فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7507
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عمل منذ بواكير التاريخ الإسلامي على تدجين دين الإسلام وتحويله لأداة تخدير وتبرير للواقع، وكان مصداق ذلك تضخيم جانب العبادات مقابل الإضعاف حد التغييب للجوانب الأخرى التي تتناول الأبعاد الجماعية كالجانب السياسي والجانب الاقتصادي والجانب الثقافي وغيرها.
تواصل هذا المنحى الاختزالي للإسلام عبر التاريخ بل وتفاقم من خلال استحداث المذاهب الفقهية التي كرست تغول الجانب التعبدي الفردي وإفراده بأطنان من المجلدات التي تحولت أحيانا لما يشبه العبث في مسائل هي أساسا مجرد جانب مرتبط في اصل وجود مبرره بواقع ذي أبعاد تم تجاهلها بذلك الفقه الوظيفي الذي لقي دعما من كل الحكام عبر التاريخ مادام يمثل فقها يعمل على الإغراق في قضايا لا تمس الواقع الذي يديره الحكام كما يريدون
أي أن لازم وجود الفقه الحالي مرهون في وجوده بأبعاد أخرى رغم أهميتها لم يتناولها الفقه الوظيفي
كانت عمليات تجزئة فهم الإسلام تعمل على إنتاج تدين وظيفي، يؤدي أدورا تابعة للمتحكمين بالواقع، سياسيين غالبا ولكنهم أحيانا أخرى أصحاب مصالح إقتصادية ومرتزقة دين وغيرهم من المنتفعين من المحافظة على الواقع
حديثا وقع الأخذ بالتصور التجزيئي للإسلام ووقع العمل بالفقه الوظيفي وانتهينا لإسلام محصور في جوانب التعبد الفردي
انتهينا أن أصبح الفرد الملتزم النموذجي هو من يكون مواظبا على عباداته الفردية فقط، مهملا للواقع.
انتهينا لفرد يفهم الإسلام انه غض الطرف عن الدنيا وتركها لأصحاب الدنيا كما يقال، همه التنقيب عن دقائق الفقه في الغسل وشروط صحة الصلاة وما شابه، رغم أنها مسائل أشبعت درسا عبر قرون ويكفيه منها ما تيسر بل وان اخطأ فيها فليس ذلك مما يمثل خطرا على وجوده كمسلم، مقابل عدم اهتمامه بل نفيه لان يكون تغيير الواقع حسب منهج الأنبياء من الإسلام، رغم ان فساد الواقع وتركه تحت سيطرة أعداء الإسلام يهدده كفرد مسلم في دينه بل وفي وجوده.
وصلنا لإسلام أصبح فيه الفرد النموذجي يتبع منهجا غريبا ما دعا إليه الإسلام وما استنّه نبي الإسلام ولا الأنبياء من قبل
وصلنا لإسلام أصبح فيه الفرد النموذجي يختزل الإسلام في حفظ القرآن رغم أهميته متناسيا أن الإسلام قام على أناس لم يكونوا يحفظون من القرآن إلا اقله وهم الصحابة خيرة المسلمين، حيث لما مات نبي الإسلام لم يكن يحفظ كل القرآن من جملة الاف الصحابة الا حوالي العشرة.
وصلنا لفرد يتصور انه بالتمكن من الفقه فقط قد أفلح ولم يعرف انه بفساد الواقع وتركه بيد أعداء الإسلام، فلن ينفعه الفقه ولا حفظ القرآن.
وقع تغييب حقيقة أن الإسلام هو أساسا رسالة لتغيير الواقع وما العبادات الفردية إلا أداة لحسن أداء أمر خالق الكون في أسلمة الواقع بكل أبعاده وهي المهمة التي أنتدب إليها و أداها كل الأنبياء، فموسى لم يكن داعيا للصلاة فقط و إلا فلماذا يتصدى لفرعون، والدعوة للصلاة لم تكن دافع لوط في التصدي لقومه، أما شعيب فكان همه محاربة الفساد الاقتصادي وليس إقامة الصلوات، ولو كان الأنبياء همهم إقامة الصلاة مجردة من أي بعد آخر أو العمل العبثي على التعمق في الفقه، لما كان من داع لبعثتهم أصلا، فكل الديانات المحرفة والوضعية لها طقوس صلاة إبتداء، والصلاة ان لم تكن ذات هدف توحيدي رسالي، يستوي فيها ان تؤديها لخالق الكون او تؤديها لمخلوق صنما او غيره.
لقد انتهينا لإسلام أصبحت فيه الوسيلة هي الهدف
الإسلام الرسالي يجعل من أتباعه مهمومين بخطورة انتشار اللغة الفرنسية و تغلغل التواجد الفرنسي بتونس مثلا أكثر من اهتمامهم بالجوانب التعبدية الفردية على أهميتها، مشغولين باستنباط طرق التصدي للتبعية للغرب أكثر من انشغالهم بدرس صلاة الجنازة أو غسل الحائض أو أيهما أفضل النوم على الشق الأيمن أو الشق الأيسر.
التصور الرسالي للإسلام يجعل أتباعه رافضين لفكرة أن تكون تابعا للغير العقدي فضلا على أن تستشيره في ما تفعل، فضلا على أن تقبل سماع شيوخ يبررون ذلك.
الإسلام الرسالي يجعل المسلم ذا أفق بعيد وسقف عال يرفض الإغراق في الفقه الوظيفي الموروث مقابل إلهائه عن الواقع.
المسلم الرسالي يرفض الفهم القائل أن الإسلام دين للآخرة فقط، لأنه يعتبر على العكس الإسلام دين خلق للدنيا خلق لتغيير الدنيا وأسلمتها حسب مفاهيمه.
المسلم الرسالي يرى ان النجاح في الآخرة لن يكون ممكنا ما لم يكن هناك سعي في أسلمة الدنيا، وهو يفهم ان هذا هو معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: