محمد المختار القلالي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5270
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
اتّصل بي بعض الإخوة يعتبون عليّ ‘قسوتي’ على النّظام السّابق والمحسوبين عليه، في بعض ما كتبت. لذلك وجدتّني معنيّا بالمبادرة إلى الردّ على هؤلاء تبديدا للّبس الذي يبدو أنّه تسرّب إلى أذهانهم، وإلى أذهان غيرهم ربّما، ممّن حصل لديهم نفس الانطباع.
هؤلاء الإخوة العاتبون هم، بالخصوص، من أودّ أن أتوجّه إليهم بالقول:
• ثقوا بداية بأنّ عتابكم لن يزعجني في شيء، فصدري أوسع من أن يضيق بنقد النّاقدين، فضلا عن العتب يأتيني ممّن أبادلهم ودّا بودّ:
إذا ذهب العتاب فليس ودّ*** ويبقى الودّ ما بقي العتاب
مرحبا بعتابكم إذن مؤشّرا على بقاء الودّ جاريا بيننا ما حيينا.
• لتأذنوا لي، بعد ذلك، بالتوجّه إليكم بسؤال هو في غاية الدقّة والوضوح:
هل يخامركم الشكّ في كوْن النّظام السّابق كان استبداديّا وفاسدا بامتياز؟ فإذا كان جوابكم بعدم الشكّ في ذلك، ما الدّاعي إذن لموجدتكم على من يتوجّه بنقده إلى نظام هو بتلك الأوصاف؟
• لقد حرصت، في كلّ ما كتبت وعن اقتناع تامّ، على أن لا أضع جميع المحسوبين على النّظام السّابق في سلّة واحدة، لاعتقادي بأنّي أتجنّى عليهم إذا ما اعتبرتهم جميعا شياطين، لم يجلبوا للبلاد غير الدّمار والخراب، وأتجنّى على الحقيقة أكثر فيما لو ادّعيت أنّهم جميعا من جنس الملائكة، وأنّ كلّ الذي أتوْه كان يصبّ حقّا في صالح البلاد والعباد.
• هذا ولا أذكر أنّي استهدفت من نقدي أكثر من فئتين من جملة من انتسبوا إلى النّظام السّابق:
- كبار الضّالعين في إفساد حياتنا السّياسية إبّان حكم المخلوع، أي من كانوا يتصدّرون المشهد الرّسمي، ويساهمون من مواقعهم المتقدّمة في صناعة القرار.
- من أذنبوا في حقّ غيرهم أو من تعمّدوا الإساءة إلى المصلحة العامّة، مستقوين بالحظوة التي كانوا يَلقونها من قبل السّلطة القائمة.
أمّا ما عدا هؤلاء وأولئك فلا تثريب عليهم البتّة، مع العلم أنّي لم أطالب بِجِلْدِ أحد ممّن تورّطوا في ممالأة النّظام السّابق. إنّ أقصى ما دعوت إليه هؤلاء هو أن يدعوا ثورة الشّعب تسلك طريقها نحو أهدافها، وأن يرجئوا عودتهم إلى الحياة السّياسيّة إلى حين يزول هاجس خوفنا على ثورتنا، باشتداد عودها.
• أعرف للحقيقة، من بين من انتسبوا إلى النّظام السّابق من كانوا لا يقلّون عن معارضيه موجدة عليه وكفرا بممارساته، ومن ظلّوا على وفائهم لحسّهم الوطني يقدّمونه على ولائهم للنّظام، أعفّة لا يبتغون غير خدمة النّاس والصّالح العام، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. بيْد أنّ قلّتهم داخل أغلبيّة انتهازيّة قضت بأن يكون دورهم ضعيف الأثر بمقتضى الواقع.
• لقد كشفت أحداث ما بعد الثّورة عن أنّ من بين من عُدّوا ‘أزلاما من الأزلام’ مَن هم أصدق تفاعلا مع الثّورة، وأكثر تحمّسا للتّغيير من كثير من أولئك ‘الثّورجيّين’ الذين أصمّوا أذاننا بـ’لغوهم النّضالي’.
• أعتقد أنّ بعض الأطراف السياسيّة، وبسبب من دوغمائيتها، لم يحالفها الصواب لمّا أن اختارت التّحريض على قسم واسع من أفراد الشّعب، ملصقة بهم أحقر النّعوت، في حين كان من الحكمة لو هي جنحت إلى ‘سياسة الاحتواء’ بدل اللّفظ والتّخوين، على أساس ‘أنّ الثّورة تجبّ ما قبلها’.
• أقرّ بأنّي معاد شرس لكلّ من مازال يأخذه الحنين إلى النّظام القديم، أو يسيغ ممارساته، أو يزين للنّاس مكتسباته، أو يحاول عبثا نفخ الرّوح من جديد في رفاته.
• فصل الخطاب في هذا الباب ‘إذا كنت تجمعيّا قبل الثّورة فالتجمّع هو ‘المجرم’، وأمّا إذا بقيت على ولائك له حتى بعد الثّورة فأنت ‘المجرم’ .
ختاما، هل يجد العاتبون، يا ترى، فيما ذكرت ما يجعل صورة الحقيقة أكثر جلاء في أذهانهم؟ وهل يشاطرونني قناعتي بأنّه حتى ولو تفرّقنا على الأفكار فإنّ المشاعر كفيلة بأن تجمعنا على المودّة والاحترام؟ ذلك ما أتمنّاه منهم على أيّ حال.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: