محمد المختار القلالي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5210
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أسفرت نتائج ‘التّشريعيّة’ (الجزئيّة)، فيما أسفرت عن تراجع ‘النّهضة’ خلف ‘النّـــداء’.
الّذين لا يعرفون من الألوان غير الأبيض والأسود سيشعرون بالشّفقة والخوف على ‘الحركة’ إن كانوا من المتعاطفين معها، وبالفرحة والتشفّي إن كانوا من خصومها. وكلاهما، في نظري، لا يحسن التّقدير. يرى إلى ‘الحدث’ في حدّ ذاته، ويغفل عن استتباعاته.
أمّا بالنّسبة إلى الّذين يعون أنّ للحقيقة أكثر من وجه، وأنّ الحكم يكون أدنى إلى الصّواب متى ما خضع لــ’مبدإ التّنسيب’ فسيغبطون ‘النّهضة’ على هذا المآل، وسيروْن في عدم إحرازها المرتبة الأولى عتقا لها وخيرا عميما. ويكفي لمن يعزّ عليه فهم ذلك أن يفترض العكس، أي أن يفترض فوز ‘النّهضة’ بعدد المقاعد التي آلت ‘للنّداء’، والعكس بالعكس، وأن يقدّر، تبعا لذلك، حجم التحدّي الذي سيجد قادة ‘الحركة’ أنفسهم حياله. عليه أن يتساءل: كيف سيتسنّى ‘للنّهضة’ تحقيق أغلبية برلمانية مريحة بما هي مدعوّة إلى تشكيل حكومة وفق العرف المتواضع عليه؟ ومَنْ مِن الأحزاب ذات التّمثيل الوازن في المجلس يمكن أن تقبل به ويقبل بها، خصوصا بعد تراجع حضور حليفيها السّابقين (المؤتمر والتكتّل) ؟ هل يتصوّر عاقل حصول تآلف بينها وبين الأطراف اليساريّة الراديكاليّة؟ هل ستسيغ ائتلافا مع ‘كتلة النّداء’، هذا في حال قبل ‘النّداء’ بذلك، علما وأنّ زعيمه قد كان صرّح بأنّ حزبه و’النّهضة’ خطّان متوازيان، لا يلتقيان؟ وحتى على افتراض’التقاء الضدّين’ من بإمكانه التكهّن بتداعيات واستتباعات هذا الائتلاف، إنْ على صعيد ‘الأداء السّياسي’ الذي ينتظرهما، وإنْ على مزاج الأتْباع من كلا الفريقين؟ هل تلوذ ‘النّهضة’ بمدّ اليد إلى ذوي التّمثيل المتواضع على غرار ‘الاتّحاد الوطني الحرّ’ على سبيل المثال، ما سيدفعها، في الأرجح، إلى وضع مصداقيتها في الميزان؟ وهل سيحقّق لها ذلك، حتى على افتراض حصوله، وضعا مريحا بحضرة خصوم وازنين شرسين داخل المجلس؟
وبالجملة، فأنا على ما يشبه اليقين بأنّ الأقدار قد أرادت بـ’النّهضة’ خيرا لما أن جنّبتها الوقوع في ورطة يصعب عليها الخروج منها. قال تعالى:’وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شرّ لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون’ البقرة - الآية 216.
ويبدو لي أنّ قراءتها ‘للحدث’ على هذا النحو هو ما جعلها تبادر إلى دعوة أنصارها إلى الاحتفال بالنّجاة من مغامرة غير مأمونة العواقب.
‘النّهضة’ الآن في موقع تحسد عليه، وستظلّ رقما صعبا في أيّ معادلة سياسيّة، وبإمكانها التّعامل مستقبلا مع الأوضاع بأريحيّة، وبأريحيّة أكثر فيما لو ولّت وجهها شطر المعارضة، وزهدت في الحكم. ألسنا في حاجة إلى التّأسيس لمعارضة وطنيّة مسؤولة وراشدة، تقطع مع أساليب الرّعونة والتهوّر، ولو أنّ المؤشّرات التي بدت إلى حدّ السّاعة لا توحي بأنّ ‘النّهضة’ توثر المعارضة على نيل موطئ قدم لها في السلطة؟
‘النّداء’ ورئيسه هما اللّذان الآن، باعتقادي، في حيص بيص، إذ هما حيال خيارات على غاية من التّنافر والتّعقيد. كما وأنّه لا غنى عن التّساؤل عن انعكاس هذا الفوز على رغبة رئيس ‘النّداء’ الجامحة في بلوغ قصر قرطاج. ذلك أنّ الوضعيّة ذات وجهين فيما يبدو.
حَدَسي يقول إنّ المشهد السّياسي القادم في بلادنا سيكون على قدر كبير من التّعقيد، وإنّ المرحلة التّي تنتظرنا حبلى بالمفاجآت.
قال صاحبي: أن تتفيّأ ‘النّهضة’ السّلامة، فهذا من حسن حظّها، وهو أمر يظلّ يخصّها في النّهاية، لكن ماذا عن مسؤوليتها في تبديد ‘الرّأسمال الرّمزي’ للثّورة، وفي التّسهيل لعودة البعض ممّن ثار عليهم الشّعب إلى مسرح الأحداث من جديد؟
قلت: تلك مسألة أخرى حريّ بمحبّي ‘الحركة’ قبل خصومها مساءلتها عنها، في انتظار... حكم التّاريخ.
أردف الصاحب قائلا: لكن، إذا كانت ‘النّهضة’ لم تنهزم و’النّداء’ لم ينتصر، وفق ما ذهبت إليه في تحليلك، فمن الرّابح والخاسر إذن؟
أجبت: دعنا من التّساؤل عمّن هو الرّابح و الخاسر. و آعلم أنّ المتضرّر ممّا حصل هو’الأمل’. الأمل الذي عاش عليه بعضنا قبل أن نراه يتوارى، ولو إلى حين. وقليل الكلام، يا صاحبي، يغنيك عن كثيره.
--------------
مـــــــــــلاحظة: لمن شاء التواصل مع كاتب السطور، الهاتف: 96.009.082
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: