"المعاصرة" في تجربة الفنان التشكيلي فوزي لخليفي الملقب "بأل سيد"
ابراهيم بن نبهان - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5204
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
وضعت كلمة معاصرة بين ظرفين، لأنه في واقع تعاملنا مع هذا المصطلح و خصوصا في الفنون التشكيلية، لا نفرق بينه و بين مصطلحات أخرى قريبة منه. و هذا على الأقل في سياق الكلام اليومي، لكن المسألة تكون بسيطة إذا توقفت عند هذا الحد، ولكن هذا الخلط نجده حتى في كتابات المختصين، و خاصة في ترجماتهم الحرفية لبعض المفاهيم المستعملة في اللوغات الأخرى " الغربية"
فالأمر مخالف في ثقافات وحضارات أخرى مثلا في الغرب الأمر تم الفصل فيه، و حدد و ضبط معني كل مفهوم، ولهذا عندما يتكلم المختص أو المنظر أو الناقد الكل يعطي عموما نفس المضمون لنفس المصطلح، ولهذا و بهذا يكون التناغم في الاهتمام على الأقل. بمعني أخر عندهم، هذه المفردات لم تعد كلمات عابرة بل أصبحت مفاهيم يطبقونها و يسيرون عليها في جميع مجالاتهم و خصوصا الفنية الثقافية و العلمية.
لقد وجد الفنان التشكيلي العربي نفسه، أمام عدة خيارات لمنح الإبداع التشكيلي، خصوصيّة المعاصرة، ووضعه في صبغه الإرث الحضاري الكبير الذي ينتمي إليه، وفي نفس الوقت، إعطائه ملامح اليومي، مضمناً إياه في الوقت نفسه، رؤاه ومواقفه الذاتيّة، مما يجري حوله من تحولات مختلفة، سواء اجتماعّية أو اقتصاديّة أو سياسيّة، وفق الثقافة النظريّة والبصريّة.
أل سيد : منظر المدينة يتغير اسرع من قلب الإنسان . صورة لوحيد بالرحومة
Quai d'Austerlitz/Pont de Bercy - Paris 13
في نطاق الفن المعاصر برزت نزعة البحث لدى الفنان التشكيلي العربي، لتحقيق الصيغة الأفضل، للتوفيق بين ثقافته العربية الإسلامية وتقنيات عصره، لإبراز وتطويع صيغة إبداعه الفني ولإقامة حالة عالية من التوافق بينهما، و للدخول في النطاق العالمي من المعاصرة. في هذا الاطار يمكن لنا تسليط الضوء على الفنان التونسي الأصل فوزي لخليفي الملقب "بال سيد"، هو فنان يبدع من خلال ماضيه يحيي الأماكن المنسية في خضم التاريخ و يعاشرها بفن الكليغرفتي مازجا الخط العربي بفن الشارع غرافتي ليدرك هدفه التشكيلي و الثقافي و المعرفي. فهو يدرك خصوصية المكان ليبث رسالة إنسانية تعبر عن الهوية العربية و يذكرنا في كل عمل من أعماله بزمنية العمل الفني و زمنية المكان من ليبوح من حيث لا ينطق بجذوره العربية. ففن الكليغرفتي العربي يعتبر وجهة من الأساليب الفنية المعاصرة التي شهدت انتشارا عالميا. فالفنان "ال سيد" يخترق الحاضر من خلال خصوصية الخط و يدرجه في نطاق عمل تشكيلي يتضمن رسالة كونية تعبر عن الهوية العربية من جهة و الهوية الفنية من جهة ثانية. فنقاط الفصل و الوصل بارزة على الجداريات التي ينجزها من خلال وعيه الكامل بأهمية التشكيل الذي يقوم به. ان فن الكليغرافتي يمثل تجسيدا لخصوصية الفنان و تعريفا بالمكان و تخليدا له حاضرا و مستقبلا. فما يلفت الانتباه، أن الفنان العربي المعاصر استبعد الاتجاهات الطارئة والعابثة، بوعي والتزام ذاتي، وما يعيشه الفنان ال سيد اليوم في تجربته الفنية ، من حراك البحث عن التمايز والخصوصيّة المحليّة من جهة و العالمية من جهة ثانية، يعتبر من المظاهر الفنية المعاصرة. الأمر الذي جعل منه يبحث عن الخصوصيّة التشكيلية والتفرد في الإنتاج التشكيلي، من أجل الخروج من البديهي، وتحقيق منجز فني بصري معاصر، بعيداً عن الاستنساخ و الاستئصال الفني، والتكرار الآلي، والتقليد الأعمى. منجز تشكيلي يحمل نبض الماضي و الحاضر و المستقبل الذي يطل عليه، ويحمل في الوقت نفسه، نبض العصر الذي يعيشه ومن اجل ان يثبت أعماله في التاريخ الإنساني و في هذا الإطار يمكن لنا الاستناد إلى مقولة كلايف بل في كتابه الفن" فان لي إذن أن أؤكد أننا لكي نقرأ التاريخ قراءة صحيحة فلا بد لنا من ان نعرف الأعمال الفنية التي أنتجها كل عصر"
----------
المراجع:
كلايف بيل ، الفن، ترجمة د, عادل مصطفي، رؤية للنشر و التوزيع،2013 ص،130 .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: