دعوى وجوب إشراف السلطة على المساجد: تدجين الدين وإنتاج القطعان
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8614
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أعتقد الكثير من التونسيين أن الثورة كانت مقدم خير، وأنها ستحرر العديد من الأبعاد في حياتهم، ستحرر الناس من أن يكبتوا في أرائهم، وستحرر الإسلام من أن يواصل استغلاله من طرف السلطة الحاكمة.
لقد ظنوا أن الوقت قد حان لكي تزال الوصاية السياسية عن المساجد وعن المتحدثين في شؤون الإسلام من أن يوجهوا في حديثهم ودروسهم، وانطلقوا مباشرة في ممارسة الإسلام الطلق الخام البسيط كما فهموه في ما تيسر لهم من مقرات كالمساجد وغيرها.
لم يكد المسلمون بتونس يشرعوا في ممارسة بعضا من حرية تديّنهم، حتى فاجأتهم نذر الثورة المضادة لتذكرهم أن سقف أمانيهم كان مرتفعا، وأن بينهم وبين ما يتمنونه أمدا بعيدا، لعله يلزم الكثير من الجهد الإضافي لكي يبلغوه.
لتذكرهم أن عليهم المزيد من الصبر والمقاومة لكي يمكنهم ممارسة الإسلام الحر، لكي يمارسوا الإسلام من دون وصاية الحاكم عليهم.
لتذكرهم أنه يلزمهم الكثير من الفهم والعمل الذهني لكي ينتصروا على أعداء الداخل من بقايا فرنسا وحلفائهم جماعة الإسلام الوسطي ممن لاهمّ لهم إلا الزحف الأبدي على كل أعضائهم إرضاء للغرب، حد المساهمة في تمرير مشاريعه ومنها خطط تدجين المساجد وجعلها تحت سلطة السياسة
وكان أن انطلقت حملات ما سمي استرجاع المساجد الخارجة عن سلطة الدولة منذ فترة حكم حركة "النهضة"، وها إنها اليوم بلغت شوطا انتهى بغلق المساجد التي لم تفلح السلطة في تدجينها.
المساجد أداة تعمل في نطاق منظومة الفعل والتأطير الإسلامي، ويفترض أن لا يقع التعامل معها إلا من خلال الفهم الإسلامي للواقع ومكوناته وللمسجد ودوره، وإذا علمنا أن مطلب وجوب إشراف الدولة على المساجد ينطلق من تصورات غربية علمانية لمفهوم الدين تقول بان هذا الأخير لا يجب أن يجاوز الأبعاد الفردية، وأنه يمنع تأثيره على المجال الاجتماعي، فهمنا أن مطالب السلطة الحاكمة بتأميم المساجد، هو بوجه آخر تسلط للرؤية العلمانية على واقعنا.
بمعنى آخر، فإن ما يقع هو فرض للتصورات والمفاهيم الغربية العلمانية المتطرفة تحديدا، على التونسيين، بل على الإسلام ذاته، حيث لم يقع النظر للإسلام كمنظومة ورأيه في جواز تأميم المساجد، واعتمد فقط على الآراء والمفاهيم الغربية في المسالة، نحن إذن إزاء حلقة أخرى من الحلقات المتواصلة منذ عقود ما بعد الاستقلال، في مسار الاقتلاع من هويتنا وإلحاقنا بالغرب.
تأميم المساجد يجعل الإسلام وأدواته مجرد تابع لباقي مكونات الواقع، عوض أن يكون الإسلام ومفاهيمه هو الضابط للمجتمع، التأميم يجعل الإسلام يقيّم من طرف المنظومة التغريبية التي تفصل له حدوده التي يجب ان لا يجاوزها بزعمهم، عوض ان يكون الإسلام هو من يحاكم تلك المنظومات الوافدة علينا ومفاهيمها، التأميم يجعل من حملة مشعل الإلحاق بالغرب هم المتسيدون للساحة بتصوراتهم والمملون علينا حدود الإسلام، عوض ان يكونوا هم وأرائهم موضع التقييم من الإسلام.
بالإضافة لكون تأميم المساجد هو تصور غربي، فإن خطورة التأميم تكمن في أن تلك العملية ستنتهي لإفراغ الخطاب الدعوي بالمساجد من فائدته، حيث إن المساجد المؤممة ستتحول لمؤسسات حكومية، كما سيكون المتحدثون بتلك المساجد مجرد موظفين.
ولما كان العمل الدعوي ومنه الخطب والدروس بالمساجد، فعلا إيمانيا بدرجة أولى، فان المناط فيه ليس الإنتاج الكمي الموضوعي الملموس كذلك الذي لدى موظف عادي يتلقى أجرا، بل هناك شروط أخرى لنجاحه منها الصدق والإخلاص والتقرب إلى الله، وهذه أبعاد لا يمكن أولا تقييمها، بل أساسا لايمكن التأكد من وجودها لكي ينجح عمل الموظف / الإمام المعين من طرف السلطة بالمساجد، ثم هي ثانيا لا يمكن أن توجد من خلال الأوامر الإدارية والإنتاجية، لكي يطالب موظف معين على مسجد بإنجازها.
إذن فإن المساجد المؤممة لن تصبح مساجد يذكر فيها إسم الله بحرية، وعليه فإنه يتساءل عن جدوى حضور خطب جمعة يؤمها موظفون تعينهم الدولة، بل هل يجوز أصلا حضور تلك الخطب لأن الحضور يعني الموافقة على ضرب الإسلام وتقزيمه داخل المجتمع.
لنا الحق أيضا أن نتساءل إن كان مصطلح مسجد سينطبق على مقرات يتحدث فيها موظفون تعينهم سلطة تحارب الإسلام من حيث أنها تنطلق في فهمه من تصورات تغريبية علمانية أساسا.
المساجد المؤممة لن تكون إلا أداة دعاية سياسية، تنضاف لتلك الأدوات التي بيدها لتأبيد الواقع من خلال مزيد نشر تصوراتها ومفاهيمها.
ستجد في كل الحالات من سيؤم تلك المساجد، وهذا سينتهي لخلق التصورات النمطية الموحدة لديهم مادامت تعبّ من نفس المعين المقرر لدى السلطة مباشرة أو ضمنيا، وسننتهي لخلق قطعان من الناس، وهذا ما يؤكده الواقع على أية حال، إذ المساجد كانت مؤممة طيلة وجودها، والواقع يشهد باستشراء الإمعية ومنطق القطيع لدى الناس.
تاريخيا، إذا استثنينا زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفترة الخليفتين الأولين، فإن المساجد انحرفت عن دورها المقصود في الإسلام، إذ سرعان ما حولها الحكام لأداة دعاية فعالة لحكمهم، وتواصل ذلك الانحراف عبر القرون بمختلف الدول التي حكمت المسلمين، وكان بنو أمية الرائدون في مسار هذا الانحراف، فلهم فضل التأسيس الصريح العلني لتحويل المساجد لمكان للمناداة باسم الخليفة والإشادة به والدعاء له، بل إن بني أمية لم يكتفوا بإجبار أئمة المساجد على الدعاء لخلفائهم، بل أجبروهم على الدعاء على مناوئيهم، حدا وصل للعن علي أبن أبي طالب من على منابر المساجد، وهو من هو في فضله وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وتواصل لعنه وابنه الحسين مددا متطاولة، رغم أن فقهاء السلطة ساعتها ولحد الآن، يقولون بعدم التهجم على الصحابة في معرض دفاعهم عن معاوية، وتجاهلوا أن عليا صحابي، بل من أكارم الصحابة وسابقيهم إلى الصحبة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: