أ/ مَــرْزاقة عمراني - الجزائر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8603
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
توطئة
إن القول بهيمنة نموذج أخلاقي في الأدب الشعبي الجزائري ،قول لن يكون صائبا تماما بالنظر إلى طبيعة هذا الأدب في حد ذاته كونه خطابا ينأى عن ساحة النقد في حرية تامة إذ طالما حاول النقد أن يضع القواعد والقوانين ،و يضيق الممارسة الإبداعية بجملة من الاشتراطات الفنية وغير الفنية التي تؤسس لفعل إنتاج " النموذج" خدمة لمصلحة أخرى قد لا تكون الأدبية أو الشعرية من ضمن مكوناتها.
الحب العذري في الأدب الشعبي :
إن مطلعا بسيطا على الأدب الشعبي في تجسداته الشعرية والحكائية قد تأخذه الدهشة من مضامين بعض النصوص الإباحية التي تصور واقعا ما بشكل حرفي و جريء . غير أن هذه الدهشة لابد لها أن تنضبط أو تتلاشى حين نعرف أن هذا الأدب هو صوت الشعوب في طبيعتها ، وهو لا يسعى لأن يكون نموذجا لغويا وبلاغيا ، بقدر ما يجتهد في الوصول إلى تصوير الحياة كما يراها الفرد العادي ويعيشها في بدائيته ، ونحن لا نقصد بالبدائية هنا حالة التوحش ، إنما نعني بها حالة الارتهان إلى واقع معيش يعبر عنه بشكل فني أدبي ، وهو واقع يشكل فيه الحب والعلاقة بين المرأة والرجل ركنا أساسا.
وقد لا يغيب عن أذهاننا ، أنه حتى على مستوى الخطاب النقدي العربي ، حين أسس ابن قتيبة نظريته في القصيدة العربية ، جعل المقدمة الطللية موصولة بالنسيب ، نظرا لقرب الغزل من النفوس ولأنه لا يخلو أن يكون أحد ضاربا فيه بسهم حلال أو حرام .
ما نلاحظه هو أن الأدب الشعبي سواء مرويا كان أم مكتوبا (نموذج ألف ليلة وليلة) يولي اهتماما واضحا ومقصودا للعلاقة بين المرأة والرجل . إن دراسة في هذه النقطة قد توصل إلى نتائج لا تخلو من الطرافة.
نذكر جميعا كيف مارست السلطة السياسية فعل الإبعاد والنفي وحتى القتل ضد الشعراء الدين "تجاسروا على الأعراض" ، ونعرف مصير امرئ القيس الذي نفي عن مملكة أبيه ، ومصير سحيم عبد بني الحسحاس الذي قتله عمر بن الخطاب لجراءته وتماديه في التغزل غزلا ماجنا في بنات ونساء المسلمين ، وربما اختلفت الأسباب الحقيقية الواقفة وراء النفي والإبعاد ، إذ أن السلطة السياسية قد لا تقف ضد الممارسة الفعلية للحب بين الرجل والمرأة ،بقدر ما ترفض النص الذي يصور هدا الفعل.
وهذا – بالطبع- يرد إلى إشكالات بناء الدولة وتأسيس منظومتها الخاصة من القيم الحضارية والأخلاقية . ما يهمنا – هنا- أن الأدب الشعبي يجد لنفسه فتحة من الحرية قد لا تتاح للأدب الرسمي ،خاصة في مراحل من عمر الدولة ، فيجسد طموحه في التكلم بلغة الشعب ، وتتحقق هده الحرية بالخصوص إذا لم يشهر هدا الأدب نفسه في شكل أغاني مثلا؛ إذ في هذه الحالة يصبح فريسة طيعة لمقص الرقابة. ولذلك قلما نعثر في أدبنا الشعبي على نصوص الغزل العذري لأنه يظل بعيدا عن اهتمام الرجل العادي الذي لا تستطيع طموحاته أن تتجذر في حب وشعر يكادان يكونان ضربا من الخيال ، و" يؤكد البحث في ظاهرة الحب عند العرب أن الطبيعة البشرية لا يمكن اعتقالها ، وأن فيها قدرة تجاوز أي إطار مسبق يفرض عليها ، ستوجد دائما قلة تحاول أن تسمو إلى المثال ، وتستعلي على نداء الغرائز ، وترفض العرف الشائع ، ولكنها ستظل قلة تأخذ مكانها في الكتب،أكثر مما تترك أثرا في السلوك العام الذي سيبقى دائما ابن الطبيعة ،والعرف الاجتماعي ، وثمرة حلقات متداخلة من الأعراف الحضارية التي تلعب فيها الثروة والثقافة والموروث الأخلاقي والعرفي دورا واضحا " (1).
إن طابع العلاقة الأثير بين المرأة والرجل لابد أن يكون التلقائية والتعبير الصريح عن هذا الانجذاب الطبيعي الحاصل بينهما منذ آدم وحواء .
إن فعل الغواية الممارس بين الطرفين فعل حاصل و موجود منذ اللحظة التي تقرر فيها خروج آدم من الجنة، عندما أطاع حواء التي أغوته بالأكل من الشجرة المحرمة. و سواء أجسدية كانت هذه الغواية أم قولية، فهي تبقى في الأخير الفعل المحبب الذي تنغلق عليه الأحاسيس و العواطف في نزوعها نحو الاكتمال و الارتواء.
لذلك سيبقى موضوع المرأة موضوعا خالدا، محببا متجددا، و يبقى القول في هذا الموضوع حيا.
في مستوى الأدب الشعبي- و هو مدار اهتمامنا- حاول الشاعر و الراوي أن يخرج بتلك الممارسة من مستوى الطبيعة إلى مستوى الفن، أي المهارة في التعبير و التصوير، فكان أن أبدعت المخيلة الشعبية ما لا يمكن إحصاؤه من نصوص مختلفة حكائية و شعرية و مثــَلية تدور في هذا الاهتمام اللامتناهي.تقف الطبيعة البشرية ضد الزهد في ملذات الحياة و مسراتها، إنها الطبيعة المتبسطة في طلب ما تصبو إليه من المباهج التي ربما كان على رأسها إرضاء الرغبة الجنسية، و لذلك لم يؤمن الأدب الشعبي بهذه العذرية و لم يقف عند حدود الأدب الروحاني الذي يحرم المرأة و الرجل من التمتع الحسي ببعضهما. بل قد ينظر الأديب الشعبي إلى مثل هذا الحب نظرة دونية، إذ فيه انتقاص من رجولة الفرد، و انتكاس بالمجتمع نحو الاضمحلال المادي و المعنوي؛ إذ إن الفعل الجنسي وحده يستطيع ضمان وجود المجتمع و تكاثر أفراده، و هو وحده المقياس الذي يستطيع الرجل أن يقيس به الجوانب التي تكوّن عالمه الذاتي بالنسبة للمرأة و من أهمها " هذا الجانب الهام من شخصية الرجل هو ما اعتدنا أن نسميه باسم الرجولة (...) فالرجل لا يكون جذابا أو مغرما، أو رقيقا أو عنيفا أو قاسيا، أو مكتمل الرجولة، اللهم إلا في عين المرأة التي تحبه ".
بدء الحكاية:
تبدأ حكاية "رداح" و "أحمد ولد السلطان" بوصف أحمد و الطريقة التي نشأ عليها، فهو " مربي عند باباه" هذا الأب الذي حجب إبنه عن العالم الخارجي، فرغب " أولاد السلاطين" في رؤيته و التعرف إليه رغبة منهم في اكتشاف هذا المخبوء، و ستبين الدراسة أن هذه الرغبة في الاكتشاف و المعاينة ستكون فاتحة الكلام، و المحفز الأول على فعل الحكي أو قرض الشعر.
شهوة الاكتشاف / النواة الأولى للمأساة:
لطالما قوبل المنع و التحريم بالإصرار على فك هذا المحرم واقتحام الممنوع، ألم يقل المثل " كل ممنوع مرغوب"؟
و قد ابتلي الإنسان بهذه النزعة الكشافة التي تتلمس تفتيق أسرار المجهول (*)، و ربما كان اجتماع هذه النزعة مع غواية الجسد هو ما تسبب في إخراج آدم عليه السلام و زوجه من الجنة (وهي قصة نسمح لأنفسنا بتصنيفها في خانة المخيال الشعبي اليهودي؛ إذا لا أساس لها من الصحة في النص الديني الإسلامي) و هو المخيال الشعبي الذي أخذ عنه الطبري حين استعان بحبر يهودي أسلم هو وهب بن منبه.
إن رغبة أولاد السلاطين في رؤية النبيل المخبوء و المخفي عن الأعين ستكون فاتحة الحكاية، حين يجمع هؤلاء الشباب عزمهم على الاستعانة بـ "الستوت أم البهوت" التي سيتركز دورها في الحكاية بأن تكون العامل المساعد الأول للبطل على الخروج من حلقة القصر أو ما نسميه "سجن الأبوة المتعالية ".
الحيلة الأولى:
تحتل "الستوت" على مستوى القصص الشعبي الجزائري مكانة مميزة، إذ غالبا ما تستعين بها إحدى الشخصيات لتحقيق غرض عجزت عنه، بينما لا تعرف "الستوت " هذا العجز، إذ أنها تمتاز بذكاء حاد، و قدرة على اختراق الموانع، و التسلل داخل البيوت المغلقة، إنها " أم البهوت " أي " ربة الخداع و المكر و الاحتيال "، و بوساطة هذا الدهاء ستتمكن من إخراج " ولد السلطان " من قصر أبيه، ثم ستجعله يرحل عن أرضه إلى حين.
كان لأحمد ولد السلطان خادمة مخصوص بها، تشرف على طعامه، و تحرص على أن يقدم له اللحم دون عظم، و التمر و الفاكهة دون نواة. جلست أم البهوت إلى أحمد و سألته أي لذة يجدها في أكل اللحم دون عظمه و الفاكهة دون نواتها ؟
اكتشاف اللذة الأولى:
إن الظاهر من طيب الأكل لا تتحقق لذته إلا إذا اتحد مع ما هو محجوب و مغطى منه، إنّ ما لا تراه العين أحق بأن يحقق الشعور باللّذة أكثر مما هو مرئي. أثار سؤال العجوز المفاجئ للنبيل "أحمد" رغبة في نفسه في المقارنة عن طريق التذوق، و حين أكل اللحم و هو بعظمه، و الفاكهة دون أن ينزع غيره نواتَها اكتشف أن المذاق مختلف. نحن نلمح هنا بداية تحقق فعل التكشف ذاك:
1- الجوهر أعز من المظهر و لا تحدث اللذة إلا باتحادهما.
2- التجربة هي السبيل الوحيد لمعرفة الجوهر و اختباره (التذوق).
و تصعيدا في مستوى تجربة الاكتشاف؛ تخبر العجوز أحمدا أن للعظم " قلبا " ألذ من اللحم، و أنه باستطاعته الحصول عليه إذا كسر العظم، نحن هنا أمام عملية تكسير و تفتيت و تعرية متواصلة من أجل الوصول إلى الجوهر الذي يمثل " اللذة"، ثم جوهر الجوهر الذي يمثل "انتهاء اللذة ".
حين رمى " أحمد " العظم على زجاج النافذة، تحطم الزجاج، و تكشف الشاب على العالم الخارجي، الذي غادر إليه و تعرف فيه على أترابه من أبناء النبلاء.
هذه المعرفة سوف تثمر مللا و ضجرا من الشاب الذي ركن إلى حياة الخمول و الكسل، يقرر الشبان الاحتيال له لجعله يغادر البلاد (أرض القبيلة).
الحيلة الثانية:
في هذه المرحلة سنشهد تطور مستوى الحيل لدى العجوز الستوت، و تدرجها من بطانة الرمزية إلى مظهر المكاشفة، على هذا الأساس جعلت الستوت في درب ابن السلطان "شْنَاين" و هي قِرب صغيرة صنعتها من جلود القطط و الفئران، و حين مرَّ " أحمد " بفرسه و داس هذه " الشناين " الحقيرة و أتلفها، أظهرت العجوز الحسرة و قالت: سَيَّحْتْ َمَايَا فِي قْلاَيَا يْسَّيَحْ قْلَاكْ / تْقُولْ ادِّيتْ رْدَاحْ وَ لاَّ طَلِّيتْ عْلَى جَنَّاتْ.
تحيل الأسماء على أشخاص؛ فـ " رداح " و "جنات " امرأتان، و لكن ما هو الفارق الذي قد تشكلانه بالنسبة لأحمد الذي لا بد أن يكون قد وقع بينه و بين أصحابه النبلاء ما يحدث لأبناء الطبقة الاجتماعية المترفة من خرجات للصيد و ما يلزمها، و من جلسات السَّمر و ما تتطلبه، و الأكيد أن أكثر ما تتطلبه مصاحبةَ الفتيات و اللَّهو معهن، و قد يكون هذا بعض ما عناه ابن خلدون في مقدمته " و أيضا فالترف مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الشر و السفسفة و عوائدها "(3).
لقد أصبح " ابن السلطان " على معرفة بالنساء، فماذا قد يعني له اسمان جديدان ؟
نعود إلى مسألة اللذيذ و الألذ و الأكثر لذة بلغة الفلاسفة العرض و الجوهر و يضاف هنا جوهر الجوهر. إن النساء اللواتي عرفهن البطل بدءًا بأمه التي تغفل الحكاية ذكرها إلى حين، و الخادمة ثم الفتيات المكملات للوازم الترف لا تعنين شيئا إذا قورنت بإحدى اثنتين " رداح " أو " جنات".
يدفع الراوي الشعبي ببطله إلى الدخول في أزمة تحقيق الذات، أو الوصول إلى الكمال، إنه يجعله يشعر بالنقص، على الرغم من كل المنجزات التي حققها في سبيل الوصول إلى الاكتمال، فإنه يظل ناقصا، يشعر الرَّاوي بطله بالنقص كي يجعله في حركة دائمة من أجل الوصول إلى العنصر المكمل له إذا عثر عليه واتحد به.
المرأة- الجسد النموذج:
إن التواصل مع العالم الخارجي بنجاح قد لا يحقق للرجل السعادة المثلى، إن إحساسه بالغبطة و الاستغناء و مواجهته للعالم بإيجابية قد لا يتأتى إلا إذا دخل هذا الرجل في حالة تواصل مع المرأة، لذلك يعدُّ الدخول في حالة الحب، أو الخطوبة حالات علاجية ناجعة لبعض حالات الاكتئاب أو بعض أصناف الأمراض النفسية التي قد يعاني منها الرجال.هكذا يسعى الراوي لعلاج " أحمد " الذي عانى من سجن أبيه و قهره، فيتدرج به في الأخير إلى التواصل مع الجسد الأنثوي / المرأة النموذج.
و قد اعتنى العرب القدماء بنمذجة الجسد، فكتبوا في معاييرها و وضعوا لها صورة تقترب من الخيال، حتى ليشكلوا صورة التمثال المتناسق الأجزاء المضبوط المقاييس.
تشكل " رداح " هذا الجسد / النموذج و تنافسها فيه " جنات "، يسافر أحمد طلبا لرداح على وجه الخصوص، مستعينا بوصف العجوز لها. و كذلك فعل " عبد الله " عندما وُصفت له " يمينة " فسعى في طلبها و رمى بنفسه في التهلكة. و الطريف أن الراوي في مستوى الجسد / النموذج، يفاجئنا و يكسر أفق توقعاتنا الذي اعتاد على كون البطلة هي المالك الشرعي للنموذج، يخبرنا صاحب الحكاية أن هذا المطلب يظل عزيزا، بعيدا عن المنال، فثمة امرأة أخرى مختفية، جسد آخر مخبوء، يعيش في خيال البطل، لا يسعى إلى اكتشافه إيمانا منه باستحالة هذا الاكتشاف، إن الجوهر – إذن – غائب أبدا، الحقيقة مستورة عن الأعين لا تُرى و لا تُدرك، موجودة في التصور، قائمة في الأحلام.
يخبر الراوي أنه على الرغم من حدوث تحقق العلاقة الحسية بين الرجل و المرأة التي يحبها أو يرغب بها، إلا أن المثال الأعلى للمرأة يبقى غير ذي طبيعة مادية، و كأنه كُتب على الرَّجل أن يطارد تصورا يعرف أنه لن يمسكه.
طبقية الحب / طبقية الجسد:
تتبدى هذه الطبقية لأول وهلة في النصين محل الدراسة، فأحمد ابن سلطان (نبيل) و " رداح" امرأة من طبقة عليا مخدومة في قصر، و " عبد الله " فارس و سيِّد ابن سيِّد، و " يمينة " امرأة نبيلة تعيش في قصر والدها.
و ربما تجسدت الطبقية بشكل واضح، لأن نصوصنا تنزع نزوعا واقعيا، بعكس الحكاية الخرافية التي تلتقط العجائي و السحري... حيث يمكن لراعي، الغنم أن يتزوج الأميرة عبر المرور بسلسلة من العوائق و الحواجز التي تتأسس على كل خيالي و عجائي، و قولنا هذا لا ينفي عن نصينا المتخيلَ، لأنه خاصية أصيلة في القصص الشعبي خاصة.
نستمع إلى مجموع الحوارات التي أنجزها " أحمد " مع " راعي غنم رداح " و مع " جنات "، ثم مع حماتها، و مع " خادمة رداح " و أخيرا مع " رداح " لنكتشف جزئية طبقية الجسد.
بين " أحمد " و " الراعي ":
الراعي يرعى غنم " رداح " التي غطت الأرض.
أحمد: لم لا تكلف راعيا ؟
الراعي: أنا الراعي.
أحمد: و كم تتقاضى ؟
الراعي: أجري السنوي أن أرى رأس خنصر صاحبة الغنم عبر النافذة.
أحمد: الرَّاعي، راعي و لُو كان رَاكَبْهَا زَرْقَا و سْبِيبْهَا (شعرها) مْحَنِّي.
إن رأس خنصر " رداح " لا يُعدُّ أجرا بقدر ما يعدُّ غنيمةً و إذا كان هذا الحال مع رأس أصبعها، فكيف سيكون مع يدها و ذراعها، أما الوصول إلى رؤية جسدها فهذا ضرب من الوهم و المرض.
إن شهوة الاكتشاف قد تستنفذ عمر و كبرياء الرجل دون أن تتحقق، و " رداح " السيدة النبيلة يرضى عبدها بمشاهدة رأس أصبعها أجرة سنوية على رعي الغنم التي تغطي الأرض، فللعبد رأس الأصبع بينما سيكون للسيد الجسد كاملا.
بين "أحمد" و " جنات ":
جنات في منزلها الذي دل الراعي أحمدا عليه ( و هي تطحن القمح).
أحمد: أَرْحِـي قَمْحَـكْ و نَقِّيـهْ *** و دِيرِي مَنُّـو سْمِيـدْ الفْطَايَـــرْ
شَكِّيتـَـك أنــتِ رْدَاح *** و دَرَّقْتٍ مَنِّي زِينَكْ يَا سْمِيدْ الحْرَاَيرْ
جنات: و الله ما نُفخَــم بْزِيني
و ما نزيدو بزايــــــدْ
إلا جِيتْ لجنات، أنا هي جنات
و إلا جيت لرداح، رداح حالها بعيد
و مَكَّانَشْ فِي بْنَاتْ الْمضَارَبْ
مْدَايْرَة مْن القْماش صَارمِيـة
و على راسها عَبروق زايــد
يجدر بنا التنبيه على أن " الراعي " زوج " جنات " هو من دل " أحمد " عليها كي توصله إلى " رداح " إذا شاءت، و إذ ذاك فنحن أمام كسر جديد لأفق توقعاتنا، إذ نكتشف أن " جنات " المشهورة و المذكورة مع " رداح " ليست سوى زوج الراعي، و على الرغم من انتساب هذا الراعي إلى واحدة من ربات الجمال " جنات " إلا أن ذلك لم يحقق له كمالا فهو كما قال " أحمد ": الراعي، راعي: فثمة حواجز كثيرة تقف عائقا ضد الراعي، من أجل الاكتمال، أخطرها انتماؤه في طبقة اجتماعية دونية، و لذلك فإن حصوله على الجسد / المثال لا يمكن أن يقفز به على هذا العيب المتأصل في سلالة الفقراء و رعاة " الأغنام "، إن هذه الجزئية، تضرب عرض الحائط بالحكاية الخرافية التي تسمح للطبقات الدنيا من المجتمع بالانتساب في المستويات العليا خاصة عن طريق النسب و التصاهر، هذه الحكاية تحفظ لمختلف طبقات المجتمع حدودها و حقوقها.
ما يلفت النظر هنا – على مستوى الحكي – هو أن " جنات " زوج الراعي، تملك هي الأخرى " مشروع الاكتمال "، فقد خيَّرت أحمدا بينها و بين "رداح "، قإذا كان قد جاء في طلبها فستلبي الدعوة، و إذا كان مقصده " رداح " فهي عزيزة منيعة، نلاحظ هذه الدعوة التي تكاد تكون مباشرة صريحة من المرأة / من " جنات " لأحمد، و دعوة كهذه لن يكون مبتغاها تجاذب أطراف الحديث؛ إنما هي دعوة لإحداث ما قد يحدث بين المرأة بوصفها امرأة و الرجل بوصفه رجلا؛ هي في اختصار " دعوة للمتعة "، ما يؤكد هذا الزعم هو تنبيه " جنات " على جدار الحراسة القائم بين " رداح " و كل من يطلبها، و النفس تحب الركون إلى الراحة، إن جمال " جنات " ملاحظ، هو صادم و صارخ، و هي – أسطوريا – تختلط بـ " رداح " و تتماهى فيها، غير أن الفارق كبير؛ فجنات في متناول اليد، بسيطة زوج راع يعتقد أنه يحقق مشروع اكتماله " بالنظر إلى رأس أصبع " رداح " مرة كل سنة ". و إذا كان الراعي على الرغم من دونيته يصبو نحو الجسد / المثال، فكيف يقبل " أحمد ولد السلطان " بزوج الراعي، التي لم يستطع أحدهما أن يحقق اكتمال الآخر. و تأبى الطبقية الاجتماعية على المرأة الخارقة الجمال صاحبة الجسد المثال الدخول في الطبقات العليا، و تأبى على هذا الجسد أن يتمتع بمن يعادله وسامة و جمالا، فالدم النبيل و الأصل الشريف يتأبيان على من دونهما منزلة.
تؤشر الحكاية على انتماء " رداح " في طبقة ارستقراطية فـ " جنات " تقر بأنها (مدايرة من القماش صارمية) و ( على راسها عبروق زايد). إن فخامة اللباس و وجاهة القماش لدليل كاف على انتماء صاحبه في طبقة عليا، فالتَّرف و الفخامة دليلان على أن صاحبهما من " الأسياد" و عليه، لا تجوِّز الطبقة الاجتماعية لصاحبها النظر إلى ما دون مستواه، حتى و إن كان هذا النظر إلى جسد شهواني يكاد يحاكي النموذج.
بين أحمد و حماة جنَّـــات(والدة الراعي) :
يكشف الحوار القصير الدائر بين أحمد و حماة جنات، عن دونية الأصل الوضيع من جهة، و عن إحدى طبائع المرأة من جهة ثانية و هو طبع متأصل فيها بغض النظر عن سنها و مستواها الاجتماعي، و هو "الغيرة" التي تدفعها إلى العناية البالغة بجسدها و تبجيله و تقديمه على اهتمامات كثيرة، و محاولة إرضائه على الرغم من المحاذير التي تكتنف هذا الإرضاء "إن عامل السن لا يرغم المرأة على التخلي عن حقها في زوجها و التمتع بجسدها، فهي تراقب الرجل باستمرار حتى لا يرتبط بامرأة أخرى"4 فالعجوز التي شهدت الحوار الذي دار بين "ابن السلطان" و كنتها، تأخذها الغيرة من إعجابه بجمالها، و سعيه في طلب "رداح" فتتمسك بـ "ركابه".
إن "أحمد" الذي خبر بعض طبيعة المرأة بعد تحرره من سجن أبيه، قد فهم قصد العجوز و مبتغاها دون أن يحرجها بالسؤال و دون أن يندهش لفعلتها، و يباشر بالرفض الصارم.
أحمد: وَليِّ (ارجعي) يا امَّــى لَكْبيرة.
كُونْ عَيني في هَاذْ القْمِيحات رَاهَمْ فٍي بْلادي
كون عيني آني كْلِيتْهَمْ فِي بْلادي
و مَا شْقٍيتَشْ أنا و لَّا جْوَادي.
ترجع العجوز إلى المنزل و تلتقي بجنات التي أدركت رغبتها في "أحمد".
جنات: شَفْتٍي يا لَالَّة هَذاك الفَارس مَا بْهَاهْ و مَا ابْهَى لْغَاه ؟
العجوز: كُونْ مَا نْهَانِيشْ آنِي رُحْت مْعَاه.
إن دونية جسد العجوز لا تنبع من كونها تنتمي في طبقة فقيرة فحسب، بل لأن هذا الجسد لا يحوز على الإطلاق مواصفات "النموذج" و لا يحاكيه في شيء، جسد لا يمثل المفارقة، نمطي و أقل من عادي، و مثله موجود في بلاد البطل، و لو شاء لكان تعاطى مع "العادي" دون تكبد عناء الرحلة و تحمل مشاق السفر.
نلمح أيضا ملامح التراتبية الجسدية داخل الطبقة الاجتماعية نفسها، فالجسد العجوز الذي فقد نضارة الشباب و بهاءه، مرفوض من طرف الجسد الشاب سواء أكان من الطبقة نفسها أم من أخرى، الشباب عامل مهم في ممارسة الغواية و تأكيد فعلها (الجسد البهي لا بد أن يتوفر على صفة الشباب).
لا تكون غواية الجسد كاملة، إلا إذا كان بكرا، بتعبير آخر، لم يسبق له و أن تعاطى مع جسد أخر، إنها قداسة التجربة الأولى و فاتحة المتعة، الجسد الأنثوي الذي اكتشفه رجل آخر، سابق، لا يغري بالمغامرة و المخاطرة التي ربما كانت نهايتها الموت.
في الطبقة الدنيا نفسها لاحظنا أن "جنات" الجسد الأنثوي الجميل لا ترضى بالتواصل مع "جسد الراعي"، إذ الفارق في الجمال و الأناقة يغري الجسد المتفوق بالنزوع إلى ندِّه جمالا و وسامة، و لذلك رأينا "جنات" تدعو "أحمد" إليها.
بين "أحمد" و "خادمة رداح":
يتجاوز أحمد كل الحرس، و يصل قصر "رداح"، يصادف الخادمة و يطلب منها أن تخبر سيدتها بوصوله.
الخادمة: فارس بالباب يطلب لقاءك.
رداح: (متعجبة من عدم مقتل طالبها و مقررة إرجاءه) تتناول تفاحة و تطرزها بالطيب و تقول للخادمة: سلميها إليه و انظري في شأنه معها: فإن أكلها فأمري بقتله و إن شمها و وضعها في جيبه فقد أذنت له بالدخول.
يشم أحمد التفاحة و يضعها في جيبه، و تذهب الخادمة إلى "رداح" لتخبرها فتأذن له بالدخول، (هذه الحوارات سنستثمرها لتحليل ثنائية الجسد و اللغة)، حين اجتاز أحمد المصاعب و تخطى الحرس و وصل إلى قصر "رداح"، طلب من الخادمة التي صادفها أن تطلب له الإذن في الدخول، مانعت الخادمة لعلمها باستحالة تحقيق طلبه، فقال أحمد:
قُولِي لَلَّاك يا وْصِيفَة تُخْرَجْ وْ الَّوْصٍيفْ مَا في يدُّو كْلـُوفْ
قُولي لَلَّاك تخرج تْشوف يا شْوارب الحَلُّـــــــوفْ.
إن صيغة الأمر المتكررة و نعت الخادمة ب "الوصيف" و هو العبد الأسود، يدلان على استعلائية متضخمة في ذات البطل كونه من طبقة النبلاء، و الجسد المصبوغ بالسوداء و الشفاه الغليظة التي تشبه شفاه "الحلوف" أي الخنزير أحط حيوان في المعتقد الشَّعبي، لا يحق لمن كان بمثل هذا الوصف أن يقف ضد رغبة من يملك جسد الملوك و السلاطين.
عود على بدء:
أصل الحكاية / بداية الغواية:
في القصيدة التي تحكي قصة "يمينة" و "عبد الله"، تبدأ الحكاية –كما أسلفنا- بوجود يمينة، شابة من طبقته، على مستوى من الجمال صادم و خارق، فيتصل بها، و تحتال لذلك بأن تطلب من أبيها أن يصنع لها لعبة في شكل غزالة بحجمها الطبيعي، تكون جوفاء، يتمكن "عبد الله" من الدخول فيها و يستقر في غرفتها بكل أمان، و سنلاحظ أنه في حالتي الحكاية و القصيدة يسكت صوت صاحبهما عن الحديث عما جرى بين الرجل و بين المرأة (عكس ما نلاحظ في قصص ألف ليلة و ليلة مثلا من وصف دقيق لعملية الاتصال) داخل الغرف لا تعود للأجساد تمظهرات خارجية تدل على حالة الرغبة و تحقيق هذه الرغبة، و يشبه الأمر حالة مشهد سينمائي حين يدخل الاثنان (المرأة و الرجل) الغرفةَ و يوصدان الباب في وجه المشاهد، يبدو القول أو الكتابة في هذه النقطة مساسا بلحظة قداسية تترفع عن الوصف "هل بإمكاننا أن نكتب على الرغبة دون أن نتحدث عن أدوات تحققها ؟ نحن في واقع الأمر لا نكتب عن الرغبة، فالرغبة تستعصي على الإدراك المجرد، إنها طاقة ذاتية يعيشها الفرد كسر مطلق، فأقصى ما يمكن أن نفعله هو أن نصف تجلياتها"5، و لذلك لن يهمل الراوي أو الشاعر وصف هذه التجليات (الشعر، العيون، الشفاه، النهد...) و إن كانت حيلة الغزالة تذكرنا بالإلياذة، فإنها أيضا تحيل على قصة دخول الشيطان على حواء و إغرائها بالأكل من شجرة الخلد، و كان دخول الشيطان في جوف الحية معادلا له دخول "عبد الله" في جوف الحصان، لتجسيد استجابته لجسد يمارس غوايته في صمت دون أية وسائط، فالجسد الجميل يفيض بمعاني الغواية و الإغراء، حتى دون كلام أو قصد، لذلك حرصت النصوص الدينية على حجب الفتاة إذا وصلت البلوغ و عبَّرت بعض المناطق في جسدها عن أنوثتها، هذا التحوُّل الذي تصبح بواسطته الطفلة امرأةً.
و يحضر في قصة "رداح" مشهد "التفاحة" التي أكلها آدم، فاستحق بذلك عقاب الله تعالى و إخراجه من الجنة، و على العكس من آدم الذي أكل التفاحة فإن أحمد اكتفى بشمها ووضعها في جيبه (تماما كما أرادت رداح و أمَّلت)، إن شم طيب ثمرة الغواية و وضعها في الجيب يعد تعاملا ذكيا مع موقف الاختبار الذي وُضع فيه، و تأكيدا لحالة العشق التي يعيشها البطل، و إعلانا عن أن الرجل خبير في فنون التعامل مع المرأة و على معرفة دقيقة بتفاصيل الشخصية الأنثوية، في مستوى أدق من التحليل، تصبح هذه التفاحة المرأةَ ذاتــَها، إنها بشكل أدق "جسد المرأة".
التفاحة / النص الجسدي:
كانت التفاحة التي أكلها آدم نفسها الحيلة التي انطوت عليه، حين لجأت حواء لإغرائه جسديا، حتى تدفعه إلى المعصية و تتسبب له ولها بمأساة الإنسان الأبدية في حركة هبوط نحو الأرض.
يسعى "أحمد" للامتزاج بعالم المرأة/الجسد المثال، و يقف على بابها و قد يدخل تحت شرط اختباري، إن أكل التفاحة (سلوك عادي) يعني المغادرة و الخروج من الجنة (جنة حواء و عالمها).
إن الرجل الذي يجهل أبجديات التعامل مع المرأة و غير عارف بفنون تناول جسدها، و فك الشبكة الدلالية الرامزة لإيماءات هذا الجسد، و إعطاء التأويلات المتسقة مع مساحات الفراغ في نصِّه، و ملء فجواته، هذا الرجل يستحق الطرد من عالمها دون أسف عليه، و ربما لم يكن الطرد كافيا على انجراح نرجسية الجسد، قد يكون القتل هو العقاب اللائق.
إن تطييب التفاحة يعادل تطيب المرأة، و لا بد أن هذا التطيب و إن كان من مستلزمات النسق الجمالي للمرأة، فإنه أيضا يعد من أهم تجليات الرغبة و وسائلها في الإعلان عن نفسها، سواء أكان ذلك بالنسبة للمرأة أو الرجل، و لذلك كان التطيب من أهم مقدمات فعل "النكاح" و ارتبط التعطر بجريمة الزنا، و كانت كل من تعطرت و خرجت فشم الناس عطرها زانية.
تمثل التفاحة نصا جسديا، لكنه لم ينشأ عن طريق أحد أعضاء الجسد، فهي لا تشبه الأصبع الذي يراه "راعي الغنم"، و كنا قد قلنا إن التفاحة تصبح جسد "رداح"، بشكل أعمق إنها جسدها و هو في حالة عري، حيث لا يبقى أمام الرائي غموض أو تساؤل، فكل الجسم مشاهد، و كل النص مقروء، فالجسد الذي يعادل التفاحة لذة و نضارة جاهز لاستقبال الناجح في اختبار "التفاحة".
و حين يخفي التفاحة في جيبه، فهذا دلالة مباشرة على نبل أخلاقه و علو همته، و استعداده لحفظ سر هذه المرأة التي ستمنحه نفسها بعد قليل فالأمانة و التكتم مطلوبان في مثل هذه العلاقة.
و أحمد ابن السلطان ليس أوَّل رجل يرحل و يسافر طلبا لرداح، فقد قتل على بابها كثير من الرجال، بعضهم لم يستطع تجاوز العسـس و آخرون فشلوا في الإختبار أو عجزوا عن قراءة النص و استكناه معناه الخفي / الواضح.
إن ذاك السقوط و هذا النجاح يكشفان عن التفاوت في مستوى الثقافة الأيروسية بين الرجال، و كما قد يرجع هذا التفاوت إلى اختلاف المراتب الاجتماعية، فإن الاختلاف و التفاوت في قراءة النص و تلقيه يعود إلى الاختلاف و التباين في التعامل مع هذا النص.
و يبرز الفرق واضحا بين نساء النص الشعبي الجزائري (هنا) و بين نساء ألف ليلة و ليلة مثلا؛ فمعظم نسائها خاصة ذوات الجاه المنتميات في طبقة الحكام و الوزراء و التجار شبقات يتجاسرن على الفاحشة و الخيانة " فإن زنى المرأة السلطوية (...) كان نتيجة علاقات الفسق و الفساد التي سادت في قصور ألف ليلة و ليلة و التي انغمس فيها كبار القوم من جهة، و هو في بنيته العميقة يشير إلى فساد متأصل في طوية هذه المرأة و سلوكها و قيمها التي تربت عليها في مجتمع سلطوي ثري مستبد محاط بالأبهة و الخدم "(6) و بعكس ألف ليلة و ليلة، لا يُدين النص الشعبي مثل هذه العلاقة، بل يرفعها إلى مقام سام، و يعين لها نهاية إيجابية.
خارج حدود الزمن:
دخل " أحمد ولد السلطان " على " رداح " واختليا ببعضهما خمسة و أربعين يوما، هذا بالضبط ما تخبرنا به الحكاية.
إن " الخلوة" هي مختصر ما كان بينهما، و الغريب في أمر هذه الخلوة هو أنها أتمت عدة خمس و أربعين يوما دون أكل أو شرب؛ كأن البطلين وصلا إلى درجة الاستغناء و الاكتفاء ببعضهما عما سواهما، كأن حالة اتحاد الجسدين جعلتهما في غنى عما هو خارج عنهما.
نحن هنا أمام جزء من الحكاية يلامس اللامنطق أو المحال؛ إذ كيف يعقل أن يختلي الرجل بالمرأة مدة شهر و نصف شهر دون أكل و شرب؟ لذلك نقترح التأويل التالي:
تحول الجسدان المثالان إلى جسدين قداسيين، لقد نأيا عن عالم الموجودات الحسية المادية، و أصبحا روحين تعيشان دون الحاجة إلى البدن، و كأننا بإزاء تجربة عشقية صوفية " لأن التجربة الصوفية في أعمق معانيها هي تحرر الإنسان من الوعي و من فخ قيم ضيقة ملقنة، و انطلاق في رحاب اللاوعي بحثا عن قيم جديدة (...) و يغدو الحب ارتقاء نحو المقدس، و إذا أخذنا بالزعم الفلسفي القائل بأن النفس كانت موجودة قبل الجسم، و تظل موجودة بعده، و أنها جوهر روحاني قائم بنفسه، مستغن عن البدن، و أنها كانت في الفلك، أو في العقل الفعال، أو في النفس الكلية، فيصبح من السهل تبرير هذا الحنين الذي يجرف النفس بحثا عن موطنها الأول " (5).
يشرح هذا النص أن البقاء مدة خمس و أربعين يوما دون غذاء، و في انفصال كلي عن العالم الخارجي، يعني أن الروحين قد استغنيا عن بدنهما، و أنه لحظة حدوث الاتحاد بين " رداح " و "أحمد " يكون الاثنان قد ارتقيا إلى مستويات عليا غير تشخيصية، فغابا في عالم روحاني و تغيبا عن الدنيا.
إن حالة الانخطاف هنا و الذهول عن الدنيا تجعل من هذا العشق الإنساني يحاكي نموذج العشق الرباني لكنه لا يستطيع أن يكونه لأن " أحمد " يستفيق بعد انقضاء هذه المدة، فيظن أنه لبث يوما أو بعض يوم، إن حالة الصعود و التسامي كانت حالة مؤقتة يردها عن حركتها ظن " ولد السلطان " بحدوث أمر أرضي جلل. فبعد اكتمال المدة، ينزعج الفرس لفراق صاحبه و يصهل صهيلا يدوي الجبال.
يفزع " أحمد " و يقول:
شـاش لبيـض وانـهــم*** و اتكلم صدرو مثل طبول نحاس
إمــا نْجـَـع اتَّـاخَــذْ*** و لَّا جازيـة جاتْهَـا فـالـرَّاس
صهيل الفرس المدوي كسر بوتقة اللاوعي، التي تخدر فيها عقل " أحمد " و أعاده إلى الأرض (حركة النزول) و يستدل أحمد بصهيل فرسه على أمرين:
1- موت " نجع" و هو والده.
2- موت " الجازية ".
إن موت الوالد / السلطان / زعيم العشيرة، هو – دون شك – حدث خطير، قد يهدد استقرار القبيلة و وحدتها، و " أحمد" بوصفه ابن أبيه، لا يفزعه أمر الموت المقدر بقدر ما يفزعه ما يترتب عن هذا الموت. إذ لا بد أن يكون هناك، في موطنه من أجل ردع القلاقل و الاضطرابات التي تحدث في مثل هذه الحالات، إذ إن موت " الحاكم " أو " الزعيم " فرصة سانحة للمتمردين و الراغبين بالثورة، و لذلك لا تعلن الطبقة السياسية في جميع البلدان عن موت " الرئيس " أو " الملك " إلا بعد ترتيب الأمور، و التأكد من استتباب الأمن، و الاستعداد الكلي لمواجهة المعارضين و الرافضين.
و تحضر الجازية بوصفها الصورة الأسمى للمرأة، الصورة التي لا تُطال، و الجسد الذي لا يمس.
و تبدو مثقلة بحمولات دلالية لا تنتهي، حمولات تبقى رمزية، تتناسل و تبقى مشردة في عالم المثل و الأحلام؛ فالجازية الصورة الأيقونية للمرأة " هي المرأة في أبرز مظاهر تحررها و في قمة الاعتراف الاجتماعي بها كطرف فاعل في حياة المجموعة، إنها خزان الأمومة و الحب و القوة و الحكمة "(8).
تصبح الجازية أيضا عمدا في القبيلة و رمزا لوحدتها لذلك يكون موتها أو موت " نجع " ذهاب رموز القبيلة، و تهديدها بالانقلاب و التشتت.
بناءً على هذا، يعتقد ابن السلطان أن أمامه مهمة عظمى لا بد أن ينطلق إليها، لأنها تخص كيان القبيلة و وحدتها.
يعود الشاب إلى دياره، و يستقر في قصره، و يكتشف أن الأمور على خير ما يرام، فيسقط طريح الفراش و تأتي الوفود لتهنئه على رجوعه سالما، و يرد على كل مهنئ بجملة واحدة: الله يسلمك و يسلم رداح، ما استوجب قلق أمه التي استدعت خاله لحل مشكلة ابنها، يدخل " أحمد " –إذن- مرة ثانية في حالة اللاوعي، لكنه لاوعي داخل حدود الزمن و داخل أسوار العالم الموجود، المحسوس، و هو لا يزال مشدودا إلى الأرض، لأن الجسد الذي اتحد به ليتسامى معه في هيئة ذات واحدة نحو الأعلى غير موجود في هذا الحيز المكاني.
النقش بالكلمات / تجسيد الجسد:
يشرع " أحمد " في وصف جسد " رداح ":
عليها شعور كني قمح في بور (9)
عليها زنود مثـل هنـــود (10)
داروهـم اماليهـم للعجــب
يا خالي لكان اديتنـي ليهــا
قلبــــي اتـــــحرق
بزازلهـا تاقــوا لتنيــن (11)
كي حمامـات متسامييـــن(12)
على راس برج عالي مقرمـد (13)
يا خالي لكان اديتنـي ليهــا
قلبــــي اتـــــحرق
عينيهـا حـب رصـــاص
مذوب فـي قالـب نحــاس
بيـه تقاتلـت لــــعراش
صـح ماهوشــي كــذب
يا خالي لكان اديتنـي ليهــا
قلبــــي اتـــــحرق
و عليها سنان كي نقش الثمان (14)
صاغهم يهودي في وهــران (15)
راح قـالــوا اهــــرب (16)
يا خالي لكان اديتنـي ليهــا
قلبــــي اتـــــحرق
و نحن نحلل جزئية مستوى التشخيص في هذه الحكاية، نتنبه إلى أن البطل قد أصابه المرض للمرة الثانية و قد فارق " رداح "، و كان قد مرض أول مرة حين ذكرتها " الستوت "؛ فالمرض الأول كان بسبب الشوق للقاء ما لم يُعرف، و اكتشاف ما لم يكتشف، أما المرض الثاني فقد نزل به من شدة الشوق إلى ما عُرف، و الرغبة في معاينة ما اكتشف.
و إن كان البطل قد حل مشكلته الأولى بالسفر و لقاء " رداح "، فإن المشكلة الثانية لا يمكن أن تحل إلا إذا تمت له المساعدة من قبل طرف آخر، فإمكانية السفر و الارتحال غير ممكنة، طالما سيبقى البطل ضمن حالة اللاوعي الراهنة دون لقائه برداح.
على مستوى التشخيص، نميز تركيز الراوي على أجزاء بعينها من جسد " رداح ".
في جسد " رداح " تتجلى الرغبة بكل ما يمكن أن يجليها ( الشعر، الذراعان، النهد، العينان، الأسنان، الساقان...)، و في جسد " رداح " أيضا تتجسد الطبيعة بخصبها و إحدى رموز الحياة فيها (السنابل/ القمح)، و يصبح النهد حمامتين واقفتين على برج عال، و إذا كانت الحمامة – على مستوى الشعر الفصيح- تعد رمزا للسلام، فإنها قد تكون كذلك على مستوى الأدب الشعبي، أما إذا استبعدنا هذا التأويل و أقصيناه، فنحن لا نستطيع استبعاد كون نهد المرأة هو الجزء الذي يحن له الرجل أبدا بوصفه وسيطه الأول في صلته بالحياة عندما خرج إلى الدنيا أول مرة، تتجسد هنا دلالة الأمومة بوصفها الواهب الأول للحياة، و تلتقي مع ( السنابل/ القمح) بوصفه أحد أهم مكونات الحياة و أحد أكبر ضمانات استمرارها بالنسبة لكل العناصر البشرية.
نلاحظ هذا التلاقي و التلاحم على المستوى الرمزي للتشكيل الجسدي الأنثوي، و قد يصدمنا هذا التلاحم المعبر عن الحياة و بدئها، بتقاطعه مع رموز الحرب و إنهاء الحياة؛ يتجسد ذلك في تشبيه الذراعين (ومعهما اليدين/ أدوات الفعل و التنفيذ) بالسيوف الهندية (الهنود) و هي السيوف التي يصفها العرب بكونها الأجود.
إن إسناد الحركة في الجسد الأنثوي إلى السيوف أداة الحرب و القتل و كذلك العينان اللتان تشبهان بحبتي رصاص- وسيلة أخرى للقتل – يضعنا أمام تناقض واضح.
إن هذا التناقض البنائي في جسد المرأة، نعثر عليه أيضا في قصيدة " يمينة و عبد الله " فهي الأخرى يجمع جسدها بين ثنائية الموت و الحياة.
عينيهـا قرطـاس معبـر** حـب ثمـان قالبــو
خدودهـا نـوار مــنور** فاتـح روس كبايبــو
فمهـا رمـان مكســـر** سـارق شهـو طيابـو
فالزهر و النوار يتناقضان مع الرصاص الذي صيغ في قوالب.
هل اعتقد القاص و الشاعر الشعبي أن جسد المرأة مساحة لأحد اختيارين، حياة أو موت. يصدق هذا التصور خاصة إذا استحضرنا حكايات اختطاف العرائس ليلة زفافهن، قبل أن يلتقي الزوج بزوجه، يخاطر أحد الرجال المهووسين برجولتهم، من أجل نيل شرف الليلة الأولى و الاحتفاظ بهذه المرأة التي يرى في نفسه المالك للميزات التي تجعله أهلا للاستحواذ على جسد نال إعجابه، ألم يكن هذا الرجل ينفذ عملية الاختطاف و مبدؤه " على العين الكحلة نموت و إلا نحيا " و كذلك كانت رحلة " أحمد ولد السلطان " إلى موطن " رداح " محفوفة بالمخاطر، ملغمة بالموت، و كذلك كان مصير " عبد الله " على النحو الذي تبينه القصيدة.
يحث الجسد المغري الشهواني على المغامرة، طلبا للاتحاد به، إن كمال جسد الرجل لا يمكنه أن يتحقق إلا بالاتحاد الذي دونه الأهوال.
من أجل ذلك يلح " أحمد ولد السلطان" على خاله في العودة إلى ديار " رداح " و معاودة الاتصال بها، و يكرر (يا خالي كان ديتني ليها – قلبي اتحرق)
إن جسد " رداح " ألغى من تصور البطل كل الأجساد الأخرى، لأنها لا تستطيع أن تحقق له صفة الكمال، بل إن التمادي في البعد عنه قد يسبب له نقصا في رجولته؛ فاحتراق القلب، يعني أن الرجل يكاد يصبح دون عاطفة و دون إحسان بالموجودات من حوله.
على عكس بعض نصوص الأدب الفصيح التي تشيِّئ المرأة، أي تجعل منها مجرد " شيء"، جسد للمتعة، يجتهد النص الشعبي (الجزائري) بكل ما يملك من أدوات تعبيرية، و طاقات دلالية، في جعل هذا الجسد محور الكون و نواته، بكل تشاكلاته و تقابلاته، و على طرفي هذا المحور تتشكل معادلة الموت و الحياة، و السلم و الحرب، ففيه بذرة الحياة، و فيه خاتمتها. و هو يبقى غاية يصبو إليها الرجل و يشقى، لكنه يعلم أنه الغاية التي لن يصل إليها، و لكنه يبقى مشتاقا إليه، يحن إلى التواصل معه، كأننا إزاء تجربة عشقية صوفية، ثمة جسد أنثوي بحمولته المادية و المعنوية يعيش في خيال الرجل يريد تحقيقه و معاينته دائما " و للحب الصوفي علاقة بالخيال؛ لأن القلب موطن الأحاسيس و مصدر الحب، ينصرف إلى المحبوب بعد أن يصوغ له الخيال صورته في جمال و كمال مثاليين، فالعاشق يحب الصورة التي يحلم بها و التي تكفل الخيال برسمها له" (17).
طبقية الحب و طبقية اللغة
لعله من الجدير أن نسجل أن قصص العشق هذه مسجلة بين أبناء الطبقة العليا، كما سبق و أشرنا؛ فـ " رداح" ارستقراطية نبيلة مثل " أحمد ولد السلطان " و كذلك " يمينة " و عبد الله.
فكل المحبوبات ارستقراطيات، يختلن في اللباس الفاخر و يستعملن الحلي الذهبية بشكل يومي.
يقابل أفراد الطبقة العليا، السوقة من الناس، و كذلك تتضاد لغتا الطبقتين.
تهمل الحكاية ذكر أصحاب الأجساد الدونية، بينما تحتفي بأسماء أصحاب الأجساد المثالية، فيكتسب الاسم بذلك وظيفة مركزية و دلالة مشعة تحيل على صاحبه.
إن " رداح" صاحبة " الجسد المثال " تمتلك أعلى مستويات اللغة في الحكاية، بل إن جسدها ذاته يصبح لغة كما سبق أن أشرنا، فثمرة الخطيئة تخط بالطيب، و تخرج إلى الفارس، فيستبدل بها نصا ذا أبعاد تاريخية و ثقافية و تربوية متدفقة، إنه إيحاء بالغ التكثيف، حاد الاختزال، و مع ذلك فإنه يجيء منهمر الدلالات، شيء أكثر إلغازا من نظام الاتصالات السرية في الحروب، و حل اللغز محاط بمحاذير كبيرة؛ إذ الفشل في حله عقوبته الموت، تعاقب اللغة العليا من يفشل في التعامل معها بالموت، فهي لغة غير جدير بها إلا من تميز برهافة الحس، و قوة الحدس، و نفوذ البصيرة، و الموت عقاب لمن يفشل في التعامل مع نرجسية الجسد/ نرجسية اللغة.
و ربما نكون قادرين على الاستنتاج بأن الراوي و الشاعر الشعبيين الجزائريين قد استطاعا إيجاد الحل لمشكلة الجسد، و صعوبة طرحها، فارتقيا به إلى مستوى التجربة الروحية الصوفية، دون أن يهملا كونه موطن الرغبة و تجلياتها. و إن أي محاولة لتنفيذ هذه الرغبة سيكون عقوبتها الحروب الناشبة، غير أن المحير هو أن هذا الجسد هو نفسه من يطفئ نار الحرب و يرفع رايات السلام، فخروج " يمينة " إلى قوم " عبد الله " أوقف نار الحرب و جمع العاشقين، و كذلك كان حب " رداح " و " أحمد " كان سببا في زواجهما و اتقاء مخاطر الحرب.
و يبقى التراث الشعبي مجالا شائقا، و نبعا ثرا للدراسة و تحليل النصوص التي تتقاطع مع التراث العالمي و الديني/ و يبقى الشكل الأول الذي صبت فيه الإنسانية أحاسيسها و أحلامها و لا زالت تفعل، لذلك يبقى بابه مشرعا أبدا في وجه كل من أراد الأخذ منه.
هوامش الدراسة
(1) عبد الله، محمد حسن. الحب في التراث العربي عالم المعرفة، 1980، ص 15.
(2) إبراهيم، زكريا. مشكلة الحب، مكتبة مصر، القاهرة، ط3، لا تاريخ، ص 208.
(*) يورد الدكتور حميد بورايو في كتابه (الأدب الشعبي الجزائري) العديد من الحكايات الخرافية التي تكاد تنتهي فيها البطلة إلى الدرامية و المأساة، حينما تصر على اكتشاف حقيقة زوجها التي يخفيها عنها و يوصيها بعدم محاولة رؤية وجهه أو التعرف إليه. ينظر: بورايو، حميد. الأدب الشعبي الجزائري، دار القصبة للنشر، الجزائر، لا طبعة 2007، ص، ص 149 ← 169.
(3) ابن خلدون. مقدمة ابن خلدون، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 9، 2006، ص 133.
(4) أفرفار، علي. صورة المرأة من المنظور الديني و الشعبي و العلماني، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1996، ص 69.
(5) بنكراد، سعيد. السيميائيات (مفاهيمها و تطبيقاتها) منشورات الزمن الرباط، لا طبعة، 2003، ص 129.
(6) يونس، محمد عبد الرحمان. الاستبداد السلطوي و الفساد الجنسي في ألف ليلة و ليلة، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2007، ص 150.
(7) يونس، وضحي. القضايا النقدية في التراث الصوفي حتى القرن السابع، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2006، ص 51.
(8) الغابري، مريم خير الدين. السيرة الهلالية، دار سحر للنشر، تونس، ط 1، 2008، ص 128.
(9) بور: - أرض تزرع لأول مرة و لذلك صلح نبتها.
(10) هنود: - السيوف و هي الهندية لجودتها، و نعتها بذلك لشدة بياض بشرتها.
(11) تاقو: - ارتفع نهدها و بان دلالة على نضجها و اكتمال أنوثتها.
(12) متساميين: تقف إحداهما إلى جانب الأخرى.
(13) كنى بذلك عن طول قامتها و بياض بشرتها المشرب بالحمرة، و كذلك يوصف الخد الأحمر في النص الشعبي بأنه " مقرمد ".
(14) نقش الثمان: و مفرده (الثمن) العملة الذهبية.
(15) صاغه يهودي في وهران: و نسب الصياغة إلى اليهود لجودة صناعتهم و إتقانهم صوغ الذهب، و جعله في " وهران" بالغرب، لبعد المسافة بينه و بين دياره.
(16) قالوا اهرب: أي اختفى مما يجعل الأمل منعدما في صياغة على شاكلة الأصل، و كنى بهذا عن كون " رداح " وحيدة زمانها متفردة بين النساء بجمالها.
(17) يونس، وضحي. مرجع مذكور، ص 53.
قائمة المصادر و المراجع
1. حكاية رداح و أحمد ولد السلطان ( نص شفهي )
2. قصيدة عبد الله و يمينة ( نص شفهي )
3. إبراهيم، زكريا. مشكلة الحب، مكتبة مصر، القاهرة، ط3، لا تاريخ.
4. ابن خلدون. مقدمة ابن خلدون، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 9، 2006.
5. أفرفار، علي. صورة المرأة من المنظور الديني و الشعبي و العلماني، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1996.
6. بنكراد، سعيد. السيميائيات (مفاهيمها و تطبيقاتها) منشورات الزمن الرباط، لا طبعة، 2003.
7. عبد الله، محمد حسن. الحب في التراث العربي عالم المعرفة، 1980
8. الغابري، مريم خير الدين. السيرة الهلالية، دار سحر للنشر، تونس، ط 1، 2008.
9. يونس، محمد عبد الرحمان. الاستبداد السلطوي و الفساد الجنسي في ألف ليلـــة و ليلة، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2007.
---------------------------------------------- أ/ مَــرْزاقة عمراني
أستاذ مساعد ـ قسم أ ـ
قسم اللغة العربية ـ جامعة منتوري ـ قسنطينة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: