الدعوة إلى إحلال العامية في محل العربية الفصحى من أدب الناطقين بالضاد وثقافتهم ليست من مخترعات هذا الجيل، بل هي فكرة استعمارية، فكرت فيها عقول إنجليزية، قبل عشرات السنين، وعرضت على هذه الأمة المصرية عرضاً جذاباً ظاهرة البراءة وحسن النية والشفقة على ارتقاء المصريين وتقدمهم، ولكن المصريين كانوا أحصف وأعظم ألمعية من أن تهزأ بهم العقول البريطانية هذا الاستهزاء فقابلوا ذلك بما يستحقه.
وحكاية ذلك أن الإنجليز يوم كان احتلالهم في مصر بالغاً أوج قمته من الثبات والتمكن، كان للمصريين مجلة علمية اسمها (الأزهر) يصدرها عالمان كبيران من علمائهم وهما إبراهيم بك مصطفى والدكتور حسن بك رفقي، وبعد أن استمرا فيها خمس سنوات إلى نهاية سنة 1892 نيطت بهما أعمال أوسع من أعمالهما الأولى، ومنها إسناد نظارة مدرسة دار العلوم العليا إلى إبراهيم بك مصطفى بعد أن كان مدرساً للكيمياء في إحدى المدارس العليا، فتخليا عن مجلة (الأزهر) من نهاية سنتها السادسة (يناير 1893) إلى المهندس الإنجليزي الشهير (وليم ويلكوكس) والأستاذ أحمد الأزهري، وكانت فاتحة أعمال ويلكوكس عند انتقال مجلة (الأزهر) إليه أن ألقى محاضرة في نادي الأزبكية (أنجلو إجبشيان كلوب) موضوعها «لِمَ لمْ تُوجد قوة الاختراع لدى المصريين الآن؟ » زعم فيها أن قوة الاختراع تأتي من القوة المفكرة ويرثها الإنسان من آبائه، والقوة الخيالية ويرثها من أمهاته ـ والأمهات المصريات جاهلات لا يلدن أبناء مخترعين ـ وتأتي قوة الاختراع من الثبات والإقدام، وأكثر المصريين يضيعون أوقات فراغهم في المقاهي بلعب النرد والضمنة. ثم زعم أن أهم عائق يمنع المصريين من الاختراع هو أنهم يؤلفون ويكتبون باللغة العربية الفصحى، ولو ألفوا وكتبوا بالعامية لصاروا مخترعين! واستدل على ذلك بأن الإنجليز كانوا يؤلفون باللاتينية فلم يكونوا مخترعين فلما اختاروا لغة الفلاحين الإنجليز وكتبوا بها صاروا مخترعين ويرجع ذلك إلى الزمن الذي نبغ فيه شكسبير وبيكون.
ونحب أن نقول الآن بعد 55 سنة من إلقاء هذه الخطبة إن صاحبها من أعظم مهندسي الدنيا في الري والخزانات والتحكم في مجاري الأنهار، ومع ذلك فإن له نزعة تبشيرية أخذت عليه لبّه، وشغلت عقله، وعطّلت استقامة التفكير الرياضي في ذهنه، وهو حي يرزق إلى اليوم ـ فيما أظن ـ وله عشرات الكتب في التبشير بالمسيحية طبعتها مطبعة النيل للإرساليات البروتستانية، وقد رمى بها غرضين بحجر واحد، وأحد الغرضين خدمة الكنيسة، والثاني هدم العربية بكتابة تلك الكتب باللغة العامية.
ولما ألقى خطبته في نادي الأزبكية قبل 55 سنة عرف المصريون أن غرضه الحقيقي من الدعوة إلى إحلال العامية بدل الفصحى حرمانهم من تراث الفصحى في الدين والعلوم والآداب لتسهل على الاحتلال مهمته. وتولت جريدة (المؤيد) ومجلة (الأستاذ) هتك أستار هذه الدعوة بما لا مزيد عليه. وهوجمت خطبة ويلكوكس في مجلة ويلكوكس نفسها (الأزهر) بأقلام سليمان المهندس إبراهيم بك مصطفى ناظر مدرسة دار العلوم، وأحمد أفندي سليمان المهندس بالتنظيم، والسيد أفندي الزمزمي.
ومما قاله إبراهيم بك مصطفى: إن علماء اللغات قسموها على تباينها إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ لغات أحادية المقاطع، وهي خالية من حروف المعاني، وعدد كلماتها أقل من غيرها، ولا تتغير صيغتها، ولا تدل على النوع أو الكيفية، أو العدد أو الزمن أو النسب، بل كل ذلك يفهم من تكييف الصوت بهذه المقاطع في المنطوق، ومن مكان الكلمة من الجملة في المسطور. ومن هذا القسم اللغة الصينية، وعدد كلماتها 500 إلا أن لها 1500 نطق لا يدركها إلا حذق الأذن للتعبير عما يخالج خاطر أهلها، وقد يعبر عن المعنى الواحد بمجموع كلمات تحفظ كل كلمة في هذا المجموع معناها، كأن يعبر عن (الأسرة) بكلمتي (أب وأم) معاً وبحسب ما يكون من نطق هاتين الكلمتين ووضعهما تؤخذ النسب التي يطلبها المعنى.
2 ـ اللغات المزجية، وهي لغات فيها النسب التي تقتضيها المعاني تكون بضم كلمات إلى الكلمات التي يراد تعلق النسب بها بحيث تحفظ كل كلمة معناها وصورتها الأصليين، ففي هذه اللغة يعبر عن المعنى الذي يعبر عنه بكلمة واحدة بسطر طويل من كلمات مرصوصة، ومن هذا القسم اللغة اليابانية.
3 ـ اللغات الاشتقاقية، وهي لغات تتغير صورة كلماتها بالتصريف، ولكن مادة الكلمة تبقى في جميع الصور حافظة لمعناها، وما طرأ على الصور من التغيير يعين النسب المختلفة في الزمن والعدد والكيفية والنوع. وللغات هذا القسم حروف معان تربط الألفاظ والتراكيب بعضها ببعض. ومن لغات هذا القسم اللغات الأوروبية واللغاة العربية. ومنها لغات هُجِرَ استعمال بعضها كاللاتيني واليوناني فسمِّي ميتاً، ومع موته لم نزل نرى أناساً من أهل الفضل والعلم ينادون بحفظه ويحضون عليه، ومنها ما هو مستعمل ويسمى بالحي كالعربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية. ومنها ما هو أصلي كالعربية والألمانية والروسية، ومنها ما هو ملفق مستحدث كالفرنسية والإنجليزية، خصوصاً الإنجليزية.
وكل قسم من هذه اللغات يقابل طوراً من أطوار المدنية، فاللغة الصينية تقابل درجة مدنية بسيطة، ويستحيل التعبير بها عن الاحتياجات والمعلومات العصرية، وكلما ارتقت أفكار أهل الصين وتقدموا في المدنية أحسوا بعدم كفايتها لمطلوب الوقت فيضطرون إلى تحويلها ـ ولكن تدريجياً بحسب الاحتياج ـ فتكتسب الشكل المزجي وتتعدى الشكل المقطعي.
وكذلك الأمر في كل لغة مزجية فإنها تكون كافية في بدء أمرها للأمة التي اتخذتها، ثم بارتقاء حالة الأمة تصير هذه اللغة غير وافية، فتضطر الأمة لنقل اللغة إلى الاستقامة شيئاً فشيئاً، وكلما أمعنت في الارتقاء بعدت عن الشكل المزجي وتوغلت في الشكل الاشتقاقي الذي هو أوقى أشكال اللغات حتى الآن وأصلحها لمدنية عصرنا.
هذا التغير والتحول في اللغة من طور إلى طور ليس اختيارياً بل تنساق إليه الأمة بحكم الضرورة. ولهذا إذا استعملت أمة متأخرة في المدنية لغة أمة أكثر مدنية منها لا تتغير مدارك هذه الأمة المتأخرة، بل هي تؤثر في اللغة لأنها زائدة عن حاجتها فتغيرها وتجعلها مناسبة لمدنيتها. فإدخال اللغة الإنجليزية في أوغندة مثلاً لا يجعل من أهل أوغندة نوتون وهكسلي، بل تتغير اللغة الإنجليزية في أوغندة بالكلية وتصير لغة تناسب أهلها، ولكن إذا ثقفت عقول أهل أوغندة بلغتهم ونشر التعليم بينهم تزداد معلوماتهم وترتقي لغتهم المنحطة بتعاقب الأجيال وينبغ منهم رجال كما نبغ من غيرهم، ذلك لأن اللغة ما هي إلا ترجمان للأفكار، فكلما ارتقت الأفكار واتسعت دائرتها اتسعت اللغة وارتفعت بارتفاع الأفكار، فاللغة في طوع المدارك العقلية، وليست المدارك العقلية في طوع اللغة.
واللغة الاشتقاقية تكون في طوع مستعملها أكثر من غيرها وكلما كانت اللغة أبعد عن الشكل المزجي كانت أبسط وأطوع وأحكم. وهذا هو المتوفر في اللغة العربية بدرجة لا نظير لها، ولذا عبر الكاتبون بها في جميع الأوقات عن كل ما يقصدون من أدب وعلوم مهما كان تباينها. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى فما من علم إلا ألّف فيه قديماً وحديثاً كتب بالعربية وعلى أسلوب زمن التأليف، وما من جريدة علمية ـ مصرية أو سورية ـ وجد كاتبوها في مبحث من المباحث صعوبة في التعبير.
وإذا قابلنا العربية باللغات الاشتقاقية التي هي أكثر استعمالاً في المعمورة ـ كالإنجليزية والفرنسية ـ نجد أن العربية امتازت بخصائص لا يرتاب أحد معها في أنها أليق اللغات وأكفلها بحاجة العلوم. فمن ذلك سعتها. فعدد كلمات اللغة الفرنسية 25 ألفاً وكلمات اللغة الإنجليزية 100 ألف (على أن معظم هذا العدد اصطلاحات صناعية) أما العربية فعدد (موادها) على قول المطلعين 400 ألف مادة، ومعجم لسان العرب يحتوي على 80 ألف مادة (مادة لا كلمة) ومواد اللغة العربية تتفرع إلى كلمات، فإذا فرضنا أن نصف المواد الواردة في المعجم متصرفة بلغ عدد ما يشتق منها نصف مليون كلمة، وليس في الدنيا لغة اشتقاقية أخرى غنية بكلماتها إلى هذا الحد. وبسبب غنى العربية وسعتها تجد فيها للمعاني الشديدة التقارب كلمات خاصة بكل معنى، مهما كانت درجة التقارب، وبذلك لا يكون محل للالتباس أو الإبهام اللذين هما آفة العلم والأدب.
ومن خصائص العربية تخطيها غيرها من اللغات الحية في طريق الاشتقاق، وتوغلها فيه، حتى صارت بعيدة جداً عن الشكل المزجي الذي لا تزال يقاياه محسوسة في غيرها، مانعة لإحكام التعبير في كثير من المواضع. ففي الإنجليزية أو الفرنسية للتعبير عن حدث يستعمل فعل وللدلالة على المطاوعة لا بد من مساعدة هذا الفعل بفعل مساعد. وكذلك للدلالة على المشاركة أو الطلب أو الأعمال. وهذا تعقيد لا محل له في العربية لأن الفعل الدال على الحدث تتغير صيغته للدلالة على كل ما ذكر، مع بقاء مادة الفعل في جميع الصيغ، وهذا مما يجعل العربية أوسع وأحكم في التعبير، وأبعد عن الشكل المزجي، وأخصر في أداء المعنى. فالفكرة التي يعبر عنها بكلمة (نستمنحكم) مثلاً يعبر عنها بالإنجليزية أو الفرنسية بسطر طويل.
ومن خصائص العربية أن جميع مشتقاتها تقبل التصريف إلا فيما ندر، وهذا يجعلها في طوع أهلها أكثر من غيرها وأوفى بحاجة المتكلمين. فإذا أردنا أن نرتب اللغات بحسب لياقتها للمدنية العصرية والحاجة العلمية من الأدنى للأرقى ، وجب أن نجعل اللغات أحادية المقطع في المرتبة الدنيا، ثم اللغات المزجية، ثم اللغات الأوروبية، ثم اللغة العربية أرقى اللغات وأمثلها للعلم. فهي لغة غزيرة المواد، واسعة المعاني دقيقة المباني، بسيطة، وقد جمعت بين السهولة وإحكام التعبير وهذا ما يطلبه العلم والأدب ويساعد على انتشارهما، لذلك حق القول بأن العربية أليق اللغات بالعلوم والأدب وأكبر عون على نشرهما متى تهيأت الوسائل الأخرى. وما يطنطن به البعض من قصورها، إنما هو جهل بها، أو لغرض يصعب إخفاؤه. وادعاء أن الاستكشافات كثيرة، وليس في العربية كلمات للدلالة عليها، اعتراض ضخم في الظاهر فارغ في الحقيقة، وما مثله إلا كفارغ بندق خلى من المعنى، ولكن يقرقع.
إن هذا الاعتراض يصدق على جميع اللغات، لأن اللغات ما دامت موضوعة فألفاظها إنما وضعت طبقاً لما هو معلوم، لا لما هو مكنون في طي الخفاء والغيب، فكل مستكشف كان غير معلوم ومستكشفه يصطلح له على لفظ يتخذ اسماً له، وباب الاصطلاح ليس مغلقاً في العربية ومفتوحاً في غيرها. ولو أمعنا النظر لوجدنا أنه لا حق أن تدعي بأن اللفظ الذي يوضع اصطلاحاً لمعنى جديد هو من لغة تلك الأمة دون غيرها بعد أن لم يكن في لغاتها، فهل يجوز للإيطاليين مثلاً أن يدعوا بأن لفظ (بوجنفليا) إيطالي في حين أن اللفظ نفسه لم يكن في الإيطالية، وغاية الأمر أن النبات الذي سمي هذا الاسم استكشفه شخص اسمه (جنفل) وضم إليه كلمة (بو) أي جميل وجعله بهيئة الكلمات اللاتينية، وكان ذلك غريباً عن جميع اللغات، ويجوز لأي أمة أن تصطلح على أي لفظ في لغتها لذلك النبات ففي مصر استعمل له لفظ (جهنمية)، من باب الإصلاح للدلالة عليه، وما يقال في هذه الكلمة الاصطلاحية يقال طبعاً في باقي الاصطلاحات، وادعاء العدول عن الفصحى إلى العامية لمثل هذه الاصطلاحات لا محل له، لأن هذه الاصطلاحات التي كانت مجهولة من الفصحى لم تكن معلومة للعامة ومسماة في لغتهم والمعقول أن هذه الاصطلاحات يستعملها العلماء أولاً ثم تصل إلى العامة بنشر العلماء لها وبثها بين الناس.
ثم ما هو المراد بقولهم (اللغة العامية) أهو شيء آخر غير العربية؟ إننا إذا تتبعنا الكلمات والتراكيب العامية لم نجد فيها إلا قليلاً جداً من الكلمات المستحدثة عن الخلط، وهذا لا تتألف منه لغة، ولا يصح بسببه القول بأن لغة فيها نصف مليون كلمة لغة ميتة أو قاصرة وليس فيها ألفاظ تدل على المعاني المستحدثة التي يقتضيها التمدن العصري. نعم إن في العامية كلمات عربية ينطق بها كثير من الناس محرفة، وتراكيب عربية لم تُراعَ فيها القواعد النحوية، ولكنا نجد بجانب ذلك أن هذا التحريف وعدم مراعاة القواعد ليس واحداً عند الناس ولا متفقاً عليه بل كل واحد يذهب فيه ما شاء، فهو مختلف باختلاف الأفواه من غير قاعدة ولا رابطة، شأنَ كل تغير يكون حصل لا عن ضرورة إليه، بل عن الجهل، والجهل لا يكون إلا من عدم التعلم. وبسبب حصول هذه التراكيب على غير قواعد اللغة نرى المتكلم مضطراً دائماً بحسب الموضوع إلى الإشارة باليد والوجه وإجهاد نفسه لبيان حقيقة المعنى المقصود، والكاتب يستعيض عن هذه الإشارة والحركات والإجهاد بتخريج عبارته على مقتضى القواعد فيتأنق في إحكام المعنى وتجويد الأسلوب، وذلك شأن الكتّاب في كل اللغات، فإذا كتبنا باللغة المحرّفة غير مراعين رفع الفاعل ونصب المفعول وجر المضاف إليه، وبغير نظر إلى ما يميز المضارع من الماضي، كانت الكتابة غير مفهومة، وكان ذلك بمثابة العدول بالعربية عن شكلها التي نتبادل بها إحساساتنا وأفكارنا بطريقة محكمة. نعم عندنا طريق آخر هو استعمال الإنجليزية (وهي الجارية في تعبير ويلكوكس) بدلاً من السيدة (أي العربية الفصحى) ولا يكون ذلك إلا إذا دفنا السيدة ـ ولعل هذا ليس هو مقصود صديقي ويلكوكس على ما أظن ـ إلا أن هذه السيدة (أي العربية الفصحى) لا ترضى لنفسها بالدفن وهي حية في عنفوان شبابها، ولقد قاومت كل من أراد أن يذهب بنضرتها وصباها في جميع الأوقات، وهي تملك لمقاومة ما يدس لها دائماً من السموم ترياقاً ـ أو لقاحاً ـ تحفظ به سعتها وكمالها، والقرآن المجيد.
وعلى فرض أننا جمعنا تحريفات العامة وأحصيناها ونظرنا في تشابهاتها ووضعنا لها روابط وقواعد واتفقنا على استعمالها فمن ذا الذي يضمن لنا عدم خروج العامة عنها مدفوعين إلى ذلك بالأسباب التي أخرجتهم عن قواعد لغة القرآن؟
إن تحريف العربية الفصحى عند العامة ناشئ عن أسباب هي عين أسباب التحريف الذي يشاهد الآن في اللغات الأوروبية، وهي أسباب طبيعية يظهر معها التحريف في لغة كل أمة، ولا يستغرب ذلك، وإنما يستغرب عدم مقاومته بما يقاومه به غيرنا.
ثم ذكر أساليب الإنجليز في مقاومة تحريف عوامهم للغتهم بما يلقونه من خطب فصيحة في الأندية العامة والمجامع الأدبية والعلمية، وبما يمثل من روايات بليغة في دور التمثيل لتعتاد آذان العامة على الفصيح فتصحح به أساليبها العامية. وأشار إلى انتشار الصحافة والكتب الشعبية وتوسيع دائرة التعليم بالإكثار من المدارس وبتحفيظ أبنائهم شعر شكسبير حتى عمّ التمثل بها على ألسنة الفقراء والأغنياء والعلماء والصناع والعمال. وقال: ونحن عندنا في مقابل ذلك تحفيظ القرآن المجيد لأبنائنا، وشكا من أن ما يحفظ منه في المدارس يومئذ قليل جداً لا يزيد عن جزء عم وتبارك، والذين يحفظونهما يحفظونهما بغير فهم، أما الشعر العربي الفصيح فقلما يعنى بتحفيظه للنشء.
ثم قال إن من وسائل إنجلترا في مقاومة العامية جعلها التعليم كله بجميع فروعه ودرجاته بلغتها دون غيرها، ولا تجيز لأولادها الشروع في تعلم لغة أجنبية إلا بعد أن يتمكن التلميذ من لغته وتتلبس فكرته بها. وقال: ولا تغتفر بريطانيا استعمال لغة غير لغتها في أية مصلحة من مصالحها، ولا تجيز نشر لغة غير لغتها، وبمثل هذا تقاوم العامية عندهم. قال: ومع كل هذه العناية وهذا الاجتهاد في جميع ممالك أوروبا صغيرها وكبيرها، قديمها وجديدها لمقاومة العامية لا يزال في نطق كثيرين من العامة وأهل الضواحي من الإنجليز وغيرهم تحريف وخروج عن قواعد اللغة يجعل كلامهم غير مفهوم بالكلية إلا عند من تعوده كنطق السين زاياً، واستعمال ضمير من يعقل لما لا يعقل؛ وسوء استعمال أزمنة الفعل، ونطق كلمات على غير ما ينطق به العارفون باللغة مما لا يدخل تحت حصر. ومع وجود هذا التحريف لم نسمع أحداً منهم قال بوجوب استعمال هذا الخلط والتحريف بدل اللغة الصحيحة. وهذا مما يطمعنا في أن نرى تلك الوسائل مستعملة عندنا أيضاً فننتفع بها كما انتفع غيرنا.
30-10-2007
http://islamselect.com
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785