيقـــة.

ولغة الكاريكاتير تتناول الحدث السياسي و تخضعه لمنطق تحليلي يستجيب لقوة تأثيره كلغة نقدية تتعامل مع الحدث بحرفية لا يمكن إغفالها أو تجاوزها فالمنطوق به و المرسوم يقدّم نمطا تصاعدي في الادراك الحسي حين يتناول تلك الوقائع الحياتية يأتي البحث فيها مدقّقا بصفة موضوعية وهو محاولة للفنان في إعادة تشكيل الوقائع من جديد ، و هو على غرار ما يتصف به من انفصال أو عزلة عن مجتمعه أو واقعه ، هو ملتصقا تمام الالتصاق يصل معه الى حدّ الالتحام بقضاياه و اهتماماته و مشاغله .

و الحقيقة أنّ أعمال الدليمي تمثل كمادة فنية مشتركة بينه و بين متلقيها ترنو في الكثير من الأحيان الى منشود يراد بلوغه .

و الأمر لم يعد هنا بالاعتباطي الذي يضنه البعض بالنظر الى عمق الفكرة في معناها الصوري تتناول معها لبس ضحكات نستبين جوهر الهزل من خلالها ، ولك أن تستنطق أحكاما تحيي بشكلها الغامض مكنونات ذهنية غامرت ذات الفنان بارتدادها الى واقع خلناه أفل في ظل همجية وعنجهية لنماذج حياتية تظهر أمام العيان في تسلسل يخال انه سيوقف أو يحبس أنفاس الصورة الكاريكاتورية التي تباغته لتصيغ لنفسها هيكلا يكتمل معه عمق الهزل و السخرية هو مسرحة لأحداث يومية معاشة ، لا تعرف مستقره إلاّ نفسا ذائقة لهوى الفنّ الذي تكتنفه معان وجودية اختلطت بمشاعر اليومي في تصوير حي و جلي .


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

بحوث جامعية، دراسات فنية، الكاريكاتور، ابراهيم الد ليمي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-03-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسني إبراهيم عبد العظيم، الهادي المثلوثي، د. طارق عبد الحليم، جاسم الرصيف، نادية سعد، فوزي مسعود ، العادل السمعلي، د.محمد فتحي عبد العال، سامح لطف الله، أ.د. مصطفى رجب، عزيز العرباوي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود سلطان، فتحي الزغل، الهيثم زعفان، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد العيادي، د- محمد رحال، إسراء أبو رمان، صلاح المختار، د. كاظم عبد الحسين عباس ، يحيي البوليني، عبد العزيز كحيل، علي عبد العال، صفاء العراقي، د - عادل رضا، محمد الطرابلسي، محمد عمر غرس الله، أحمد الحباسي، رشيد السيد أحمد، خالد الجاف ، أحمد النعيمي، محمد الياسين، محمد اسعد بيوض التميمي، مراد قميزة، د- هاني ابوالفتوح، علي الكاش، حسن عثمان، عمر غازي، صالح النعامي ، صفاء العربي، د. أحمد بشير، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الله الفقير، أنس الشابي، أحمد بوادي، أحمد ملحم، أبو سمية، سفيان عبد الكافي، سامر أبو رمان ، منجي باكير، تونسي، رضا الدبّابي، سلام الشماع، عبد الغني مزوز، د - المنجي الكعبي، مصطفى منيغ، فتحـي قاره بيبـان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د- محمود علي عريقات، المولدي اليوسفي، عمار غيلوفي، محمود فاروق سيد شعبان، رافد العزاوي، عواطف منصور، وائل بنجدو، ماهر عدنان قنديل، محمود طرشوبي، د. عبد الآله المالكي، رمضان حينوني، طلال قسومي، مجدى داود، إياد محمود حسين ، سعود السبعاني، محمد شمام ، د - مصطفى فهمي، يزيد بن الحسين، د. خالد الطراولي ، صباح الموسوي ، مصطفي زهران، أشرف إبراهيم حجاج، د - شاكر الحوكي ، محمد علي العقربي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محرر "بوابتي"، د. صلاح عودة الله ، سليمان أحمد أبو ستة، طارق خفاجي، رافع القارصي، سلوى المغربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صلاح الحريري، عراق المطيري، فتحي العابد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- جابر قميحة، ضحى عبد الرحمن، كريم السليتي، د - الضاوي خوالدية، د - محمد بن موسى الشريف ، الناصر الرقيق، عبد الله زيدان، د - محمد بنيعيش، ياسين أحمد، بيلسان قيصر، حميدة الطيلوش، د. أحمد محمد سليمان، عبد الرزاق قيراط ، د. عادل محمد عايش الأسطل، سيد السباعي، فهمي شراب، محمد يحي، إيمى الأشقر، المولدي الفرجاني، حسن الطرابلسي، د - صالح المازقي، حاتم الصولي، محمد أحمد عزوز، كريم فارق،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة